|
مصطلح الثوابت الإسلامية
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4057 - 2013 / 4 / 9 - 23:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تتميز المجتمعات الحديثة بالمقارنة مع نفس هذه المجتمعات قبل خمسين سنة ماضية أو تزيد بخاصية أثبتت فائدتها للمجموع العام للشعب من جهة، وخطورتها من جهة ثانية على التوجهات الدينية المحافظة والأنظمة السياسية الأحادية. فسرعة نقل المعلومات، وما يستتبعها من تبادل معرفي وثقافي ومعياري بين المجتمعات المتباينة عقائدياً وفكرياً، جعلت المجتمعات الحديثة مفتوحة تماماً لكل فكرة أو رأي أو عقيدة أو ثقافة أو معيار. فبغض النظر عن المحاولات الرسمية، الحكومية أو الدينية، لممارسة أنواع مختلفة من الرقابة المتعددة على وسائل تبادل المعلومات والتي أثبتت التجربة فشلها الذريع على أكثر من محور، فإن المجتمعات أصبحت متأثرة بالآخر المختلف عنها بصورة تتزايد مظاهرها كل يوم، وأصبح الآخر المختلف عنها إما فاعلاً فيها أو منفعلاً بها. هذا يبدو جلياً واضحاً، إذا تم التركيز على مجتمعات الشرق الأوسط الإسلامية، من خلال ملاحظة بروز مواقف ومظاهر للتمدن، ومعايير للجمال والفنون، ومعايير العلاقات الاجتماعية وتفاعلها، ومعايير للتفاعل السياسي الداخلي، ووسائل الحراك السياسي الشعبي، وغيرها كثير كانت كلها شبه غائبة عن هذه المجتمعات منذ فترة قصيرة ماضية. وقِصَر المدة في حدوث التغيير في حد ذاته هو دليل بارز على الفاعلية المؤثرة لـ(سرعة نقل المعلومات) التي تتميز بها مجتمعاتنا اليوم والتي أثَّرت على (الضمير الفردي)، ومنه على (الضمير الجمعي) للمجتمع ككل.
فـ "الضمير" الفردي هو المستهدف الحقيقي في هذا الفضاء الاجتماعي الجديد، ولهذا السبب فإن علاقة المعايير والقيم الدينية في تشكيل هذا الضمير الفردي أصبحت مستهدفة بالتبعية. إذ أن العلاقة الفردية بالدين هي علاقة ذات بُعد عاطفي بالدرجة الأولى، وبُعد أخلاقي لا يقل أهمية، بل هو يتفوق على البُعد الأول ويتجاوزه في خطورته. وبما أن هذين البُعدين، العاطفي والأخلاقي، هُما ذوي أثر مهم في تشكيل (الضمير الفردي) للإنسان (المؤمن)، وبما أن هذا الضمير هو المسؤول عن (نوعية الأفعال أو المواقف أو الآراء) في مجال العلاقة بالنفس وبالآخر على حد سواء، فإن حدود ما هو (مقبول) وما هو (غير مقبول)، كما يصورهما الضمير المُشكّل بمعايير المجتمع والدين، أصبحا اليوم غير محدودين بهذين العاملين فقط، ولكن أيضاً متأثرين بمعايير الثقافة المفتوحة على الآخر المختلف عقائدياً وفكرياً والبعيد عنه جغرافياً. هذه المشاركة الآتية من خارج الإطار التقليدي في تشكيل ضمير الفرد والجماعة هو حقيقة الصراع الديني مع كل التوجهات الفكرية الأخرى. وبسبب هذا الصراع على تشكيل الضمير في المجتمعات الإسلامية، تم اختراع مصطلح كان غائباً تماماً عن دائرة الأدبيات الدينية السابقة، وهو مصطلح (الثوابت الإسلامية). والغرض الحقيقي من استخدام هذا المصطلح من جانب التوجهات الدينية هو مواجهة أو منع أو معاكسة الأفكار والمعايير المتبادلة بصورة حرة وسريعة ضمن الفضاء الالكتروني، ومن دون الحاجة في أغلب الأحيان إلى الخوض في التفاصيل الدقيقة لموضوع هذا الاعتراض، وإنما الاكتفاء بالإحالة إلى مخالفتها لـ (الثوابت الإسلامية).
عند التمعن في محتوى مصطلح (الثوابت الإسلامية) نجد أنه على الحقيقة مصطلح لا يملك تعريفاً دقيقاً، كما أنه لا يملك حدوداً واضحة. فـ (الثوابت الإسلامية) تختلف اختلافاً شاسعاً بين شخص وآخر، تماماً كما هو الحال بين جماعة وأخرى. فما يدخل عند جماعة أو فرد تحت هذا المصطلح، يخرج منه عند آخرين وبرحابة صدر منقطعة النظير [خير مثال هو تفاصيل الصراع السني – الشيعي على سبيل المثال]. ففيما عدا الذات الإلهية وشخص النبي محمد، كل شيء آخر، وتقريباً بلا استثناء، يكون قابلاً للدخول أوالخروج من هذا المصطلح. وبسبب هلامية هذا المصطلح نجد أن تاريخ العشرين سنة الماضية فقط حملت الكثير من صور الصراع الديني الذي لا يحمل أي مضمون حقيقي ولكنه يتم ادراجه قسراً تحت مصطلح الدفاع عن (الثوابت الإسلامية). فتاريخ العشرين سنة هذه ينقل لنا صوراً لاستخدام هذا المصطلح، مصطلح (الثوابت الإسلامية)، في الاعتراض المتشنج الهستيري على تصوير فاصل غنائي راقص ظهر في خلفيته البعيدة مبنى لمسجد، والاعتراض على إلزام طالبات في كلية الطب خلع نقابهن عند دخولهن المختبر، وتحريم قيادة المرأة للسيارة، والصراع السلفي - الأشعري على نقاب المرأة، ورفع قضية قضائية في ماليزيا من جانب المسلمين يريدون فيه احتكار اسم (الله) ومنع باقي الديانات من استخدام هذا الاسم بالذات، والاعتراض على الحفلات التي تقيمها المسارح والفنادق بسبب مناسبات معينة، والاعتراض على تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، بل تم الاعتراض على حفلات وزارة التربية التي تقيمها المدارس الابتدائية والمتوسطة في المناسبات الوطنية أو التفوق الدراسي، وتم استخدامه أيضاً في تعريفات متعددة لِما بات يُعرف بـ (الظواهر السلبية)، واستخدم هذا المصطلح أيضاً في الصراع الشيعي – السني في مجتمعات متعددة، وتم توظيف هذا المصطلح (مع) أو (ضد) الأنظمة السياسية الحاكمة في الوطن العربي معاً في آنٍ واحد، ونرى هذا المصطلح بارزاً أيضاً في محاولات نقد التاريخ والمفاهيم الفقهية وسبب نشوئها، وتم استخدام هذا المصطلح أيضاً في معارضة السياق الفكري والثقافي لكُتّاب وأدباء ومثقفين يرى التيار الديني فيهم تهديداً جدياً لسطلتهم الفاعلة، وجرى استخدام هذا المصطلح في التحريض السافر إلى حدود التصفية الجسدية لكل من يخالف بعض التوجهات الدينية. تلك الأمثلة، ضمن كثير غيرها، تبين مدى "الحرية"، إن صح هذا التعبير، من جانب الحركات الدينية في استخدام هذا المصطلح لصالح فرض رؤيتها على المجموع العام. وهذا وضع يجب أن يتم النظر فيه بجدية وبروية لتقنينه.
آن الأوان لنقد مصطلح (الثوابت الإسلامية) نقداً عقلانياً، واعياً ومركزاً، يضع لهذا المصطلح تعريفاً محدداً وواقعياً، وينفي عنه كل ما هو غير واقعي، ويُقلِّص استخدامه بصورة جذرية وكبيرة لصالح زيادة المساحة التفاعلية لمفاهيم وعقائد الإسلام وجعلها قابلة للحوار والنقد والمناقشة بشأنها. لابُد من ترسيخ مفهوم (نقد الإسلام)، كدين وكمعتقد، في الذهنية الاجتماعية العامة للشعوب المسلمة. إذ أن الإفراط في استخدام مصطلح (الثوابت الإسلامية) بصورته الحالية الهلامية سوف يعود سلباً على الدين الإسلامي ككل. فلن يقف العالم كثيراً أمام مظاهر التعصب أو مظاهر الحماية المفرطة للدين، ولكنه سوف يتجاوزه ليتركه مهزوماً خلفه. فالقضية المطروحة هنا، وهي التفاعل الفكري والثفافي العام والشامل من خلال وسائل نقل المعلومات المتوفرة اليوم في كل بيت، هي قضية واقعة فعلاً في المجتمع ولا يمكن بأي حال من الأحوال وقف تأثيرها في تشكيل ضمير الفرد والمجتمع لصالح معايير أكثر عقلانية وانفتاحاً ومرونة. نعم، هذا يعني أن سلطات رجال الدين سوف تتقلص كثيراً وتتضاءل. ونعم، سوف يرفضون هذا ويهاجمونه. ولكن كما خضعوا في أمور كثيرة أخرى، فإنهم في النهاية سوف يضطرون إلى قبول تأطير هذا المصطلح ضمن أطر واقعية ومحددة ولا تشتط بعيداً في الرفض والعداء.
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يسوع والمسيحية والمرأة – 2
-
يسوع والمسيحية والمرأة - 1
-
من تاريخ التوحش المسيحي – 2
-
من تاريخ التوحش المسيحي
-
الازدواجية في الذهنية الدينية ... الموقف من نوال السعداوي
-
في الاستعباد كنزعة إنسانية متأصلة
-
الأحاديث الموضوعة كأداة لتصحيح التاريخ
-
مشكلة الإيحاء الجنسي في إنجيل يوحنا
-
صراع
-
معارك الله
-
مقالة في طقس الإفخارستيا – أكل الله
-
رقص الجريح
-
المسيحية وحوادث أكل لحوم المسلمين
-
في مشكلة تعاليم يسوع الإنجيلي
-
إشكالية العقل السلفي العربي
-
في طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة
-
عندما نفقد خارطة طريقنا
-
مشكلة اليهودية والجغرافيا عند كتبة الإنجيل
-
من إشكاليات قصة يسوع الإنجيلي
-
التناقضات الأخلاقية عند يسوع الإنجيلي
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|