توماس برنابا
الحوار المتمدن-العدد: 4057 - 2013 / 4 / 9 - 18:12
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
من حوالي عشرة سنوات ، جاءتني فكرة أن أدرس اللاهوت المسيحي للتعمق في الدين. وقد كان! والتحقت بإحدى كليات اللاهوت الانجيليية البروتستانتية التي كانت متطلباتها بسيطة وهي حد أدني تعليمي دبلوم فني ؛ تجاري أو صناعي أو زراعي! بالاضافة الى سماع إختبارك المسيحي من خلال مقابل شخصية تذكر فيها الهدف من الإلتحاق بالكلية! وتم قبولي والتحقت بإحدى الكليات!
ورحت أدرس بعمق وإستفاضة وكنت أقرأ عشرات الكتب الاضافية في كل تخصص ، إضافةً على الكتاب المقرر! وقد كنت دائماً الاول وبإمتياز! وهذا ليس لتفوقي ونبوغي بل لأني الوحيد الحاصل على تعليم عالي بين الطلاب في الاربع فرق جميعهم! فلقد كان الجميع من حملة الدبلومات الفنية الذين ملوا مهنهم وحرفهم وأرادوا أن يصبحوا رجال دين مسيحي!! ولقد لاحظت أن المواد ؛ وبرغم تَسهيلها الشديد من قبل الاساتذة تبدو صعبة جداً على أذهان هؤلاء الطلاب. وتمادياً فى الامر لإنجاحهم بأي طريقة كانت معظم الامتحانات open- book exams حيث تفتح الكتب للإجابة عليها وقت الامتحان!!، والتمادي وصل لدرجة أمتحانات منزلية Take-home exams حيث يؤخذ الامتحان للبيت للأجابة عليه كيفما يرى الممتحن!! ورغم كل ذلك وأجد التذمر بين الطلاب لصعوبة الامتحانات ويجب على الاساتذة التهاون فى الابحاث المطلوبة وأن يراعوا ظروفهم فبعضهم موظف والبعض يعمل أعمال حرة!!
وكنت أرى أهوال لم أراها في الكليات المدنية ؛ حيث يطالب الطلاب الملاحظ أن يسمح لهم بالغش! فهو قسيس وهم سيصبحون قسوس! وسيدعوا بعض فى الكنائس لإلقاء خدمات وعظات دينية وبالطبع سيأخذون المقابل المادي! (يعني نظام نفعني وهأنفعك ؛ وأنا محتاج أنجح دلوقتي ودا هيحصل لو سمحت لي بالغش!) . وكنت أرى المناضد التى كنا نمتحن عليها بعد الامتحان، مكتوب عليها برشام! وكنت أرى من يُخرج البرشام من جيوبه! وحينما فاض بي الامر ، صحت في الملاحظين إن سُمح بالغش ، فلن أمتحن!! فكان من الملاحظين أن منعوا الغش، وبالطبع أصبحت مكروهاً ويُحذّر التعامل معي من قبل الطلاب!! وحينما أشتكيت لرئيس الطائفة وكيف لرجال دين أن يفعلوا هذه الامور؟!، فقال لي يا توماس فتحات غربالك أوسع من فتحات غربالهم!! فذهلت من هذا الرد الغريب الحكيم وأكتفيت به! وهو من ضمن الاسباب التى حثتني على التعمق أكثر فى الاديان ومدى فعالياتها في تغيير النفوس والطبائع؟! وقد رأيت أن من غشوا فى الامتحان ، عُينوا لرعاية كنائس جديدة تم أفتتاحها! كيف يمكن مكافأة المذنب؟! لست أعلم ، رجال الدين أعلم! فالقدرة المرنة على التعامل مع الظروف والناس حتى ولو ضربت بالقيم عرض الحائط، يبدو إنها من متطلبات المهنة... مهنة قسيس أو راعي كنيسة!!!
ومن معرفتي المتواضعة أعرف أن أي كلية لا يمكن أن تحصل على إعتماد الا بوجود هيئة تدريس من حملة شهادات دكتوارة الفلسفة والماجستير، وعلى الاقل حامل دكتوراة واحد لكل تخصص أو قسم علمي. وما دُهشت له أني لم أجد حامل شهادة دكتوراة PhDواحدة في االكلية بأكملها ولا حتى ماجستير!! وكانوا يدعون للتدريس أطباء وصيادلة ويدعونهم دكاترة!! ومن حين لأخر كنا نجد محاضر ضيف حامل لدرجة دكتوراة فلسفة فى إحدى المواد! وقد كانت المواد تضم مواد تربوية، وعلم نفس، وخطابة وموسيقى ، وترنيم، وفلسفة ، وبحث علمي ، ولغات مثل العربية والعبرية واليونانية والانجليزية وما يخص الديانة المسيحية فى العهد القديم والعهد الجديد مما يندرج تحتها الكثير من المواد. كيف يمكن لكلية مثل هذه ترى أن الخبرة فى الخدمة والوعظ تكافئ الدرجة العلمية مثل الماجستير والدكتوراة، أن تُعتمد؟! ففي الحقيقة أن ما يحدث في مثل هذه الكليات لهو لعب في تمثيل! دون دراسة أكاديمية حقيقية!
أولاً : الطلاب غير مؤهلون عقلياً لدراسة هذه المواد لأن أغلبيتهم حاملي دبلومات فنية!! ثانياً: لا يوجد هيئة تدريس علمية للتدريس يمكن الاعتماد عليها في تخريج رجل دين يتحكم في تهيئة عقول المسيحيين من أميين و مثقفيين سيجلسون لسماع عظاته فيما بعد!! فهيئة التدريس هي مجموعة من القسوس الكبار في السن، يقال أن لهم خبرات، ولا أعلم كيف لخبرات فى الرعاية أن تؤهل للتدريس في كلية مواد لم يٍَِِدرسونها هم من قبل!! وهذا الامر وأقول ولا أكذب في كل كليات اللاهوت البروتستانتية فيما عدا المشيخية! فنجد الرسولية ونهضة القداسة والايمان والخمسينية وغيرها بنفس السمات المرفوضة...!
كيف يمكن لخريج هذه الكليات أن ينال درجة علمية تسمى بكالوريوس في العلوم اللاهوتية! إن هذا إمتهان لكرامة ومكانة هذه الشهادة العليا. ولذلك أنا أطالب بالاتي: إعتبار كليات اللاهوت ما هي الا مدارس ثانوية تؤهل للدخول للجامعة بالنسبة لحملة الدبلومات من طلبة اللاهوت.... والا إلغاء كليات اللاهوت فى مختلف الطوائف المجمعية وتوفير واحدة فقط للدراسة لمجمل الطائفة الانجيلية البروتستانتية وهى كلية اللاهوت الانجيلية المشيخية لإنها الكلية الوحيدة العلمية أي (مليئة بالحاصلين على درجات الماجستير والدكتوراة من هيئة التدريس وهذا بعكس الكليات الاخرى التى ليس بها أي من الحاصلين على الماجستير أو الدكتوراة) وهى تشترط الحصول على بكالويوس أو ليسانس للإلتحاق بها.. أما الاكليريكيات الارثوذكسية فالحق يقال أنها مليئة بحملة دكتوراة الفلسفة وتشترط للألتحاق بها بكالوريوس او ليسانس ويمكن أعتبار المتخرج منها خريج بحق بالاضافة لكليات اللاهوت الكاثوليكية فهي لا تُخرج أحد والا يُصبح فعلاً مؤهلاً ليكون داعية من ناحية الدين، ومثقف في أمور كثيرة تجعله مؤهلاً للتعامل مع طبقة المثقفين في المجتمع المسيحي!!
وأيضا أنا من هنا أنادي بإستخراج رخصة لمزاولة الخدمة المسيحية تشترط الحصول على بكالوريوس مدني وأخر ديني...وأيضاً نداء لوزارة التعليم العالي للإشراف المباشر على كليات وإكليركيات اللاهوت... فقد أصبحت مهنة رجل الدين المسيحي مهنة من لا مهنة له!! فلا بد من حماية عقول الشعب بالإعداد السليم للدعاة! ولا يمكن أبداً السماح للعامة أن يتفرغوا للخدمة الدينية دون إعداد فهناك في العالم المسيحي البروتستانتي نجد شخص لا يعمل أو فشل في عمله أجده يقول ( الرب شاغلني أتفرغ للخدمة) والمشغول مُفرغ عقلياً وعلمياً و غالباً مهنياً...!!! ليعمل في الوعظ والارشاد، المثل يقول فاقد الشئ لا يعطيه ، فكيف لهذا الذي فشل في حياته الاكاديمية والمهنية أن يعظ الشباب والشبات الجامعيين ، بل كيف يخاطب المثقفين من حملة الشهادات العلياً!!!
وبرجاء ، الرجاء عدم تمجيد الجهل بترديد أيات مثل (بل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء و اختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء (1كو 1 : 27) ) ، فلما راوا مجاهرة بطرس و يوحنا و وجدوا انهما انسانان عديما العلم و عاميان تعجبوا فعرفوهما انهما كانا مع يسوع (اع 4 : 13) ) لآنه أيا كان معني هذه الايات ومثيلتهما فلن يكون معناهما السماح بالجهلة بإعتلاء المنبر وتعليم المثقفين!!
وهذا الامر مثيله تماماً يحدث في الوسط الاسلامي! حيث يقبلون الراسبين في الثانوية العامة ومن حملة الدبلومات للالتحاق بمعاهد اعداد الدعاة! وغير ذلك فنجد الكثير من يعتلي المنبر دون إعداد ويصبح شيخ ومسئول مسجد بقدرة قادر!
#توماس_برنابا (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟