أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبري المقدسي - دور الثقافة والدين في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته















المزيد.....

دور الثقافة والدين في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته


صبري المقدسي

الحوار المتمدن-العدد: 4056 - 2013 / 4 / 8 - 12:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دور الثقافة والدين
في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته
يصف علماء الاجتماع، الانسان بأنه الكائن الثقافي المتديّن بالطبع، وذلك لكونه فريد في مقدرته على النطق والكتابة والتفكير، وتطوير عالم الأفكار الثقافية والروحية. وهو بحسب علماء الاجتماع، ميال بغريزته الى أن يكون صاحب ديانة أو نظام روحيّ. ولذلك يجب الحرص على فهم الانسان من هذا المنطلق، وعدم تهميش الجانب الثقافي والروحي فيه، وعدم تحريمه من الحرية في التفكير والتعبير عن نفسه، وعن الامور الثقافية والروحية.
وكما ان الديانات لم تأتِ لتحط من قيمة الانسان وطموحاته، بل لتسمو به، ولتحفظ كرامته وكرامة الانسانية. كذلك الثقافة التي بدأت اليوم أكثر من أي وقت آخر بإعادة تشكيل مفاهيمنا وخياراتنا وأذواقنا وسلوكنا اليومي، بشكل أكبر وأسرع من ذي قبل.
فعلى الدين وعلى الثقافة أيضا مسؤولية أخلاقية جسيمة ومشتركة. غرضها خير الناس، وتقريبهم من بعضهم البعض، وزيادة وعيهم وقابلياتهم وثقتهم بأنفسهم. ولا يتم ذلك إلا بتشكيل حملات جديّة وحقيقية، لإزالة العقبات الرئيسية: كالجهل، بمحاربته في جميع أنواعه وأشكاله ومجالاته. والاستبداد، ومحاولة إيقافه بالموعظة الحسنة والطرق السلمية أو بالطرق الأخرى الممكنة. والخوف والخجل، العدوان اللدودان الذان يقبعان على صدورنا، ويجعلان من مجتمعاتنا، عبيدا للتقاليد القديمة خوفا من التغيير، وخجلا من الآخرين. بالاضافة الى رفض ثقافة الممنوع والمحرّم التي ورثناها، والتي بقيت حاجزا ضد التقدم والابداع في مجتمعاتنا الشرقية لقرون عديدة.
ولما كانت الثقافة الضامن الرئيسي الوحيد لتحضر الأمم، والمظهر الأكمل للرقي والازدهار، والعامل الديناميكي الوحيد الذي يستطيع تحرير الانسان، وإنقاذه من حالة الرتابة والجمود والكسل. فهي إذن لا تختلف في مفاهيمها ومنطلقاتها ودلالاتها عن الدين في رسالته الجوهرية. إذ يدعوان كلاهما الى التربية والتهذيب والاخلاق، والى إعادة بناء الفرد والمجتمع الحضاري الصحيح.
ولا شك في أن الدين له حكمته وفلسفته الخاصة به، كما أن للثقافة حكمتها وفلسفتها الخاصة بها. فلا يمكن للدين والثقافة أن ينفصلا عن القيم والأخلاق. فإذا أنحرف الدين عن مساره، وأنقلب على أصوله، فلا يكون إلا مصدرا للتخلف والانحطاط. وكذلك الثقافة، فإذا انحرفت عن مسارها ولا سمح الله، فإنها تتحول الى ثقافة منحرفة ومزوّرة، لا تنتج سوى متعلمين، وتصبح بالتالي من دون أصالة حقيقية. ولذلك فعلى الثقافة أن لا تبعد الدين عن موضوعاتها، وكذلك الدين عليه أن لا يبعد الثقافة عن مجالاته الروحية والتراثية.
ولقد جاهدت الأديان منذ مجيئها جهادا حقيقيا لتأسيس الحضارات، وعملت بجد وإخلاص في صنع الثقافات الكبرى، التي رفدت الحضارات البشرية بالمعارف والعلوم والقيّم والاخلاق. ولا غرابة في أن تتشابه فيما بينها، وخاصة في جوهر رسالتها التي تكمن في حث البشر الى التقارب والعمل والبناء، والإستزادة من العلم والمعرفة، والتحكم في القيّم والاخلاق.
فالدين إذا قلب الثقافة النابض، فهو يدخل في جميع مجالاتها الحيوية. والثقافة أيضا هي لسان الدين وفكره الحيّ. وكما أن المجتمعات البشرية لا يمكنها أن تعيش من دون حضور حقيقي للدين كمصدر يوفر القيّم الضرورية للمجتمع، هكذا بالنسبة الى الثقافة التي لا يمكن للمجتمعات البشرية أن تحضى بوجود حضاري متمدّن من دونها.
وإنه لمن الطبيعي وجود التوتر والخلل في العلاقة بين الثقافة والدين. لأن الصراع القائم بينهما، أمر واقع لا يمكن نكرانه. ويبلغ الصراع أشده في مجتمعاتنا الشرق أوسطية، وخاصة بين الثقافة من جهة، وسيادة الدين على معظم المرافق الحياتية وإحتكاره لها من جهة أخرى، هذا بالإضافة إلى الصراع بين الثقافة الحديثة والثقافة التقليدية القديمة.
فلا بد إذن من السعي الحقيقي والصحيح لفهم الدين ولفهم الثقافة فهما صحيحا. والاقرار بوجود الصراع بينهما. إذ لا يمكن حل الاشتباك من دون تشخيص السبب، ولا يمكن إعطاء الدواء والعلاج الناجع من دون معرفة وتشخيص المرض. فالعلاج الامثل في هذه الحالة هو القبول بتجديد الدين والثقافة معاً، وجعلهما مناسبين لمواكبة واقع العصر وظروفه وتغيير واقع الحياة ومتطلباتها. مع خلق الاجواء الديمقراطية والحرّة لكليهما، وإنشاء السُبل التي تهتم بالشأن الثقافي والديني معاً في مهامهما بحرية وديمقراطية، ومن دون رقابة حكومية أو إرهاب ديني. لأن وجود الحرية الحقيقية، ضرورة حتمية تؤثر على وجود الثقافة الحقيقية، وعلى صيانة مقدساتها بصورة حقيقية.
من الواضح أن الحياة الراهنة لم تبق في إطارها التقليدي القديم، بل أصبحت حياة متغيّرة ومتطورة في كافة المجالات. ولذلك لا يمكن للدين أن يبقى كما كان في القديم. فإذا لم يتجدّد ويتطوّر، تراكم عليه الغبار، وأصبح شيئاً من الماضي العتيق. وكذلك الأمر بالنسبة الى الثقافة التي يؤكد العلماء والمختصون على استمرارية تجددها وتحديثها لكي لا يبقى الانسان أو المجتمع سجين ثقافة محدودة ومنغلقة، بل لكي يكون منطلقا مع ثقافة تنسجم مع كرامته الشخصية وطموحاته المستقبلية.
فمن الضروري إذا إنقاذ الدين من جموده وقيوده التاريخية وإنقاذ الثقافة أيضا من التعلق الشديد بالتاريخ والمواريث القديمة والتراث الجامد. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بإعادة تفسير الدين، وتأويله وفقا لمنطق العصر وضروراته. وبالتأكيد على أهمية العلاقة الروحية والإيمانية بالله، والفصل بين مفهوم الدين والدولة بكافة الانشطة والمظاهر كما حدث في اوروبا وأمريكا ومعظم الدول المتمدّنة التي حققت نجاحا باهرا في هذا المجال.
ولعل السبب الرئيسي في نجاح الدول الأوروبية هو أنها أعطت القيمة العليا للثقافة والدين، ورفعت من شأنهما معاً. مع أن البعض يتصور أن في العلمانية طعن للدين وتهميش له، إلا أن الحقيقة غير ذلك، لأن الدين يبقى في ظل هذا النظام، مُحافظا على قيمته الأخلاقية وقدسيته الروحية، ومساهما بصورة جدية وعميقة في النهضة الحضارية والفكرية الحديثة. ويكون حينئذ فقط في مقدوره القيام بدوره الحقيقي الذي كان غائبا ولقرون عديدة.
وعلى اية حال، فإننا في أمس الحاجة الى النهضة والاصلاح الديني والثقافي، وتجاوز الفهم الأحادي والمتعسف لقيم الدين، والطعن المقصود والمباشر بالثقافة والمثقفين. فالإصلاح ضروري للدين لإنقاذه وتحريره من الجمود والقشرية. كما هو ضروري أيضا للثقافة لإعطائها الدافع القوي في النهوض والتطور والتخلص من التبعية للسلطة والتقاليد البالية. وما يصيب الشرق الأوسط من جمود وتخلف هو نتيجة من نتائج الجمود في الفكر الديني، وتحجر رموزه الشخصية والدينية والثقافية.
فالدين والثقافة إذا أمران متشابهان. إذ لكل منهما، دوره العظيم في خدمة الانسانية. فمن الممكن أن يعملا معا في نشر القيم والاخلاق الحميدة. لأنهما كلاهما يدعوان الى الاخلاق الصحيحة، والسلوك الحسن، والعمل النظيف، مع نشر ثقافة الاحترام للإنسان وفكره وحضاراته. وكلاهما يدعوان كذلك الى تنمية وتهذيب الشخصية الانسانية المثالية، والى فهم الحقائق الانسانية، من تنظيم العائلة والمجتمع البشري الواحد.
ولا بد من التنويه على أن الدين والثقافة لا يمكنهما أن يعملا من دون وجود الدور الحقيقي للدولة، ولاسيما في التربية والتعليم التي هي من أهم الوسائل المؤثرة لخلق مجتمع متآخ ومتسامح. إذ يجب على الحكومات أن تقوم بدورها في هذا المجال، وذلك بدعم برامج البحث التربوي والعلمي، من أجل العناية بالانفتاح على الثقافات الأخرى، وقبول الاختلاف، ومنع الصراعات أو حلها بالوسائل السلمية والسليمة.
وما يجري الآن في كردستان العراق هو في الحقيقة، الإنموذج الأمثل في الشرق الاوسط من تأسيس للنظام الديمقراطي الحرّ، وإعطاء الفرص في التعبير والتفكير وبناء الذات، وخلق الثقافة التسامحية مع الآخر، وإحترام الأديان من دون تمييز أو تفرقة. وما نتمناه يوما أن تنتشر هذه الثقافة في عموم العراق والدول الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي، وذلك لخير شعوبها وتطوّرها وتمدنها.

صبري المقدسي



#صبري_المقدسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور الثقافة والسياسة في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته
- فكرة تأسيس النظام العالمي الجديد
- الربيع العربي ثورة شعبية ام ثورة عابرة
- الجهل: هذه الآفة اللعينة


المزيد.....




- الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج ...
- روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب ...
- للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي ...
- ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك ...
- السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
- موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
- هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب ...
- سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو ...
- إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبري المقدسي - دور الثقافة والدين في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته