|
نحو اعادة دور المثقف
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4055 - 2013 / 4 / 7 - 19:27
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
المثقف أو مجتمع النخبة ، مصطلح براق ومغر ، وكثيرا ما انجذب الى ايقاعه الكثير ممن حلموا بهذا اللقب الفخري ، وهو لقب ثقيل لو يعلمون ، ومسؤولياته صخمة . وقد تناوله تقريبا كل المشتغلين بحقل الثقافة ، كل من منظوره ، بل انه استطاع في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي أن يشكل موضة الكتابة عند جل فراشات الثقافة العربية . وعندما اصدر المفكر اللبناني القدير علي حرب كتابه حول نقد المثقف الذي يدخل ضمن اطروحة ضخمة تنضوي تحت مفهوم النقد ، باعتباره الآلية الصحيحة للنهوض بالثقافة العربية وواقعها الذي تحاول مقاربته ، فانه كما يقول في مقدمة طبعته الثانية لهذا العمل الهام أراد أن يزيح بعد اللغط وبعض الترسبات حول اجرائية هذا المصطلح الذي دخل جحر الأزمة في عالمنا العربي "والمقصود بالأزمة فقدان المصداقية الفكرية والفاعلية النضالية،" كما يقول نفس المفكر ، وهو هنا يلقي بمجهره حول مقال للمفكر المغربي محمد سبيلا في كتابه "للسياسة ، بالسياسة ..." ،وخاصة في المقال المعنون ب"أوهام الساسة وأوهام المثقفين " ، ولن نعدم كتابا ومفكرين ومهتمين يتناولون موضوعة ازمة المثقف في العالم العربي . لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا استمرت أزمة المثقف العربي كل هذا الردح من الزمن ؟ وكيف يعقل أن يجد أغلب المثقفين العرب أنفسهم في نزاع أنطولوجي مع عموم الشعوب العربية بعد أن أبانت هذه الشعوب عن وعي جذري بمآلاتها الوجودية المتسفلة ؟ انه السؤال المركزي الذي فرض نفسه بقوة في السنتين الأخيرتين على عاتق المثقف النحيل . فلم يستطع حمله وألقى به في غياهب جب واقعه الحقيقي . وهنا لابأس من تحوير احدى الركائز التي اعتمدها المفكر علي حرب في نسج خيوط كتابه المومأ اليه أعلاه ، وهو وان كان يعمم التصدع الذي أصاب العالم في بنياته الأساس ، وهشم عنجهية النظريات و الايديولوجيات الكلية التي حاولت لأكثر من قرون أن تفسر العالم حسب هواها ، عكس منهجية تفسير العالم حسب هواه ، فانداح العالم عن مركزيات متعددة ، وانعتق من أسر الايديولوجيا الثنائية والايديولوجيا الأنوية ، ليتفكك هذا العالم الى ايديولوجيات لا تحتمل التعبير عن هويتها العقدية كما هو عهد الايديولوجيا التقليدية . فماذا نحن فاعلون اذا كان هذا التصدع قد أصاب الذات بعد ركون طويل خلناه موتا ؟ فالذات العربية تحللت الى مشاريع دموية وأورام فتوية ، ونكوص عقلاني وتنويري لا قبل للعالم العربي به حتى في اشد مراحل تاريخه ظلمة . بل ان المثقف أصبح نكرة في ظل هيمنة وسائط الاعلام ذات الدفع المسبق ، وانخرط مثله مثل باقي الأبواق المتخلفة في الانتصار لهذا الفريق او الطرف دون الاخر ، بغير هدى وبدون استراتيجية ،تعوزه المنهجية والنسقية والرؤية العقلانية . فكانت الفاجعة ان انسحب المثقف من رهان التأسيس الى رهان التدليس . وتقلصت أدواره الى مجرد اعطاء شهادات زور في هذا الرجعي أو في هذا الامبريالي الذيل ،بعد ان كان صاحب مشروع وحلم للنهوض بأمته وبقرائه وبوطنه ان كان له باق من حس وطني ، ولم يجرفه بعد منطق الرأسمال الذي لا يعترف بالأوطان . نحن اذن أمام مأزق الوهم بتعبير محمد سبيلا وغيره ، مأزق الأزمة بتعبير علي حرب وغيره ، وعوض البحث عن الأسئلة الحارقة كما كتب منذ عقدين عبد اللطيف اللعبي ، ركن مثقفونا الى الأجوبة السهلة والمستهلكة ، كما يصنع السلفيون تماما وهم يعودون الى أجوبة مبثوثة منذ قرون في مظان مراجعهم ، وان كانوا لايقرأون منها الا ما يساير رغباتهم ويحقق أهدافهم المشبوهة والمظللة . والأنكى أن لا مثقف تهرب عنه حقيقة ان الواقع لايرتفع ، وان البناءات الثقافية العليا كالدين والفلسفة والفن ، انما تقوم بقلب الواقع لرصده ومحاولة اعادة بنائه ، وليس الالتفاف عليه وانكاره ، وهذا ما فعلته الفلسفة المثالية ، فهي رحّلت الواقع مفهوميا الى الميتافيزيقا ، لا لسحبه من واقعيته ، بل للنظر اليه من أعلى وتفكيكه ، فالله لا يمكن أن يعقل بغير عقل انساني ، كما ان الحرية لا يمكن أن تُمنح من غير نقيضها أي مصادرتها ، والعدل أيضا يصعب أن بعتلي صهوة الماورائيات اذا لم يتخل عنه الانسان طواعية . من هنا تبقى كل المفارقات والمفاهيم الكبرى بنات وقائع ملموسة ومعايشة ، يتم تكييفها حسب الايديولوجيا المهيمنة في مرحلة من المراحل ، الى درجة أن الفلسفة المادية نفسها تمت احاطتها بهالة من القداسة التي رفعتها الى مستوى الخطاب الديني والعقدي . وهم النخبة ، وهم متأصل في المثقف العربي ، الذي كان عليه ان يكون قدوة في فن التواضع ، فالعلم كشف لحقائق الانسان الناقصة ، وليس متراس لنواقصه المتصخمة . ما الذي أضافه المثقف العربي لمجموع التفاعلات االاجتماعية والحضارية العربية ؟ ،سيادة الديكتاتورية وتنميط الاستبداد ، بل والدفاع عنهما ، وهذا ما يجري الآن في معظم الدول العربية ، بل هناك من المثقفين من لا يزال يدافع عن القذافي ويتباكى على مبارك ويدعو بطول البقاء لبشار ، رغم التدمير والنسف الذي يرتكبه في أول دولة عربية كمفهوم مؤسساتي . فهل بعد هذه الحقائق الصادمة نملك الجرأة على الحديث عن المثقف عربيا ؟ المثقف التنويري الحداثي الذي لايملك القدرة على تحديث نفسه وتنوير ذاته ، وتوسيع رؤاه ، استلذ الاقتراب من سلطة لا تبحث الا عن تركيز ركائزها في مفاصيل الدولة واستحمار الشعوب واستعبادها . ان المثقف العربي أعلن منذ مدة انسحابه من وظيفة التنوير والعقلنة وافشاء الحرية والعدالة ، ورضي وظيفة البوق المنتصر للراسخ والثابت والمتمكن ، عوض ان يجدد اسئلته ويشحذ أدواته النقدية ، ويمارس ثوراته المعرفية ، بابتكار رؤاه المنبثقة من حاجيات واقعه وخصاص مجتمعه . ولابد في هذا الواقع من امتلاك الشجاعة والجرأة لاعادة الدور المنوط بالمثقف ، وهو دور للعلم ، لن يلعبه غيره ، لأن الجميع خلق لما هو ميسر له ، ولا يمكن للحلاق أن يمتهن النجارة الا بعد مدة من التجربة والتعلم ، كما لايمكن للمفتي أن يستحوذ على دور المثقف لأن مجالات اشتغاله لا تتلاقى الا عند جزء بسيط من الفقهاء والعلماء المتنورين . ان ضرورة التفصيل في المهام والوظائف وتعيين الأمراض والدواء ، أصبحت من ضرورات الراهن المهترئ . ولا يمكن للمثقبف أن ينهض ثانية الا بقراءة موضوعية لمساره وأهدافه ، ان كان له مسار وأهداف .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وطن لا ككل الأوطان
-
ما الذي يجري في العالم ؟
-
قراءة في كذبة أبريل المغربية
-
انكسارات الظلال
-
الراعي والقطيع والهلاك الفظيع
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع -3-
-
البحث عن الغائب الحاضر -3-رواية
-
البحث عن الغائب الحاضر -2-رواية
-
اشكروا الظلام......اشكروا القتلة
-
لا تتوتري
-
البحث عن الغائب الحاضر -1-رواية
-
عن أي مغرب يتحدثون ؟
-
الاستقالة كتعبير حضاري
-
لعبة الموت
-
اسرائيل تعتذر
-
استقلال القضاء واستغلاله، في المغرب أي علاقة ؟
-
بين الثورة والثقافة -1-
-
المغرب بين الدستور الجديد وعقل الحديد
-
الارهاب حالة دولة
-
ما زال للورد عطره
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|