|
كشف حيلة المستغل
حمودة إسماعيلي
الحوار المتمدن-العدد: 4053 - 2013 / 4 / 5 - 20:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المستغِل شخصية ترى الآخرين أدوات لتحقيق مآرب، فأغلب العلاقات الإنسانية تقوم على المصالح، ومن المعلوم أن كلا الطرفين يستفيد من العلاقة ماديا أو حتى معنويا، أما بالنسبة للمستغل فلا يهمه الآخر بقدر ما تهمه مصلحة نفسه فقط. سنحاول هنا التقرب من هذه الشخصية بكشف بعض سلوكاتها التي تمكننا من تمييزها.
عندما يدخل شخصان في علاقة أو يشتركان في أمر يعود عليهما بالنفع يسمى ذلك "تعاون"، لكنها يمكن أن تتحول لاستغلال عندما يعمل طرف ما على اشراك الطرف الآخر معه دون اهتمامه بأي شيء سيستفيده هذا الطرف، بل التركيز على المنفعة التي تخصه فقط. بداية قد تجد بعض الأشخاص(من المعارف) أن علاقتك بهم تزداد توطّذا، فترى الواحد منهم تكثر زياراته لك بعكس السابق، ويبدأ بخلق الفرص التي تمكنه من رؤيتك والمجيء عندك، حتى يقدر على تقوية روابط العلاقة. ونجد سبب هذ التصرف رؤيته لك كحلقة موصلة، إما بالتعرف بشخص قريب منك عن طريقك، أو أن يستمد منك معلومات تمكنه أو تساعده في تحقيق الغاية المخفية عنك.
كذلك قد تلاحظ من تكثر هداياه لك بمناسبة وحتى دون مناسبة يجد لها هو تبريرا، والمستغِل لا يمنح إلا إن عرف أنه سيسترد أكثر مما أعطى. فبتقديمه للهدايا على فترات يزرع في عقلك فكرة مفادها أنه شخص طيب مِعطاء يمنح دون انتظار مقابل، فينتظر لحين أن تختمر فكرتك عنه، حتى يأتي ليطلب شيئا ما لديك لعلمه أنك لن ترفض طلبه، لإنك إن رفضت ستبدو أنك أنت من كان يستغله بأخذ الهدايا منه زيادة على بخلك وسوء معاملتك. لأن العقل هنا يرفع قيمة السلوك(العطاء) على قيمة الشيء المُعطى. ولتوضيح هذه النقطة فلنفترض أن شخصا أعطى لصديقه خلال أسبوع 4 هدايا قيمتها الإجمالية لا تتجاوز 30 دولار، وفي الأسبوع الثاني طلب من صديقه أن يمنحه شيئا قيمته تتجاوز 50 دولارا. فهنا العقل يُضخّم قيمة ماأخذ على قيمة ماسيعطي لأن سلوك(العطاء) المتكرر زاد من قيمة هذه الأشياء، فأغلب الأشخاص هنا لن يقارنوا بين القيمة الإجمالية(للأشياء) في الأخد والعطاء، بل سيقارنوا بين عدد مرات الأخد والعطاء، فيبدو للأنسان أن ما سيعطيه لا يقارن بعطاءات الآخر، لهذا لن يكتشف المستغَل حيلة المستغِل. فكثير من الناس يحسبون هذ الأخير هو تلك الشخصية التقليدية(الواضحة) التي لا تأتي إلا بعرض الأخذ المتكرر دون مقابل.
من خلال ماسبق نرى أن المستغل شخصية موسمية، أي أنه يظهر ويقترب لشمه رائحة المنفعة ثم يذهب ويختفي عندما يحقق مبتغاه أو حينما يجد فرصة أفضل في جهة أخرى. ونحن نعلم أن أغلب العلاقات الإجتماعية تقوم على المصالح، لكن ما يميز المستغل أن شخصيته تنقلب بعد انتهاء المهمة أو عند عدم تحققها، ما يكشف أن مشاعره كانت مجرد قناع يرتديه. المستغِل شخصية تحترف اساليب التّملق، بل نجدها تعمل بالمثل الشعبي الذي يقول : "لوكان لك عند الكلب حاجة، قل له يـاسيدي"، ولا يعيبه هنا أن يبدو كجروٍ صغير. لأنه يعتبر نفسه شخصية ذكية تتلاعب بالآخرين لأنهم أغبياء، فالاستغلال متعة بالنسبة له يُظهر فيها تفوقه عن الآخرين فيجعلهم يبدون كخُدّام لديه، ويمكن أن نقول أن هذا الأمر يعود لإحساسه المكبوت بالدونية والحرمان، قد نجد له جذورا في الطفولة والمراهقة بسبب مواقف تعرض لها في تلك الفترات.
يجب ألا ننسى دور الطرف الآخر وهو المستغَل والذي يلعب دورا مساعدا في عملية الاستغلال. فهوس الإنسان بالسمعة والقيمة الاجتماعية وخوفه من أن يُنعت بالبخل والغرور أو الشرير، ساعياً لأن يبدو بمظهر الطيب والكريم في نظر الآخرين حتى يرضى عن نفسه، يُوفّر بذلك مناخا مساعدا للمستغِل. مايدفعنا لأن نوضح أمرا هنا، هو أن الشر صحّي في بعض المواقف(أو مع بعض الأشخاص). فحتى الأنظمة السوسيودينية التي تتغنى بالخير والفضلية، تتحوّل لمَجمع من الأبالسة لدى تورطها في صراع سياسي مع نظام آخر، فتُحوِّل الشر هنا إلى فضيلة تحثّ أتباعها على فعله!!. ولانشير هنا بأن يصبح الإنسان متوحشا بربريا، بل بالسلوكيات الغير مقبولة اجتماعيا(ولا علاقة لها بالقانون)، لأنك حين ترفض تقديم خدمة للمستغل أو تتصرف معه بشكل يجعلك تبدو كشرير، فأنت لا تفعل شيئا أكثر من أنك تعكسه(كالتكبر على المتكبر)، فيجد نفسه وقد انكشف فلا يبقى أمامه سوى الانسحاب. فكثيرا ما يعرف الإنسان أنه يُستغل ويتغاضى عن ذلك، لأن أكثر ما يهمه هو الصورة الاجتماعية. قد يجد المستغِل أن سلوكه سلوك عادي، وذلك نظرا لأنه نرجسي يرى نفسه كبطل فيلم أو مسلسل تدور الحلقات حوله ولا وجود للآخرين إلا كأدوار تكميلية أو مساعدة. وهو الوصف الذي وصفته شيرين في أغنيتها بتعبير يُقربنا منه : "مابتفرحش غير لفرحك مابتحزنش غير لجرحك مابتتعبش غير لصالحك.. إنت عايش ليك وبس"(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هوامش :
1 : شيرين عبدالوهاب - اغنية مابتفرحش [2009]
#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجنون الجماعي الحديث
-
الحيض بين الطب والدين
-
لما النساء تكره العاهرات ؟
-
سيكولوجية الحب : الذل كشرط
-
عقدة لوقيوس والنرجسية
-
عقدة لوقيوس أو اللوقيوسية
-
تحليل نفسي للصوص المقالات والنصوص
-
سيكولوجية الخيانة : تحليل لدور الضحية
-
سيكولوجية تدمير المرأة
-
الكوتش أو المُخدر اللغوي العصبي
-
سر العين الثالثة
-
سيكولوجية البيدوفيلي أو المتحرش جنسيا بالأطفال
-
الباراسيكولوجي أو الهلوسة باسم العلم
-
سيكولوجية الجيغولو أو دعارة الرجال
-
المتأخرات زواجيا : لعنة اختيار أم حظ عاثر ؟
-
سيكولوجية المومس
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|