|
نقد رؤية جلال صادق العظم حول الشأن السوري
سامان كريم
الحوار المتمدن-العدد: 4053 - 2013 / 4 / 5 - 13:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نقد رؤية جلال صادق العظم حول الشأن السوري "مثقف"وقف بجانب طبقته
السيد جلال صادق العظم من المفكرين المشهورين ليس على صعيد سورية فحسب بل على صعيد العالم العربي كله. حاوره "مجموعة الجمهورية" في صفحتها الالكترونية تحت عنوان "حوار في العمق مع صادق جلال العظم: في شأن الثورة ودور المثقف" ( http://therepublicgs.net/2013/01/10/ ). قبل البدء بمناقشة رؤية السيد صادق العظم لابد ان أوضح رؤيتي حول المثقف وموقعه في المجتمع.
حين يتحدث الاعلام او حتى على صعيد الراي العام عن "مثقف" بصورة عامة يراه او هكذا يصوره كأنهُ "فئة" مستقلة عن الدنيا ومابها, عن الصراعات وما حولها، عن الحركات الاجتماعية وما تكتنفها, وعن الطبقات الأجتماعية وما تحتويها. انها فئة مثقفة, عمله يفكر ويكتب ويحلل ويظهر في الاعلام... وتشاوره الحكومات والمؤسسات في مسائل معنية ويظهر في الاعلام ليتحدث حول مسائل معينة سياسية او اقتصادية, اجتماعية او أدبية.. هكذا هي الصورة على صعيد الراي العام. ولكن الراي العام يلتقط او في احسن الاحوال يستلهم افكاره وتصوراته, عرفه وعاداته من الطبقة السائدة او الحاكمة... ليس عبر القمع فحسب بل عبر المؤسسات التعليمية والتربوية والاعلام المسموع والمرئي والمقروء لانها صاحبهتا ومالكتها ليس عبر الاعلام الحكومي فقط بل عبر الاعلام الذي يسمي "مستقل " او "اهلي" وهي شركات لقطاع خاص مثلها مثل شركات النفط ولكن دورها خطير في تأطير وقولبة افكار الناس والراي العام وتضليليه وبالتالي تخديره وفق ما تشتهي الطبقة الحاكمة.
الطبقة الحاكمة ليس فقط الحكومة او الاحزاب التي تدير الحكومة بل الطبقة بمجملها حيث تشمل حركات المعارضة البرجوازية واحزابها او قواها المختلفة هذا ناهيك عن سياسية مبرمجة لتأطير الراي العام وفق مقتضيات هذه الطبقة وشركاتها وبورصاتها على رغم الخلافات الموجودة بين حركاتها وقواها المختلفة او منافسة شرسة بين مختلف الشركات العالمية او المحلية... في امريكا الحزب الجمهوري والديمقراطي حزبان مخالفان ولهما تصورات مختلفة حول العديد من الامور: حول الضرائب والخدمات الصحية والتعليمة ومواجهة "الارهاب" والتعامل مع قضايا العالمية.. ولكن اختلافاتهما اقل بكثير من نقاط مشتركة بينهما... المشترك بينهما هو المحتوى والاصل اي حفاظ على الملكية الخاصة البرجوازية وضمان اعادة انتاجها وديمومتها, وبقاء امريكا كقوة اولى في العالم على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية... اذن الاعلام يتحرك ضمن اطار هذه الطبقة بصورة عامة ومصلحة الربحية لشركاتها الكبار بالدرجة الاولى... طبقة الرأسمال وضمان سيادتها يتطلب الايدولوجية "العقيدة" كما يتطلب الجيش والمخابرات والأجهزة القمعية, يتطلب المثقفين والمفكرين والرسامين والروائيين والسينمايين والشعراء وكتاب في ميادين مختلفة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتراثية والتاريخية والاخلاقية والادبية والفنية والعادات والتقاليد. مجموعة من الكتاب لاتعد ولا تحصى لتغطية كافة جوانب الحياة بما فيها نوعية الاستراحة والاستجمام.... هذه بمجملها تشكل الثقافة... والمثقف ينسج في حقل او في عدد من الحقول هذه المسائل سواء كان بريشته كرسام او بنحته كنحات او بقصته كقاص اوبشعره كشاعر او بتقريره ككاتب صحفي او بفكره كمفكر على الصعيد التاريخي او الاجتماعي او الفلسلفي او السياسي...
المثقف فئة ملازمة لاكمال الطبقة الحاكمة... عمله تجميل وتزين هذه الطبقة سوا كان الجزء الحاكم او الجزء المعارض والامر سيان بالنسبة للطبقة الحاكمة... لان المضمون هو بقاء الطبقة كطبقة سيادية. لكلتا الطبقتين اي الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية "مثقف". ولان الطبقة العاملة وحركتها, كحركة سياسية في المرحلة الراهنة ليست مقتدرة, عليه ان "مثقفيها" لم يظهروا على الصعيد الاجتماعي, ولان ليس لديها الامكانيات المالية, الاعلام يخنقه ولا يبرزه وحتى لا نشاهد الحركات والاضرابات العمالية الكثيرة في الاعلام والقنوات الفضائية الا قليلا.. خصوصا لدينا في مصر بصورة يومية تظاهرة او اضراب عمالي ما. ولكن اذا ننظر الى التاريخ نرى ذلك بوضوح قيادة هذه الطبقة وقيادتها السياسية والفكرية, وهي تعانق السماء وتنتقد كل بنية الرأسمال ونظامه وخزعبلاته الفلسفية والفكرية وممارساته الادارية والقانونية .
السيد جلال صادق العظم على رغم انه يفضل التحليل الماركسي حسب قوله لتحليل الثورة حيث يقول في حواره" أعتقد أن المنهج الماركسي في البحث والتحليل والتفسير هو الذي يعطينا القدرة الأفضل والأرقى على فهم قيام الثورة وتحديد أسبابها الأعمق والبحث في خلفياتها التاريخية والاجتماعية وإلى جانبها والدفاع عنها." ولكن هو بعيد كل البعد عن ماركس وتحليله... ودفاعا عن ماركس وتحليله, وبالتالي يجب وضع التحليل الماركسي على مكانه وموقعه الصحيحين, أتناول حوار السيد جلال صادق العظم بكل تفاصيله.
المنهج الماركسي للتحليل الصراعات السياسية:
"وهكذا فإن أصل جميع النزاعات في التاريخ, وفقاً لتصورنا, هو في التناقض بين القوى المنتجة وشكل التعامل- العلاقات الاجتماعية-. ولاحاجة لهذا التناقض على أية حال, كي يؤدي إلى نزاعات في بلد ما, أن يكون قد بلغ بالضرورة حده الاقصى في هذا البلد بالذات. ان المزاحمة مع البلدان الاكثر تقدما صناعيا, المترتبة على امتداد التعامل الدولي- العلاقات الدولية-, كافية لانتاج تناقض مماثل حتى في بلدان ذات صناعة متخلفة (ومثال ذلك البروليتاريا الكامنة في المانيا التي ادت مزاحمة الصناعية الانكليزية الى ظهورها)". (كارل ماركس, فردريك انجلز/ الايديولوجية الالمانية- ص 73/ ترجمة الدكتور فؤاد أيوب/ التاكيد وبين الخطين الصغيرين مني)
المقطع اعلاه تكرر ربما عشرات المرات بصياغة اخرى او مشابه لمصدر اعلاه وغيره من كتب وابحاث ماركس وانجلز... فحوى او لب منهج ماركس وانجلز واضح بصورة جلية. حيث يؤكدان على محورين مهمين: الاول: هو التناقض بين القوى المتتجة والعلاقات الأجتماعية السائدة... بين الفلاحين والاقطاعية في المرحلة التي ساد فيها الانتاج الاجتماعي الاقطاعي المبنى على إستثمار الفلاح وحصول الاقطاعي على جزء من عمل الفلاح دون مقابل... في المقطع اعلاه يتحدثان عن العلاقات الجديدة التي سادت في جزء من اوروبا ربما جزء بسيط نوعيا في بريطانيا وفرنسا وهولندا.... وكميا في المانيا وايطاليا وبلدان اخرى حيث البرجوازية كطبقة في طور النمو. اما اليوم بعد ان وصلت العلاقات الراسمالية للانتاج الى كافة بقاع العالم ووصلت الراسمالية الى اعلى الدرجات من تطورها ليس من حيث المحتوى فحسب: إنتاج فائض القيمة من قوة عمل العامل غير مدفوع الاجر, بل من حيث الشكل ايضا حيث ساد على الصعيد العالمي وبفعل العولمة اقتصاد السوق... من الطبيعي ليس هناك جدار فاصل بين الشكلين لادارة الراسمال وعلاقات الانتاج الرأسمالي, رأسمالية الدولة الي تبنتها روسيا في الخطة الخمسية الاولي 1924- 1928 وما بعدها ورأسمالية السوق التي تبناها الغرب بقيادة امريكا تحت لافتة "الحرية" والامر سيان حين يتعلق الامر بمحتوى رأسمال كنظام اجتماعي سائد.
التناقض بين القوى المنتجة في هذه المرحلة التي اصبحت لدينا تأريخاً عالميا فعلياً, اي الطبقة العاملة وعلاقات الانتاج الراسمالي أصبحت موضوعاً عالميا منذ البداية اي منذ نشوء الرأسمال في مهده... الراسمالية كنظام سياسي اجتماعي ليس بامكانه ان يؤطر ذاته في اطر محلية وقومية ووطنية ضيقة... وماهية التجارة وتصدير الراسمال و الحملات الاستعمارية القديمة بهدف الوصول الى المواد الاولية والاسواق الجديدة, إلا لتؤكد هذه البديهية. ماهو هذا التناقض بين الطبقة العاملة والعلاقات الأجتماعية السائدة؟! انه تناقض بين الطبقة التي ليست لديها شئ ما غير بيع قوة عملها وبين العلاقات السائدة أو الحاكمة التي تجبر القوى المنتجة ان تتكيف معها, بقوة وبحرية. بحرية لان العامل غير مجبر على بيع قوة عمله, وهنا تكمن حرية البرجوازية, ولكن حين يمارس العامل حريته, يموت جوعاً. بالقوة لان العامل مجبر على اداء بيع قوة عمله, وبالتالي اداء عمل اجتماعي ما. وهذا تناقض بحد ذاته, ولكن التناقض الموضوعي في ظل العلاقات الطبقية السائدة. العلاقات السائدة ليس تقف عائقا امام تطور القوى المنتجة فحسب بل تتحول بفعل تناقضاتها الى تدمير المجتمع, عبر وسائل الانتاج والنقود والاسهم وبورصات الاستثمارات المالية الخيالية.. تلك الوسائل اوجدتها القوى المنتجة وهي جزء منها... ولكن في التطور اللاحق يرمي بالالاف بل الملايين من العمال الى احضان البؤس والمجاعة, عبر رميهم خارج العملية الانتاجية اي عبر تموضعهم في مقاعد العاطلين عن العمل, ويتعدى الخراب والتدمير هذا الى مجال البيئة, حيث اصبحت البيئة مهددة بشكل لم يسبق له مثيل.
لحل هذا التناقض, يواجه الانتاج الراسمالي ازمات اقتصادية وبالتالي سياسية عميقة وعملية ضرورية لتطهير نفسها على حساب تدمير المجتمع بل المجتمع البشري برمته خصوصا في هذه المرحلة التي ليس بامكاننا ان نتحدث عن حالة "قطرية او وطنية او قومية" منعزلة, بفعل تطور العلاقات الراسمالية حيث اصبحت عالميا بشكل موضوعي وفعلي بكل معنى الكلمة. ومن جانب اخر يتجه الراسمال الى عمليات مختلفة, تصدير الرأسمال, تصدير الشركات العابرة للقارات والقوميات, تزوير العملات, وطبع العملات بدون سند واقعي "بدون مقايستها بالذهب", وفقاعات البورصات والاستثمارات المالية, وايضا برمي الملايين الاخرى الى احضان البطالة, وسلب الخدمات الاجتماعية وخصوصا الخدمات الصحية والتعليمية وضمان البطالة والتقاعد, وخفض الاجور وزيادة الضرائب, وخطة الانقاذ المالي او انقاذ البنوك الكبيرة, بأموائل الفقراء اي دافعي الضرائب, واخيرا بالحروب المدمرة التي راينا منها كثيرا سواء في مرحلة الحرب الباردة او بعدها والتي كثرت منها الحروب بالوكالة.
ولكن كل هذه الامور والعمليات, تخدم بقاء وضمان بقاء العلاقات السائدة, إذن ما هو جواب؟ الجواب ليس فكريا بل عمليا, ان الطبقة العاملة منذ بداية الازمة اجابت على هذه السياسات والممارسات والقوانين التي صدرت من جانب الراسمال, اجابت عليها بفعل نضالي عبر نضالات طبقية واضحة في امريكا وفرنسا واسبانيا واليونان وبريطانيا وبنغلاديش ومصر وايطاليا وبلجيكا والبرتغال والمانيا والصين ونيجيريا وتونس, كان هذا هو الجواب النضالي للطبقة العاملة بوجه الراسمال العالمي والمحلي. ولكن هذه المرة وفي ظل بقاء نضال العمال في اطار النضال الاقتصادي لتحسين امورهم المعاشية والنضالية, تبقى حالة ايضا في حدود بقاء العلاقات الطبقية السائدة ولان هذا النضال يتطلب تحسين الاحوال المعيشية للعمال في ظل سيطرة الرسمال... ولحد هذه اللحظة وعلى رغم الاهمية الكبيرة للنضال الاقتصادي لتقليل الربح الرأسمالي من جانب ولتوحيد صفوف الطبقة العاملة بوجه سيطرة الراسمال إلا انه لا يتعدى الخطوط الحمراء التي رسمتها البرجوازية عالميا ومحليا. ما العمل اذن؟!.... ان هذا الصراع من حيث المحتوى لا بد ان يؤدي الى صراع سياسي على لقلب العلاقة الاجتماعية رأساً على العقب. والجملة الاخيرة هي جوهر نظرية ماركس وتحليل ماركس للتاريخ وللأحداث التأريخية. اي "العنصر الفعال, او الناشط" التاريخي. وهنا الطبقة العاملة وقادتها.... "ان الفلاسفة لم يفعلوا غير ان فسروا العالم باشكال مختلفة ولكن المهمة تتقوم في تغييره"(ماركس/ موضوعات عن فيورباخ/ الاطروحة الحادية عشر- ماركس- انجز/ منتخبات- المجلد الاول .ص101).
الشق الثاني في المقطع: هو ان الراسمال بطبيعته عالمي وليس بامكانه ان يبقي في أطر وحدود ضيقة مثل المرحلة التي سبقته اي الاقطاعية وهي تعتمد على الزراعة بشكل رئيس. وبالتالي منذ أن وجدت الرأسمالية, نرى انها تتوسع عموديا وافقيا على الصعيد العالمي ... حيث وصلت الى بقاع الكرة الأرضية منذ زمان. اي انها عالمية وليس محلية وليس بامكان التحليل الماركسي ان يبقى ضيقا في أطار الافق القومي او القطري او الوطني... حيث نرى ان الشركات العالمية عابرة للقوميات او فوق القوميات تستند ليس على البلد الام بل على كوكب الارض كله بل يتعدى ذلك ويستثمر في الفضاء ايضاّ... هذا من جانب ومن جانب اخر ان البشرية ليس بامكانها ان تعيش بمعزل عن اطارها العالمي... حيث يعتمد كل بلد على الاخر سواء على صعيد الانتاج او على صعيد السياسة والامن والاقتصاد. واخيرا وصلت الراسمالية الى اقصى حدودها الواسعة ورمت بالوطنية والقومية الى مزبلة التاريخ من حيث المحتوى وليس من حيث البروباغندة السياسية لتضليل الراي العام, وتحميق الجماهير ووضع عراقيل امام اتحاد الطبقة العاملة.... ان البرجوازية اصبحت اممية بكل معنى الكلمة.. اممية في اقتصادها وشكل ادارتها وقمعها وسلطتها وامنها وحروبها ومعالجتها للامور وقوانينها "الاتحاد الاوروبي, مجموعة بريكس, الامم المتحدة, منطمة الامن والتعاون الاقتصادي"... حيث اصبحت حتى تصنيع الدول موديلا وكوسوفو مثالا... واصبحت سقوط الانظمة موديلا وبإسم "الثورة" ليبيا نموذجاً.... والنوبة لـ" سوريا"... ان سورية والوضع السوري الحالي عالمي بكل معنى الكلمة يتشابك ويتصارع فيه اكثر من قوى... قطر وتركيا.. السعودية والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا, العراق وروسيا وإيران والصين... طبعا النظام السوري والمعارضة السورية بكافة تلاوينها. قال لافروف "ان النظام العالمي الجديد يبدأ من سوريا" والحق يقال هذا كلام صحيح. حين اعترضت روسيا والصين بدبل فيتو بوجه امريكا والغرب. وهذه هي اول عملية من نوعها منذ اكثر من عشرين سنة. ناهيك عن وقوف روسيا والصين ودول بريكس بصورة عامة بوجه المخططات السياسية لامريكا والغرب حول الشان السوري. القضية ليست مرتبطة بالتاريخ الماضي اي الصراع بين الكتلة السوفيتية الراسمالية والغرب الرسمالي ابان الحرب الباردة. حيث من الناحية الواقعية لم يبقى اي اطار ايديولوجي او أي شئ او ظاهرة ما تشير الى العداوة "القديمة" بين روسيا الحالية وامريكا الحاضر... الصراع اليوم هو صراع ومنافسة ومزاحمة بين قطبين على الصعيد العالمي وهذا الصراع هو عنصر من عناصر الراسمال وسلطته.
كما اوضحنا انفاً ان منهج ماركس لتحليل التاريخ واضح تماماً. وواضح تماماً ان هذا المنهج متناقض ومغاير تماما مع منهج السيد العظم... ان قوله " أعتقد أن المنهج الماركسي في البحث والتحليل والتفسير هو الذي يعطينا القدرة الأفضل والأرقى على فهم قيام الثورة..." لا يساعده مطلقا, بإقرار على انه استخدم منهج ماركس بل بالعكس سنبين انه ملتصق بالمنهج البرجوازي كطبقة, و من ناحية السياسية اي كحركة اجتماعية انه منهج قديم لليسار القومي, وميكانيكي على صعيد الفلسلفي ولو ان الفلسفة لم يبقى لها اية حجة للبقاء بفضل تطور العلوم الطبيعية بل انتاج ثورة جبارة في كافة ميادين العلوم الطبيعية, على الرغم من اعاقة العلاقات السائدة لهذا التطور.
اختتم هذا الجزء بقول ماركس وانجلز في البيان الشيوعي, الجزء الذي يلخص منهجهما التاريخي وموقع العنصر الفعال في التاريخ اي الطبقة العاملة في مرحلتنا حيث يقولان ("...والهدف الأول للشيوعيين هو الهدف نفسه لكل الأحزاب البروليتارية الأخرى: العمل من أجل تشكّل البروليتاريا في طبقة, إسقاط هيمنة البرجوازية, واستيلاء البروليتاريا على السّلطة السياسية. وطروحات الشيوعيين النظرية لا تقوم قطعا على أفكار, على مبادئ, ابتكرها أو اكتشفها هذا أو ذاك من مُصلحي العالم. إنّها فقط تعبير عام عن الشروط الحقيقية لصراع طبقيّ قائم على حركة تاريخية تجري أمام أعيننا. وإلغاء علاقات الملكية القائمة حتى الآن, ليس هو إطلاقا السِّمة المميزة للشيوعية. فعلاقات الملكية كلها, كانت خاضعة لتغيّر تاريخي مستمر لتحوّل تاريخي مُتواصل. فالثورة الفرنسية, مثلا قضت على الملكية الإقطاعية لمصلحة الملكية البرجوازية. وإنّ ما يميّز الشيوعية, ليس القضاء على الملكية بشكل عام بل إلغاء الملكية البرجوازية. غير أن الملكية الخاصة للبرجوازية العصرية هي آخر تعبير وأكمله عن الإنتاج وتملّك المنتجات القائم على التناحرات الطبقية, وعلى استغلال البعض للبعض الآخر. والحالة هذه يستطيع الشيوعيون أن يلخّصوا نظريتهم بعبارة وحيدة: إلغاء الملكية الخاصة."(ماركس- انجلز- البيان الشيوعي/ التاكيد منى). والحال كهذا ان الثورة وممارساتها هي التي تغير العالم وهي واضحة المعالم والتعريف في هذا المقطع, سنوضحه لاحقا على الشان السوري.
حول اليسار مرة اُخرى:
أقول مرة اخرى لانني كتبت حول هذا الموضوع اي "اليسار" اكثر من مرة ولعل اخرها بحث "نقد آراء سلامة كيلة" تحت عنوان (الشيوعية العربية, ومأزق الوضع السوري! نقد آراء سلامة كيلة). يصور السيد العظم اليسار ويقول (فاقول: أولاً، معروف أنّ اليسار كان يجمع ملتزمين ونشطاء وأنصار وكوادر ومؤيدين من الخلفيات والانتماءات الدينية والطائفية والمذهبية والجهوية والأثنية والعشائرية كلها باتجاه مستقبل يتجاوز الانتماءات والولاءات الأولية شبه الطبيعية هذه، باتجاه حالة مدنية وعصرية أرقى. .....ثانياً، بعد انتهاء الحرب الباردة أيضاً على النحو الذي انتهت عليه، انقسم اليسار إلى كتلة كبيرة تبنت ما يمكن تسميته «ببرنامج المجتمع المدني» والدفاع عنه، وهو البرنامج الذي يؤكد مسائل مثل: احترام شرعة حقوق الإنسان (حتى لو قولاً وبالحد الأدنى فعلاً)، .....بعبارة أخرى، الكتلة الأكبر من اليسار تراجعت إلى خط الدفاع الثاني المتمثل «ببرنامج المجتمع المدني» والدفاع عنه في وجه الاستبداد العسكري- الأمني– العائلي القائم من جهة أولى، والظلامية الدينية القروسطية الزاحفة من جهة ثانية. أعتقد أن هذه الكتلة من اليسار على العموم متعاطفة مع الثورة في سوريا، ...أما الكلتة الأصغر من اليسار فقد تعصّبت لمواقفها السابقة، وكأن شيئاً لم يكن مع انتهاء الحرب الباردة وأخذت تميل مع الوقت إلى المواقف وأساليب العمل ذات الطابع الطالباني–الجهادي أو الطائفي المذهبي المنغلق على نفسه، أو حتى على الإرهاب «البن لاديني» بعنفه الأعمى نكاية بالغرب والرأسمالية العالمية (التي انضمت روسيا والصين إلى عالميتها) والامبريالية. هذه الكتلة من اليسار، عربياً وعالمياً، هي الآن الأكثر عدائية للثورة السورية والأقرب إلى دعم نظام الاستبداد العسكري والأمني والعائلي فيها بحجج كثيرة ليس أقلها تآمر الكون بأسره، تقرارها...)( جلال صادق العظم- المصدر نفسه/ التاكيد مني).
السيد العظم يشرح لنا اليسار ويقول لنا(كان يجمع ملتزمين ونشطاء وأنصار وكوادر ومؤيدين من الخلفيات والانتماءات الدينية والطائفية والمذهبية والجهوية والأثنية والعشائرية...). هذه بنية اليسار وفق السيد العظم. لكن هذه البنية هي بنية "المكونات" والهويات المصطنعة والكاذبة, الهويات "المذهبية والطائفية والاثنية والعشائرية والدينية". هذه الهويات لا تتعلق بصلة ما بالتحليل الطبقي والحالة والبنية الطبقية التي تميز بها ليس ماركس فحسب بل حتى المادية الميكانيكة والشيوعية البرجوازية السوفيتية... حتى من ناحية الموضوعية ان اليسار بصورة عامة وحتى بدون ان نفتش بنيته الطبقية, تجاوز هذه الهويات او لبعضها نرى اليسار القومي العربي, تجاوز او تعدى الحالة الطائفية والمذهبية والدينية, ولكنه أبقى على الحالة القومية وأكد عليها كجزء من هويته الطبقية, ونرى اليسار الشيوعي البرجوازي المتمثل بالاحزاب الشيوعية والتيارات التروتسكية في العالم العربي تجاوز وتعدى الحالة المذهبية والطائفية والدينية والعشائرية.. والحال كهذا حتى إذا نستلم للتحليل اللاطبقي ورمي الطبقة العاملة خارج اللعبة السياسية والتحليلية, يبقى اليسار العربي والعالمي طبعا خارج اطار هذه الهويات وبهذا المعنى لليسار بريق ما ومتميز عن اليمين بكونه يؤكد على عدد او بعض من المسائل التحررية والتقدمية او المطالبية ضمن الطبقة البرجوازية وبصفته يسار لهذه الطبقة. السيد العظم تراجعت الى ابعد من ذلك بكثير, ورجع الى "مكونات" المصطنعة, ولكن ينقصه ان يقول لنا ينتمي الى اي طائفة او دين او عشيرة او قبيلة!! .
لماذا حين يحلل اليسار العربي او الشيوعي العربي او المثقفين القوميين العرب, وفق الافكار وليس وفق البنية الطبقية؟! سؤال ربما من وجه نظر الكثيرين سؤال افتراضي ولكنه واقعي بقدر واقعية إبتعاد اليسار من الرؤية الطبقية عن الساحة السياسية وبالتالي عن الافكار وتحليل التاريخ والاحداث. ابعد اليسار( هذا اليسار, اي اليسار البرجوازي) اليسار الفعلي والواقعي والموجود عن الساحة السياسية اي ابعد الطبقة العاملة قبل ابتعاده عن المنهج والرؤية التحليلية الطبقية. وفق رؤية ماركس المجتمع البرجوازي, منقسم الى طبقتين رئيسيتين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية على الصعيد الاجتماعي, وعلى الصعيد السياسي الحركتين البرجوازية والعمالية... ولكلتا الحركتين تشعبات وتيارات واحزاب مختلفة ايضا... اذن ان الرؤية حول اليسار واليمين لا بد ان تكون لها بنية طبقية واضحة وفق التحليل الماركسي. على الصعيد الطبقي لدينا يسار واحد وهو الطبقة العاملة وحركتها, حتي قبل احزابها وتياراتها المختلفة... ولدينا يمين واحد وهو البرجوازية وحركتها... لان الطبقة الوحيدة والحركة الوحيدة التي تقف بوجه الراسمال وسلطانه وسيادته وتقاليده وسياساته واقتصاده... هي الطبقة العاملة عبر نضالاتها سواء كانت سياسية او يومية نضالية اي النضال الاقتصادي. الطبقة تقف بوجه الطبقة, بالتالي ان اليسار الوحيد على صعيد المجتمع هو حركة الطبقة العاملة. اما باقي الحركات المعارضة الاخرى لاتقف بوجه الطبقة الحاكمة كطبقة بل بصفتها معارضة لغبنٍ ما, لحقوق ما, لفقدان مصلحة ما. هذا اليسار اي اليسار الاخير هو الذي ساد بعد تراجع شيوعية ماركس عن حلبة الصراع السياسي على الصعيد العالمي. والتراجع هذا بدأ منذ الخطة الخمسية لاتحاد السوفيتي السابق 1924-1928.. منذ ذلك الحين نحن نرى اجتهادات فكرية وسياسية مختلفة وبالتالي منهج فكري مختلف, بدا من غرامشي والمدرسة الفرانكفورتية الى أنواع واشكال مختلفة من اليسار الاوروبي, الشيوعية الاوروبية والماوية والتروتسكية... مدارس مختلفة ومنتقدة للشيوعية السوفيتية الستالينية ولكن بقيت اسيرة لإطارها المنهجي والتحليلي, بقيت اسيرة في المضمون البرجوازي سواء كان الامر يتعلق بالتحليل وهي النتيجة او الامر يتعلق باصل الموضوع وهو إبعاد الطبقة العاملة عن دورها وموقعها الاجتماعي والسياسي بصفتها قوة ثورية وحيدة الى الاخر, اي الى سقوط وقلب النظام الاجتماعي السائد.
هذا التوجه وهذه سياسة توجه وسياسة مدروسة بدقة ليس من جانب القوميين الاصلاحيين الجدد في الاتحاد السوفيتي بقيادة ستالين فحسب بل من القطب الغربي المقابل بصورة ادق تفصيلا... عبر وسائل شتى منها الحروب والقتل والعمليات السرية ومنها صناعة الافكار وتفلسف فلاسفة وسفسطة المفكرين وتصوير وتفكيك التاريخ والافكار وتحميضها وبالتالي تصنيع الصورة التي ترغب بها او تطلبها البرجوازية العالمية وهكذا نرى التفكيكية والبنيوية والفلاسفة والمفكرين الكثيرين من فوكو الى دريدا من هيننغتن الى فوكوياما... على رغم الاختلاف بين كل هؤلاء والتيارات الفكرية المختلفة... كل هذه لديها واجب مقدس لخدمة الراسمال وهو ابعاد الطبقة العاملة من المسرح بصورة نهائية حتى يتمكن الراسمال من كتابة "نهاية التاريخ" وبالتالي ابعاد التحليل الطبقي كمنهج فكري وتحليلي ملازم للعلاقات السائدة في هذه المرحلة. ان "المجتمع المدني" والترويج له من قبل امريكا والغرب على صعيد العالم العربي... هو ذاته مسار لإبعاد الطبقة العاملة عن المسرح السياسي وإجهاض الحركات الراديكالية من محتوائها, وبالتالي ترويض تلك الحركات لخدمة اقتصاد السوق وسلطته.
نتيجة لهذا الاعمال منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى اي بعد انتصار الثورة العمالية في روسيا... نرى هذه المحاولات في البداية لدينا خطة ويلسون والتروج لها كخطة "للسلام" وليس التقسيم العالم لصالح الامبرطورية الامريكية الصاعدة, حتى وصل الامر تشبيه هذه الخطة بسياسة لينين حول "تقرير المصير" لدى اكثرية او كافة المثقفين ويساري العالم العربي حيث نقراء كثيرا "تقرير المصير بصغته اللينية والولسنية" في أبحاث و مقالات هذه الفئة المثقفة... وانتجت وصنعت مدارس فكرية وتحليلة مختلفة لضرب التحليل الطبقي ولكن قبل ذلك يجب ابعاد الطبقة العاملة من الساحة السياسية وبالتالي الفكرية والثقافية والتحليلية, حيث حلت محل الطبقة العاملة كطبقة ثورية, حركات الشباب, وحركات ضد تلوث البيئة وحركات نسوية حركات المثليين, وتم ترويج البروباغندة العالمية لتطوير "المجتمع المدني" وسياسة " تعدد الثقافات" وتصرف لها المليارات سنوياُ على صعيد الغرب... وروجت لكل الحركات القومية الرجعية كانها حركة شيوعية مثل "الخمير الحمر" في كمبوديا, واتهمت الشيوعية من ورائها بموت خمسة عشر مليون انسان, حيث صورت الشيوعية كحركة ارهابية.... ولكن مقتل نصف مليون انسان بحجة الشيوعية في اندونسيا من قبل امريكا وسوهارتو سجلت بإسم الدفاع عن حقوق الانسان و"الديمقراطية". اذن القضية الرئيسية للبرجوازية العالمية وطبعا المحلية في كل بلد, هي ابعاد الطبقة العاملة من اداء ليس دورها فقط بل اي دور حتى ولو كان جزئياً... ولكن هل بامكان البرجوازية تحقيق هذا الامر بصورة مطلقة؟! الواقع الموضوعي يقول لنا: لا, ليس بامكان البرجوازية تحقيق كل احلامها, على رغم قسوتها وحروبها وعنجهيتها العسكرتارية التي اصبحت موديلا لتطبيق "الديمقراطية" المنشودة, اي اقتصاد السوق. وبعد طرحه جزء من اليسار وإعادته الى مكوناته الاصلية وهي صحيحة, ولكن لم يتشدق السيد العظم بكلمة حول قوله الصحيح هذا وبنيته الموضوعية, ولماذا عادت هذا الجزء من اليسار الى "أصله"؟! ماهي ألاسباب؟!. بعد ذلك يبقى لليسار شطرين مختلفين شطر تحول "كتلة كبيرة تبنت ما يمكن تسميته «ببرنامج المجتمع المدني» والدفاع عنه..." وقسم اخر تحولت "أما الكلتة الأصغر من اليسار فقد تعصّبت لمواقفها السابقة... هذه الكتلة من اليسار، عربياً وعالمياً، هي الآن الأكثر عدائية للثورة السورية والأقرب إلى دعم نظام الاستبداد العسكري والأمني والعائلي فيها بحجج كثيرة ليس أقلها تآمر الكون بأسره،...."... اذن جزء تحول الى "برنامج مجتمع مدني" وجزء اصغر بقى في موقفه المتعصب. جزء المجتمع المدني مع "الثورة" والجزء المتعصب "ضد الثورة"... هذا هو التحليل الماركسي للسيد العظم. ولكن ماهو "المجتمع المدني" وحقوق الإنسان الذي يدافع عنه هذا اليسار؟! وماهو فرقه مع الجزء المتعصب, ليس بالامكان ان نحسم الامر بان الاختلاف هو حول "الثورة" السورية, لان الثورة حالة جديدة مقارنة بتشتت اليسار بعد سقوط جدار برلين. اي قبل "الثورة" ماهو اختلاف هذا الجزء من اليسار مع جزئه المتعصب لمواقفه القديمة؟! ليس لدى السيد العظم اي جواب غير ان هذا الجزء المتعصب هو "الان الاكثر عدائية للثورة السورية والاقرب الى دعدم نظام الاستبدادي العسكري والامني والعائلي...",
هذا النوع من التحليل انتقائي الى درجة تقفآ العين, وفق الفكرة او ربما الفكرة الخالصة حول الثورة والدولة والاستبداد وماشابه ذلك من المفاهيم التي وفق وجهة النظر هذا لا أساس له. هذا التحليل انتقائي وجبري يقسم الظواهر والتطورات التاريخية بين الاسود والابيض, الشر والخير, الثورة وضد الثورة... ليس هناك مجال او حيز للمناورة بين الطرفين حيث هذا النوع من التحليل يرغمك بان تختار بين الشر والخير بين الشيطان والملاك.... أفق هذه الرؤية ليس معلوما وواضحاً لماذا السيد العظم مع الثورة ولماذا "المتعصبين" ضد الثورة؟! الجواب الوحيد هو ان النظام الحاكم في سوريا "استبدادى عسكري وعائلي"...وأنا اعرف ان النظام لا عسكري و لا عائلي ولا استبدادي أفضل من النظام العسكري و العائلي والاستبدادي ولكن لا يشرح البنية الطبقية لهذا النظام ولا اي بنية للنظام المستقبلي بواسطة "الجيش الحر" " وكرزاي سورية "غسان هيتو" غير بعض التاملات والدعوات التي يطلبها للنظام المسقبلي بعد سقوط النظام الحالي... وهي التعددية واسلامي بزنس والاسلام المعتدل.... لوحة خيالية بحتة. سنرجع لهذا الامر... لكن علي ان اقر بان لا فرق جوهري بين جزئي هذا اليسار "المتعصب" و"برنامج المجتمع المدني".
وفق وجه نظري ان "المتعصب" هو جزء من اليسار القومي العروبي وهو موجود بموازاة حزب البعث القومي والناصري وحتى قبل ظهور البعث... وبفعل وجوده تحول بعث الارسوزي الى البعث الاشتراكي بعد التحاق اكرم الحوراني (بصفته تيار مدافع عن الفلاحين).. ويمثل هذا اليسار الحزب الشيوعي السوري, هذا اليسار هو يسار برجوازي لتزيين الوجه القبيح للرأسمالية في العالم العربي, كل برنامجه لا يتعدى "الاقتصاد الوطني" و"التاميم" و"تطوير الانتاج الوطني" و"مصارعة الاستثمارات الاجنبية" و"عدد من المطالب الاصلاحية"... هذا اليسار سواء كان في سوريا او مصر او العراق او فلسطين... كان سندا قويا لتقوية الحكم الناصري في مصر والحكم البعثي في سوريا والعراق تحت قبة "الجبهة الوطنية القومية التقدمية"... هذه الشيوعية هي شيوعية عربية وبرجوازية حتى النخاع لا تمت بصلة بشيوعية ماركس... اما الجزء الباقي المتحول الى "برنامج المجتمع المدني" فهو تحول من قطب الى اخر من رأسمالية الدولة الى اقتصاد السوق... المجتمع المدني هو مجتمع برجوازي يقول ماركس في هذا الصدد وفي اطروحته العاشرة حول موضوعات فورباخ (ان وجهة نظر المادية القديمة هي المجتمع "المدني", ووجهة نظر المادية الجديدة هي المجتمع البشري او البشرية التي تتسم بالطابع الاجتماعي)(ماركس- انجلز/ منتخبات- المجلد الاول . ص 109).
قبل مائة وثمانية وستون سنة يقول ماركس.. ان "المجتمع المدني" هو وجهة نظر قديمة وتابعة الى مادية قديمة اي مادية فورباخ.. الميكانيكة والتأملية, هو مجتمع برجوازي ويساوي هذا المجتمع عبر مؤسساته المختلفة... اذن البنية الطبقية واحدة لجزئي اليسار... ولكن ان مشكلة ما ربما هي تغير في الادوار بين الولايات المتحدة وروسيا. روسيا القديمة كانت تتوسع تحت إسم "الشيوعية" ولكن شيوعيتها شيوعية برجوازية.. وتمثل راسمالية الدولة, سقط هذا النموذج للراسمالية امام اقتصاد السوق الغربي, ولم يبقى لهذا اليسار العمومي سند الدولي مقارنة بالمرحلة السابقة. امام اليوم بعد التحاق روسيا والصين الى أقتصاد السوق.. لم يبقى شئ للجانبين غير ان يكشفوا امرهم.. كدولتين كبيرتين لكل واحد منهما طموحات عالمية, من ورائها. عليه لم يبقى لليسار بوصلة ما ليرى دربه فيها, وفقدان البوصلة حولته الى الجزء "المتعصب" وجزء "المجتمع المدني" وجزء "الطائفين والعشائريين". بعد فشل الاستراتيجية الجديدة لامريكا في العراق وافغانستان ووقوع الراسمالية العالمية في ازمة اقتصادية عميقة.. وظهور غول اقتصادي كبير كالصين وعدد من الدول الاخرى... وبعد ان نهضت روسيا من مرحلة نقاهتها... كل دول من هذه الدول ومعهما فرنسا والمانيا تحاول ان تتوسع على حساب الاخر... أن من يؤيد امريكا او من يؤيد روسيا ليس نابعة من حسابات قديمة ابان الحرب الباردة... بل ان موقع اليسار الطبقي هو نفسه اي ان الموقع الطبقي للتيارات السياسية لا يتغير او ان تغييره شبه مستحيل, ان لم نقل مستحيلا, إلا بفعل الثورة العمالية اي الثورة في سبيل فناء الطبقات جميعاً
. امريكا تحتل البلدان بحجة نشر "مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان" او "لصد الارهاب" روسيا والصين لا تحتلان البلدان ويتوسعان عبر العلاقات الاقتصادية وما تسمى بالدبلوماسية الهادئة في هذه المرحلة. ولكن السياسة والهدف هو نفسه... في ظل المرحلة التي تقسم فيها العالم مجدداً. ان الوضع السوري ونزيف دم الابرياء منذ اكثر من سنتين, هو وضع يعكس الصراع بين القوى الكبرى. لا الاسد الدكتاتور البرجوازي القومي يتمكن من البقاء بدون روسيا والصين, ولا المعارضة البرجوازية الاسلامية والجيش الحر تتمكن من البقاء والادامة بدون امريكا والغرب ومرتزقتها قطر والسعودية... بل ان المعارضة السورية هي صنيعة لهذه القوى ونزول "هيتو" كرزاي سورية هذا الوجه الغير معروف لحد الان للمعارضة التي يقودها, ولم يكن شخصاَ مناسباَ لهذا الموقع حتى وفق مقربيه , بدون "سياسة الشيكات" القطرية, اي الدفع الفوري... هذه هي القضية. ان الصراع الحالي في سوريا هو انعكاس للصراع الطبقي, ولكن صراع بين اجنحة مختلفة للبرجوازية, صراع يهدف الى تقسيم المناطق والنفوذ على صعيد العالمي, صراع بين مختلف الشركات العالمية من زاوية أخرى....صراع بين مختلف اجزاء الراسمال العالمي داخل السوق العالمي.. كلاهما مشتركان في بقاء النظام البرجوازي لا بل مشتركان حتى في بقاء النظام نفسه ولكن بدون "الاسد"... وحتى ليس هناك اي صراع حول اقتصاد السوق لان نظام الاسد بدأ به منذ مجيئه... اذن هو صراع حول تقسيم المنطقة مجدداً.... عنوانه نزيف الدم في سوريا, وكان قبله في ليبيا والعراق وافغانستان... العملية تجري على قدم وساق والعناوين مختلفة... في السورية يجري الامر تحت "اسم الثورة" وهي معاكسة عنها في كل تفاصيلها. بعد اليسار نصل الى "الثورة" السورية.
حول الثورة مجددأً:
كتبت حول هذا الموضوع عدد من المقالات واخرها "تشيئت الثورة الى عكسها". من الواضح ان هذه القضية مع كمية هائلة من التضليل والخداع والنفاق يمارس من جانب القوى البرجوازية واعلامها الماجور.. يفرض علينا ان نعالج هذا الامر بصورة غليظة حتى نضع النقاط على الحروف الصحيحة... انها قضية غليظة فعلاً. ان الاعلام اليوم يقول لنا "اكذب, اكذب, ثم اكذب" حتى اقنع الراي العام. الثورة, الثورة, الثورة, لكي تفرغ الثورة من محتواها, ليتسنى لهم ابعاد الناس والجماهير الكادحة عن الثورة... الثورة في طبيعتها هي الامل والمتسقبل ومحاولة جموع البشرية لتحسين وتغير امورها وحياتها نحو الافضل, ولكن نرى في سوريا شئ معاكس وعملية معاكسة, انها تدمير وخراب وبذر والبذور للتفرقة الطائفية والقومية والمذهبية والجنسية... انها عملية لتحويل الثورة الى ظاهرة كارثية لابعاد الناس عنها ولكن باسم "الثورة". هل من المنطق ان يساعد الدكتاتور أمير قطر الثورة في اي مكان وهو نائم على مليارات من البترودولارات ويوزعها وفق اوامر الاستخبارات المركزية الامريكية... هل من المنطق ان يساعد ملك السعودية هذا الدكتاتور المريض الثورات في اي مكان وهل يعقل ان تساعد امريكا والناتو الثورات؟! هذه الاسئلة اسئلة بسيطة لاي أنسان في الشارع, والاجابة واضحة ايضا. ولكن للمفكرين والمثقفين والتيارات السياسية الامر مختلف تماماً.
يقول السيد العظم (في مناقشة هذا الموضوع أبدأ بالمعايير المحلية. في سنة 1952، نفّذ الضباط الأحرار في مصر انقلاباً عسكرياً أطاح بالحكم الملكي هناك، وسميّ الانقلاب «ثورة 23 يوليو». في سنة 1958، نفّذ ضباط في الجيش العراقي انقلاباً عسكرياً بقيادة الجنرال عبد الكريم قاسم، أطاح بالحكم الملكي هناك أيضاً، وأصبح اسم الانقلاب «ثورة 14 تموز». وتوالت الانقلابات العسكرية في العراق: انقلاب عسكري في 8 شباط 1963 تحول إلى «ثورة 14 رمضان»، انقلاب إضافي سنة 1968 أصبح «ثورة 17 تموز». ...وفي سنة 1978-1979، قامت هبة شعبية هائلة في إيران أطاحت بحكم الشاه– بقيادة رجال الدين الشيعة- وسميت الحركة كلها «بالثورة الاسلامية في إيران». فإذا جرى العرف العربي، لأكثر من نصف قرن، على تسمية هذه الانقلابات العسكرية كلها،... فلماذا يبخلون على ما يجترحه الشعب السوري من ملحمة بطولية اليوم في مقارعة الاستبداد والطغيان بلقب «ثورة»؟).
اذا نخرج من هذه النوعية من التحاليل والمحللين والسيد العظم واحد منهم... نرى بوضوح ان الانقلابات العسكرية التي يتحدث عنها, ويستند عليها لكي نقبل منه, ان الفوضى والاضطراب والتدمير الحالي في سورية: هي "الثورة", هي الانقلابات العسكرية في مصر وسوريا والعراق لا تمت بالثورة بصلة. انها انقلابات عسكرية مدعومة من احد القطبين العالميين حينذاك وكجزء من صراعهما على الصعيد العالمي ابان الحرب الباردة. انها انقلابات عسكرية, والانقلابات العسكرية كانت وسيلة وخطة عمل سياسي للقوى العالمية لدعم برجوازيات المنطقة والوصول بها الى سدة الحكم عبر هذه الانقلابات واسقاط الحكم الملكي الذي كان عائقا امام تطوير وتوحيد الصف البرجوازي كطبقة وبالتالي سيادتها على صعيد الحكم. تم هذه العملية بصورة نهائية وبعد انقلابات عدة في العراق تموز 1968 على يد الحزب البعث وتم على اثره توحيد الصف البرجوازي على صعيد العراق كله, وهكذا في مصر سنة 1952... ولكن تسمية هذه الانقلابات بالثورة لها معانيها ومدلولاتها السياسية... سواء كان من جانب الانقلابين او من جانب البرجوازية كطبقة وبالتالي مثقفيها ومفكريها واعلامها.
ان عبدالناصر ادرك هذا الامر الذي قاده مع الضباط الاحرار بأنه انقلا ب عسكري حيث يقول "ولم يكن الذي حدث يوم 23 يوليو, تمردا عسكريا, وليس ثورة شعبية, فلماذا قدر للجيش, دون غيره من القوى, ان يحقق هذه الثورة؟!( جمال عبدالناصر/ فلسفة الثورة/ التاكيد مني) وتكرر هذه الرؤية في كتابه على الاقل مرة اخرى وبصيغة اخرى...على اية حال ان السيد العظم يستلهم من هذه العناوين وتسمية هذه الانقلابات بالثورة, ليتسنى له ان يحاجج الاخرين وتبرير موقفه من دعمه "للثورة" السورية. يستلهم لانه لا يقول اي شئ حول المحتوى الطبقي لهذه الانقلابات العسكرية, حتى لا يتعب نفسه ويمشي مع السوق عسى ان يكون في مصلحته!!. ان تسمية هذه الانقلابات "بالثورات" مصدرها المدرسة الفكرية نفسها اي اليسار القومي العربي بجزئيه "المتعصب" و" المجتمع المدني" والجزء الخارج منه الان "العائدون الى الوطن".... هو استلمتها من الام اي الحركة القومية العربية بقيادة البعثيين والناصرين. اذن هذه هي تقاليد وثقافة وفكر هذه الحركة والمدرسة. كان حينذاك صراع بين القطبين ابان الحرب الباردة يؤثر بشكل مباشر على اتخاذ السياسات من قبل هذه اليسار بمجمله, كل الخطوات التي ترسخ راسمالية الدولة كانت مؤيدة ومساندة من قبل هذه الحركة باعبتارها "إشتراكية" وكان راسمالية الدولة كل استراتيجيتها ولحد الان... اليوم بعد انهيار القطب العالمي لرأسمالية الدولة في الاتحاد السوفيتي والتحاق هذا القطب باقتصاد السوق لم يبقى اي عنوان ايديولوجي للصراع بين القطبين, لا "خطر الشيوعية" ولا بالمقابل "خطر الامبريالية".... كلها عناوين للتضليل والتحميق... حتى "الامبريالية" كانت تروج لها كغارات للعصابات دون اي محتوى طبقي لمفهوم الامبريالية... اليوم تتواجه الاقطاب العالمية وجه لوجه وبصورة سافرة كمدافعين للراسمال من جانب ومن جانب اخر لأعادة تقسيم العالم مجددا وقبر إتفاقية سايكس بيكو في الشرق الاوسط, بالتالي الصراع على منطقة النفوذ...
اما فيما يخص "الثورة في ايران" هذا شئ مختلف تماما عن الانقلابات العسكرية. انها فعلا ثورة جماهيرة عارمة شاركت فيها كل الطبقات والفئات الشعبية... الطبقة العاملة وخصوصا في القطاع النفطي كان لها دورا قياديا رائداً واليسار وهذا اليسار طبعا من ناحية المحتوى هو اليسار نفسه الذي نتحدث عنه... وظهرت المجالس العمالية في المحلات والمعامل ... وظهرت قوى ماركسية جديدة تشكلت على اثرها بعد الثورة كحزب كمونيست الايراني... وهو حزب منتقد لحزب تودة اي الشيوعية السائدة وكان له دور في توضيح الرؤية الماركسية الى حد كبير. وهي بعكس قول السيد العظم والاعلام وخصوصا الاعلام الغربي الذي وصفتها "بالثورة الاسلامية" ان قوى الاسلام السياسي اجهضت الثورة بإسم الثورة. وهل هذه الظاهرة او السياسية هي جديدة؟ طبعا لا. ان القوى المناهضة للثورة ليس بامكانها ان تجهض الثورة بدون ان تلبس اسم "الثورة" وحتى شكلت "مجالس الاسلامية في المعامل والمصانع" على غرار اسم "المجالس العمالية" وتلك كانت سياسية لأجهاض المجالس. هذه العملية هي عملية سياسية واستراتيجية معروفة ومدعومة من امريكا وفرنسا, لاجهاض الثورة وقمع الحركة العمالية والراديكالية وعلى اثرها تم اعدام اكثر من مائة الف شخص... وتم تطبيق الشريعة الاسلامية وفرض التراجع على المجتمع في ايران.. هذه هي الثورة الاسلامية يا صاحب كتاب "نقد الفكر الديني"؟! هذه هي الثورة المضادة قادها الاسلام السياسي بدعم غربي مباشر.. على الاقل خوفا من هذا اليسار الذي تتحدث عنه, خوفا من الاتحاد السوفيتي ومجئ "اليسار"... ولو ان اليسار في ايران تطور وتقدم على اثر هذه الثورة الى مديات مغايرة طبقيا وبالتحديد على الصعيد النظري والفكري.... ليس من الصعب ان تمر مرورا سريعا بابحاث منصور حكمت... حول ثورة ايران وحرب الخليج الاولى وافغانستان, وحول الشيوعية...الخ. واليوم يحاول الاسلام السياسي في مصر وتونس حيث أنهما البلدين الوحدين اللذان تمت فيها الثورة والوضع الثوري مستمر لحد الان... وبمساعدة امريكا لاجهاض الثورة فيهما عبر مشروع تقوية الاسلام السياسي الاخوانجية وبمساعدة اموال قطرية ودعم سياسي ومعنوي تركي وسعودي, وذلك لابعاد الطبقة العاملة في مصر بالتحديد والقوى الراديكالية في مصر وتونس عن المسرح السياسي وفي سبيل أمرار اقتصاد السوق واوامر البنك الدولي بسهولة وبالتالي تقوية النفوذ والموقع الامريكي والغربي في المنطقة... ولكن الثورة في مصر لها بنيتها الطبقية الواضحة وفي تونس ايضا, عليه ان الوضع في البلدين لحد الان يبشران بالخير لجماهيرهما ونسائهما وشبابهما وعمالهما... الوضع الثوري مستمر فيهما... تنقصهما تنظيم الطبقة العاملة في الحزب الطبقي والرؤية الطبقية الواضحة للصراع مع البرجوازية كطبقة وكنظام سياسي اجتماعي. السيد العظم ليس في جعبته تحليل ماركسي عليه لا يحلل الثورات والظواهر الاجتماعية الكبرى والصغرى بمنطق التحليل الطبقي والمنهج الطبقي... وبالتالي يلتقط الصور بعد التحميض مثل الاعلاميين والصحفيين, هل لي حق القول ان المثقفين سواء كانوا كبارا او صغارا... فئة من انصار الطبقة الحاكمة, هل لي حق القول ان المثقفين وعياً منهم او بدون وعي, يروجون لأفكار رجعية وعتيقة لصالح الراسمال ونظامه....
ان القتل والدمار الذي يجري في سورية لا يمت بصلة بالثورة بل أنها حركة واضطراب تعاكس الثورة وتناهضها. وهذا التحليل للثورة الذي قرأناه من السيد العظم هو مغاير تماما "لنهجه الماركسي". عليه ان الثورة وفق المنهج الماركسي لها بنيتها وحالتها ومقدماتها الطبقية وبالتالي السياسية واشكال مختلفة من النضالات والتنظيمات... اكدت على هذا الامر في مقال او بحث تحت عنوان "بصدد الثورة" وانقل جزء ولو طويلا لتوضيح رؤية ماركس والماركسسين ومنهجم حول الثورة كتبت وقلت (يقول ماركس "في مرحلة معينة من تطورها تتناقض قوى الإنتاج المادي للمجتمع مع العلاقات الإنتاجية القائمة أو بعبارة أخرى (حيث أن هذا هو التعبير الحقوقي لنفس الأمر) مع علاقات الملكية التي سبق وأن عملت تلك القوى في إطارها. وستتحول(هذه العلاقات الموجودة) من إطار لنمو قوى الإنتاج الى عقبة في طريقها، حينذاك ستبدأ مرحلة من الثورة الاجتماعية"(مقدمة في نقد الاقتصادي السياسي). كيف نعرف او نعلم ان الحالة او الوضع الاجتماعي العام وصل الى "ستبدا مرحلة من الثورة الاجتماعية" للاجابة على هذا الامر بامكاننا ان نستخلص تجارب الثورة سواء كانت الثورات التاريخية الكبرى من الثورة الروسية أو الثورة الفرنسية, الثورات التي حملت على ظهرها هدفا اجتماعيا عظيماً وهو الانتقال الاجتماعي من نظام اجتماعي قديم الى نظام اجتماعي جديد, او الثورات الجماهيرية العامة في إيران او في مصر او تونس, التي شاركت فيها مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية.... والاجابة هي ان الطبقات الدنيا لا تريد وتعجز فيها الطبقات العليا وفق لينين. ما هي الدلالات الاجتماعية والسياسية لهذا الامر؟ ماذا تعني ان الطبقات الدنيا لا تريد؟ وتعجز الطبقات العليا؟ للاجابة على هذه الاسئلة والتعريف الماركسي اعلاه نصل الى العالم الواقعي, العالم الذي يجري فيه الصراع بين الحركات الطبقية الاجتماعية في سبيل سيادة الطبقة اجتماعيا, اي استلام السلطة السياسية. مرحلة الثورة او الثورة لها مدلولاتها السياسية والاجتماعية, وهي ان الجماهير بصورة عامة وبشكل عريض تجر الى الممارسة الثورية في سبيل تحقيق اهداف الثورة سواء كانت الثورة الجماهيرية العامة او الثورة العمالية. الحلقة الرئيسية هنا ووفق منظورنا هو ولوج العنصر الفعال التاريخي في مرحلة تأريخية معينة وهي مرحلة تعفن الراسمال المعولم بكل تجلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والايدولوجية والاخلاقية. العنصر الذي بامكانه ان يقود الانتقال من المرحلة التاريخية الراهنة الى مرحلة تأريخية ارقى اجتماعيا. هذا العنصر هو الطبقة العاملة بدون منافس.... هذا العنصر الفعال ولانها الطبقة الوحيدة ليس لقيادة الثورة فقط بل لقيادة التحولات التالية بعد انتصار الثورة والانتقال بالمجتمع برمته الى مجتمع إشتراكي, عليها ان تكون منظمة ومتمرسة في خنادق النضال الطبقي, عليها ان تكون مسلحة بنظرية وفكر وتقاليد نضالية وسياسة المانفيست الشيوعي لماركس, عليها ان تكون منظمة في حزبها الطبقي.... وعليها ان تكون مستعدة من الناحية السياسية والتنظيمية والاجتماعية والعسكرية لقيادة هذه الثورة... انها جزء الحركة الطبقية العظيمة التي لها حصة كبيرة في خلق الحالة الثورية اي حالة "الطبقات الدنيا لا تريد"... ولو ان الثورة ليست من صنع الاحزاب السياسية ولكن لها دورها في تفعيل وخلق هذه الحالة. وفق هذا المنظور وفي لحظة تأريخية معينة يصل المجتمع الى الحالة الثورية, ولكن هذه حالة لها مقدماتها السياسية والنضالية والاجتماعية, انها لا تمطر من سماء صافية بل لها اسبابها الاجتماعية التي تجري على الارض بين الطبقات, اي الصراع السياسي الذي يخلق في التحليل الاخير هذه الحالة الثورية التي تجبر السلطة السياسية البرجوازية الحاكمة ان تعجز عن الاجابة في اطارها القديم اي في اطار المؤسسات والسياسات والاعمال الادارية والقمعية المالوفة للدول البرجوازية, تعجر عن الاجابة على مطالب الحشود الثورية وتعجز في الوقت نفسه عن قمع الحركة الثورية بصورة فورية وعليه تركن الى تراجعات سياسية ربما كبيرة "الاصلاحات" ولكن هذه الاصلاحات ليست عملية إصلاحية لصالح الرأسمال وليست عملية إصلاحية مالوفة في الحالة الاعتيادية للمجتمع بل إصلاحات فرضت بالعنف الثوري. والحال كهذا ان الثورة لم ولن تحدث دون مقدمات سياسية واجتماعية كما يدعى مفكري البرجوازية وفق تحليل البناء الوظيفي البرجوازي حيث وفق هذا التحليل أن "الثورة تحدث دون مقدمات، باعتبارها طفرة في مسار التطور التاريخي" وفق هذا التحليل ليس هناك فرق بين الثورة والثورة المضادة, الاهم هي" تغييرٍ أساسيٍ في التنظيم السياسي والبنيان الاجتماعي" وعليه ليس هناك فرق بين الثورة الفرنسية الكبرى في القرن الثامن عشر والحركة النازية في المانيا مثلا حيث يسمي "كرين برينتون" أحد مفكري هذا المنهج: النازية والفاشية بثورة وفق تحليله ومنظوره الطبقي. ولكن وعلى رغم انف برينتون ومفكري البرجوازية للثورة مقدمات اجتماعية, هذه المقدمات الاجتماعية التي تسبق الحالة الثورية والثورة, تختلف من بلد لاخر وفق الظروف الموضوعية التي تناضل فيها الطبقة العاملة والقوى الثورية الاخرى, والصراع على السلطة السياسية بين مختلف القوى البرجوازية من جانب وبين الطبقتين من جانب اخر والقوى الثورية المؤيدة لهذا الطرف او ذاك. اذا نأخذ مصر كمثال.. نرى ان مقدمة الثورة الجماهيرية العامة في مصر هي نضالات مستمرة ومتواصلة للطبقة العاملة من سنة 2006 ولغاية سقوط نظام مبارك, حيث وصل عدد الاضرابات والتظاهرات العمالية خلال تلك الفترة ما يقارب خمسة الاف اضراب وتظاهرة عمالية ناهيك عن النضالات الجماهيرية الكبيرة حول السكن والمعيشة والبطالة. ) (سامان كريم- بصدد الثورة/ التاكيد مني).
في سورية ان كل المناضلين الشيوعيين العماليين على غرار ماركس, يبتغون ويهدفون الى تغيرجذري والى اسقاط الحكم الديكتاتوري الطبقي سواء كان بقيادة الاسد او بقيادة كرزاي سورية "هيتو" القائد الجديد لجماعات الكونترا السورية ... تغير جذري لا يعتمد على القطبين لا على روسيا الراسمالية ولا على امريكا الراسمالية.. لا على تركيا الاخوانجية ولا على قطر برمزجي.. بل تعتمد على قواها الطبقية الثورية وتضامنها مع طبقتها على الصعيد العالمي.... الطبقة العاملة في سورية اصبحت خارج اللعبة السياسية. ولكن العملية هذه اي اخراج الطبقة العاملة من اللعبة هي سياسة مدروسة من الجانبين النظام الحاكم والمعارضة بكل اطيافها... من الغرب ومن روسيا... عليه ان الخطوة الاولى في سبيل هذه المهمة مهمة اخراج القوة الثالثة التي تهدف فعلا الى تغير شامل وتحقيق المطالب الثورية للجماهير من الحرية والمساواة الى المطالب الانية من ضمان البطالة والحريات الفردية والمدنية والاجتماعية والمساواة التامة بين الرجل والمراة وفصل الدين عن الدولة, وتحقيق قانون حق المواطنة المتساوية للجميع.. والغاء الصفة القومية والدينية للدولة... ومشاركة الجماهير في تقرير مصيرها السياسي عبر مجالسها في المحلات والمعامل والمؤسسات.... هي فصل هذه الحركة عن الحركة الاسلامية بكافة مشاربها السلفية والاخوانية والقاعدتية والجهادية والشيعية.... وعن الحركة القومية العربية بيسارها ويمينها بحزبها الحاكم ويسارها البائس..... وبالتالي بناء دولة سورية جديدة وفق هذه الرؤية.... وهذا يتطلب جملة من الوظائف النظرية والسياسية والتنظيمة المهمة, يتطلب تنظيما او حزبا قويا.. لمواجهة هذه الوضع الخطير. الوقت متأخر جدا, وهذا طبيعي في ظل ماضي الحركة العمالية في سورية, ولكن بدون هذه البداية وبدون انخراط الجزء الطليعي من هذه الطبقة في مهمامها الثورية لا مناص من اعادة المجتمع السوري الى الوراء بعشرات السنين, وليس كما يصورها السيد العظم بتأمل شاعري!! ... لا للأسد لا للإخوانيين, لا للاسد لا لجيش الحر, لا للأسد لا للإئتلاف الوطني.... هو شعار مناسب لقوى الثورية فعلا لتك القوى التي تهدف خيرا لسورية ومجتمعها...
واخيراً علي غرار نقد فلسفة الحق لماركس, علي ان أوكد ان نقد الدين لم يبدأ بعد في العالم العربي, حيث انتهي على الصعيد العالمي او الاوروبي على الاقل منذ زمن طويل... والحال ان نقد الدين هو مقدمة لكل نقد أخر في العالم العربي... ولتجاوز حالته الثقافية البائسة, وإنتشال الفكر من حالته الدينية وهائلته المقدسة. 4.4.2013
#سامان_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار حول التنظيم الشيوعي العمالي!
-
جامعة بغداد للبنات, جامعة للفصل الجنسي!
-
-الشراكة الوطنية- انتهت, وماذا بعدها!
-
نضال عمال نفط الجنوب, انقشعت غيوم الطائفية, وتجاوز لخرافات أ
...
-
حول التحرش الجنسي ضد المرأة!
-
تشيّأت الثورة الى عكسها!
-
سياسة الشيوعية حول التظاهرات في الانبار والاخرى في جنوب العر
...
-
المزاج الثوري في المنطقة
-
نقد آراء سلامة كيلة- الشيوعية العربية, ومأزق الوضع السوري!
-
لكي لا يقع المجتمع المصري في الفخ مرة اخرى!
-
الوضع السوري, والوضع في كركوك!
-
مستجدات الوضع السياسي في العراق وسياسة الحزب الشيوعي العمالي
...
-
بصدد الثورة!
-
بعد الويلات و المعاناة تم خصخصة الكهرباء في غفلة الجماهير!
-
حول مشروع مسودة قانون الاحزاب.
-
حول الأوضاع الراهنة في العراق
-
سياسة الشيوعية اتجاه الوضع السوري
-
في اليوم العالمي للعمال دولة رئيس الوزراء , يحاول إبعاد العم
...
-
التنظيم الشيوعي واللجان الشيوعية
-
الضرب على الوتر القومي -العرب- و -الكرد- سلعة متعفنة !
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|