|
تشافيزنا
كلاوديو كاتز
الحوار المتمدن-العدد: 4053 - 2013 / 4 / 5 - 08:21
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
فتحت وفاة الرئيس تشافيز نقاشا حادا حول حصيلته، وحول مستقبل "السيرورة البوليفارية". ففيما راكمت وسائل الإعلام المهيمنة الصور الساخرة، سقطت بعض تعبيرات الإشادة يسارا في عبادة لانقدية للشخصية قلما تتلاءم مع الاشتراكية. كما يفتح اختفاء تشافيز سيناريو انتقال يلفه الغموض في فنزويلا، مرحلته الأولى مطبوعة بالانتخابات المقبلة في 14 أبريل. إن كانت أغلبية شعب فنزويلا عبرت بجلاء عن دعمها وإرادتها مواصلة السيرورة الجارية، فإن الانقسامات والتناقضات داخل مختلف التيارات التشافيزية قد تطغى بسرعة في حال غياب قائد موحِـد. لمواصلة تقييم حصيلة التشافيزية ننشر جملة مقالات تقدم على نحور مفارق مختلف مواقف تشافيز في القضايا الدولية.
رغم أن النهاية كانت منتظرة، كان ثمة دوما قليل من الأمل. كانت أصوات عديدة تطلب "أن يصمد لأننا بحاجة إليه". لم يحصل هذا و اجتاح الحزن ملايين الأشخاص بوجه ما هو غير قابل للإصلاح.
إن شخصا لا غنى عنه قد غادرنا، ولن يسد أي تكريم هذه الخسارة. كل إحياء للذكرى تختار إحدى الأوجه: الزعيم، متقن التواصل، الخطيب، بركان الطاقة، الجريء. لكن بعض التكريمات تذيب ارثه حول الاشتراكية و الألبا ALBA (التحالف البوليفاري من أجل شعوب قارتنا الأمريكية).
وضع تشافيز بصوت عال الرأسمالية موضوع سؤال، و استعاد مشروع تحرر بدا مدفونا. و استعاد مفاهيم، وأعاد التذكير بماركسيين منسيين، وندد بالبرجوازية، وأعلن إعجابه بكوبا. و نقل أفكار مساواة اجتماعية و ديمقراطية حقيقية أدت على انقلاب في وعي المضطهدين. ولم يدافع بشكل ملتبس عن كرامة البسطاء وحقوقهم. و دعا إلى تخيل مجتمع بدون استغلال، ولاتنافس، ولا تعطش إلى الربح.
هذا البعد لا يزعج أنصار"الرأسمالية الجدية" وحسب. بل يزعج أيضا العصبويين، الذين يثيرهم أي منظور لا يتبع وصفاتهم. ينتقدون المسافة بين المشروع وتجسيده، كأنهم أبانوا عن قدرة ما لسد هذه الفجوة. لقد أنقذ تشافيز الاشتراكية من كتب التاريخ ليضعها من جديد ضمن إمكانات المستقبل.
وبرهن من جديد أن هذا الأفق مطابق في أمريكا اللاتينية للوطنية الثورية. و كرر مسار عسكر معادين للامبريالية تجذروا بالتلاقي مع النضالات الاجتماعية. و حصل على تناغم مع شعبه و على صدى لم يكن لأي توريخو Torrijos أو فيلازكو ألفارادو Velazco Alvarado (1).
يجب أن تؤخذ بمزيد حذر المماثلات مع البيرونية(2). صحيح انه نفس الاقتحام لجماهير كانت من قبل صامتة، ونفس تحقيق مكاسب اجتماعية. لكن تشافيز كان يتبع طريقا كوبيا متعارضا كليا مع النظام المحافظ. و لهذا لم يقم قط بتشكيل أجهزة قمعية مثل التي كانت للعدالوية (حزب وحركة الرئيس الشعبوي الأرجنتيني خوان بيرون). بدل مواجهة الشبيبة المتعبأة، كان يشجع فكرة حزب اشتراكي.
حفز تشافير الاندماج الإقليمي، لكنه لم يضف طابعا مثاليا على الأعمال و أرباح أرباب العمل. كان يقبلهم كمعطى ضمن السيناريو الراهن ويتصورهم كأدوات استعادة السيادة. مشروعه كان هو الألبا l’ALBA : الوحدة بالتعاون. بدأ بحفز تبادل البترول مقابل أساتذة مع كوبا، وانتهى بتنظيم حملات تضامن لا تنسى مع المحرومين في هايتي، ومنزوعي الملكية في أمريكا الوسطى و فقراء بوليفيا. كانت هذه المبادرات قد جرى تأويلها بما هي "مناورات بترولية-ديبلوماسية" من قبل من لم يكونوا يرون في المبادرات غير جشع. تحاول الألبا إرساء تعاون أمريكي لاتيني آخر، بأقل من الموظفين ومزيد من الحركات الاجتماعية. تصورها تشافيز باستعادة تجربة بوليفار (3). إن امتدت حرب الاستقلال بتحرير العبيد و إلغاء العبودية، فإن المعركة الراهنة ضد الإمبراطورية تتطلب تدخلا أعظم للذوات الشعبية. ولم يدخر، في إعداد هذه المواجهة، التنديد بالقوة الأمريكية الفائقة.
لقد فقدت أمريكا اللاتينية صوت الراديكالية الساعية إلى تعبيد الطريق لإستراتيجية مناهضة للامبريالية. لقد حدث فراغ إقليمي كبير لا بديل يسده(لحد الآن). عند مناقشة ما إن كان لديلما روسيف (رئيسة البرازيل) أو كريستينا كيرشنر- رئيسة الأرجنتين) الكاريزما الكافية لتعويضه، يُنسى مضمون الزعامة التي مثلها تشافيز. كان القائد يقول الحقيقة كما هي لأنه لم يكن يخشى تحدي الأقوياء. هذا ما جعله يهزأ من الدبلوماسيين الأمريكيين و الملوك الأوربيين الصغار الذين كانوا يسعون إلى إخراسه.
عرف تشافيز كيف يجمع الانسجام والذكاء في تقييم موازين القوى. كانت تلك القدرة جلية جدا في المرحلة الأخيرة، عندما أعاد تنظيم الحكومة، و كون فريقا، و موقع مادورو و أضعف كابرليس (زعيم المعارضة الفنزويلية اليمينية). وبذلك النحو سد فراغ السلطة الذي طالما تمناه اليمين. لكنه سرع، بالطاقة المبذولة في الحملة الانتخابية ، نهايته الخاصة(...)
بات النزاع بين تعميق السيرورة الفنزويلية وتجميدها أكثر التباسا. ثمة توتر يومي بين البيروقراطيين الذين يستعملون القناع البوليفاري بقصد الاغتناء، بإعادة خلق اقتصاد الريع التصديري و الاستهلاك غير المنتج. و يعرقلون بناء اقتصاد صناعي، متسم بالفعالية و الاكتفاء الذاتي الغذائي. و يراكمون ثروات بفضل العملة الصعبة المتأتية من مال البترول، ويعمقون عجز الميزانية و يحافظون على دورة خفض قيمة العملة.
من جهتهم، يعترف معارضون كُـثر، حالياـ بالتغيير الكبير الذي حدث في توزيع ريع البترول. و يقبلون واقع ان تلك الموارد قد استعملت على نحو مفيد في التغذية والتعليم والصحة والسكن الشعبي. لكنهم لا يشرحون أبدا سبب عدم تجسيد أي رئيس لمثل هذا التغيير.
إن المكاسب المحققة جلية و بالغة الدلالة. لكنها غير كافية وقد تُفقد إذا جرى تأخير تجذر السيرورة الثورية. لم يبق ثمة سائق، وقد أن أوان تشكيل قيادات جماعية أكثر ومنتخبة من القاعدة. هذا التطور ممكن بفعل الطابع غير المنتظر للسيرورات الثورية. قبل عشر سنوات، مثلا، لم يكن ثمة من يتصور الانعطاف الذي ستحدثه السيرورة البوليفارية.
سيدخل تشافيز التاريخ من بابه الكبير ليتبوأ مكانة إلى جانب تشي غيفارا. كان غيفارا رمز ثورة صاعدة أيقظت تطلعات في التوسع الفوري للاشتراكية. و ظهر تشافيز في سياق آخر. و عبر عن التمردات التي هزت أمريكا اللاتينية في مطلع القرن 21 وجسد انتصاراتها ضد النيوليبرالية. إنهما وجهان استثنائيان للحظتين من نفس الطريق نحو المساواة و العدالة و التحرر.
تعريب: المناضل-ة
كلاوديو كاتز:
باحث اقتصادي ماركسي، في المجلس الوطني للعلوم و التكنولوجيا، وأستاذ بجامعة بيونس ايرس بالارجنتين. نشر مؤخرا كتابا بعنوان « Bajo el Imperio del capital » حيث يعرض تحليلا مجددا للامبريالية اليوم. وهو عضو بجمعية الاقتصاديين اليساريين
إحالات:
1- الجنرال عمر إفراين توريخوس هيريرا ، ضابط بانامي. رغم انه لم يحمل قط لقب رئيس الجمهورية ، كان على نحو شبه رسمي قائد البلد الوحيد من 1968 حتى وفاته في 1981.
فلازكو الفارادو: عسكري ورجل سياسة بيروفي ولد في 16 يونيو 1910 ومات في 24 ديسمبر 1977. كان رئيس البيرو بين 1968 و 1975 بصفته "رئيس الحكومة الثورية " (ويكيبيديا)
2- "الحركة الوطنية العدالوية" او " البيرونية" حركة جماهيرية أرجنتينية تأسست حول الرئيس الشعبوي خوان بيرون، الذي كان فاعلا سياسيا كبيرا في أرجنتين بدءا من 1940. يمثل الحزب العدالوي، الذي منع بانقلاب من 1955 إلى 1972، الممثل الرسمي للحركة كان أيضا قويا في نقابة الاتحاد العام للعمل الأرجنتيني (ويكيبديا)
3- سيمون بوليفار (1783-1830) بطل حرب الاستقلال بأمريكا اللاتينية ضد السيطرة الاستعمارية الاسبانية. ولد في فنزويلا و كان يحلم بتوحيد أمريكا اللاتينية.
#كلاوديو_كاتز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسة - إمبريالية القرن الواحد والعشرين
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|