هل الخوف ردئ دائما ؟

مجدى زكريا

الحوار المتمدن-العدد: 4052 - 2013 / 4 / 4 - 15:14
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

يمكن ان يهدم السعادة ويهلك الرجاء. وتجرى الاشارة الي انه سم عقلى , مهلك الفكر. ويقال انه مهلك اسوأ من اى مرض جسدى. نعم , الخوف انفعال شديد. ولكن , هل هو ردئ دائما ؟
تخيلوا انكم تقودون سيارة فى طريق غير مألوف. الطريق يرتفع فى الجبال ويبتدئ فى الانعطاف والانعراج. والليل يشرع فى الهبوط , ومعه يأتى رذاذ خفيف من الثلج , فتنزلق سيارتكم قليلا , وتدركون انكم بلغتم ارتفاعا يصير فيه الطريق مغطى بالجليد.
الان يجب ان تكونوا متيقظين جدا. واذ تجتازون بحذر كل منعطف مغطى بالجليد تفكرون كم يكون سهلا فقدان التحكم فى السيارة على السطح الزلق والاندفاع بسرعة الى الوادى فى الاسفل. وعلاوة على ذلك , ليست لديكم فكرة عن اية اخطار اخرى تكمن فى الظلام. واذ تراود ذهنكم افكار كهذه يجف فمكم ويخفق قلبكم اسرع قليلا. انكم متيقظون تماما. ومهما يكن ما كنتم تفكرون فيه من قبل فأنتم الان منشغلون كليا بالمهمة التى فى متناولكم: ابقاء السيارة على الطريق وتجنب اى حادث.
واخيرا , ينحدر الطريق الى ارتفاع اكثر انخفاضا. تكون هنالك مصابيح فى الشوارع , ولا يكون هناك جليد. وتدريجيا يترك التوتر جسدكم , فتسترخون وتتنفسون الصعداء. هل كان كل هذا الخوف بلا سبب ؟
بالحقيقة , لا. فتوتر الاعصاب المعقول فى ظروف كهذه هو رد فعل طبيعى. وذلك يجعلنا متيقظين , محترسين. والخوف السليم يمكن ان يساعدنا على عدم القيام بأى امر فيه تهور , مؤذين انفسنا. نعم , لا يكون الخوف دائما مهلكا للفكر او سما عقليا. ففى بعض الظروف يمكن ان يكون مفيدا.
والكتاب المقدس يتكلم عن الخوف وبلفت انتباهنا الى نوعين معينين. النوع الواحد من الخوف هو فعلا سم عقلى. ولكن الاخر ليس طبيعيا وسليما فحسب وانما هو اساسى من اجل خلاصنا. فما هما النوعان من الخوف ؟ وكيف يمكن ان نتعلم تطوير الواحد فيما نتجنب الاخر ؟
" خشية الانسان تضع شركا والمتكل على الرب يرفع. " (امثال 29 : 25) بهذه الكلمات يحذرنا المثل القديم من نوع الخوف الذى هو فعلا سم عقلى - الخوف من الانسان. انه مشبه بشرك. ولماذا ؟ لان الحيوان الصغير كالارنب , يكون عاجزا عندما يعلق فى شرك ويريد الهرب , الا ان الشرك يمسك به بقساوة. فالضحية فى الواقع , تشل.
اذا استولى علينا الخوف من الانسان نكون الى حد بعيد كهذا الارنب. فيمكن ان نعرف ماذا يجب ان نفعل. ويمكن ان نرغب ايضا فى فعله. لكن الخوف يستحوذ علينا. فنشل ولا نقدر على العمل.
فكروا فى بعض الامثلة فى ازمنة الكتاب المقدس عن اولئك الذين اسرهم شرك الخوف. ففى ايام يشوع أرسل 12 رجلا ليتجسسوا ارض كنعان قبل غزو الاسرائليين المنظم. وعاد الجواسيس واخبروا ان الارض خصبة وغنية , تماما كما قال الله. ولكن عشرة من الجواسيس ارهبتهم قوة السكان. وهكذا , اذ استولى عليهم الخوف من الانسان , نقلوا خبرا مبالغ فيه عن هذه القوة للاسرائليين وسببوا استيلاء الخوف على الامة بكاملها. فرفض الاسرائليون اطاعة امر الله بالتقدم الى كنعان وامتلاك الارض. ونتيجة لذلك , خلال ال40 سنة التالية , فان جميع السكان الذكور الراشدين لذلك الوقت , بقليل من الاستثناءات ماتوا فى البرية , دون ان يدخلوا ارض الموعد.
كان يونان ضحية اخرى للخوف من الانسان. فعندما عين ليكرز لمدينة نينوى العظيمة قام ليهرب الى ترشيش من وجه الرب. ولماذا ؟ كان اهل نينوى مشهورين بأنهم شعب قاسى القلب وعنيف. ويونان دون شك عرف ذلك. ان الخوف من الانسان جعله يهرب باتجاه بعيد عن نينوى. صحيح انه قبل اخيرا تعيينه ولكن فقط بعد ان نال تأديبا غير اعتيادى من الله.
وحتى الملوك قد يخافون من البشر. ففى احد المناسبات عصى الملك شاول بشكل مباشر امرا واضحا من الله. وتبريره ؟ " تعديت قول الرب لانى خفت من الشعب وسمعت لصوتهم. " (صموئيل 15 : 24) وبعد بضعة قرون , قدم ارميا , نبى امين , مشورة للملك صدقيا ان يستسلم للبابليين وبالتالى ينقذ اورشليم من كثير من سفك الدم. ولكن صدقيا رفض ذلك. ولماذا ؟ لقد اعترف لارميا : " انى اخاف من اليهود الذين قد سقطوا للكلدانيين لئلا يدفعونى ليدهم فيزدروا بى. " - ارميا 38 : 19.
واخيرا , حتى الرسول يمكن ان يخاف. ففى اليوم الذى كان فيه يسوع سيموت حذر اتباعه انهم سيتخلون عنه جميعا. ولكن بطرس اعلن بجرأة : " يارب انى مستعد ان امضى معك حتى الى السجن والى الموت. " وكم تبرهن خطأ هذه الكلمات. فبعد ساعات قليلة فقط انكر بطرس بخوف انه كان مع يسوع او حتى انه يعرفه. الخوف من الانسان سيطر عليه. نعم , الخوف من الانسان فعلا هو سم عقلى.
ممن يجب ان نخاف اذن ؟
" يتبع "

#مجدى_زكريا (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات