|
جمال حمدان وتعريب مصر
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4052 - 2013 / 4 / 4 - 12:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدكتورجمال حمدان مثقف موسوعى بلا أدنى شك. ولكن قراءاته الموسوعية تغلبتْ عليها الأيديولوجيا التى تفسد البحث المتجرد من أية نوازع عرقية أودينية. فهويرى أنّ الامبراطوريات القديمة (الفرس والرومان إلخ) كانت استعمارية (وهذا حق) بينما ((الدولة العربية كانت امبراطورية تحررية. فهى التى حرّرتْ كل هذه المناطق من ربقة الاستعمارالرومانى أوالفارسى واضطهاده الوثنى وابتزازه المادى)) وبعد أنْ إمتدتْ الامبراطورية العربية من أطراف الصين إلى أبواب فرنسا ((أصبحتْ دار الإسلام دارالعرب الكبرى)) ونظرًا لوعيه بالطبيعة الجغرافية لصحراء العرب ، طرح السؤال التالى ((لاشك أنّ مايدعوإلى الحيرة والتساؤل أنْ تستطيع قوى الصحراء الطاردة (قاعدة أرضية شبه خاوية وموارد طبيعية شحيحة وإنتاج اقتصادى متواضع) أنْ تُقهروتُخضع قوى البروالبحرالتقليدية العتيدة : فارس شرقًا وروما غربًا ؟)) بعد أنْ طرح تساؤله أجاب ((علينا ابتداءً أنْ نُسلم بأنّ هناك قوى ميتافيزيقة تكمن خلف هذه الدينامية المتفجرة والحيوية الدافقة. ولاشك أنّ جذوة الحماس الدينى المتقدة هى التى ألهبتْ خيال المؤمنين حتى تحوّلتْ بهم إلى شعلة ملتهبة وتحوّلوا هم بها إلى مشعل مضىء)) (وهذا كلام يقوله كل الأصوليين الذين لايعتمدون إلاّ المرجعية الدينية) ورغم تركيزه على أنّ الامبراطورية العربية كانت تحررية ، وقع فى التناقض عندما كتب ((والخلاصة أنّ القوة العربية الصاعدة مع الإسلام ، وإنْ بدت قوة صحراء ورعاة ، خرجتْ عن وصاية الصحراء لتضع قوى العالم الكبرى البرية والبحرية تحت وصايتها)) وبينما يرى أنّ الحملات الصليبية كانت دوافعها مادية اقتصادية (لنهب ثروات الشعوب واحتلال أراضيها وهذا حق) وبالتالى فإنّ رفع الشعارات الدينية زيف وبطلان ، فإنّ العرب (وحدهم) لم تكن لهم أطماع مادية اقتصادية ((وأنّ أخوة الدين كان يُقابلها أخوة الأقاليم . وسواسية الناس كانت تترجم سياسيًا إلى سواسية الولايات والمقاطعات. وأنّ الدولة العربية الإسلامية كانت شركة مساهمة بين كل أعضائها وأطرافها. وأنها لم تمربالمرحلة الاستعمارية المشينة. والحقيقة أخيرًا أنّ دولة العرب الإسلامية هى أول فصل فى جغرافية التحرير وأبعد شىء عن جغرافية الاستعمار)) ورغم إصراره على هذا ذكرالحقيقة المتفق عليها بين علماء الأنثروبولوجيا إذْ كتب ((أنّ الصراعات لاتخرج عن معادلة محددة بعينها هى الصراع بين الرعاة والزراع . بين الرمل والطين ، حيث نجد هجرات الرعاة وغزواتهم ، ابتداءً من الآراميين إلى الكنعانيين والفلسطينيين والعبرانيين إلخ تتواترخارجة من قلب الجزيرة العربية خاصة إلى كل المناطق الزراعية المجاورة للهلال الخصيب ووادى النيل. كانت هذه الموجات تزحف آلاف الأميال لتهوى عاتية كالمطرقة على مناطق الاستقرار)) (أنظركتابه استراتيجية الاستعمار والتحرر- دارالشروق عام 83من ص13- 32) وبنفس السبب الذى ذكره د. حمدان عن الصراع بين (الرعاة والزراع) تم للعرب غزومصروفارس وغيرها من البلاد المتحضرة. فلماذا ناقض نفسه واعتبرأنّ الامبراطورية العربية تحررية وليست استعمارية ؟ هل هناك سبب آخرغيرالأيديولوجيا التى تفسد الموضوعية ؟ وهذه الأيديولوجيا هى التى جعلته يتطابق مع الثقافة السائدة بعد يوليو52 التى نفتْ عن مصرخصوصيتها وجاهدتْ كى تـُرسّخ تلك المقولة الزائفة (مصرعربية) وحاول د. حمدان أنْ يبدوموضوعيًا فذكربأسلوبه الأثيرفى التلاعب بالألفاظ أنّ مصر((فرعونية بالجد ولكنها عربية بالأب)) (شخصية مصر- طبعة هيئة الكتاب المصرية عام 2000ص 12) ورغم اعترافه ب (فرعونية الجد) ألزمه توجهه الأيديولوجى إلى أنْ يذكرأنّ ((الحضارة الفرعونية ماتتْ فى مجموعها.. ولايتبقى لنا فى تاريخ مصرسوى انقلاب التعريب الذى من بعده أصبحتْ جزءًا لايتجزأ من العالم العربى)) وبعد أنْ ركزعلى الانقطاع الحضارى لمصركتب ((هناك من يحاول أنْ يُبالغ فى جانب الاستمرارية فى كياننا ، لا ليُبرزأصالة ما ولكن ليُقلل من جانب الانقطاع ، وبالتالى ليُضخم فى البعد الفرعونى فى تاريخنا ، فيُبعدنا بذلك عن عروبتنا.. والهدف هوتخريجات سياسية ترمى إلى التشكيك فى عروبة مصروبالتالى عزلها عن العالم العربى)) ثم يُصرعلى عروبة مصرفذكر((حين التقى العرب بالمصريين وتصاهروا لم يكن ذلك فى الحقيقة إلاّ لقاء أبناء عمومة أوأخوة فى المهجر)) ورغم قرابة الدم وفق تعبيره فإنه تجاهل أنّ العربى الذى غزا مصراستمتع بالمصريات باعتبارهن من الأسرى والعبيد . وإنْ قبل الزواج (بعد قرون) من المصريات فإنه رفض زواج المرأة العربية من أى مصرى ، وعبّرت أمثالهم عن هذا التعصب العنصرى فى المثل الشهير((ياكلها التمساح ولاياخدها الفلاح)) ثم يُلح على أبوة العرب لنا نحن المصريين وأنهم ((الأب الاجتماعى بالدرجة الأولى وليسوا الأب البيولوجى إلاّفى الدرجة الثانية حيث كانوا بالضرورة أقلية عددية بالقياس إلى المصريين)) والأخطرمن ذلك أنّ العرب ((عرّبوا مصرثقافيًا.. بينما مصرمصّرتهم جنسيًا)) فإذا كان الأمركذلك فلماذا ظلتْ الثقافة القومية التى أبدعها الأميون المصريون على النقيض من الثقافة العربية ؟ (لعلّ أبرزها تعددية الآلهة المصرية التى انتقلت إلى الاحتفال بالقديسين ثم الأولياء ، مقابل الوحدانية العربية) سؤال تحجبه الأيديولوجيا رغم سطوعه كشمس بؤونه. ويرى سيادته أنّ التمسك بالخصوصية القومية مثل الفرعونية والفينيقية ((دعاوى رجعية لنفى القومية العربية. ومضاربة القومية الشاملة بالوطنية المنغلقة. وهى لهذا مرفوضة ابتداءً ودون مناقشة)) إلى هذه الدرجة جعلته الأيديولوجيا يرفض المناقشة من حيث المبدأ على أساس أنه هوالوحيد الذى يملك (الحقيقة المطلقة) والدليل على ذلك أنه وصف من يتمسكون بخصوصيتهم القومية ب (الجهل) وكتب بلغة العاطفة أنّ مصرهى ((الشقيقة الكبرى للعرب)) ولم يسأل نفسه لماذا تفرض السعودية وغيرها نظام (الكفيل) على أبناء الشقيقة الكبرى ؟ سؤال تحجبه الأيديولوجيا التى دفعته لأنْ يكتب عن زعامة مصرللعرب قائلا ((لعلّ الاختبارالنهائى لزعامة مصرأنْ ترقى إلى مسئوليتها عن استرداد فلسطين للعرب)) (المصدرالسابق من ص 211- 240). هكذا نجد أنّ د. حمدان لم يختلف عن كتــّاب مابعد يوليو52فى الترويج لعروبة مصر. بل إنه ردّد أفكارعبدالناصرالذى قال أمام الشعب السورى ((كنا نشعربكم فى هذه المنطقة من العالم وقد عزلونا عنكم وأرادوا أنْ يقيموا فى مصربلدًا يتنكرلعروبته وينتمى إلى الفرعونية)) (خطاب 9/3/58) وقال أيضًا ((واستطعنا أنْ نرى أنّ الدعوة الفرعونية التى حاول الاستعمارأنْ يبثها بيننا ضمن الدعوات الأخرى إنما هى محاولة زائفة ، يُحاول الاستعماربها أنْ يُقسّم الأمة العربية ليقضى عليها جزءًا جزءًا ويقضى على العرب والقومية العربية ليحل محلها قوميات أخرى)) (خطاب 22/7/59) هذا التطابق بين كتابات د. حمدان وكلمات عبدالناصر، دفعتْ أحد مريدى د. حمدان (د. عبدالوهاب المسيرى) أنْ يُعلن اكتشافه الخطيرفكتب ((... ولنتوقف هنا لأشيرإلى حقيقة غائبة عن الكثيرين : جمال حمدان بلا منازع هو واحد من أهم فلاسفة ثورة 23يوليوفقد بلور رؤيتها للذات وللكون وللآخر، ووضع الأسس الفلسفية لمشروعها الحضارى الثورى . ونظّرللصراع العربى الإسرائيلى إلخ)) (من مقدمته لكتاب اليهود أنثروبولوجيًا تأليف د. جمال حمدان- دارالهلال- فبراير96ص20) فكيف نظرد. حمدان (أهم فلاسفة ضباط يوليو) لليهود الذين احتلوا فلسطين ؟ من عنوان الكتاب إلى المتن حتى آخرصفحاته يُرسخ لمقولة أنّ يهود اليوم غيريهود التوراة مرتكزًا على البُعد الأنثروبولوجى من ذلك قوله ((وفى النتيجة يكاد يُصبح جسم اليهود فى آخرالمطاف شيئًا مختلفـًا أنثروبولوجيًا عن يهود التوراة إنْ لم يكن لاعلاقة له بهم تقريبًا)) وهوفى هذه الفقرة يتجاهل مرجعية الصهيونية الدينية فى احتلال فلسطين ، ثم يُناقض نفسه إذْ كتب ((إنّ اليهود اليوم ليسوا من بنى إسرائيل ، وأنّ هؤلاء شىء وأولئك شىء آخرأنثروبولوجيًا ، وألاّرابطة بين الطرفيْن إلاّ الدين والدين فقط)) (المصدرالسابق ص 173، 181) لقد أجهد سيادته نفسه فى بحث عقيم ، إذْ أنّ العبرة بواقعة الاحتلال الذى تأسس على مرجعية دينية ، فتم تجميع اليهود من شتى الدول التى كانوا يعيشون فيها ، وهذه حقيقة يعرفها أصغرباحث وأنّ ماذكره د. حمدان هو (تحصيل حاصل) ولكن الأخطرهو رؤيته لحل مشكلة فلسطين فيرى ((كل حل لايُعيد الوضع إلى ماكان عليه قبل 1948بل قبل 1918مرفوض بلا نقاش. وكل حل لايُزيل إسرائيل من الوجود لامحل له من البحث العلمى)) لذلك كان مُتسقًا مع نفسه عندما وصف إسرائيل بالدولة ((المزعومة)) (المصدرالسابق ص 49، 50، 60) فى تطابق تام مع العروبيين والناصريين ، إذْ ورد فى محضرالقيادة السياسية الموحدة فى مايو65(( أنّ القيادة السياسية الموحدة تؤكد تمسكها بما قرّره مؤتمرالقمة العربى الثانى فيما يختص بخطة العمل العربى الجماعى فى تحريرفلسطين التى قرّرتْ أنّ الهدف العربى هوالقضاء على إسرائيل)) (نقلا عن ضابط المخابرات المصرى فتحى الديب فى كتابه عبدالناصروتحريرالمشرق العربى- مركزالدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام- عام 2000ص688) وفى مايو67قال عبدالناصرإننا ((سنُدمرإسرائيل إذا بدأتْ هى بالعدوان)) (مذكرات عبداللطيف البغدادى- المكتب المصرى الحديث- عام 77ج 2 ص 270) وكتب أ. هيكل أنّ ((إسرائيل لامستقبل لها فى المنطقة. وأنّ المدى القصير لصالح إسرائيل. والمدى الطويل لصالح العرب)) (أهرام 8/6/73) وإذا كانت إسرائيل أصبحتْ دولة عظمى فى منطقة الشرق الأوسط ، فما دلالة كل الخطاب العروبى الانشائى ؟ وما دلالة الإصرارعلى نفى خصوصية شعبنا المصرى ؟ وإذا كانت الثقافة السائدة رفعتْ من شأن جمال حمدان لأنه تبنى مخططات عبدالناصرالذى شطب اسم مصر، فإنّ أ. أحمد أمين كتب ((العرب أزالوا استقلال فارس. وحكموا مصروالشام والمغرب وأهلها ليسوا عربًا ، فاستتبع ذلك أنّ كثيرًا من الفرس كانوا يحنون إلى ملكهم واستقلالهم ، وكثيرًا من نصارى الشام ومصركانوا يكرهون العرب المسلمين الذين أجلوا الروم النصارى عن بلادهم ، ويتمنون أنْ يحكموا أنفسهم بأنفسهم)) (ضحى الإسلام- مكتبة الأسرة عام 97ص 76).
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محمد نجيب بين سجن الواقع ورحابة الخيال
-
تطور دراماتيكى فى نقابة الصحفيين
-
العلاقة العضوية بين الحداثة والديمقراطية
-
متعلمون محسوبون على الثقافة المصرية
-
الأهرام وحضارة البناء والتشييد
-
حوار بين حواء وآدم عام 1915
-
الأسياب الثقافية والاجتماعية للتحرش الجنسى
-
9مارس 1932 واستقلال الجامعة
-
كارثة تأجير الآثار المصرية
-
الجلطة السياسية بين الشعب والسلطة
-
اللغة المصرية أم لغات العالم
-
أنور عبد الملك : ماركسى بعمة إسلامية
-
هل يمكن الجمع بين التراث والحداثة ؟
-
تاريخ اليهود المصريين بين لغتىْ العلم والسياسة
-
الزراعة ونشأة الحضارة المصرية
-
جدل الواقع مع التراث العربى فى رواية (رحلة الضباع)
-
حسين بيومى : مثقف من طراز فريد ونادر
-
الفولكلور المصرى ومقاومة الاستبداد
-
آليات الليبرالية ومبادىء الاشتراكية
-
لماذا لا يحتفل الإسلاميون بنبيهم العربى ؟
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|