|
الربيع العربي ثورة شعبية ام ثورة عابرة
صبري المقدسي
الحوار المتمدن-العدد: 4052 - 2013 / 4 / 4 - 10:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ظلت ظاهرة الثورات على مر العصور شكلا من أشكال التعبير الإنساني. تتوق إلى التغيير نحو الأفضل، وخاصة في مجال التنمية الاقتصادية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ولكن وللأسف الشديد، تحولت البعض من تلك الثورات بعد فترة وجيزة من قيامها الى شر وبلاء، ناشرة بين الناس الرعب والطغيان، ومخلفة وراءها الفوضى والدمار. فالثورة اصطلاحا هي الخروج عن الوضع الراهن والتغيير الكامل في نظام الحكم والدساتير مع تغيير طريقة التفكير والبناء. ويفترض ان يكون التغيير نحو الأحسن، وأن يتحول من عملية الهدم الى عملية البناء، وهذا ما يتمناه كل الثوريين والمثقفين والنخب السياسية. ولكن قد يتوجه المسار الثوري نحو الأسوأ، سواء تمّ ذلك عن طريق القوة أو السلم، وحينئذ تموت الثورة وتُقبر قبل أن تخرج من مهدها، كما حدث في الكثير من الدول في اميركا اللاتينية. أو قد تكون الحاجة الى الحرية والديمقراطية، السبب الرئيسي وراء الثورة وخاصة إذا كان البلد محتلا من قبل دولة أجنبية أو بسبب البطش والارهاب الذي تمارسه قوة دكتاتورية داخلية. أو قد يكون الفقر والجوع السبب المباشر والرئيسي للثورة كما حدث في روسيا القيصرية والصين. وفي بعض الحالات النادرة جدا، قد يكون الترف الزائد السبب الرئيسي والمباشر للثورة وخاصة عندما يحس الشعب برخو الحكومة والحد من ضخوطاتها كما حدث في الثورة الفرنسية. وأما في مفهوم الانقلاب، فالسلطة تنتقل من فئة إلى أخرى، ويتم ذلك عادة بالوسائل العسكرية، ومن دون الرجوع الى الشعب أو الناخبين. حاول العرب كغيرهم من الشعوب في العالم القيام بالثورات الحقيقية والنهوض بالشعوب العربية من جهلها وتخلفها وجعلها تصطف في مصاف الأمم المتمدنة مرات عديدة خلال العهود الماضية. وتمر الشعوب العربية اليوم في محاولات جادة للتخلص من الأنظمة الغاشمة التي تحكمها لعقود من السنين. ولكن المعانات العربية تبدو جسيمة ومثقلة بالهموم المتراكمة لأجيال وأجيال، وخاصة من الناحية الثقافية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. ومما يحزن الثوريين المخلصين والمثقفين والنخب السياسية العربية، أن تلقى تضحياتهم الثورية المخلصة في زوايا التاريخ، وأن تسرق منهم ثورتهم وتصبح مجرّد إنقلاب على الحكم والسلطة لا غير، وأن يتم ذلك كله من دون التركيز على الإنسان من الداخل وهو "أثمن رأسمال" والأمر الضروري والأهم في حالة البلدان العربية والإسلامية. من المعلوم جدا أن الهدف من كل ثورة، بالاضافة الى كونها من الانسان وللإنسان، هو تحقيق طموحات الشعب وذلك في إحداث التغييرات الاقتصادية والإجتماعية والثقافية، وأن يحكم الناس أنفسهم بأنفسهم على أساس من الحرية والعدل والمساواة، ومن دون تمييز بين الأفراد بسبب الأصل أو الجنس أو اللغة أو العرق أو الدين. ويكمن خوف العرب في الدرجة الأساس في أن تكون ثوراتهم سلبية الإتجاه والتطبيق، وأن تقود الشعوب العربية من سيىء الى اسوأ، وعندها نقول والعياذ بالله: إقرأ على الشعوب العربية السلام لعقود اخرى من التخلف والتدهور والإنحطاط، فما حدث في ايران وأفغانستان والسودان وغزة، خير دليل على ذلك. وإذا رجعنا الى مفهوم الثورة وأنواع الثورات في التاريخ البشري نجد تفسيرات عديدة ومفاهيم كثيرة، سواء في المفهوم السياسي أو في المفهوم الاجتماعي. إذ يصنف علم الاجتماع الثورات الى تصنيفات كثيرة، ويعطي لها معايير متعددة، فبحسب معيار التسلح يصنفها إلى سلمية ومسلحة. وبحسب معيار الحقل الذي تحدث فيه يصنفها إلى: سياسيه أو حضارية أو صناعية أو اقتصادية أو علمية. ومن هنا نقول ان الثورة التي تنوي الرجوع بشعبها الى الخلف أو تبني مجتمعها بناءً سيئا وهداما لا تستحق في الحقيقة تسميتها بالثورة. لأن التغيير يجب أن يكون للأفضل لكيما يكون في مقدور المجتمع اللحاق بركب المدنية والتطور، والعيش مع الزمن وليس خارجه. وإذا نظرنا الى المجتمعات العربية اليوم والتي تعاني في معظمها من الجهل والأمية بسبب الاستعمار وما خلفه من تدمير وإهمال وتجزئة، وبسبب سلب العزة والكرامة من قبل الحكام المستبدين القابعين على الصدور، بالاضافة الى الفقر في التنسيق بين الماضي والحاضر والمستقبل، ولاسيما فيما يتعلق بالدين والتراث، وعدم القدرة على التعامل معهما بموضوعية منهجية متجددة ومتطورة. تبدو لنا الأسباب كلها مهمة وضرورية لقيام ثورة حقيقية. فالمطالب العربية لا يمكن تجاهلها، وخاصة انها ليست ببعيدة عن مفاهيم الثورة الحقيقية. ولكن التغيير في وضع الشعوب والأمم كما هو معلوم، ليس سهلا ولا هينا، إذ هو بحاجة إلي نفس طويل والى عمليات تراكمية وفكرية واعية. فما يحدث اليوم في الوطن العربي من تظاهرات وإضطرابات هنا وهناك مطالبة بالتغيير، وبإسقاط الأنظمة المتعفنة كان متوقعا لدى الكثير من المختصين الغربيين والشرقين على السواء، وإن جاءت متأخرة نوعا ما بحسب رأي البعض منهم. وكلنا يعلم كيف بدأت التظاهرات وإلإضطرابات سواء في تونس سنة 2011 أو في غيرها من البلدان العربية كمصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا والتي لا تزال تحترق يوميا بيد النظام وأزلامه الذين يحاولون بكل وسيلة، وبمساعدة حزب الله والإيرانيين القضاء على المقاومة، ولكن من دون جدوى. ولا يمكن توقع بقاء أي بلد عربي بعيدا عن ما يجري في بقية البلدان العربية. فالتغيير قادم لا محالة، ولا بد أن يغطي الساحة العربية كلها من المحيط الى الخليج. وقد يعبر التغيير الحدود العربية ليشمل البلدان الاسلامية المتعطشة للحرية والديمقراطية والتغيير الحقيقي في انظمتها الاستبدادية. ولكن قد يتشائم البعض من العرب والكثير من المختصين والمحللين من التغييرات الجديدة التي تحصل بعد الثورة سواء في تونس أو مصر أو ليبيا بإعتبارها تغييرات غير ناضجة سياسيا واقتصاديا. بل ويطعن البعض الآخر فيها على انها ثورات ناقصة أو بالاحرى ثورات تقود شعوبها الى المجهول. ولعل الاسباب التي تجبر هؤلاء للإدلاء بتلك المواقف هي: غياب النضج السياسي في الشارع العربي، وعدم أخذ المبادرة السياسية للقيام بالتحول من مرحلة الى أخرى. وعدم وجود تيار سياسي إيجابي ناضج، يمكن البناء عليه. والاهم من كل ذلك وجود التيارات السياسية ذات الطروحات السلبية والإقصائية التي وجدت نفسها البديل القويّ والمزعج للتحكم في الساحة السياسية العربية والتي في صلب عقائدها ومناهجها عدم ايمانها بالحرية والديمقراطية، وعدم إعترافها بحقوق المرأة وحقوق الآخر، المختلف عنها في الدين وفي النهج السياسي. فأمام كل تلك الاحتجاجات والتظاهرات الضخمة التي تشهدها الساحة العربية، هناك سؤال يطرح نفسه اليوم وهو لماذا لا نستطيع تسمية تلك الفعاليات والاحتجاجات بالثورة مع انها فعاليات إحتجاجية شعبية تنوي التغيير بعد حكم الدكتاتوريات الغاشمة، والتي مارست الاستبداد والطغيان أو الحكم الوراثي لعقود من السنين. فإن كان هناك من أخطاء في المرحلة الحالية فهل يعتبر ذلك دليل كاف على بطلان صفة الثورة على التغييرات الكبيرة في الانظمة العربية؟ والسؤال الآخر وهو الأهم، هل من الممكن وجود ثورة من دون أخطاء؟ أم أن الثورات العربية هي التي يجب عليها ان تكون كاملة الأوصاف وبلا أخطاء؟. ولكن المسألة هنا ليست مسالة النوايا الحسنة والنويا السيئة، ولا هي مسألة وجود ثورة كاملة الأوصاف أو ثورة ناقصة الأوصاف، بل هي وبشكل واضح ومبسط يستطيع قراءتها الساذج قبل الشاطر والمثقف، وهي أن الملايين من العرب كانوا في عوز وفقر وحاجة، لا حول لهم ولا قوة. ناضلوا من أجل التغيير والحرية وحق المشاركة في الحكم، والتخلص من سطوة الحكام الطغاة وطاعتهم، تراهم اليوم يقبعون تحت سطوة وعبودية الدين بإسم الله والشريعة والطاعة المطلقة للأئمة والفقهاء. فالثورة في الحقيقة، لا تعني العدد مهما كان كبيرا أو صغيرا، ولا تعني رفع الشعارات والتظاهرات لإسقاط النظام من دون وجود فكر سياسي أو من دون وجود نخب سياسية مثقفة. ولا تعني أيضا صندوق الانتخابات بوجود اعداد كبيرة من الشعب تحت سطوة الجهل والأمية. كما وأن صندوق الانتخابات لا يجعل الناس في مأمن من الطغاة والسلاطين. فلكي نخرج من هذه الورطة التي نضع أنفسنا فيها، علينا وبأسرع ما يمكن، أن نحترم الدين ونضعه بعيدا عن السياسة، وإلا دمرنا الدين، ودمرنا أنفسنا ومستقبل أجيالنا لفترات طويلة من الزمن. وهذه ليست مزحة، ولا طعنا بالدين، ولا إهانة بالإسلاميين السياسيين. بل نظرة للمستقبل من خلال قراءة الماضي. فالرغبة الشعبية في التغيير وهي إحدى سماة الثورة تجدها في معظم شرائح المجتمع العربي الذي يعاني من الإحساس بالظلم والشقاء والحرمان واليقين من فساد النظام الذى تدار به حياة المجتمعات العربية. وكذلك بالنسبة الى النخب المثقفة والتي تتواجد في مجتمعاتنا وبكثرة شديدة، ولكنها وللأسف الشديد، نخب مُستبَدة ومُرتعبة من قبل بعض التيارات الدينية المتطرفة. لعل تلك الاسباب الرئيسة هي التي أدت بمجتمعاتنا الى الفشل الذريع في تطبيق جميع الأنظمة السياسية والإقتصادية في تاريخنا القديم والحديث، من الماركسية والرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية والليبرالية والقومية الناصرية والقومية البعثية. بالاضافة الى أن التطبيق الارتجالي للدساتير المؤقتة في الكثير من بلداننا العربية، وتحولها من اليمين الى اليسار ومن اليسار الى اليمين، بين ليلة وضحاها، وبقرارات فردية غير مدروسة، أدت الى انتقالنا من سيىء إلى أسوأ، ومن نكبة الى أخرى أكبر منها. وها نحن اليوم نعيد الكرة ثانية، وقد تكون ثالثة ورابعة وخامسة، والعالم يمضي في البناء والتطور، ونحن في سبات عميق لا يحسدنا عليه أحد، والله أعلم متى ننهض منه ونستفيق، ونخرج من الأقفاس الحديدية التي نغلقها على أنفسنا بحجة حبنا للدين والشريعة، وصلاحها لكل زمان ومكان، ونحن أدرى بالمحتوى والمضمون. صبري المقدسي
#صبري_المقدسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجهل: هذه الآفة اللعينة
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|