|
الحرب النفسية القذرة
حمدى السعيد سالم
الحوار المتمدن-العدد: 4052 - 2013 / 4 / 4 - 04:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من اشهر الاطعمة فى مصر (أم على)وهى نوع من الثريد باللبن والسكر والزبيب والجوز والبندق واللوز .... وأم على كانت زوجة السلطان أيبك التركمانى حاكم مصر!!.. وهو الذى تزوج شجرة الدر (ام خليل ) التى كانت قبل زواجه منها زوجة للملك الصالح ايوب ... وهى سيدة أرمنية جميلة حكمت مصر 85 يوما وخطبوا باسمها فى المساجد وقبل الامراء ورجال الدين الارض تحت قدميها !!.. لكن معظم رجال الدين كانوا فى حزن شديد لان امرأة هى التى تحكم مصر !! فمارسوا عليها حربا نفسية شديدة من خلال الشعر (اعلام زمانهم وقتئذ) حيث قالوا : النساء ناقصات عقل ودين ... ما رأينا لهن رأيا سنيا ... ولاجل الكمال لم يجعل الله ... تعالى من النساء نبيا ... وعندما طلبت شجرة الدر من زوجها ان يطلق زوجته الاولى (أم على).. لان غيرة النساء نوع من انواع الحرب النفسية واثارها على الافراد ... على صعيد اخر فوجئت شجرة الدر بأن زوجها يريد ان يتزوج من العراق ..فأمرت الخدم بأن يقتلوه فى الحمام بالقباقيب !! وبعد ان قتلوه قاموا بنقله الى فراشه وقالوا : سقط مغمى عليه !!..واقامت له جنازة ضخمة وبكت عليه بكاءا مرا واشاعت انها قررت ان تعتزل الحياة ... ولكن لم يصدقها احد !!.. وجاء الامير على ابن السلطان وقبض عليها ثم اسلمها مربوطة بالحبال تزحف على الارض الى أمه السيدة (أم على ) ... وقامت ام على بخلع ملابس شجرة الدر واسلمتها للخدم فادخلوها الحمام وألقوا بها فى الماء المغلى وقتلوها بالقباقيب ..وألقوا بها عارية بالقرب من القلعة !!.. وابتهاجا بهذا اليوم العظيم قامت السيدة أم على باحتفال كبير فجمعت اللبن الحليب من القاهرة ووضعته فى الطشوت مع السكر والرقاق وقدمت ذلك مجانا للناس !!.. فكانت هذه هى اول أم على فى التاريخ .... اما السيدة أم على فقد صنعت لنفسها ( أم على )من نوع خاص وفريد : حيث جاءت باللبن والسكر ووضعت فيه شفتى شجرة الدر وحلمتى ثدييها وأكلت ذلك جميعا !! ألم اقل لكم نار الغيرة التى هى انعكاس للحرب النفسية !!..
الغريب ان خبز الكرواسان هو نوع من الحرب النفسية ولذلك قصة : من المعروف ان الكرواسان نوع من الخبز على شكل هلال ...ابتدعه النمساويون انتقاما من الاتراك الذين احتلوا بلادهم .. فالهلال رمز للعلم التركى العثمانى فى ذلك الوقت !!...فصنع منه النمساويون خبزا وادخلوه النار ... اشارة الى انهم يريدون نفس المصير للاتراك !! وهى عجينة لذيذة لم يعد احد يذكر اصلها ... قد انسانا طعمها اللذيذ أصلها التاريخى ...كما فعلت أم على أيضا !! وكلاهما يعبر عن الحرب النفسية !! لذلك اردت ان ابصر القارىء بالحرب النفسية واساليبها فى ادارة الازمات بطريق غير مباشر ...فالحرب النفسية ، هى الحرب تلك التى تستهدف نفسية الخصم ومعنوياته ، دون جسده وقدراته الفيزيقية....الحرب التى تسعى لتشكيل فكره ، وتوجيه عقله إلى هدف محدود ، يخالف حتماً كل ما يمكن أن يجعله فعالاً ، فى ميدان الحرب والقتال ....لقد عرف العالم تلك الحروب النفسية منذ زمن بعيد .....فالتاريخ يعود بنا ، فى هذا الشأن ، الى ما يقرب من ثلاثة آلاف وخمسمائة عام ....
بالتحديد فى عهد (تحتمس الثالث ) (1490 - 1436 ق. م) وتحتمس الثالث هذا هو سادس فراعنة الأسرة الثامنة عشر ، وقد آل اليه العرش وهو فى الأربعين من عمره ، على عكس من سبقه من فراعنه الأسرة كلها .....وعندما تقلد ( تحتمس الثالث ) عرشه ، كانت منطقة الشرق الأوسط كلها غارقة فى خضم من الأضطربات والعواصف السياسية ، التى لم ترق له أبداً ، مما جعله يتخذ قراراً خطيراً جداً ، بمقاييس ذلك العصر..... لقد قرار أن يسيطر على المنطقة كلها .....وفى سبيل هذا ، خاض ( تحتمس الثالث ) 17 معركة حربية ظافرة ....والتاريخ يقول : أنه قد أذهل اهل عصره ....فبمبادرة مذهلة ، ألغى (تحتمس الثالث ) كل النظم القتالية والعسكرية والتى كانت متبعة من قبله وقسم الجيش إلى قلب وجناحين بحيث ينقض القلب على الخصم ، فى حين يطوقه الجناحين فتضطرب صفوفه وترتبك قيادته من فرط المفاجاة وعنف الهجوم الجانبى ....ولأول مرة عبر التاريخ أبتكر (تحتمس الثالث ) ما يعرف بأسم الحرب الخاطفة ، وهذا بشن هجمات سريعة وقصيرة ومفاجئة للعدو، ومن جهات مختلفة ، وفى أية ساعة من الليل والنهار ....وأدرك خصوم (تحتمس الثالث ) أنهم امام قائد رهيب ، لا قبل لهم بمواجهته عسكرياً ، وخاصة مع توالى أنتصاراته ،لذا فكًرأحد قادتهم فى خدعة جديدة ومبتكرة - فى ذلك الحين - ويعتبرها العلماء أول لمحة للحرب النفسية عبر التاريخ....
ففى معركة مجدو ،أشهر المعارك التى خاضتها جيوش (تحتمس الثالث) ، كانت كل الخيول ، التى تجر عرباته الحربية ، من الذكور ؛ نظرا لأن الذكر فى الخيل أكثر قوة ،وأكثر أحتمالا ، واقدر على مواجهة القتال وأضطربات الحروب .....لذا أطلق قائد الاعداء فرسة أنثى وسط خيول العربات الحربية ؛حتى يشيع فيها الاضطراب فتتقاتل فيما بينها ، وتثير قلق الجنود وتوترهم ...لكن قائد جيوش (تحتمس الثالث) وهو ( امنحتب الثالث) فهم الخدعة على الفور وما أن أقتربت الفرسة من المعسكر ، حتى انقض عليها ، وبقر بطنها وأفسد خطة العدو كلها ....وبدأت الحروب النفسية ....وعبر التاريخ نجد عشرات الأمثلة ، على تلك الحروب النفسية واثرها فى تغيير خط سير المعارك ...ومن أشهر ما حدث فى الحروب وبالذات عندما ينقص الجيشان بعضهما على بعض ويختلط الحابل بالنابل ، هو ان يصرخ بعضهم ، مدعيا أن قائد الجيش الخصم قد لقى مصرعه...تلك الصرخة كانت تشيع الفوضى والاضطراب بين الجنود ، وتربكهم على نحو يسمح لجيش الخصم بالأنقضاض على قلبهم وضربهم فى المقتل .....أيضاً كان الجنود قديما يربطون أغصان الأشجار ، فى ذيول الخيول ؛لكى تثير خلفهم عاصفة من الغبار توحى بأن عددهم يفوق واقعهم بعدة مرات ....
وفى فتح مكة عندما امر (خالد بن الوليد)جنوده بأن يشعل كل منهم ناراً ، كانت هذه عبقرية من عبقريات الحرب النفسية ....فالمعتاد عندما يهبط اليل ، أن تشعل كل مجموعة من الجنود ناراً ، وتلتف المجموعة كلها حولها ، وكان من المعتاد ان يحصى الطرف الأخر النار ويضرب عددها فى متوسط كل مجموعة تلتف حولها ، ليعرف تعداد جيش الخصم تقريبا ....وعندما رأى أهل مكة تلك النيران ، تصوروا أنه هناك مجموعة من الجند تلتف حول كل نار ، مما أوحى إليهم بأن الجيش هائل الحجم على نحو لا قبل لهم به .....المغول والتتار ايضاً كانت لهم سياستهم فى الحرب النفسية ففى كل مرة ، وقبل وصولهم إلى بلد ما ، كان جواسيسهم يسبقونهم إليها ، وهم يتحدثون لغة أهلها ويرتدون ثيابهم ،أو ثياب بلد اخر صديق ....وفى الأسواق، كان الجواسيس يتحدثون عن جيوش قادمة....عن أعدادها الهائلة ....وقدراتها المخيفة ....وضخامة جنودها .....ومهاراتهم ...وقوتهم ....والناس فى الأسواق تسمع ....وتصدق ....وترتجف....و من ألسنة هؤلاء الناس تنتقل تلك الدعاية المغرضة إلى آذان وقلوب الجنود و الجيوش ...وعندما تلتقى الجيوش ، يكون المغول او التتار فى أوج قوتهم ووحشيتهم ، وخصومهم خائفون إلى درجة توحى بأنهم قد أنهزموا فعلياً ، قبل حتى أن يبدأ القتال ....هذه هى الحرب النفسية الحقيقية ...الحرب التى تحطم معنوبات خصمك ونفسيته ، قبل أن ترفع سلاحك فى وجهة ....بل وقبل حتى أن يرى هذا السلاح ، أو يدرك قوته ....وهذا الجزء من الحرب النفسية وهو ما يطلق عليه اسم حرب الترهيب .... او هى الحرب التى تثير الخوف فى أعماق الخصم وترهب كل ذرة فى كيانه .....
ولكن هناك حرب نفسية من نوع معكوس تماماً....هى حرب الترغيب ....وأشهر مثال يمكن ان نطرحه ، لذلك النوع الثانى من الحروب ، هو ما فعله القائد الفرنسى(نابليون بونابرت) عندما بدا حملته الفرنسية على مصر (1798 - 1801 م).....فقد حاول أجتذاب المصريين إلى صفه بأن أعلن انه إنما جاء كمسلم ،لحماية المسلمين والإسلام ، وانقاذ المصريين من جبروت وتعنت المماليك ...ومن المعتاد ألا يعتمد فريق ما على حرب الترغيب وحدها دون لمحة او لمحات تجاورها ، من حرب الترهيب...( فاكرين صباع الفنجرى وصباع مرسى ابو صباع ... خللو بالكم !!) ...وتذكروا ان (نابليون ) قد أرفق كلماته السابقة ، بأستعراض لقوة جيشه ومدافعه التى أرهبت المماليك ، وكانت بالنسبة للمصرين أشبه بالقنبلة الذرية فى عصورنا هذه ،كما رآها العالم عام 1945 م ..... وفى عالم الواقع يستحيل دائما أن يستخدم نوع واحد من الحربين ، خلال زمن الحروب ، أو حتى فترات السلم ، لكن الفترات الهادئة ترتبط دوما بسياسة الترغيب ، بأكثر مما تترتبط بسياسة الترهيب ، وما يحدث حولنا ، منذ عقدين من الزمن ، هو ذروة الحرب النفسية الترغيبية ... والتى أعتمدت على أبهار الشعوب العربية بنمط الحياه الاستهلاكية الأمريكية.... بيحيث تصور البعض ان أمريكا هى جنة الله فى الأرض،بل تجاوز البعض هذا ، إلى تعليق العلم الأمريكى على سيارته ، أو أبرازه على صدر ثيابه ، أو فى التشبه بالأمريكان فى الزى وفى اللهجة وفى اللغة والأسلوب والحياة أيضاً....
وبدون أى تعنت يعتبر خبراء الحرب النفسية ان أولئك المتأمركين هم أضعف الكل ، أذا انعدم إحساسهم بالشخصية المستقلة لذواتهم ، وعدم ثقتهم بانفسهم ، أو احترامهم لنفسهم ، يدفعهم للتشبه بنمط أخر ، على نحو يمسخ كيانهم كله ،فينسلخون من عروبتهم دون ان يصبحوا بالفعل كمن تشبه بهم ....بأختصار يرقصون على السلم ...أما فى زمن الحروب فالغلبة طبعا لأسلوب الترهيب الذى يبالغ بشدة فى قوة الأسلحة ودقتها ...وقدرتها المدهشة على أصابة الهدف ....وعندما فجرت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتها الذرية الأولى ، فى مدينة هيروشيما اليابانية ، فى أغسطس 1945، لم تكن تضع نهاية للحرب العالمية الثانية (1939 -1945م) وأنما بداية لحرب إرهابية نفسية تهدف إلى إعلام العالم انه لديها سلاح لا قبل لأحد به ، وأنها أصبحت سيدة العالم بلا منازع ...لكن الحكمة الألهية تقتض ألا تنفرد قوة ما بالسيطرة على العالم أبداً ....فقد أمتلكت روسيا القنبلة الذرية أيضاً ....وأنعكست الحرب النفسية على الأمريكيين ، الذين أصابتهم عقدة الحرب النووية ، وهوس بناء المخابئ والكوابيس ، والانهيارات العصبية المستمرة ....وأساليب عديدة ومتعددة، تتطور دوما مع تطور وسائل الأعلام والأتصال ، فمن روايات وحكايات الجواسيس فى الأسواق ، إلى إلقاء المنشورات بالطائرات ،إلى ما وصلنا إليه الآن من قنوات فضائية مفتوحة ، وشبكات أنترنت ، وهواتف للأتصالات الدولية....
الجدير بالذكر ان النظام العالمي الجديد اصطلاح في السياسة بدأ استخدامه بشكل واسع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين المنصرم، وبالتحديد مع ظروف تفكّك الاتحاد السوفيتي....... حيث اقترن بالعولمة ليعبر عن انتقال عمليات السلع ورؤوس الأموال وتقنيات الإنتاج والأشخاص والمعلومات بين المجتمعات البشرية بحرية ودون قيود....... لكنه ومن الناحية العملية يعبر عن اتجاه للهيمنة على مقدرات العالم من طرف واحد (أمريكا) أو ما يسمى بالقطب الواحد.....وهو بوجه العموم مصطلح ظهر على الصعيد الأكاديمي أول مرة بداية الستينات عندما استعمله المحامي الأمريكي المتقاعد كرنفينك كلارك، المستشار الفاعل لعدد من وزراء الخارجية في البيت الأبيض في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي..... لكنه ورغم الظهور المذكور لم يُدرج تعبيرا عاما في الفكر السياسي إلا بعد ثلاثين سنة على وجه التقريب، وكان أول من استخدمه بمعناه الحالي أواخر الثمانينات غورباتشوف 1989، وبوش 1990، والأمم المتحدة 1991...... وباختصار يمكن القول أنه مصطلح لا يحمل في طياته أي جديد سوى محاولة الأمريكان لاستغلال انهيار الاتحاد السوفيتي في تعديل ميزان الصراع بينهم وبينه...... وكذلك استثمار التخلخل الحاصل في الوضع الدولي آنذاك لإضافة المزيد من معايير القوة في كفة ميزانهم للصراع مع قوى أخرى ما بعد الاتحاد السوفيتي...... هذا من وجهة النظر السياسية، أما من وجهة النظر النفسية السياسية فإنه (النظام العالمي الجديد) واقع لم يكن جديدا بتوجهاته وأهدافه، لأنه استمرار لذات الجهود في السيطرة وإدارة الصراع..... والجديد فيه يتعلق فقط بالوسائل والأدوات التي اخترعتها أو استثمرت اختراعها أمريكيا لإيجاد قناعات خاصة وتحوير أخرى لصالح توجهاتها الستراتيجية في المجتمعات المستهدفة.....
الحرب النفسية مفهوم لم ترتبط نشأته بتطور تقنيات الإعلام ولا بشيوع تطبيقات النظام الدولي الجديد بل يعود إلى الحروب....... عندما أدرك بعض القادة العسكريين أن جنودهم يقاتلون قتالا شرسا تارة، ويتبلدون حد الجبن تارة أخرى........ وكذلك جنود العدو الذين يستبسلون في الدفاع عن مواضعهم تارة، وينسحبون متقهقرين تارة أخرى حتى عزوا ذلك التناقض الانفعالي إلى العامل النفسي وتوجهوا إلى المختصين لدراسته وتطوير وسائل تقويته عندهم، وإضعافه عند خصومهم......فكانت إجراءاتهم العملية في هذا المجال شملت العديد من الوسائل والأدوات وضعت تحت عنوان الحرب النفسية التي عُرِفَت ما بعد الحرب العالمية الثانية بالاستخدام المخطط من جانب الدولة في وقت الحرب أو في وقت الطوارئ لإجراءات عاتية بقصد التأثير على أراء وعواطف وسلوك جماعات أجنبية عدائية أو محايدة أو صديقة بطريقة تعبر عن تحقيق سياسة الدولة وأهدافها....وعرفت بعد ذلك بقليل بأنها حملة شاملة تستعمل كل الأدوات المتوفرة وكل الأجهزة للتأثير في عقول جماعة محددة بهدف تدمير مواقف معينة، وإحلال مواقف أخرى تؤدي إلى سلوكية تتفق مع مصالح الطرف الذي يشن هذه الحملة.... وهذا يوضح لنا لماذا كان يصف المجلس العسكرى سابقا والاخوان لاحقا بعض الثوار فى التحرير بانهم يتلقون تمويل اجنبى من دول اجنبية ... المجلس العسكرى والاخوان كلاهما يريد ان يستعمل كل الادوات المتاحة والمتوفرة وكل الاجهزة لكى يؤثر فى عقول الشعب المصرى الجالس على الحياد بين المجلس العسكرى والاخوان من جهة والثوار بالتحرير من جهة اخرى ... بهدف تدمير الثورة ..لذلك اخرج المجلس العسكرى والاخوان مظاهرات قام بها بعض من المخبرين فى العباسية تؤيد موقف المجلس العسكرى والاخوان لتدمير موقف الثوار !!!
مما لاشك فيه ان الحرب النفسية واعتمادها في تحليل وإدارة الصراع أعطاها أهمية بالغة ودفع العالم الغربي وأمريكا (القطب الواحد) في النظام الدولي الجديد على وجه الخصوص، إلى استخدامها كسلاح من أفضل الأسلحة المؤثرة لاعتبارات أهمها : آ) إنه سلاح غير مباشر يعتمد على المعرفة النفسية وتطبيقاتها في التعامل مع الوعي الإنساني تلك المعرفة التي قطعت فيها تلك الدول أشواطاً بعيدة المدى وتمرست في استخداماتها بمستوى يحقق لها التفوق المطلوب في العديد من بقاع العالم......
ب) إن أمريكا في النظام العالمي الجديد امتلكت السلطات التشريعية والتنفيذية العالمية معاً وبموجبها حرمت على سبيل المثال التشويش على الإذاعات المرئية والمسموعة ومنعت الرقابة على المطبوعات والرقائق السينمائية وبقية وسائل الاتصال، وغيرها من ضوابط وقوانين مهدت لفتح الأبواب على مصاريعها أمام أسلحتهم النفسية دون أية مقاومة أو بقليل منها في أحسن الأحوال....
ج) إن الابتعاد جهد الإمكان عن التدخل المباشر باستخدام الجيوش التي ارتبطت حركتها بالاستعمار التقليدي المقيت أمر يحتاجه أولئك المعنيون في الوقت الحاضر لتجميل صورتهم التي تشوهت في اكثر من مكان على الكرة الأرضية، إلا أن هذا الاتجاه يعني تقييد لحركتهم وخسارة لمصالحهم الآنية والمستقبليـة لا يمكن قبوله تماماً، وكتعويض لذلك فسح المجال واسعاً لاستخدام السلاح النفسي الذي يلبي الطموحات دون أية مشاكل جانبية......
د) أمريكا والدول المتنفذة الأخرى هي دول رأسمالية يدير معظم مفاصل القرار فيها أصحاب رؤوس الأموال وفق نظام يضع في الحسبان الكلف المادية ومؤشرات الربح والخسارة لكل الفعاليات وبينها العسكرية، وبمقارنة بسيطة بين ما تتطلبه الحرب التقليدية أو النووية من مصاريف ضخمة، وما تحتاجه الحرب النفسية من أموال وجهود معقولة نجد أن ميزان المفاضلة تميل كفته لصالح الأخيرة وبفارق كبير جداً...
هـ) يمتاز السلاح النفسي عن غيره من الأسلحة التقليدية كون إجراءاته متعددة ومتغيرة تتلون باستمرار تبعا للظروف، والمواقف، كذلك يتوجه إلى أهداف ليست معلنة واتجاهاته على وجه العموم غير مباشرة.... وسلاح بهذه الخصائص يكتسب قوة التأثير غير المباشرة دون مقاومة المستهدفين أو ممانعة من قبل المجاورين في المنطقة...
و) إن اللجوء إلى استخدام الجيوش في الحروب عبر كل الأزمنة يتمحور حول فرض إرادة أحد أطراف الصراع بالقوة عندما تعجز الوسائل الأخرى عن فرضها.... وهذه نتائج لا يدوم أمدها طويلا لأنها وبقدر قوة الصدمة وقسوة الشروط التي يفرضها المنتصر ستخلق مشاعر للعدوان ويتشكل سلوك للمقاومة عند مواطني الطرف المقابل يدفعهم إلى تكثيف جهودهم لإزالة تلك النتائج بأسرع ما يمكن.... أما السلاح النفسي الذي لا يتوقف تأثيره عند حالة معينة يمتاز بالاستمرارية وبسهولة التكرار والمرونة فـي اختيار الوقت والوسيلة، والمناورة بالجهد المتيسر، وهي مبادئ توفر له فرصاً جيدة لإدامة زخم التأثير بدرجات أشد وفترات زمنية أطول....
ز) تمثل الحرب الاعتيادية مواجهة ساخنة بين أطراف الصراع يتلقى العسكريون فيها قوة الصدمة التي قد تمتد آثارها إلى المدنيين في العمق الاستراتيجي تبعا لشدتها واتساع رقعتها ( شموليتها ) وخلالها يحتفظ القادة المعنيون أحياناً بجهود تحمي المدنيين أو تقلل من تأثيراتها عليهم جهد الإمكان..... بينما تختفي الحدود والفواصل في استخدامات السلاح النفسي ( إلا إذا أريد له ذلك ) وساحته على وجه العموم شاملة لكل المجتمع المستهدف..... وبمعنى آخر إن تأثيراته السلبية لا تقتصر على جبهة القتال، والعبء الأكبر فيها لا يقع على العسكريين بمفردهم، وهو ما تسعى أطراف الصراع إلى تحقيقه في الوقت الحاضر.
ح) إن سياقات تطبيق الحرب النفسية في كثير من الأحيان تعتمد على التعامل مع ميول الإنسان وحاجاته ورغباته ومن ثم غرائزه بأساليب إشباع مرغوب، أو تجنب منفر، وهي معطيات تستهوي في معظمها المتلقين وتمهد الطريق أمام السلاح النفسي للوصول إلى الهدف المطلوب في الزمان والمكان المحددين....
على ضوء مفهومنا للحرب النفسية يصبح الإعلام أحد أهم الأدوات الميسورة للحرب النفسية، حيث الاستخدام المنظم لوسائله ومواده للتأثير على قناعات الطرف المستهدف، دون تجاوز استخدامات القوة العسكرية والإمكانيات الاقتصادية والتحركات السياسية وغيرها، لكن الإعلام من ناحية أخرى يتميز عن كل تلك الأدوات كونه القاسم المشترك لها جميعا والناقل الأساس لأهدافها وتوجهاتها في التأثير على الطرف المستهدف لأنه : هو الذي ينقل أخبار العسكر وتفاصيل الحروب والصراعات والازمات بصيغ تزيد المعنويات أو تضعفها.....وهو الذي يقلل من قيمة انتصار عسكري حصل بالفعل، أو يزيد من وقع خسارة لم تكن كبيرة في الواقع بغية تكوين حالة إحباط مؤلمة ( لاحظ دور الاعلام الحكومى المصرى المناهض للثورة والثوار ..الذى يبث سمومه ضد الثورة من خلال نغمة الاستقرار وانهيار البورصة والاقتصاد ... الخ )....وهو الذي يهول أيضا من أثر الحصار الاقتصادي على بلد ما بهدف سحبه لتنفيذ أهداف محددة....وهو الذي يضخم كذلك من القدرة الدبلوماسية لدولة معينة لإجبار الآخرين على السير مع توجهاتها المرسومة....وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله مهامه وطريقته في نقل الأفكار والأخبار والمعلومات، وحاجة الجمهور إليه في المتابعة والترويج وإشباع الحاجات، وكذلك قدرته وشموليته في التأثير، يكون الإعلام في هذه الحالة الأداة الأكثر فاعلية من بين أدوات ووسائل الحرب النفسية المتاحة في وقتنا الراهن خاصة مع تطور تقنيات التوصيل وسبل التأثير في نظام كوني شامل (النظام العالمي الجديد)....
وهذا يوضح بجلاء لماذا أراد المجلس العسكرى فرض مراسلهم العسكري السابق، أسامه هيكل، على وزارة الاعلام فى حكومة الجنزورى , ثم تراجع الجنزوري بسبب رفض الشارع، لذلك استبدلوا رئيس إدارة الشئون المعنوية السابق اللواء أحمد أنيس به...لا يحتاج الأمر إلى كثير من التفكير إذن لمعرفة أسباب ترشيح أنيس الذراع اليمنى لوزير إعلام المخلوع أنس الفقي وزيرا للإعلام في حكومة الجنزوري، فالترشيح الذي تم على طريقة تعيين أسامه هيكل المراسل العسكري في ذات المنصب، خلفا للواء طارق المهدي رجل "العسكري" الذي استخدمه لإدارة التلفزيون المصري عقب التنحي مباشرة، يؤكد أن المجلس العسكري لن يرفع قبضته عن تلك الوزارة، ولن يسمح لشخصية مستقلة عنه بإدارة شئون التليفزيون المصري، الذي مازال يستخدم بعد عشرة أشهر من الثورة لتغييب الرأي العام، كما كان في عهد المخلوع.....
الحرب النفسية وكما هو موضح شاملة في أهدافها متداخلة في أساليبها ووسائلها، مركزية في التخطيط لتنفيذ خطواتها، وهذه المبادئ يمكن تطبيقها أيضاً على أساليب التعامل التي تنتهجها الأجهزة المعنية في المجتمعات المستهدفة...... فالتخريب الفكري والقيمي الذي يمكن أن يضعه الطرف المقابل هدفاً لحربه النفسية على سبيل المثال يحتاج الرد عليه أو تجنب حدوثه عدة خطوات تبدأ أولاً بتحديد أشكاله ومن ثم قياس شدته واتجاهاته ووصف الأدوات والوسائل المستخدمة لتنفيذه، وهي جهود تعتمد بالدرجة الأولى على الرصد والتحليل والمتابعة بأسلوب البحث العلمي الذي يأخذ فيه علم النفس والاجتماع الحصة الأكبر بين علوم أخرى ذات صلة بالسلوك البشري وتعديلاته المقننة مثل الإعلام والتربية وغيرها....... وهذا تصور يعين على تحديد حاجة المنطقة العربية والإسلامية أولاً إلى تنظيمات تخصصية فعالة، تأخذ على عاتقها واجب التحليل العلمي للصراع ورصد اتجاهات الحرب النفسية المعادية والعمل على مقاومتها....
حمدى السعيد سالم
#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الساسة ولعبة الفراش
-
الى مرسى ابو صباع لا شرعيّة لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المش
...
-
احتاجك كى اكون أنا
-
الدور السعودى المشبوه فى دعم ورعاية الارهاب الدينى بكل اطياف
...
-
الاخوان لانهم خونة يظنون كل الناس مثلهم ويغيرون رأيهم كما يغ
...
-
الاخوان يحاولون بناء السقف قبل بناء الاعمدة
-
جريمة كبرى ان يكون الطفل رجلا وجريمة اكبر ان يكون الرجل طفلا
-
روشتة علاج الثورة المصرية
-
تحليل سياسى للأزمة السورية
-
فى دولة الدقون يسقط القانون
-
القول باعتدال حركة الاخوان مجرد أسطورة ترمي إلى مخادعة الناخ
...
-
العاهرة الاخوانية تضاجع الامريكان واليهود على فراش الخيانة
-
لولا دى سيلفا كان اكثر عدلا ورحمة واحساسا بشعبه من مرسى المت
...
-
العهر الاخوانى الزائف التمويهى
-
اتلم المتعوس على خايب الرجا
-
الشارع المصري لم يعد مراهقا وأصبح قادرا علي فرزالمواقف
-
مرسى يحمل المعارضة فاتورة فشله السياسى (لقد فقدت شرعيتك)
-
على مرسى وجماعته أن يتمصروا لأن مصر لن تتأخون
-
الى حمد حاكم دولة قطرائيل لاتغتر بجزيرتك فيومك قريب
-
الفوضى الخلاقة الاخوانية دفع ثمنها اولتراس الاهلي وجماهير بو
...
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|