|
جريمة الختان 124: اسلوب الجد في توصيل المعلومات
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4051 - 2013 / 4 / 3 - 19:01
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
هناك أسلوب للكلام والتعامل مع الغير مهما كان الموضوع. وإن كنّا نؤمن بأنه في النهاية «لا يصح إلاّ الصحيح»، إلاّ أن تبليغ الرسالة مرهون بالأسلوب المستعمل في توصيلها. وفن التكلّم والإقناع من الأمور التي يهتم بها كل صاحب رسالة. وحتّى الأنبياء كان عليهم الخضوع لقواعد الكلام. يقول القرآن: ««ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك» (آل عمران 159:3). والعرب تقول: «لكل مقام مقال». وفيما يخص الختان هناك من يتّخذ أسلوب الجد، وهناك من يعتمد على أسلوب الهزل والسخرية، كما هناك الأسلوب الأدبي والشعري والفنّي. والبعض لا يكتفي بذلك بل يضيف إليهما أسلوب العمل من خلال المظاهرات. وبنبدأ هنا بأسلوب الجد.
تشرح الدكتورة سهام عبد السلام طريقتها في مناقشة ختان الإناث مع الناس كعضو في مجموعة العمل المعنيّة بمناهضة ختان البنات في مصر. بدأت الدكتورة سهام بالتثقيف الطبّي المباشر في محاضرات حول أنواع ختان الإناث ومخاطره يتبعها أسئلة. ولكن كان الناس لا يأخذون دوراً في هذه الحلقة. وقد تم إدخال عنصر المشاركة بعد ذلك. ولكن التركيز على الطب وحده لم يكن مفيداً لأن الناس يمارسون الختان على أساس أنه يحمي عفّة الفتاة وأن النساء قليلات عقل. وكان لا بد من شرح هذه النقطة من خلال توضيح عمل المخ وعلاقته بالجنس والفرق بين الرغبة الجنسيّة واللذّة الجنسيّة. فالعقل هو الذي يتحكّم في الرغبة الجنسيّة. وبعد شرح دور العقل يأتي شرح دور البظر كوسيلة للذّة. وللمحافظة على الطهارة يجب تطهير العقل وليس قطع الأعضاء الجنسيّة.
ولكن لا يكفي معرفة ما إذا كان الختان أمراً ضارّاً أم لا حتّى نتوقّف عنه. فالأطبّاء يعرفون مخاطر التدخين، ولكنّهم يدخّنون رغم ذلك. فالتصرّف مبني على خلفيّات ومصالح. ولذلك يجب طرح المشكلة الإجتماعيّة. فأضافت عنصر التاريخ الثقافي والإعتقاد القديم حول الجنس بالإستعانة بواقع رمي الجزء المقطوع في النيل، والإعتقاد أن الآلهة مذكّرة ومؤنّثة، وأن الختان لا يمارس في جميع الدول الإسلاميّة. وقد أضيف إلى هذا الأمر موضوع ما يرجى للفتيات. فكل عائلة تريد الصحّة، والزواج، والأمومة، والأخلاق، وخدمة المجتمع، والتعليم، والتغلّب على مصاعب الحياة. فيطرح هل يؤدّي ختان الإناث حقاً إلى تلبية هذه الإحتياجات.
ويأتي بعد ذلك موضوع لماذا هذه الحملة الآن، وهل هناك نوايا مبيّتة من الغرب. أليس مكافحة الختان هو برنامج غربي؟ ثم يطرح موضوع القانون. فالناس يعتقدون أن ختان الإناث جيّد ما دام أن القانون لا يمنعه. وبعد قرار المحكمة المصريّة الأخير تبيّن للناس بأن ختان الإناث ضار ومخالف للقانون. ولكنّهم في نفس الوقت لا يقبلون بالتبليغ عن الأطبّاء الذين يجرون هذه العمليّة.
ثم يأتي موضوع الدين وموضوع ختان الذكور. فهذا الختان أيضاً له مخاطره مثله مثل ختان الإناث. وكلاهما عادة إجتماعيّة يحث عليها الدين. ولكن سياسة المجموعة التي تناضل ضمنها الدكتورة سهام عبد السلام هي عدم دخول معركة ختان الذكور حتّى لا تعقّد الوضع، خاصّة أن لا حلفاء لها فيها. فليس هناك أيّة سلطة طبّية أو دينيّة في مصر ستساعد ضد ختان الذكور. وختان الإناث يقصد منه الوقاية من التهوّر الأخلاقي، وهذا ليس الأمر بخصوص ختان الذكور. ولذلك فإن ختان الإناث له عواقب أكبر يمكن نقدها إذ إنه يعتمد على إعتبار أن المرأة خفيفة بطبعها ولا يمكن الثقة فيها. وهذا يؤدّي إلى إبقاء المرأة في حالة دونيّة. ولكن الدكتورة سهام عبد السلام تقول بأنها على إستعداد لدعم أيّة حركة رجال يريدون مكافحة ختان الذكور، وأنها تعلم بأن ختان الذكور ضار، وأنها ستمد من يريد بالمعلومات الضروريّة لذلك. وهي لا تسكت لمن يروّج لختان الذكور أثناء مهاجمة ختان الإناث، بل ترد عليه وتواجه غضب من يغضبون بالمعلومات.
ورغم كل الشروحات، فإن الناس يعودون كل مرّة من جديد إلى موضوع عفّة المرأة، إذ إن هذا هو أساس المشكلة. وهنا لا بد من الإعتماد على من لا يقبلون بهذه المعطيات، ومن هن غير مختونات وتركوا بناتهن غير مختونات. فهؤلاء يقمن بالدفاع عن موقفهن أمام الغير.
وقد تم إدخال تحسين على المداخلات وذلك بتقسيم الحاضرين إلى مجموعات غير مختلطة من رجال ونساء، يسرد أفراد كل مجموعة تجاربهم. ثم تقدّم كل مجموعة خلاصة تجاربها للجميع. وهذه الحلقات تساعد في كسر الصمت وفي تبادل الخبرات.
وتتساءل طبيبة علم نفس يهوديّة كيف يمكن إفهام الناس بالتخلّي عن الختان دون إستثارتهم. وتجيب بأن أوّل شيء يجب عمله هو إفهامهم أن من يجري عمليّة الختان هو دائماً ضحيّة. أمّا إذا قلت لهم أن ما يفعلونه أمر سيّئ فإنك لن تصل إلى نتيجة ولن تغيّر شيئاً لأنك وضعت نفسك في موقع المُتِّهِم. وإذا ما أردت الوصول إلى نتيجة، عليك أن تكون صبوراً وتستمع لهم. وعندها سوف يكون في إمكانهم الإستماع لك والإنفتاح نحو التغيير. ويجب أن تكون الرحمة خاصّة نحو الطفل أساس حركتنا المناهضة للختان. والخطر يكمن في إستبدال الرحمة بالغضب نحو من يمارس الختان جاعلين منه عدوّاً لنا. فهذا ينسينا أن الأهل كانوا يوماً ما ضحايا. وتضيف هذه الطبيبة بأن معارضي ختان الذكور يأخذون موقفاً شجاعاً بوضع أنفسهم في «حذاء» الطفل المتألّم وتبنّي قضيته. ولكن عليهم أيضاً أن يأخذوا موقفاً أكثر شجاعة، وهو أن يضعوا أنفسهم في «حذاء» من يجري الختان. عليهم أن ينظروا للأهل الذين تألّموا يوماً ما وهم الآن بدورهم أصبحوا يوقعون الألم بغيرهم. وهذا ما يفعله معالج المصابين بأمراض نفسيّة. وإن كان هذا هو الموقف مع من يريد أن يتغيّر، فما بال بالأحرى من لا يريد أن يتغيّر، ولم يأخذ أبداً بالإعتبار التغيير، والذي وقع في فخ دائرة العنف.
وتقول «برفاتي بيكير»، وهي قابلة ومؤلّفة في مجال الصحّة، بأنها تلجأ إلى أسلوب البحث عن الجرح الموجود في أعماق الأهل. «فمن الجرح ينبع الدواء»، حسب تعبير إغريقي. فعندما تسأل الأم عمّا إذا كانت تبغي ختان إبنها، تجيب الأم عامّة بالإيجاب. وإذا ما تابعت الأسئلة يتبيّن لها أن الذي يريد الختان هو في الحقيقة الأب الذي يريد أن يجعل من إبنه شبيهاً له. حين ذاك تسأل: وإذا كان أنف إبنك مختلفاً عن أنفك، هل ستجري عمليّة جراحيّة لأنفه حتّى يشابه أنفك؟ وعندها يتبيّن للأب بأنه لا مصلحة له في الختان، ويتم تنمية نزعة الحماية الأبويّة نحو الإبن. وأشارت في محاضرة أخرى بأنها تلجأ إلى أسلوب «التوليد» الذي كان سقراط أكبر روّاده. فالداية لا تولّد الطفل بل تنتظر ولادته. إنها تحاول الرد على سؤال بسؤال آخر حتّى يتمكّن الشخص الآخر إكتشاف مكنون نفسه. وهذه محاولة لإيقاظ الشخص ومعرفة خفاياه. وهكذا يتم خلق الثقة بين المتكلّم والمخاطب، والوصول إلى وحدة في الرأي. ويتم هكذا السير معاً في طريق واحد.
وترى ناهد طوبيا أنه من الضروري تبنّي لغة ولهجة بعيدة عن الغضب والإنفعال، حتّى وإن كان هناك مبرّر للغضب والإنفعال. فالغضب والإنفعال غير مجديين في التعامل مع القضايا الإجتماعيّة. فهذه القضايا تتطلّب تفكيراً وليس خصاماً.
هذا وترى السيّدة «لايتفوت كلاين» ضرورة إتّخاذ الطبيب موقف إحترام تجاه النساء المختونات وعدم إعتبارهن محل إستهجان. فعمليّة الختان لم تجرِ لأجل إحداث ألم، بل بمحبّة من قِبَل هذه المجموعات ولصالح النساء. فيجب فهم السبب الذي من أجله تمّت هذه العمليّة وعدم الحُكم على ذلك المجتمع بالقسوة والوحشيّة. وهذا هو الأسلوب لكي نتمكّن من التخلّص من هذه العادة.
وتقول باحثة سويسريّة بأنه يجب فتح حوار مع من يمارس الختان والإبتعاد عن إستعمال كلمات جارحة للغير مثل «عادة همجيّة» أو غيرها من العبارات المذلّة، وذلك لخلق مناخ من التفاهم. فمثل هذه التعابير لا تخدم الهدف المنشود، أي الإقلاع عن ختان الإناث، إذ تضع الطرف الآخر في موضع المدافع. ولذلك فإنها تفضّل الحملات الإعلاميّة الوقائيّة بدلاً من الحملات الإعلاميّة التي تتّبعها فرنسا.
-------------------------------------- لطلب كتابي عن الختان ورقيا أو تحميله مجانا أنظر هذا الرابط http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131&action=arabic حملوا مجاناً كتابي الذي يبين أن القرآن من تأليف حاخام يهودي مسطول http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315&action=arabic أنظروا مدونتي التي تحتوي على أكثر من9000 مقال وشريط عن الأديان عامة والإسلام خاصة http://blog.sami-aldeeb.com
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جريمة الختان 123: مكافحة الختان من خلال الدين
-
جريمة الختان 122: الختان والحروب
-
جريمة الختان 121: الدراسات الشاملة لمكافحة هذه الجريمة
-
جريمة الختان 120: الختان والحلقة الجهنمية
-
جريمة الختان 119: الختان والعنف الإجتماعي
-
أكثر من مليون زيارة لصفحتي في الحوار المتمدن
-
هل هناك امكانية لإصلاح الإسلام وكيف؟
-
العبقرية السويسرية: حوار مع مهجرة سورية
-
الغرب محتل من الإسلاميين وعميل لهم
-
مسلسل جريمة الختان 118: أثر الختان على العلاقة مع الأهل
-
مسلسل جريمة الختان 117: آثار صدمة الختان على الطفل
-
مسلسل جريمة الختان 116: الغرب وازدواجيّة المعايير
-
مسلسل جريمة الختان 115: الأفارقة والتدخّل الغربي في ختان الإ
...
-
نسخة جديدة من القرآن بالتسلسل التاريخي
-
مسلسل جريمة الختان 114: الغرب وختان الإناث في عهد الإستعمار
-
مسلسل جريمة الختان 113: ختان الإناث ومعادة الإسلام
-
مسلسل جريمة الختان 112: إتّهام اليهود بنشر ختان الذكور
-
مسلسل جريمة الختان 111: ختان الذكور ومعاداة الساميّة
-
مسلسل جريمة الختان 110: الختان وسلاح المال
-
مسلسل جريمة الختان 109: الختان والزواج كصفقة تجاريّة
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|