|
دور المجتمع المدني في الثورة السورية والمرحلة الانتقالية 4 من5
احسان طالب
الحوار المتمدن-العدد: 4051 - 2013 / 4 / 3 - 14:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عامان على الثورة السورية مراجعات وعلاجات المؤتمر الخامس لورشة الوحدة الوطنية وتجريم الطائفية المحور الرابع 4- دور منظمات المجتمع المدني في الثورة السورية والمرحلة الانتقالية :
تُعرف منظمات المجتمع المدني : بالمجموعات الصغيرة التي تجعل من المجتمع معافى، وتملأ ما يدعى بالساحة العامة وتحل أغلب مشاكل الحياة اليومية التي هي ليست من اختصاص الحكومة باعتبارها (مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة، التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتآخي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والخلاف) وهذه التعريفات هي ما ينطبق بصورة دقيقة على المجتمع السوري، فالنظام الحاكم منذ عقود طويلة قتل المجتمع المدني وربطه بالهيئات الحكومية والمؤسسة الأمنية، لكنه فشل بإلغاء الروح المدنية أو إنهاء الدور الاستنهاضي للمجتمع الأهلي بدليل قيادته للانتفاضات الثورية السورية وقدرته التنظيمية الهائلة التي تفجرت عند الحاجة والضرورة . ويلحق كثيرون النقابات المهنية والعمالية بالمجتمع المدني طالما أنها لم تلحق سياسيا بالنظام الحاكم أو مؤسسات الدولة، كما يمكن اعتبار التجمعات أو الجماعات المؤسسة على خلفيات إثنية منظمات مدنية، كما ينطبق الحال على المجموعات الفنية والثقافية والعلمية الأهلية والرياضية. كان للمجتمع المدني في سوريا دور فاعل وجوهري في حمل راية الثورة وإعلان المطالب الشعبية التي كانت وراء انبثاق فجر ثورته ، عبر إنشاء بنية تنظيمية سميت التنسيقيات المحلية التي شاركت بفاعلية تنظيم الحراك الجماهيري والتظاهر السلمي وما يلزم من كتابة اللافتات وطباعة المنشورات وتوزيعها واتخذت على عاتقها تأمين المستلزمات الطبية والكوادر المهنية وإقامة المشافي الميدانية بعدما تصاعد تصدي النظام للمظاهرات السلمية بالرصاص الحي وسقوط إصابات هائلة في صفوف المدنيين، واستخدمت الجماعات المدنية فن الجرافيك graphic art بكافة أنواعه ومنها البخ على الجدران حتى بات ما يعرف في سوريا بالرجل البخاخ وهو لقب أطلق على كل من كان ينشر شعارات الثورة على الجدران. وحيث يعرف الجميع أن القوى السياسية التقليدية السورية فوجئت مثلها مثل غيرها بالانتفاضات الشعبية التي خرجت في كافة المدن والأرياف السورية ولم يكن لها أي دور يذكر في التحريض أو التنظيم أو التخطيط لكنها ركبت الموجة وحاولت إدارتها أو السيطرة عليها إلا أنها فشلت، ما أبرز الدور المهم والفاعل للهيئات المدنية السورية. واستفادت الجماعات المدنية من ثورة الاتصالات فشكلوا مجموعات على صفحات التواصل الاجتماعي وكان لها دور فاعل جدا في التحفيز والتنظيم ، إلى جانب العمل الإعلامي الجبار الذي قام فيه شبان مدنيون لم يسبق لهم العمل الإعلامي إلا أنهم أثبتوا قدرات فائقة في التعليم والتنظيم والاستفادة من الخبرات المتاحة ومارست التنسيقيات الشبابية المدنية تنظم المظاهرات وإدارة أعمال الإسعاف والطبابة بعد تصدي النظام بالعنف كالضرب والكسر وبالرصاص بمواجهة المتظاهرين السلميين ، وعندما أوغل النظام في محاصرة المناطق المحاصرة تم تنظيم مجموعات إغاثية تجلب المساعدات الغذائية والاحتياجات المعاشية، وكان لتلك الأعمال الدور الحاسم في استنهاض الشباب ونفخ الروح في المجتمع المدني السوري ومع تطور مراحل الثورة وانتقالها لمستوى متقدم حيث باتت رقعة واسعة من الأراضي السورية خارج سيطرة السلطة الحاكمة حيث نجحت منظمات المجتمع المدني السوري في إدارة وتنظيم المناطق المحررة وتشكيل المجالس المحلية والإدارية. خرجت المظاهرات من المساجد وشارك فيها كل أطياف المجتمع السوري واعتبر المسجد جزء من المجتمع المدني حيث كان من الطبيعي تواجد المسيحيين وأفراد وجماعات من كل الطوائف ينطلقون من المساجد وما حولها في مظاهرات عارمة أيام الجمع ، وفي ذلك أكبر الدلالات على فاعلية قدرة منظمات المجتمع المدني بتحريك الشعوب واستنهاض روح التحرر والمشاركة والتضامن والتقدم ونشر الوعي والتنظيم والتخطيط وهي أهم أدوار هيئات ومنظمات المجتمع المدني.
دور المجتمع المدني بصورة عامة:
هو دور مركزي وفعال ويشكل أفراده وجماعاته البنية المدنية والأهلية والبشرية للمجتمعات عموما ، ويترتب علية في الدول المتقدمة دور كبير في رقابة الدولة وتصحيح مساراتها، وكلما كان حيا قويا وفاعلا في دولة ما كلما كنت مؤسساتها متينة ومتماسكة بعيدة عن الفساد وقريبة من عامة الناس بكافة طبقاتهم وشرائحهم . ـ يتميز المجتمع المدني بمرونة تسمح له بحرية التصرف والحركة واختيار آليات وأساليب لا تخضع لمؤثرات سياسية ، كما يتحلى بهامش كبير من الحرية يتيح له اتخاذ مواقف انتقائية لتعدد مرجعياته وتداخلها، وبذلك يكون له قدرة على التكيف والتلاؤم مع الظروف المحيطة والطارئة لإتمام المهام والوظائف الموكلة إليه، ولهيئات ومنظمات المجتمع المدني دور فعال في تثبيت المصالحة الوطنية وذلك عبر تحقيق الاندماج الاجتماعي بين أطياف الشعب، والبحث عن المشتركات التاريخية والوطنية والاجتماعية ، وسيكون إنشاء هيئات مدنية تجمع مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية والعرقية والدينية عملية فاعلة في التعارف والتقارب وقبول الأخر. إن التواصل الاجتماعي واحد من أهم عناصر تجنب عوامل التباعد والتناحر و تخفيف حدة الاستقطاب ما دون الوطنية، كما أنه القوة المعنوية التي تحطم حاجز الجليد بين المكونات الاجتماعية المختلفة . ولما كان المجتمع المدني يتمتع بالتنوع والتعدد والاتساع ، والقدرة على الانتشار داخل المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية، كان قادرا على لعب أدوار هامة في إنقاذ الوطن وصيانة وحدته وتحقيق المصالحة بين أبنائه ، حيث له تأثير يضاهي أحيانا دور القوى والتيارات السياسية، خاصة في ظل الصراعات الأهلية وفترة الانتقال من حالة الاستبداد والظلم إلى حالة الديمقراطية والعدل. المهام الرئيسة المطلوبة في المرحلة الانتقالية والمرتبطة مباشرة بالمجتمع المدني :
1 ـالإسهام باستعادة الحياة الطبيعية عبر ترميم البنية التحتية ومؤسسات إدارة الحياة المدنية من مدارس ومشافي ومعامل وأسواق وطرقات ووسائط نقل ، مياه وكهرباء وتأمين أساسيات الحياة من طعام وغذاء وكساء. 2 ـ المساعدة والترويج بتوفير الأمن والنظام وبسط سلطة القانون، وتنظيم السلطات الأمنية ، وإنهاء فوضى السلاح، والمبادرة بتشكيل أجهزة الشرطة والأمن وإمدادها وتزويدها بالمعدات واللوازم الأساسية والضرورية 3 ـ الانخراط بتوفير مستلزمات الحياة الأولية والتي لا يمكن الاستمرار بدونها كالخبز وماء الشرب النظيف وتنظيف الأحياء والشوارع العامة وترحيل القمامة وإرساء القواعد الصحية لمنع انتشار الأمراض والأوبئة المعدية 4 ـ المساعدة ومد يد العون للعمل الفوري على إصلاح وترميم المساكن التي دمرتها حرب النظام على الشعب والحرص على إيواء المشردين 5 ـ البحث بإمكانات وسبل إعادة المهجرين إلى مساكنهم واللاجئين إلى ديارهم ،والمشاركة باعتماد خطط تنظيمية شاملة مدعومة باعتمادات مالية واقتصادية ولوجستية كبرى تشارك فيها دول الجوار ومنظمات مدنية عربية وإقليمية والتعاون مع هيئات الأمم المتحدة 6 ـ إيلاء قضية المرأة والطفولة أهمية قصوى، فكثيرا من الأطفال باتوا بلا مأوى وبلا أهل أيتام فقدوا الوالد وفقدوا الأم ، ونساء فقدوا الابن والزوج والأخ ، ناهيك عما تخلفه الحروب الداخلية من أمراض ومآسي نفسية وعصبية وجسدية خطيرة على النساء والأطفال 7 ـ إعادة الحياة للحركة الثقافية والفنية ورعاية الفن الملتزم بالشعب وقضاياه 8 ـ نشر ثقافة الديمقراطية والتسامح والتآخي وإشاعة روح المواطنة وإعلاء شأن الوطن والإنسان 9 تفعيل الدور الوطني والإنساني والأخلاقي للمراكز الاجتماعية الدينية وإبعادها ما أمكن عن التجاذبات السياسية لتكون عناصر وحدة ونقاط تلاقي تحمي المجتمع من الانزلاق في دروب الفتنة ومجاهل الاقتتال الأهلي .
الآليات التي تساعد المجتمع المدني على تحقيق تلك المهام :
إن أنجاز الدور السياسي والعسكري والأمني المنوط بحكومة انتقالية واستعادة واجباتها الأساسية هو المدخل الأول والسبيل لتمكين المجتمع المدني من انجاز المهام الملقاة على كاهله. البدء بتفعيل المجالس المحلية المنتخبة وإمدادها بالموارد المادية واللوجستية وتأمين سلامتها ودعمها سياسيا وإعلاميا. تثبيت المسار السياسي الديمقراطي وإحياء فكر المواطنة وتمتين الرابطة الوطنية يعد أحد أهم آليات تمكين المجتمع المدني الذي يؤمن حالة التوازن والانضباط والمراقبة لمؤسسات الدولة وأنظمة الحكم لقد استعاد المجتمع المدني السوري دوره في استرداد السياسة من السلطات والنخب، حيث باتت النخب السياسية المعارضة ملزمة بل مجبورة على تلبية المطالب الشعبية والاتساق بالمسار السياسي الذي تخطه الثورة ، فلا بقاء لأي تجمع سياسي لا يلبي مطالب الناس وإرادتهم. بناء وإقامة الهيئات الاعتبارية والمادية لتحقيق العدالة الانتقالية هي عامل جوهري في إعادة الصحة والعافية للمجتمع المدني وتجنب تفتيت التضامن الاجتماعي وتخريب السلم الأهلي. نشر الثقافة الديمقراطية وروح التشارك وقبول الآخر والتعايش مع الاختلاف وتعدد الآراء ونبذ التعصب وتجنب التشدد والعنصرية مهمة لصيقة بالمجتمع المدني وجدلية قيميّة يرتقي المجتمع بارتقائها
#احسان_طالب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا كساحة لتصفية الحسابات وممر للمشاريع السياسية والطائفية
...
-
الأفكار الانفصالية وكيفية الحفاظ على وحدة التراب السوري 2 من
...
-
عامان على الثورة السورية : مراجعات وعلاجات 1 من 5
-
في مفهوم الدولة المدنية بين الإسلام السياسي والعلمانية
-
حماية سوريا
-
افتقار الخطاب الرسمي السوري للعقلانية
-
الثورة تواجه عيوب الديمقراطية
-
الطائفية في ميزان العقل الفحص الفلسفي للطائفية
-
العدالة الانتقالية خطاب الانتقالية والتحول الديمقراطي *
-
مونولوج إيراني روسي ، طهران والحوار الوطني السوري
-
فائض القوة والإرهاب الثوري 2 من2
-
الجيش الإسلامي الحر في سوريا 1 من 2
-
فوق سحابات هاربة
-
إشكالية الحرية في ظل الإسلام السياسي 2 من 2
-
إشكالية القيم والمفاهيم في ثورات الربيع العربي1 من 2
-
الإسلام السياسي والانتقال من المعارضة إلى الحكم
-
الثورة السورية والمأزق الأخلاقي
-
الحرب القذرة الصراع المسلح بين السوريين إلى أين؟
-
أم المعارك السورية
-
سيناريوهات سورية محتملة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|