نصر سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 1164 - 2005 / 4 / 11 - 10:37
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أناشد كل السوريين أن يسرعوا اليوم الى تحمل المسؤولية الوطنية لإنجاز أبسط المهام الضرورية لإعادة الحياة السياسية للمجتمع لكي يدار من أبنائه جميعا , وذلك عبر تحرير الانسان من عقابيل فلسفة الخوف الذي خلقه الاستبداد عبر سنوات طويلة على صورة شرطي يقبع في داخل كل سوري ليرشده على الخطوط الحمر والأمان الواهم حتى في أحلامنا . فلا حوار وطني مع الاستبداد لأنه الداء بعينه , فالداء حسب الكواكبي – استبعاد البرية والدواء استرداد الحرية – فقد انهك الدولة والمواطن وأتخم السلطة وأعوانها , واضعف جميع الأحزاب دون استثناء بما فيها حزب البعث نفسه حيث تحول ومنذ عقود الى اداة ترصد وتراقب المجتمع لا لصالح الدولة والناس بل لصالح السلطة واجهزتها ضد المعارضين السياسيين وليس ضد الفاسدين الناهبين , الذين ملأوا الأرض فسادا . فالوحدة الوطنية تتطلب أن يقتنع الجميع بالمساواة والمواطنة امام القانون في كل ميادين الحياة , وهذا غير محقق في سوريا حتى اليوم , فلا وحدة وطنية بين الأوصياء البعثيين والرعايا , بين من له الامتيازات وبين المحرومين , فهل بات البعثيون اليوم يشعرون بضرورة التراجع والعودة للمواطنة , ولا أحقية لهم الا كغيرهم في مكاتب العمل والتوظيف والتطوع بالجيش والبعثات والعلامات الاستثنائية السيئة الصيت لدخول الجامعة .
ان هذه المؤشرات الميدانية والبسيطة هي الدليل على حدوث جدية في التغير من اجل التفاهم الوطني وانهاء سياسة التطنيش والتهميش للأكثرية .
نريد سورية قوية وديمقراطية وتعددية تسودها ثقافة الحوار والمحبة والتعايش الحقيقي بين ابنائها ومع جيرانها وليس التجاور والاحتقان الكامل بفعل الخوف والغبن معا . ان هناك الكثير في صفوف البعث اليوم يشعرون كما نشعر ويريدون كما نريد تجاوز واقع التخلف بشكل سلمي وديمقراطي , وهذا يتطلب الانفتاح على مشاكل الناس بدءا بالحريات السياسية وحل قضية الأكراد ضمن النسيج السوري كما يطالبون , وكذلك يجب مشاركة الشارع الاسلامي المهمش وخاصة الاخوان المسلمون الذين يطرحون اليوم برنامجا ديمقراطيا يتجاوزون فيه الماضي ونتفق معه , اننا نحتاج الى النوايا الطيبة حتى نخلق جسور الثقة بين الجميع عن طريق الحوار واللقاء الذي يستهدف ثقافة التبعيث التي عسكرت وانهكت المجتمع لأنها اعتمدت على الأخطاء التالية
1- الاعتماد على حالة الطوارئ في استمرار السيطرة ,فلم يستطع البعث رغم اتساعه أن يحكم سوريا يوما واحدا دون الاستقواء بالأحكام العرفية , وجيلنا بالكامل لم يعش ساعة واحدة بدونها .
2-الاعتماد على ثقافة التخوين لمن يعارض حتى سلميا وشهد على ذلك اعتصامنا من اجل الغاء حالة الطوارئ أمام البرلمان عام 2004 وأمام القصر العدلي عام 2005 , لم يتحملوا وجودنا في الشارع !! واخذوا بالمضايقات والضرب لتفريقنا , وهذا التخوين يعتمد على نصوص سيئة في قانون الطوارئ فالفقرة الأولى من المرسوم /6/ في الأحكام العرفية والصادرة أواخر الستينات تنص على امكانية اعتقال أي انسان يعادي التحويل الاشتراكي قولا او عملا , أي يمكن أن تطال صاحب أي دكان أو سائق تاكسي لأن عملهما لا يصب في خدمة التحويل الاشتراكي المزعوم وحكم هذه الفقرة مؤبد وتشدد للاعدام , أمام هذا السيف المحرقة كيف نستطيع استقطاب أموال المستثمرين الى البلاد.
3- ثقافة الوصاية والرقابة والتوجيه , أي ثقافة الملة الناجية من النار والمدعومة بالمادة الثامنة من الدستور – البعث قائد الدولة والمجتمع – ان هذه الوصاية ليست مقبولة حتى بعد تلطيف القيادة القطرية الأخير لها , ماداموا يشعرون ان من حقهم التدخل في توجيه تعيين المخاتير ... الخ .
4- ثقافة تكبير الحجر والهروب الى الأمام والخارج – العراق , لبنان , فلسطين – على حساب الا ستحقاقات الداخلية , بمنطق التبرير والتضليل يؤد لجون , فلا يستطيعون تحسين اوضاعنا بحجة الحرب والنفقات العسكرية , ولا يحاربون بحجة عدم التوازن , وفي الحالتين مطلوب منا ان نقول نعم . لكن من حقنا ان نسال بعد هذه المعاناة أين يذهب دخل البلاد لأربعين عاما ؟ دون أن نستطيع إنهاء حتى مهزلة الدوام المسائي لأطفالنا او الرغيف الجيد لأبنائنا .
انني أعتقد وبالمقارنة مع عدة دول عربية كمصر والسودان والجزائر واليمن .. الخ . ان الاجراءات العقابية في سوريا هي أقسى مما هي عليه في أي نظام عربي , فالحكم الاسلامي في السودان قد سبقنا في التصالح مع الذين استخدموا المدافع , وها هم اليوم يشاركون في صياغة دستور السودان , أما عندنا ومن اسبوع فقط سمح بزيارة أقدم سجين رأي في سوريا – عبد العزيز الخير - ابن القرداحة - والمحكوم اثنان وعشرون عاما قضى منها حتى الآن ثلاث عشرة سنة , وفي الجزائر وجدنا عنف التسعينات رغم ذلك لم تكن سنوات اعتقال أشد قادتهم تطرفا وهو السيد علي بالحاج تعادل سنوات اعتقالي – 12 – سنة كسجين رأي فقط في سوريا , هذه مقارنة مهمة أضعها امام منظري العلمانية المستبدة في شرقنا لكي يعيدوا النظر فيها كونها ساهمت بولادة العنف والطائفية بدلأ من الحرية والعقلانية .
ان النظام السياسي يتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى والثانية والعاشرة حول تأخير التفاهم الوطني وهو الى اليوم يماطل ويلعب على الوقت دون اجراءات قانونية عملية حول الداخل . وابسط الاجراءات العملية على جدية الاصلاح السياسي هو البدء فورا بمعالجة اوضاعنا نحن المجردون والمحرومون من الحقوق المدنية بعد سنوات طويلة من السجن والحصار . بحق الالهة لماذا يتهمنا هذا النظام الكلي القدرة والمبررين له من المثقفين في سوريا ولبنان باننا مستعجلون ولا نختار الطريق المناسبة للمطالبة بحقوقنا ؟! الأيكفي -18- سنة وانا اطالب وأنتظر لأعود مواطن , – الظرف الغير استثنائي والغير عصيب والغير مصيري والغير محرج كي يلتفت ويتفرغ " أبطال القومية " الى هذه الحقوق الوضيعة ؟!
أليست اموال سارق يملأ مكتبه صورا ضخمة قادرة على حل هذه المعضلة لو توفرت النوايا الغير حاقدة على أطفالنا ,
فمن منهم يتنازل عن حقه سنة واحدة ؟؟!!
#نصر_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟