|
هل الإنسان -الحر- أسطورة؟؟!! الذات الإنسانية قيدا وقائدا
حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)
الحوار المتمدن-العدد: 4050 - 2013 / 4 / 2 - 23:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أن تكون حرا...! يا له من حلم جميل يراود الملايين... لا... بل المليارات من سكان كوكب الأرض....! أن تكون حرا...! أن تفعل كل ما تشاء وقتما تشاء وكيفما تشاء دون أية قيود أو قواعد....! أن تعيش نفسك وذاتك في كل لحظة دون خشية اللوم أو العتب من أي كائن على وجه البسيطة... أن تنام وقتما تشاء وتستيقظ وقتما تشاء وتنفق ما تشاء على ما تشاء ومن تشاء....! أن تقرأ ما تشاء وتكتب ما تشاء وتقول ما تشاء لمن تشاء....! باختصار.... أن تكون حرا....! يا له من حلم براق...! يا له من خيال يشبه الشمس تشرق من وسط الغمام فتحيل الظلام نورا...! ولكن.... هل من الممكن أن يتحقق ذلك...؟!! يمثل هذا السؤال اصطداما بصخرة الواقع بعدما حلقنا في سماء الخيال.... خيال الحرية...! ولكن لا بد من إلقاء هذا السؤال... هل من الممكن أن يتحقق ذلك؟؟! أن يكون الإنسان حرا بهذا الشكل؟؟!! لنحاول مناقشة الأمر بشكل يخلو تماما من الأكاديمية وبعيدا عن أية مدارس فلسفية أو فكرية... مناقشة حرة فقط تنطلق عفو الخاطر... لنفترض أن هذا قد تحقق فعلا... فماذا بعد؟؟!! فلنفترض أنك نلت الحرية الكاملة... ستحيا كماء تشاء بما تعنيه الكلمة من معانٍ... لن يكون عليك أي قيد... ما الذي سيحدث...؟!! ستحيا براحتك لوقت ما.... قد يطول أو يقصر... لأسابيع أو شهور... وأحيانا قد تقصر المدة لأيام... إلا أنك في النهاية سوف تميل إلى ما تمليه عليك فطرتك...! فما هو هذا الشيء الذي "تفرضه" الفطرة؟؟!! في تقديري الشخصي أن الإنسان يجب أن يحيا لهدف ما... من الصعب أن يعيش الإنسان هكذا... حتى أتفه المطربين في النوادي الليلية يعيشون لهدف ما... حتى زعماء العصابات يعيشون لهدف ما... فشريرا كان هذا الهدف أم خيرا، تميل الطبيعة الإنسانية إلى أن تعيش لأجل تحقيق هدف ما... من البديهي أن نقول إن هذا الهدف له مطالب... وبالتالي ستفرض عليك هذه المطالب التزامات معينة.... (تأمل معي كلمة التزامات هذه لتعرف إلى أين نسير)...! هذه الالتزامات ذاتية الفرض... لم يفرضها أحد عليك، ولكنك فرضتها على نفسك... وهنا النقطة....! من الصعب أن تعيش حرا... خاليا من الالتزامات.... لا... بل من المستحيل ذلك... فهذا لا يستقيم مع الطبيعة الإنسانية وفطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها... لا بد من التزامات... لا بد، على سبيل المثال، من أن تحترم حق جارك في النوم، وبالتالي لن تستطيع سماع مطربك المفضل والمؤثرات الصوتية في أغانيه ـ وما يتطلبه ذلك من رفع لمستوى صوت المذياع أو جهاز التسجيل أو الحاسب الآلي ـ عند منتصف الليل. وإن كان البعض أحيانا يفعل ذلك من باب أن (الناس لبعضيها)!!! لا بد لك وأن تعطس في أحد المناديل الورقية، أو في جزء من ثيابك على أقل تقدير، لكي تحمي الآخرين من الإصابة بالبرد، الذي يكاد يقتلك...! لا بد لك وأن تتنازل عن اللون المفضل لثيابك لصالح اللون الذي يفضله شريك حياتك...! كلها أمور تفعلها لأنك، مثلا، تحترم الآخرين...! ما سبق أمور لست مجبرا عليها من جانب أحد، ولكنك تفعلها انطلاقا من قناعات فكرية تلزمك باحترام الآخرين... فإذا ما قلت إنك لن تعتنق أية فكرة، وبالتالي تتحرر من أي التزام، فلن تستطيع أن تتحرر من الموروث الكامن في أعماقك والممثل في ما يطلق عليه علماء التحليل النفسي "الوجدان الجمعي للإنسانية" ويعرفه، المسلمون، بـ"فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها". ففي هذه الفطرة، أو هذا الوجدان، ما يجبرك على احترام الآخرين... نعم... تماما كما فهمتَ... إن الإنسان لن يكون حرا بشكل كامل.... إن مفهوم الإنسان الحر مطلقا أسطورة...! نعم... مجرد أسطورة كالعنقاء وما شابه... لن يتحقق... فلكي يتحقق يجب أن تعيش بمفردك... ولكن لأنك تعيش في مجتمع، يجب أن تتنازل عن جزء من حرياتك لصالح الآخر الذي هو له حريات يتنازل عنها أيضا، طواعية، لصالحك!! وهناك غير احترام الآخرين الكثير من الأسباب التي تدفعك للتنازل عن جزء من حريتك... إلا أن في احترام الآخرين ما يكفي... لآن الآخر يتواجد معك في كل مكان تقريبا من حياتك... ما الحل؟؟! هل نقول إن الإنسان ليس حرا؟؟.... مطلقا... ليس هذا المقصد... فالإنسان حر، وحريته الأساس الذي يحاسب عليه... فلولا حرية الإنسان ما كان هناك حساب... ولكن.... الإنسان هو المسئول عن عدم حريته انطلاقا من المبادئ والقناعات التي يتبناها وكذلك بسبب الفطرة التي تدفعه لاحترام الآخرين... كيف يستقيم هذا وذاك؟؟!! التعويل كله على الإنسان... فالإنسان من يستطيع أن يجعل نفسه حرا وكذلك أسيرا... ذات الإنسان، بشقيها الفطري والمكتسب، تدفع الإنسان في طريقه... أي أن ذات الإنسان مسئولة عن تحريكه... والإنسان من يجعل من ذاته قائدا له أو قيدا عليه... فإذا ما تبنى الإنسان منظومة فكرية إيجابية كانت ذاته قائدة له نحو الحق والخير والجمال... نحو صلاح الدين والدنيا... وإذا ما تبنى منظومة فكرية سلبية، ستصبح قيدا عليه... تعوقه عن التقدم والحراك والانتقال لما هو أسمى وأعلى بما يليق بالإنسان الذي كرمه الله تعالى على كثير ممن خلق... إن التعامل بحرية مطلقة وتجاهل الآخرين لا يعني أنك حررت نفسك، ولكنه في حقيقة الأمر يعني أنك قيدتها لأنك منعتها من التعامل معه الآخرين... لقد جعلت حريتك تقصرك على ذاتك فقط دون الآخرين... تجعلك محصورا في نفسك فقط... لقد قيدتك!!! نعم... إن الإنسان الحر بشكل مطلق أسطورة... لأن الحرية المطلقة، هذا إن تحققت، تمثل قيدا في حد ذاتها، كما أشرنا...! ولكن الإنسان، أيضا، من يستطيع أن يجعل من فقدانه لجزء من حريته منطلقا نحو التحرر من القيم السلبية والانطلاق نحو القيم الإيجابية بما يخدم البشرية كلها... إذا كانت الحرية المطلقة خيالا... فلا يزال بإمكانك، كإنسان، أن تختار.... لا يزال لديك القدرة على الاختيار "الحر"... أن تكون ذاتك قائدا لك.... أو قيدا عليك.... وبالاختيار يتحدد المصير....! ******
#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)
Hussein_Mahmoud_Talawy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القومية العربية... ألا تزال حية؟!
-
الثقافة العربية الإسلامية... هل نحن أمام خطأ تعبيري؟!
-
الخطايا... كيف تخسر الطبقة الوسطى صراع بقائها بالنيران الصدي
...
-
الطبقة الوسطى... العميل السري لأنظمة القمع العربية!
-
3 أرغفة لكل مواطن... 3 عمارات لكل مالك!!
-
ملاحظات خاطفة على الفكر الهيجلي
-
إحسان عبد القدوس... لماذا الآن؟!
-
هند والدكتور نعمان... والحالة المصرية عربيًا!
-
الثورة المصرية... ثورة لم تكتمل
-
الحكاية الأحوازية المنسية عربيا
-
ماذا تبقى لكم؟!
-
رؤى حول بعض نظريات تفسير نشأة المجتمع وتطوره
-
-العالم الآخر الممكن- لم يعد ممكنا!
-
المنتدى الاجتماعي العالمي في مهد الثورات العربية... بين اليس
...
-
المرأة بين حضارات الشرق والغرب
-
الإسلام... بين النقيضين!
-
شموئيل عجنون... القلم الكاذب
-
الترجمة لفظا وتاريخا وعِلْما
-
أصناف العقل الإنساني (3)
-
البطل
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|