كيف نعرف بأن الله غير موجود؟

بسام البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 4050 - 2013 / 4 / 2 - 22:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

كي تنتقل من الاسلام الى المسيحية, يجب أن تؤمن إيماناً مطلقاً بخطة الله المسيحي الغريبة لأنقاذك من الشيطان. كي تخطو هذه الخطوة فأنت في الحقيقة لاتحتاج الى دليل يثبت لك مايدور في رأس الله. بل يكفي أن تقتنع عاطفياً بأن هناك خلل ما في الاسلام, سواء عقائدي أو تطبيقي, ثم تعرض عليك المسيحية بصورة لطيفة. تدريجياً تجد في داخلك ميول متنامية تجاه المسيحية و أبتعاد متزايد من أفكار الاسلام وظاهرة الاسلام التي تشعر بأنها مرهقة وغير إنسانية. كي تنتقل بالاتجاه المعاكس من المسيحية الى الاسلام, فأنت تسلك نفس الطريق ولكن بالاتجاه الآخر. ربما الروحية المفرطة في المسيحية أرهقتك لأنك لاتجد معنى أو هدف مادي حقيقي لك في ذلك, فيعرض عليك الاسلام بلطف وكل مافيه من قوانين ملموسة وتعاليم تحدد لك حياتك, فتبدأ بالميول لهُ تدريجياً والابتعاد عن الروحية الخاوية في المسيحية تدريجياً حتى تأتي النقطة الفصل التي تنظر فيها لنفسك كمسلم وتعلن أنفصالك عن المسيحية للأبد. مررت شخصياً بالمرحلتين وأعرف تماماً أن الموضوع عاطفي بحت ولاعلاقة لهُ بدليل أو علم أو منطق.

كي تنتقل من الإيمان بالله الى عدم الإيمان بالله (الالحاد) فأنت في الحقيقة تحتاج أكثر من دليل ودليل كي تخطو مثل هذه الخطوة. الإيمان بالله هو ورقة التوت الاخيرة التي يستر الإنسان فيها عجزه الفكري. لهذا فأن سقوط هذه الورقة وأكتشاف أنهُ ليس هناك آلهة أو شياطين في هذا الكون وبأننا في الحقيقة وحيدون على كوكب الارض يحتاج ليس دليلاً واحداً بل بحث شاق ومتواصل للوصول الى ماعجز أجدادنا عن الوصول لهُ, الحقيقة. طالما أنك ولدت في عائلة متدينة فهذا يعني أن كل أجدادك ولعدة أجيال ولدوا لعوائل مؤمنة وأستمروا على الدين الذي ولدوا فيه وهذا ماكنت تفعلهُ أنت كذلك حتى اليوم الذي قررت فيه أن تعيش حياتك لنفسك. لكن كيف, أين تبدأ وكيف تتأكد من حقيقة عدم وجود آلهة أو شياطين أو جن أو ملائكة حولك؟ أين الدليل؟

أولاً وقبل كل شئ, فأن القاعدة المنطقية التي يجب أن نفهمها جميعاً بأن الدليل دائماً وأبداً هو دليل إيجابي ولايمكن أن يكون سلبياً مهما كان. أي بعبارة أخرى فأننا نستطيع مثلاً أن نثبت وجود كائنات حية على سطح المريخ من خلال تقديم دليل على وجودها لكن من المستحيل أن نثبت عدم وجود كائنات حية على سطح المريخ. عدم أمتلاكنا دليلاً على وجود كائنات حية على سطح المريخ لايعني بأن الحياة غير موجودة عليه, وكذلك لايعني بأنها موجودة, لكن مايعنيه ذلك بأنه لايوجد مايشير الى وجود حياة على سطح المريخ. السبب المنطقي الذي جعل الدليل دائماً ايجابياً هو أن الدليل الايجابي أسهل بكثير وأكثر وضوحاً من الدليل السلبي. لو كان أي شئ موجوداً فأن الدليل على وجوده سيكون مُتاحاً بطريقة ما حتى وإن لم نتوصل لها بعد. لكن القول بوجود شئ ما يحتم على القائل تقديم البرهان على مايقوله, والا أصبح الكلام هذا كلام مرسل ورجم في الغيب فقط.

لو خرج علينا العلماء في وكالة ناسا للأبحاث الفضائية اليوم في مؤتمر صحفي ليعلنوا لنا بأنهُ ونظراً لعدم وجود أي دليل ينفي أو يمنع عدم وجود كائنات فضائية على سطح كوكب الارض أذن هذا يدل على أن هناك كائنات فضائية تعيش بيننا. السؤآل المنطقي الذي سيسألهُ أي شخص في هذه الحالة, وهل هناك أي دليل يدل على وجود هذه الكائنات الفضائية بيننا؟ هل هناك أي شئ يشير لذلك؟ وهل عدم وجود دليل ينفي وجودهم يعني أنهم موجودون حقاً بيننا؟ هذه هي أهم أسباب عدم منطقية وعدم مصداقية الدليل السلبي. فقط لأنك لاتملك دليلاً ينفي حدوث شئ ما فهذا لايعني بأن هذا الشئ قد حدث, فقط لأنك لاتمتلك دليلاً ينفي وجود شئ ما لايعني بأن هذا الشئ موجود.

عودة للسؤآل الاساسي هنا, وهو هل لدينا دليل ينفي وجود الله؟ مقارنة بالاسئلة أعلاه يبدو واضحاً أن هذا السؤآل باطل لأنهُ قائم على مغالطة نقل عبء الاثبات من المتحدث المطالب بأثبات أدعائه الى الآخرين الغير مطالبين بالاساس بأثبات أي شئ. هناك قاعدة قانونية شهيرة تقول "البينة على من أدعى", وبغض النظر عن نوع أو حجم أدعاء أي شخص, فأن البينة تقع دائماً على من يدعي شئ ما. أما الدليل بالنفي فهو دليل باطل لاوجود لهُ على الاطلاق. على سبيل المثال أستطيع أن أدعي بأنني بالامس والناس نيام صعدت للسماء العاشرة وتناولت العشاء مع جدي التاسع عشر على ظهر بطة وردية. بمجرد أن يسألني أحد عن الدليل, أستطيع وبأستخدام دليل النفي الباطل أعلاه أن أطالبه بأثبات أنني لم أفعل ذلك. عجزك عن أثبات أنني لم أصعد للسماء العاشرة وأتناول العشاء مع أجدادي لاقيمة لهُ ولايعتبر دليلاً بأي حال من الاحوال على صعودي للسماء. كذلك عدم أمتلاكي دليل ينفي وجود الله لايعتبر بأي حال من الاحوال دليلاً على وجود الله أو عدم وجود أي شئ آخر.

هذا النوع من الاسئلة يندرج تحت قائمة المغالطات المنطقية التي يكثر أستخدامها في الاقناع الديني للبسطاء. عدم أدراك الانسان للمطبات المنطقية يجعلهُ فريسة سهلة لهذه المغالطات التي يتم ترديدها وتشذيبها على صيغة أسئلة متعددة لكنها تحمل نفس المغالطة. على سبيل المثال لا الحصر, لو ناقشنا مسألة وجود الله (هل لديك دليل يثبت عدم وجود الله؟). ولو ناقشنا صعود محمد أو المسيح للسماء, (هل لديك دليل يثبت عدم صعودهم للسماء؟). ولو ناقشنا حقيقة الوحي وتحدث الانبياء مع أنفسهم وأعتقادهم بأنهم يخاطبون الله, (هل لديك دليل على أن الوحي لم يخاطب الانبياء). وهلم جراً من الاسئلة التي لاتنتهي والتي تنقل عبء الاثبات على المتلقي, حينها يشعر المتلقي بالعجز عن الاتيان بدليل ينفي مايقوله الاول ولضعف خلفيته المنطقية يقع ضحية سهلة لهذا الفخ العقلي الذي ينصبهُ رجال الدين بكثرة في خطابهم.

أخيراً, لو كان الله موجوداً, فهل سيحتاج الله لأستخدام مغالطات منطقية وفخاخ عقلية لأثبات وجوده؟

بسام البغدادي

#بسام_البغدادي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات