|
ايدولوجيا المصالح، تغييب القيم وانتهاك الحقوق
حسن بشير محمد نور
الحوار المتمدن-العدد: 4048 - 2013 / 3 / 31 - 21:31
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
عدد كبير من الأكاديميين، الكتاب والخبراء تناولوا بشكل أو بأخر مفهوم ايدولوجيا المصالح. من الذين تناولوا هذا الموضوع وليام فاف حول (ايدولوجيا المصالح ، الحرب والإرهاب)، متعرضا فيه لايدولوجية الجمهوريين في أمريكا، رابطا تناوله (بجهل غالبية الأمريكيين) بمفهوم العدالة الاجتماعية ويقول ان الذي حل محل ( التراث التقدمي للجمهوريين اليوم هو ايدولوجيا تقوم علي المصالح والامتيازات الطبقية والفردية التي لا تراعي اي قيمة من قيم المسئولية الاجتماعية) متوفر علي موقع Alraynews.com)). ترتبط تلك المقولة بآراء عديد من الكتاب الأمريكيين الذين يؤكدون علي سذاجة الشعب الأمريكي وانخداعه بالدعاية الإعلامية وتأييده الاعمي للروايات الرسمية حول الأحداث وانقياده خلف قيادته السياسية. غض النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع تلك الآراء، إلا أن موضوع ايدولوجيا المصالح متشعب وشديد التعقيد ولم يتوقف عند النظام الأمريكي في مجمله، بما فيه الإدارة الديمقراطية الحالية، بل تعداه إلي مجموعة القيم الإنسانية في مختلف القارات متخطيا القيم الإنسانية الوضعية إلي قيم الأديان. هناك اتفاق علي أن الايدولوجيا هي نسق متكامل من الرؤى والأفكار التي تشكل عقيدة فكرية سياسية متماسكة، فهي بالتالي تتخطي جوانب التآمر أو الأهداف قصيرة الأمد، لتؤسس لقيام منظومة كاملة يتم في إطارها تحقيق مشاريع لصياغة العالم او الدول أو إعادة صياغتها، لتحقيق مصالح عليا في الرؤية الفكرة المحورية السائدة في الايدولوجيا المعينة. نتيجة لتداعيات الأزمة المالية العالمية التي تحولت إلي أزمة اقتصادية شاملة وتزامن الحركات الاحتجاجية في الغرب ضد فواتير رأس المال التي يدفع تكلفتها المواطن العادي، وتزامن تلك الاحتجاجات مع الحراك العربي، تدخلت ماكينة قوي الهيمنة الدولية لأعادت السيطرة علي الأمور عبر احتواء الاحتجاجات والثورات وعبر فرض فواتير (الإصلاح) باهظة الثمن وتوزيعها علي نطاق عالمي. الهدف الأساسي هو الدفاع عن مصلحة القوي المهيمنة من أباطرة رأس المال التي تشكل الشركات متعددة الجنسية وعابرة القارات رأس رمحه القاتل، كما تتكون أدواته من الحكومات في الدول الرأسمالية ألكبري، الدول التابعة المرتبطة بها عضويا، المنظمات الاقتصادية والتجارية الدولية واتجاه لا يستهان به من داخل منظومة الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها. سخرت تلك القوي جميع مقدراتها العلنية والمستترة وجميع الأدوات الناعمة، العنيفة والتافهة الموغلة في تطرفها المادي والأخلاقي ضاربة بجميع القيم الإنسانية عرض الحائط. في النتيجة اختلط الحابل بالنابل والطيب بالخبيث وأصبحت شريعة الغاب منهجا حضاريا توظف له القنوات الفضائية والعالم الاسفيري الافتراضي، بذلك اختلطت الأكاذيب بالحقائق وانهارت القيم الإنسانية تحت ضربات التشويه والتبرير والفتاوى ودخل العالم بذلك في متاهة نوعية وصلت حد تقنين نوع جديد من الاسترقاق وإباحة سبي نساء الخصم السياسي، كيف يمكن لشخص (يجاهد) من اجل تخليص الإنسان من الظلم والديكتاتورية أن يبيح لنفسه سبي النساء اللاتي يسعي لتحريرهن وتحويلهن لأدوات للاستعمال والمناكحة.,؟ يبدو انه في سبيل تحقيق المصالح (العليا والإستراتيجية) لقوي الهيمنة الدولية يصبح كل شيء ممكن ويتحول المنكر إلي فضيلة والحرام إلي حلال. أنها ايدولوجيا المصالح في اعلي تجلياتها.الآن اضطربت مواقع الرصد والمتابعة وابتذلت مراكز اتخاذ القرار. لا شك ان الحراك العربي الذي فجا العالم قد حطم قماقم التاريخ وأطلق الجن من عقاله فتحركت رقعة الشطرنج العالمية بشكل مختل ليصبح البيدق حصانا ويتحول الفيل ألي أرنب. هكذا تم تحريك أدوات اللعب الجديدة فتم الجمع بين القتال والفتك والخزائن المليئة بالمال وبهذا الشكل تمت إعادة ترتيب الأوراق ليدخل العالم في جوهر صراع المصالح الاعمي، الذي يسحق كل من يعترضه بدون رحمة ودون وضع إي اعتبار لأي عوامل إنسانية أو إي قواعد قيمية. الغرب وأمريكا علي وجه الخصوص هي الضامن الأكبر لمصالح قوي الهيمنة من الشركات الكبرى وأسواق المال العالمية وبمجمل ما يجري اليوم يمكن الجزم بان العالم قد دخل في لعبة أممية خطرة تختلط فيها اصغر الأوراق بأكبرها، وهاكم تهديد كوريا الشمالية بضرب الولايات المتحدة الأمريكية بقنابل نووية كنموذج حي لتلك اللعبة، التي يبدو أنها لن تدخل ضمن وسائل التوظيف المربح، بهذا الشكل يمكن ان يأتيك الخطر من قوة مارقة لا يمكن السيطرة عليها ولا التأثير فيها، فأي الخيارات أفضل أذن القتل آم الموت؟ وبهذا الشكل يمكن آن تتحطم قيم الحرية، العدالة وحقوق الإنسان تحت دعوي الدفاع عن المصالح. من أراد الدخول أكثر في ايدولوجيا المصالح التي تحرك الأحداث في عالم اليوم وتدير الصراع الدموي الذي أصبح يأخذ طابعا لا أخلاقيا ولا إنسانيا عليه تغذية معلوماته بالرجوع إلي اعترافات قاتل اقتصادي لجون بيركنز (Confessions of an Economic Hit Man, John Perkins ) ، وهو شاهد حي علي ما قدمه من خدمات لوطنه أمريكا بأدوات قاتلة، سلاحها الأفساد والابتزاز والفبركة، أدوات فتكت بملايين الأرواح وقضت علي حضارات كاملة كما حدث في الإكوادور. هذا شخص لا يمكن الغش حوله فهو علي قيد الحياة يقدم شهادات موثقة. لا غرابة في ذلك ففي التعبير عن المصالح تستطيع الايدولوجيا إيهام عدد كبير من الناس الواقعين تحت تأثيرات سياسية، اقتصادية واجتماعية بصحتها، والاقتناع بها واستخدامها لتمرير النموذج المراد تطبيقه. يحتاج ذلك في حالة ايدولوجيا المصالح لتوفير الأموال الطائلة وشراء أنماط معينة من البشر بتخصصات مختلفة في العلوم والأديان والأخلاق وإطلاق آلة إعلامية متطورة واسعة الانتشار، تلك أدوات تم توفرها بالفعل. بذلك يتم تأليب الناس وتحريضهم علي أفعال بعينها والدفاع عنها حتى الموت. في الشأن أعلاه تلعب آليات الدولة والتنظيم دورا أساسيا في تثبيت الايدولوجيا المصالح وترسيخها عبر المؤسسات الإعلامية وحتى القانونية والشرعية. هكذا يتم ترسيخ الأهداف ووضع المؤثرات عبر أدبيات تزييف الوعي وغسل الأدمغة، يلحق ذلك ابلغ الضرر بالقيم الإنسانية المتمثلة في الديمقراطية، الحرية وحقوق الإنسان لدرجة تعطي المبررات للبعض لتفريغ تلك القيم من محتواها. يبدو ان التحدي يكمن في التصدي بشكل علمي يتميز بالعقلانية ووضوح الرؤية للدفاع عن قيم العدالة ، الحرية وحقوق الإنسان التي تم مسخها وتشويهها وتوفير إمكانية تقديم معرفة متكاملة حول طبيعة الصراع العالمي الدائر اليوم وتوضيح غاياته واتجاهاته، وما يمكن أن يخرج به من نتائج. بما أن جزءا مهما من الصراع يدور في منطقتنا ويؤثر فيها بشكل مباشر وسيترك أثرا عميقا علي مستقبلها فنحن، أهل هذه المنطقة معنيين بالتصدي لهذه المشكلة وصياغة أهداف بديلة وايجاد الأدوات المناسبة لتحقيقها. هذا تحدي يقع علي جميع المنظمات السياسية والاجتماعية والبحثية ومنظمات المجتمع المدني ذات الرؤية العقلانية الإنسانية التي تتوافق مع متطلبات العصر والحداثة. يتيح ذلك الفرصة لمجتمعاتنا للتماسك وتجنب التفكيك ودوامة الصراع اللامتناهي أو الدخول في عصر طويل من الانحطاط والظلام.
#حسن_بشير_محمد_نور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشكلة المعرفة في انظمة (الربيع العربي)
-
الاسلام السياسي، مأزق البدائل الاقتصادية
-
(الربيع العربي) بين الاحتواء والاجهاض
-
التكاليف الاجتماعية للازمات المالية العالمية
-
الاثار الجانبية لغزوات (الناتو)
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|