|
ماتخيله ماكس مالوان في مقبرة أور المقدسة..محاكاة لعودة الأنكليز
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1164 - 2005 / 4 / 11 - 09:18
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
عدت مرة أخرى وبقصدية لقراءة مذكرات المنقب الآثاري ماكس مالوان والمترجمة من قبل الأستاذ سمير عبد الرحيم الجلبي . وهو كتاب شيق لايمل من قراءته لما فيه من ذكريات تجمع بين متعة الأدب والتأريخ، لاسيما أن كاتب المذكرات هو زوج الروائية الأنكليزية المعروفة آجاثا كرستي . يتحدث السيد مالوان في كتابه عن عمله في التنقيب عن الآثار العراقية مطلع القرن الماضي وفي مواقع شتى ، وأهمها آثار منطقة الخابور وشكر بازار والنمرود . والأهم أشتغاله مع العالم الأثاري{ ليوناردو وولي } في الكشف عن كنوز الحضارة السومرية المتمثلة بموجودات مقبرة أور المقدسة . وفي مذكرات مالوان بالنسبة لكشوفات أور الأثرية ما يجعلنا أن نقف طويلا عند رؤى التفكير الأستعماري ومداخلات ماحدث وهو ما لم يتحدث عنه مالوان كثيرا . غير أن أوراق ليوناردو وولي كشفت رغم عدم شيوع تعميمها خدع مقصودة هاجسها النهب والثراء وأحيانا هناك هواجس كهنوتية تحاول ربط الوجود الأبراهيمي بهذه الأرض وبالتالي جعل مهمة وولي مهمة كنائسية مقدسة كالتي أستطاعت ملكة أسبانيا أن تنتزعها من البابا يوم أبتدأ كرستوفر كولمبس مهمته الأستعمارية ، الأستكشافية ، التبشيرية ، فالرجل قد درب نفسه ليمتلك شهادة عالية في علم اللاهوت . وكان للبريطانية { المس بيل } دور في هذا . وكذلك لجميع المندوبين الساميين البريطانيين الذين كانت بيدهم أزرار ماكنة الحكم في العراق رغم وجود الملك والحكومة . وهذا الهاجس هو الذي دفع سياسي وطني كالمرحوم { عبد المحسن السعدون } ليطلق رصاص مسدسه على رأسه وينتحر . غير أن { المس بيل } تمتلك الريادة في هذا المجال فبعد أن خبا بريقها السياسي في الأشارة والأستشارة فيما يهم السياسة البريطانية في العراق طلبت أن تجازى على خدماتها وتصبح قيمة على أفتتاح أول متحف عراقي ومديرية آثار . وكانت تتقاسم غنائم اللقى الأثرية التي يكتشفها وولي في تنقيباته بنسبة النصف للنصف ، ولكن لم يكن هناك شاهد على عدالة ونجاح هذا التوزيع ، فهما من رعايا الدولة التي لم تنهب من العراق أثاره وتراثه بل ونهبت ثرواته أيضا. أدرج مالوان مذكراته في فصول مبوبة بعناية تامة وكان الرجل وقد حمل من سني الترحال بين آثار الشرق قد حمل تراثا هائلا من الرؤى التي تعكس على مخيلة أي دارس وهو يفتش عن ذلك الزمان بين أطنان لاتحصى من الرمل والتراب وقد أظهرت المذكرات . أن الآثاري الأنكليزي أو حتى الأوربي عموما مدفوعا برغبات تندفع مثل سيل على أساس أن المرجعية التي حصل عليها مما تلاه الكتاب المقدس قد توفر له متعة الحصول على أساسات التأريخ الأولى بعد أن كادت أن تنسى كل الرايات الشفاهية عن هذا التأريخ وأغلبها روايات متخيلة ، لأن أور كشفت رؤى جديدة غير تلك التي كشفها حجر الرشيد المصري . لأن التأريخ أبتدأ من سومر على حد مقولة المؤرخ { صاموئيل كريمر } وهو ماأكده أيضا { ليوناردو وولي } في أصراره على أثبات : أن بدايات الحضارة في وادي الرافدين كانت أقدم من الحضارة في مصر { المذكرات : صفحة 51 } وأعتقد أنه وجد هذه المتعة عندما ظهرت لرجال الآثار كشوفات حضارية هزت العالم في وقتها وبان للجامعات والمتاحف الراعية لحملات التنقيب حقيقة ما كان متوقعا بعد أن كادت توقف تمويل هذه البعثات . والغريب أن الدولة البريطانية كانت في منأى عن الذي يحدث بل تكاد أن تكون غير مكترثة بالسعي المحموم لفرق التنقيب ، وعندما يكون هناك من قناصل هذه الدول راعيا ومسهلا لبعض العمليات فهذا مرده رغبة هذا القنصل في الحصول على التحف الأثرية . وقد فعلها القنصل الأنكليزي والقنصل الفرنسي أيام كان والي بغداد لايفقه بتاتا بالميثولوجيا ولايهمه أبدا أن يكون هذا تمثال لكوديا أو خاتم لهارون الرشيد . لكن عدم الأكتراث كان مقصودا بتوصيات مشفرة من وزارتي الحرب والخارجية لأن مجرد الأعلان عن كشف كنوز مقبرة أور المقدسة . قال أحد لوردات التحف الشرقية في البرلمان البريطاني : هذا أمر سار جدا . أنه يعوضنا عن فقدان مكاسبنا في شركة الهند الشرقية . تحتفي مذكرات مالوان بهذا المخفي كثيرا . ويعبر الفصل الأخير عن قصدية مجىء مثل أولئك بوضوح حينما يعلن أن مستقر حياته العملية بين التلول الأثرية والمقابر المقدسة أنتهى به ليكون أمينا للمتحف البريطاني الذي يعتبر الشاهد الحي والدائم على قدرة بريطانيا على سلب الحضارات الأخرى وجودها الحي وأبقاءها تحت الهيمنة حتى لو كانت مجرد تماثيل ودمى ألهة ومسلات حجرية . وما تلاه ماكس مالوان في مذكراته هو فضح لذلك النزوع الذي لبسته السياسة البريطانية منذ الدعوة التي أطلقها بعض متنوري العصور الوسطى بأعادة قراءة التوراة قراءة حداثوية تعتمد على الأرث والأثر والكشوفات ، ولأن السلطان العثماني لم يكن يفقه هذه الرؤى بحجة أنه أمير المؤمنين وما في باطن الأرض ليست إلا أساطير الملحدين فقد كان يعطي للغربيين أذونات التنقيب حتى دون أن يقرأها ويفهم فحواها ، ويقال أن الولاة كانوا لايأخذون ضريبة الكمارك والمكوس على الصناديق المشحونة من مدننا الأثرية الى أنكلترا عبر ميناء البصرة ، وقد تحدث ماكس مالوان في مذكراته أنه صحب هذه الصناديق في أحدى سفراتها المتكررة. تحتفل المذكرات بأشارات قد لاتبدو واضحة عن طبيعة النظرة الأستعمارية للأثر العراقي ، ولكن مجرد ذكر جيرترود بيل كافيا ليتضح لنا النوايا التي كانت تفكر بها حكومة صاحبة الجلالة . وعندما نتوقف عند هذه المرأة التي شكلت مع{ ت . أي . لورنس } صاحب الكتاب الشهير { أعمدة الحكمة السبعة } أحد ألغاز السياسة البريطانية في الشرق الأوسط فنحن نحتاج الى فصولا مطولة من القراءات على مستوى السياق التأريخي والأجتماعي وحتى النفسي لفهم دور مركب كدور{ المسس بيل } التي وصل الأمر بها أن تعتبر أحد دهات السياسة العراقية بأنه رضيعها ، وربما هي الوحيدة بعد المندوب السامي من يفرض هيبة ما على القرار العراقي بدء تشكيل الحكم العراقي . ولكن الأمر أنقاب فجأة وأنزوت المرأة تحت ظل النصب والتماثيل والطلل لتمارس دورا قد لاترغب به والدليل موتها المفاجىء جراء جرعة كبيرة من الحبوب المنومة وهو ما يعد أنتحارا . ورغم هذا كان للمرأة الحديدية هذه دورا رياديا في تأسيس متحفنا الوطني الذي تعرض في غفلة من زمن الى عملية نهب وسلب لاتبررها أذكى البيانات الصحفية . وكأن الأمر كان مبيتا . وربما كان في الأمر لعبة . فقد قيل : أن الأهم كان مخزونا في مكان أمين . المذكرات لم تشر الى أي نقطة تتعلق بالطموح الأنكليزي الذي كنا نقول عنه أن بريطانيا كانت تتصرف أزاء عمليات التنقيب كأن الأمر لايعنيها . ربما لأن كاتب المذكرات هو أنكليزي صرف . ورجل أكاديمي رغم أن عالميته لم تصل الى مستوى ماكان يمتلكه رئيس بعثته{ وولي } . وربما هو قد جاء بتكليف ما من جهة كانت تنظر الى التراث العراقي أنه ذا صلة مع رؤى التبشير الذي تحلم بتعميمه الكنيسة وربما هناك مآرب أخرى ، على أساس أن ليس كل شيء يقال حتى لو في المذكرات ، فالرجل بدا في طباعه يمتلك أوراقا أخرى لم يقلها وظلت غائبة ولكن طبيعة جهدة وأنتقاله الى أكثر من موقع أثري كشف شيئا من مهمته وهذا يستحق منا فصلا طويلا لكشوفات الذات الأستعمارية لدى بريطانيا منذ تأسيس شركة الهند الشرقية وحتى 14 تموز 1958. حفلت المذكرات مع قصدها الحضاري ، وأبتعادها عن التطرق لخفايا الوجود الأثري الأجنبي في العراق . حفلت بلغة عالية في كمال الوصف والسرد المتمكن في أظهار مؤلف على مستوى الكتاب الأدبي الرفيع . فالمذكرات قطعة أدبية ماهرة في أظهار جمالية المشهد الأثري . وكان كاتب المذكرات متمكنا من موهبته الأدبية . وكان التخيل في الوصف مصنوع بهواجس ذات رقيقة . وحقا كان ماكس مالوان في هذه المذكرات أديبا من النوع الجيد . وربما أستفاد من مهارة زوجته آجاثا كريستي في صياغة الفصول وقد بانت مهارته الأدبية في تلك المرثية الرائعة التي دونها يوم رحلت عنه أجاثا الى الأبد ومذكراته موشكة على الأنتهاء : { عندما وصلت الى الصفحات القليلة الأخيرة من هذه المذكرات ، توفيت عزيزتي آجاثا بسلام وهدوء بينما كنت أدفع كرسيها ذي العجلات الى حجرة الجلوس بعد تناول الغداء . كان أعظم سلوان لي أدراكي الذي تكون من مئات الرسائل ، أن الأعجاب أمتزج بقدر متساو من بالحب ، الحب والسعادة اللذين كانت آجاثا تشعهما في شخصها وفي كتبها . أبتهل الى الخالق أن يتغمدها برحمته.}
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوم تولد الشمس علينا أن نفطم القمر
-
لتفاصيل السرية للحظة موت أبي
-
تصور بنزرتي لموت روائية وأميرة
-
أناشيد مندائية ..عندك يتوقف رقاص الساعة وينسى العالم أوجاعه
-
المندائية ..(الماء والطهارة والأيحاء )..المدونات أتموذجا
-
رسالة انترنيت الى القديس البابا يوحنا الثاني
-
.. بابا من الورد ..بابا من الآس ..بابا من خبز العباس
-
كيف تولد الأعنية .. الطور الصبي أنموذجاً
-
أغنية البرتقالة ومدينتنا العزيزة دبي
-
مكاشفة الروح الكبيرة للروح الصغيرة..ايها الولد للآمام الغزال
...
-
!تضاريس وجه المونليزا ..( مقاربة حسية مع وجه الوردة )..ا
-
.. بعد فيلم آلام المسيح لبيل جيبسن..من أصلح لعمر الشريف ..دو
...
-
الفنان أحمد زكي ذاكرة مصر السمراء وفرعونيتها المدهشة
-
الشعر يرثي مشهد قتل وردة ..
-
ذكريات رواقم حوض بنجوين
-
أور المدينة التي ولد فيها إبراهيم الخليل ع
-
المقهى السومرية والخوذة الأيطالية
-
التأريخ السومري بين غبار الألواح وغبار اليورانيوم
-
ونفشيوس وأمي والهدهد
-
الطريق الى حلبجة
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|