شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 1163 - 2005 / 4 / 10 - 12:43
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
-1-
اليوم يحتفل العراق الديمقراطي الحر بمرور عامين على ميلاده الجديد.
Happy birthday to you
مرَّ عامان على ميلاد العراق الجديد، وكأنهما قرنان من الزمان.
ما أطول هذان العامان، وما أكثر ما تحقق بهما من انجازات!
ربما شعرنا بطولهما لكثرة ما تحقق فيهما من خطوات لم تتحقق في العالم العربي خلال قرنين من الزمان.
جولوا بأبصاركم في العالم العربي بلداً بلداً، وتفرّجوا على ما تحقق فيها خلال القرنين الماضيين من عـام (1805-2005)؟
جولوا بأبصاركم في العراق بعيداً عن صور الفضائيات التي لا ترى كاميراتها في العراق غير القتل والذبح وتقطيع الأوصال ونسف المباني وتفجير أنابيب البترول (أكل عيش العراقيين)، وتفرّجوا على ما حصل في العراق خلال هذين العامين بعد الميلاد في التاسع من نيسان المجيد 2003؟
-2-
في العامين الماضيين شُغلنا وشُغل معنا كل المهتمين بالشأن العراقي في المسألة السياسية العراقية فقط، دون الالتفات إلى الإنجازات التنموية الهائلة التي تمّت في العراق في هذين العامين رغم التهديد بالموت والخطف والدمار من قبل الارهابيين الفاشيين القوميين والدينيين لكل من يُقدم على إعمار العراق.
لقد خطفت الإنجازات السياسية الكبيرة التي حققها العراق الأضواء، وكان آخرها الانتخابات التشريعية التي بهرت العالم، وألقمت أعداء العراق من الفاشيين القوميين والدينيين أحجاراً كبيرة وأخرستهم. كما كان آخرها اختيار رئيس جمهورية العراق الكردي (العم جلال) جلال الطالباني (حفيد صلاح الدين الأيوبي) وهي بادرة تتم لأول مرة في تاريخ العرب منذ 1400 سنة إلى الآن حيث كان الخلفاء والسلاطين من العرب ومن قريش على وجه الخصوص (الأئمة من قريش) و (الأئمة منّا أهل البيت) وباستثناء العهد العثماني وعهد المماليك وعهد الأيوبيين وملوك وأمراء الطوائف الحاليين وغيرهم.
وكان حقاً لهذه الإنجازات السياسية العراقية أن تخطف الأبصار، وتأخذ بالألباب، وتخفق لها الأفئدة، نتيجة للمعاناة السياسية العصيبة التي عاشها العراق في الثلاثين سنة الماضية. فالسياسة في الثلاثين عاماً الماضية هي التي أفسدت كل شيء في العراق. وأحرقت الأخضر واليابس، واقتلعت النخيل، وجفّفت دجلة والفرات والأهوار، وتركت العراق غابة للغربان والثعالب والذئاب والضباع وقُطّاع الطرق.
-3-
من حق الفاشيين القوميين والدينيين أن لا يحتفلوا بالعيد الثاني لميلاد العراق الجديد الديمقراطي الحر. ومن حقهم أن يشعروا بالهزيمة المنكرة وبالخيبة الكبيرة والانكسار والاندحار والعار. فما تمَّ بالعراق في هذين العامين من انجازات سياسية وتعليمية وصحية وإعلامية وخدماتية عامة، كان دليلاً قاطعاً على أنهم هزموا هزيمة منكرة في العراق، ودحروا دحراً لا أمل لقيامة بعده، إلا إذا تغيرت نواميس الطبيعة، وقوانين الحياة، وموازين الحق، وشروط المستقبل.
فما تحقق على المستوى السياسي الذي لا يخفى عن كل ذي بصر وبصيرة، كان بمثابة الهزيمة المنكرة لفلول الفاشيين من القوميين والدينيين الذين كانوا يسعون لاعادة عقارب ساعة الشعوب إلى العبودية والطغيان.
وما تحقق على المستوى الاجتماعي ومحاربة البطالة، حيث تمَّ توظيف مليون و 200 ألف عاطل عن العمل خلال هذين العامين، كان بمثابة الهزيمة المنكرة لفلول الفاشيين من القوميين والدينيين الذين كانوا يسعون لابقاء العراق في حظيرة الدولة المتخلفة.
وما تحقق على مستوى التعليم، بحيث تم ترميم وتعمير 3100 مدرسة، وبناء 300 مدرسة جديدة، وإعادة الحرية الأكاديمية لعشرين جامعة و 46 معهداً عالياً وأربعة مراكز للبحث العلمي، وابتعاث عشرات الطلبة العراقيين للدراسة في الخارج بمنح دراسية مجانية، كان بمثابة الهزيمة المنكرة لفلول الفاشيين من القوميين والدينيين الذين كانوا يسعون لابقاء العراق في ظلام الجهل وظلمة التخلف.
وما تحقق على المستوى العسكري بحيث تمت اعادة تأهيل وتدريب وتنظيم البحرية العراقية، وسلاح الجو العراقي وتزويده بالأسلحة اللازمة، وإنشاء فرق خاصة لمكافحة الارهاب، وإعادة تنظيم الشرطة العراقية بحيث أصبح هناك 55 الفاً من قوات الأمن المدربة والمزودة بأحدث التجهيزات، وأن هناك خمس أكاديميات للشرطة تُخرّج 3500 ضابط شرطة كل ثمانية أسابيع. وهذا كله كان بمثابة الهزيمة المنكرة لفلول الفاشيين من القوميين والدينيين. ولذا، فهم يقتلون كل يوم أفراداً من هذه القوة الأمنية الوطنية.
وما تحقق على المستوى الإنشائي والإعماري، بحيث يوجد هناك 1100 مشروعاً انشائياً وإعمارياً تحت التنفيذ منها: 346 مدرسة، 67 عيادة طبية، 15 مستشفى، 83 محطة قطار، 22 مرفقاً للوقود، 93 مرفقاً للمياه، و 69 مرفقاً للكهرباء.. الخ. وهذا ما أثار غضب الفاشيين من القوميين والدينيين وراحوا ينسفون هذه المنشآت، ويختطفون ويقتلون المقاولين والعمال.
وما تحقق على مستوى رعاية الأطفال الذين كانوا يموتون بالمئات كل يوم في عهد الديكتاتورية المقبورة، بحيث تم تطعيم 96 بالمائة من أطفال العراق الآن ضد شلل الأطفال. وأن أربعة ملايين و 300 ألف طفل عراقي قد التحقوا بالمدارس. ولذا، فقد جُنَّ جنون الفاشيين القوميين والدينيين وأخذوا يدمرون المدارس ويمنعون الطلبة من التوجه اليها.
وما تحقق على مستوى الاتصالات والإعلام كاد أن يكون أشبه بالخيال. فبعد أن كانت كلمة "آلو" من المحرمات السبع ومن المنكرات السياسية في العهد البوليسي الديكتاتوري، أصبح عدد المشتركين بالهاتف الخليوي مليون و 192 ألف مشترك. وزاد عدد المشتركين بالهواتف الأرضية 158 بالمائة. وفي مجال الإعلام انشئت 75 محطة إذاعة وعشر محطات تلفزيونية، وانتشرت الأطباق اللاقطة في معظم البيوت العراقية وانفتح العراق على العالم، وصدرت 180 صحيفة ومجلة جديدة، واختفت إلى غير رجعة صحف الحزب الواحد والقائد الواحد والزعيم الأوحد. وكان كل هذا بمثابة الهزيمة المنكرة لفلول الفاشيين من القوميين والدينيين الذين كانوا يسعون لاعادة عقارب ساعة الشعوب إلى العبودية والطغيان.
وما تحقق على المستوى الاقتصادي من اسقاط 90 بالمائة من ديون العرق للدول الأوروبية وأمريكا وروسيا وغيرها، وانشاء بورصة بغداد للأوراق المالية في يونيو الماضي 2004 ، وتحسن ميزان المدفوعات العراقية وانتعاش الاقتصاد العراقي عامة، كان مثار غضب فلول الفاشيين من القوميين والدينيين الذين كانوا يريدون للعراق أن يبقى فقيراً ومتخلفاً اقتصادياً لكي تكون يد الساحر الديكتاتور هي يد العناية الإلهية المنقذة للعراق من جوعه وعريه.
لقد تمت كل هذه المنجزات تحت نيران الارهاب وحراب الفاشيين، فما بالكم لو أن العراق كان في العامين الماضين خالياً من الارهاب وخالياً من حراب الفاشيين، ماذا كان يمكن له أن يفعل؟
سوف يفعل المعجزات بالتأكيد.
-4-
غابت العواطف المتدفقة نحو العراق في هذا المقال. وتعمّدنا أن تكون تحيتنا للعراق في هذه المناسبة، وتهنئتنا للعراق في عيد ميلاد الثاني تهنئة بالأرقام والحقائق، لكي يعرف الأطرش والأعمى والأخرس. فإن (في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) (سورة قَ، 37) .
فأليس من حق العراقيين الآن أن يناصبوا جزءاً كبيراً من الإعلام العربي العداء والكراهية، وهو الذي لم يذكر طوال العامين الماضين أية حقيقة عمرانية وتنموية عراقية ايجابية مما ذكرنا الآن، واقتصرت أخبار العراق على القتل والذبح ومناظر الارهابيين الملثمين، ومناظر الدماء اليومية في شوارع العراق؟
أليس من حق العراقيين الآن أن يعتبروا أن جزءاً كبيراً من المثقفين العرب من مفكرين وشعراء وكتاب ومعلقين كانوا كما قال فيهم القرآن (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة) (البقرة،7) إلى جانب الارهابيين وعملياتهم الاجرامية في العراق دون أن يبحثوا عن حقيقة ما يجري في العراق من بناء سياسي واقتصادي وانساني. (فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء) (الأحقاف، 26).
بئس ما فعل العرب بالعراق.
وهنيئاً للعراق بعيد ميلاده الثاني، الذي سيشهد الانتخابات التشريعية القادمة في ديسمبر القادم والدستور الدائم، ومزيداً من البناء والإعمار لكي تستطع شمس العراق ليس على لبنان ومصر كما قلنا سابقاً ، ولكن على كل أنحاء العالم العربي، رغم إنكار المنكرين، وجحود الجاحدين، وحقد الحاقدين الفاشيين من القوميين والدينين.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟