محمد صادق
الحوار المتمدن-العدد: 4046 - 2013 / 3 / 29 - 22:23
المحور:
القضية الكردية
وأنا أُلَملِمُ أمتعَتي وحقيبتي الصغيرة والتي أُعَلِّقُها دَوماً على كَتفي , وأُحاولُ كل جهدي باللحاق بالطائرة , والتي أعلنت عنها مُذيعَة المطار بوجوب الإستعداد للرحلة المُرَقَمَه !!!!! والتي ستقلع بعد نصف ساعة من مطار طهران الدولي مُتوَجِهَة الى مطار دمشق الدولي حيث كانت وجهتي , ومن بعدها أنتَقِلُ بواسطة السيارات الى أقليم كُردلاند الجنوبي , صَعَدتُ الطائرة وجَلَست في المَقعَد المُخَصَص لي بجانب الشباك لحُسن حظي , وَجَلَسَ بجانبي رجلٌ وَقور في الستينات من عُمرِهِ مع حقيبته الدبلوماسية بعد أن أدى التحية بلُغَةٍ بَدت لي إنّها اللُغة التركية , أقلَعَت الطائرة في مَوعدها وأرتَفَعنا الى الفضاء ونحنُ نَسمَعُ أرشادات الكابتن وإعلانهِ عن بداية الرحلة باللغة الإيرانية , لم أفهَم شيئاً , غيرَ إنني إلتَقطتُ ثلاث كلمات , هي الشهداءُ , والحَسَنُ والحُسَين , لا أُخفيكُم سِراً إنني أخافُ جداً في هذا العُلو الشاهق وأنا والأطنانُ من الحديد مُعَلَّقين في الهواء , حاولتُ أن أُلهيَ نفسي مع صاحبي الوقور وبدأتُ بالتَكلم معهُ ببعض الكلمات الإنكليزية , لكنهُ بدى مثلي ضعيفً في اللغة الإنكليزية فكانت أغلبُ إجاباته تَتَخَلَلُها اللهجة التُركية , لم أفهَم شيئاً فأختَرتُ كهفَ السكوت وإنطَويتُ على حالي , سَكَتَ قُبطانُ الطائرة وساد الجو سَكينَةً وقليلاً من الرهبة ,
حاولتُ جاهداً أن أغمُضَ عيني لكي أبدوا أنني سأنام , لكن أي نوم , ودقاتُ قلبي في أزدياد , أخافُ النَظَر الى خارج شُباك الطائرة حيث الظلام قد خَيَّمَ دامِساً , حالٌ يُرثى لهُ , جَسَدي في الطائرة وتَخَيُلاتي في الأسفل , رأسي مُعَلَّقٌ في السماء , وَقَدَماي يَسيرانِ في الأرض , لا فِكرَ , لا إنتاج , لا إبداع , لا حياةَ , غير إنتظار المصير الذي تَعَلَمناه منذُ الصِغَر , لم نَعد نخافُ من المَوت بِقَدَر مانَخافُ هاجسَ لحَظات ماقبلَ الموت , ومابعدهُ من برتوكولات ومراسيم مُهيبة ودهاليز تَحقيقٍ وإستنطاقٍ وإستجوابٍ بلُغَة الآخرين , وبعد حينٍ وآخر أتَمَلَكُ الجرأة , وأنظُرُ الى شُباك الطائرة بجانبي وأدنو عينيي الى الأسفل , وإذا بأضواء خافتة بعيدة متناثرة هنا وهناك وبعد برهة أعلن أحدُهُم باللغات الثلاثة , الإيرانية , والإنكليزية والعربية على إننا دخلنا في فضاء العاصمة دمشق , لكن الأمرَ لا يُبَشِّرُ بالخير , وإن الطائرة لا يُمكنُها الهبوط بسلام في المطار لوجود بعض القلاقل والمناوشات قُرب المطار , وعليه قرر قائد الطائرة بالتوجه الى العراق والهبوط في مطار بغداد , ولما إقتَرَبنا منها وإذا بالحرب الطائفية مُندَلعةٌ فيها ولايُمكن الهبوط في مطارها في الوقت الحالي , مما إظطَرَ قبطانُ السفينة الفضائية وحسب إرشادات مَن في الأرض بالتوجه الى مطارٍ آخر , ويبدو إن القُبطانَ قَرَروا هذه المرة , بالتوجه الى مطار أنقرة في تُركيا , ورغم الهلع والفَزَع اللذان أصابا الركاب , كان أحَدَهم بعيداً عني يُرَدِّدُ بصوتٍ عالي ويقول وَحِدّووووووووووووه , فيَردُّ البقية التي تفهمُ لُغَتَهُ , لا إله إلّا الله , وكأن كارثةً مُحدِقَةً تنتَظِرُنا , وفي هذه الأجواء المُرعبة والمُخيفة في ظل مستقبلٍ مجهول , أمَرَت الجهات المسؤولة عن مطار أنقرة بعَدَم الهبوط في مطار أنقرة ربما لسيطرة الجيش التُركي على المطار ويبدو إنّ هناك إنفلابٌ عسكري قد حدَث , والظروف غير مُلائمَه للهبوط , حسبما أفاد بذلك قائد الطائرة , وإذا بصاحبي البعيد يصرخُ مرةً أُخرى وَحِدّووووووووه , وإذا ببعضنا يرَدّدُ خَلفَهُ لا إله إلّا الله , وبعد فترة هدوء ويبدو إنّه إستسلامٌ للقدر المحتوم , أعلن مذياعُ الطائرة , أننا سنتوجه الآن الى مطار عاصمة كُردلاند الكُبرى آمَد وباللغة الكُردية إضافةً للغات الأُخرى , وقام المذيعُ بتكرار الإعلان الجديد عدة مرات حتى حَسِبتُ إنني أعيشُ حُلُماً جميلاً , وفي هذه الأثناء أعلن المُتَكلم وبصوتٍ يَغمُرُهُ الفرح على إننا دَخلنا أجواء دولة كُردلاند العُظمى , ونحن نعيشُ في جو رهيب أعلنَ القائدُ إننا على بعد خمسون كيلومتراً من أجواء العاصمة آمَد , دَبَّ قليلٌ من السكون والطمأنينة في محراب الطائرة ولاحظتُ صاحبي الذي كان يَصرُخُ بين الحين والآخر قد غَطَّ في نومٍ عميق , هَبَطَت الطائرة بسلام على مدرج مطار العاصمة آمّد , وإذا بحَشدٍ كبير من الجمهور في إستقبالنا أمامَ باب الطائرة يبدو إنَّهُّم قد سمعوا الأخبار بأن هناك طائرةٌ تائهَةٌ مُعَلَقَةٌ في الأجواء , إستقبَلونا بالحفاوة والأحضان مُهَنئيننا بسلامة الوصول , والشيء الجميل والمُفرح الذي سَمعت منهُم كانوا يُنادوننا جميعاً نحن أخوة , نحن أخوة , لا فرق بيننا , نحن الكرد والفُرس والتُرك والعرَب اخوة , إخوة , وأهلاً وَسَهلاً في بلدكم الرابع دولة كُردلاند الكُبرى , لقد هَزَّني شعورٌ قويّ بالكبرياء والسعادة , وكأنني إجتزتُ كل فصول الإمتحانات بنجاح ووَصلت الى الجنّة , وقد سألتُ أحدَهُم متى أصبحنا دولة هكذا , أجابني وبثقة منفرطة , بعد أن قَرَّرنا ترك الماضي وَتَوَّجه قادتنا للمستقبل , لقد قَرَّر جميع قادة الكُرد بناء المستَقبَل للأجيال القادمة , لقد تَركوأ الإحتراب الداخلي , لقد تَوَحَدّوا , وقال لي , هل تعلَم إننا الآن وفي ظل الدولة الكردية العظمى , نتوجه سنوياً الى الحج القومي في حلبجة الجريحة , ونتوجه الى الحج في مَكّه إخلاصاً لديننا , ونتوجه كل يوم لحج اليابان من أجل العِلم والتَطور ولذلك ترانا نعيش أسعَدَ لحَظات حاضِرِنا , وفي هذه الأثناء طلَبَ منا القائمون على شؤون المطار بالتجمع في مكان خاص بعيداً عن الجمهور كانوا قد جَهَزوا لنا باصاتٍ فاخرة لتَنقلُنا الى أحد الفنادق الفخمة والتي بُنِيَت حديثاً , لِنَحُلَّ ضيوفاً مُعَزَزين مُكَرَّمين على حكومة دولة كُردلاند الكُبرى , ونحن في الطريق الى الفُندق ورغم إن الوقت كان مُتأخر جداً وربما نحن على تخوم الفجر , لكن الأضواء تجعلك تشعر إنك في وَضَح النهار و إنبَهَرتُ جداً بالبنايات الشاهقة وناطحات السحاب والشوارع العريضة ذات الجزرات الوسطية الخضراء تتَخَلَلها نافورات وشلالات وتماثيل جميلة , والجسور المُعَلَقة الواحدة فوق الأخرى وحركة السيارات لازالت في أَوَجِّها وكأنَّ الليلَ نَهارٌ , وَصَلنا الى باحة الفندق المُهيب وبجانبه يَرقُدُ جامعٌ إسطوري بمعمارية مُدهشَةٍ يعتليها أبراجٌ عاليةٌ من المآذن الرائعةُ في التصميم , وفي هذه اللحظات وأنا أشعُرُ بنشوة الإنتصار وأنا أجمعُ أمتعتي الثقيلة من الباص وفي جو ذو سكون وهدوء وحركة هادئة من الجموع المُتعَبَه والمُرهَقَه وإذا بصوت مُكَبرات الجامع و دون إنذار مُسبَق يملؤ آذاننا بصوت مرتفع ولكن والحقُ يُقال , إنهُ كان صوتاً ذو رهبة ولحن شَجي يَصيحُ ألله أكبر ألله أكبر إيذاناً بحلول وقت صلاة الفجر , شَعرتُ ببردٍ قارس , ففّزَعتُ وتفاجئتُ بإنني أتَقَلَبُ من شدة البرد على مَضجَعي , فَتَحتُ عيناي , وإذا أنا بين جدران غرفتي , فَسَحَبتُ البطانية لكي أُغَطي جسدي وحاولت النوم ربما أرى حُلُماً أجمل .
29-3-2013
محمد صادق
#محمد_صادق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟