بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
القران الكريم
وجاء في الكتاب المقدس ( من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر ) .
جمع عمر ابن الخطاب ( رض ) الولاة ، وسأل أحدهم ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ فأجابه الوالي اقطع يده ، فرد عمر قائلا إذن فلتعلم انه إذا جاءني منهم جائع أو عاطل فسوف يقطع عمر يدك يا هذا ، إن الله استخلفنا على عباده لنسد جوعهم و نستر عورتهم و نوفر لهم حرفتهم ، فإذا أعطيناهم هذه النعمة تقاضيناهم شاكرين .
مجتمعنا الحالي هو الابن الشرعي لمحنة الكرد الحقيقية التي تلاحقت في مسيرتها الماسي و الآلام على مدى القرن الماضي ، لقد خرج شعبنا من هيمنة إلى أخرى ومن قبضة إلى ثانية ، وحاليا يتمتع بنوع من الحرية ويعيش تحت راية برلمان وحكومة إقليمية ، لذلك لا يرغب هذا الشعب بأن يخبو أمله في الحاضر أو أن تبددت تطلعاته و أمانيه ، هنا يكون من الضروري أن يعرف كل طرف منا ما له و ما عليه ، لكي نكون فكرة واضحة عن كيفية تذليل مشاكل المجتمع و الأخذ بيده نحو الاستقرار و إشباع حاجاته اليومية .
الكرد رغم وجود برلمان لهم ومؤسسات ، إلا انهم لا زالوا يصارعون الأنظمة التي تتقاسم كردستان من اجل البقاء ، وفي مقدمة هذه الأنظمة هو النظام العراقي ، الذي عمل حتى على منع الفرد الكردي التفاعل مع والديه و اخوته و أسرته و عشيرته ، بل وحاول على أن يمحو الوجود الكردي على أرضه ، مما واجه الكرد تحديات كثيرة و تغيرات شوفينية في بيئته المادية و الروحية و الاجتماعية .
لن تستقيم الحياة في أي مجتمع إذا لم يتوفر لأفراده مجال الإشباع والتطور ، لأن الإنسان هو الحياة يحتاج إلى أجواء سليمة للعمل ، ليرفع مستوى معيشته و يستمتع بحياته ، رغم أهمية الحرية و الديمقراطية للإنسان إلا إنها تفقد معناها إذا لم يجد كسرة خبز يسد بها جوع أطفاله و أسرته .
إننا نقدر الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة ، و نتفهم أوضاع الإقليم وظروف التجربة الكردستانية ، هذه التجربة المحاصرة على الطريقة الصينية ، أي حصار ضيق يجري إحاطته بحصار أوسع بدل اختراقه ، ثم يلف حول الحصار الأوسع حصار آخر اشمل و أوسع و اكبر في انتظار الاختراق أو السقوط من الداخل ، مع ذلك يجب أن نقر بأن للكرد تجربة رائدة تشع في المنطقة ، و هي ليست تجربة كردية فقط بل أنها تجربة عراقية و إقليمية يمكن تطويرها نحو الأحسن ، هذه التجربة التي يتربص بها الأعداء من كل الجهات ، و يخطط لها في الدهاليز الشيء الكثير ، لذلك نحذر من غياب المعالجات الجذرية لمشاكلنا الذاتية الحالية منها و المستقبلية ، و يكون من الواجب عدم التردد بتشخيص الأخطاء و الممارسات غير السليمة ، و أخذ العبر و الدروس من الأخفاقات السابقة بحيث لا تتكرر ثانية أو إيجاد تبريرات لها ، تلك الأخفاقات التي خلقت أزمات حادة عانى منها الجميع وليس قطاع معين دون غيره ، وكلنا نتذكر كيف أدت تلك الحالات إلى جعل الممارسات اليومية في كثير من المجالات مشلولة عبرت عن نفسها بأشكال مختلفة ، و خلفت واقعا محزنا و جمودا سياسيا و ركودا اقتصاديا .
الأعداء يراهنون على الأخفاقات المطلوب أن نتغير جميعا نحو الأفضل ، وإذا لم نغرس الأمل بأيدينا و نعمل سوية لما فيه خير شعبنا و قضيته ، فليس من الغريب أن يدفع الأعداء البعض من أبناء شعبنا إلى تصرفات بعيدة من روح الاتفاق و الوئام و المألوف بحجة البحث عن العلاج ، وخاصة إننا لاحظنا في فترات من أن المشاكل أفرزت آثار سلبية في نفسية ذوي الضحايا هنا و هناك ، و لا ننسى بأن الإنسان بطبعه يبحث عن الجديد عندما تضيق أمامه السبل لكي لا يسقط في حبائل اليأس ، في مثل هذه الحالات قد يقع البعض منا في محاذير فكرية مميتة دون قصد ، لعدم استيعاب الظروف الواقعية أو نتيجة الشعور بالغبن أو المعاناة أو نتيجة فقدان العدالة الاجتماعية و خاصة في جوانبها الاقتصادية .
مع تقديرنا للظروف الموضوعية و الإمكانيات المحدودة ، مع كل ذلك نعيش في جو يختلط عندنا الإخلاص بالحيرة و الترقب ، لذلك لا نريد من البرلمان و الحكومة المقبلة أن يختار الطريق الأسهل لمواجهة المشاكل ، وان لا يكون دورهما هو إطفاء الحرائق فقط بل العمل دون حدوثه من الأساس ، لأن الخطورة تكمن في غياب المعالجات الجذرية للمشاكل و الأزمات ، و المشاكل لا تحل بالمصافحات و بوس اللحى ، لأن مساحة آمالنا و طموحاتنا عريضة و واسعة لذلك نجد بأن أية ممارسة خاطئة تروع المجتمع ، و خاصة تلك الممارسات التي تنتهك العدالة الاجتماعية و الاقتصادية و في مجال تكافؤ الفرص ، وشعبنا لا يرغب بأن يتحول برلمانه و حكومته ما يشبه الحمل الثقيل ، و بالتالي لا نريد أن تتحول التجربة الكردستانية إلى مولود مشوه بعد طول معاناة و انتظار ، و لكي لا نفقد الثقة بالحاضر و لا نقلق على المستقبل يجب أن يكون القانون بالفعل العنوان الرئيسي للبرلمان و تطبيقه العنوان الأبرز للحكومة المقبلة ، و خلق الظروف المناسبة للتعبير من خلال القنوات السالكة و الآمنة شرح ما نعانيه ، و خاصة إذا أدركنا من أن الحسابات الخفية للسياسات الإقليمية هي مخاوف حقيقية يشارك الجميع التوجس منها ، لذا يكون اليقضة من هذه التوجسات هو بالانتصار للحق و للحقيقة وبحماية الديمقراطية من خلال أن يكون للشعب سلاح النقد البناء في أجواء الحريات ، لأننا نؤمن بأن الحوار وليس الصراع سوف يوصلنا إلى النتائج المرجوة ، و المصلحة العامة دائما تكون بإطار مختلط للتنفيذ بحيث أن لا يكون بلون واحد ، و تنظيم الحريات العامة يكون من خلال الديمقراطية و بتوافق أهل الرأي مع أهل السياسة ، لأن الأمن الاجتماعي لا يتوفر بدون خطة اجتماعية ، و أية سلطة في العالم إن لم توفر الأمان الاجتماعي للناس بشقيه الاقتصادي و الاجتماعي تفقد مبررات وجودها .
اتفاق الحزبين اثلج صدور كل المخلصين من الكرد و العرب ، و يتزامن هذا الاتفاق مع عملية خلط الأوراق الجارية على الصعيد الإقليمي و بمشاركة دولية ، و التي تشير إلى ظهور توازنات و معادلات إقليمية جديدة ، لذا يعتبر اجتماع البرلمانيين الكردستانيين خطوة متقدمة للأمام ، و هو تنفيذ لبند واحد من مخطط التطبيع الكامل وصولا إلى السلم الأهلي ، وهي إشارة إلى عودة الروح إلى التوافق و قبول الآخر بلهجة جديدة أكثر اعتدالا من فترة التوقيع على اتفاقية واشنطن ، و المطلوب في هذه الفترة أن يصبح الاعتدال النصيحة الأساسية للحزبيين لتجاوز التطرف و التجاوزات و الخلافات ، لأن الاتفاق يستهدف أساسا توحيد الصفوف و تطبيع الأجواء بصورة نهائية ، وكذلك يعتبر انعقاد الاجتماع المشترك للبرلمان الكردستاني رسالة مهمة مفادها الدور الذي يلعبه البرلمان في ترسيخ التطبيع بسياسة هادئة و رزينة ، و يجب أن يجد البرلمان صيغة كي يصار إلى تحييد مؤسسات الإقليم كخطوة مهمة على طريق التطبيع ، لأنه في السابق حصل نوع من الغبن في هذا المجال ، وهو غبن تجاوز السياسة إلى الاقتصاد و أثر في نواحي الحياة المختلفة لشعبنا ، و أدت في حالات كثيرة إلى انفجار أزمات خطيرة الأبعاد .
المرحلة تتطلب الابتعاد عن الحزبية الضيقة و المتشنجة ، كي لا يتحول إلى تحزب أعمى ، لأن العمل الحزبي السليم هو ممارسة للسياسة بطريقة تستوعب حاجات المجتمع و بصورة مرنة و حضارية ، ذات أداء متحرك يتفاعل مع محيطه و يستفيد من التجارب السابقة .
للإعلام في عالمنا الحاضر دوره الخطير ، و مع الأسف لعب الأعلام الحزبي عندنا سواء كان على مستوى العراق أو كان على صعيد كردستان دورا إلى ما وصلت إليه أوضاعنا من تداعيات ، لذا من الضروري بمكان حقن الأعلام الحزبي بصحوة ضمير فيه الوطنية المسؤولة ، لأن الأعلام ليس هياكل جاهزة وشعارات فضفاضة و رنانة و كلام معسول يرددها الأعضاء كالببغاوات دون حصاد ، بعد الثورة التكنولوجية في مجال المعلوماتية ، اصبح الأعلام أخطر سلاح ذو حدين ، إن جرى توظيفه بصورة صحيحة يكون نتائجه إيجابية باهرة و عميقة و جذرية في بنية المجتمع ، و بعكسه إن لم يستغل بصورة صحيحة تكون نتائجه السلبية بمستوى الآثار التي تتركها الأسلحة الفتاكة .
التفاهم يجب أن يؤدي إلى مخاطبة الخارج بلغة واحدة ، وكذلك يجب أن يصار إلى إعادة النظر في التحالفات الحزبية ، و خاصة مع الذين لا يعترفون بالتجربة الكردستانية ، و كذلك رفع اليد عن المنظمات غير الحكومية و خاصة في الخارج والمساعدة على تفعيلها ، لأن التدخلات أدت إلى تشكيل جبهات متقابلة ، مما جعلت من بعض هذه الجمعيات و الروابط باب للارتزاق تفوح منها روائح الجهل و الأمية والتعصب ، مما أبعدتها عن أدوارها التي تشكلت من أجلها ، و بالتالي ابتعد المثقفون من المساهمة في هذه الجمعيات .
الانفتاح على القوى السياسية و على الأحزاب الأخرى و قبول الرأي الآخر ، يجب أن يكون في صلب الثقافة الحزبية ، ويجب الأخذ بعين الاعتبار من أن الحزبين الكبيرين هما جزء من الشعب وليسا كل الشعب ، مع اعترافنا بدورهما في الحياة العامة ، لذا يكون من الواجب دعوة المنابر و القوى السياسية الأخرى للمشاركة في تحمل المسؤولية ، و تحريك آلية عمل الوزارات و المؤسسات و الدوائر بصورة اكثر ديناميكية ، وان يشكل مجلس تخطيط للإقليم و مجلس للخدمة العامة وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص في التعيين ، وحل المشاكل المعيشية لذوي الدخل المحدود ، وان تكون للوزارات والمؤسسات رأس واحد خاضع للمساءلة ، و إطلاق يد القضاء لتطبيق القانون و العدالة ، وتطبيق قانون الأحزاب و الجمعيات والصحافة بصورة عصرية حضارية ، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين ، ومنع حيازة الأسلحة وتقليل من مظاهر الحراسات ، و المحافظة على المال العام وتنظيم شؤون التعليم والصحة و الجمارك و السياحة ، وإيجاد موارد إضافية لخزينة الإقليم ، وتشجيع المنظمات غير الحكومية و صولا إلى المجتمع المدني ، و محاسبة الكوادر الحزبية كي لا يتحولوا إلى عناصر ضغط للتدخل في سير عمل المؤسسات ، وإلا يتحول التفاعل مع هذه المؤسسات إلى الانفعال منها.
يجب الأيمان من أن لا ديمقراطية بدون تعددية ، وإيلام حقوق الإنسان و حرية التعبير حيزا واسعا من الاهتمام ، مع ربط الديمقراطية بالتنمية الاجتماعية و الاقتصادية ، على أن لا ينظر إلى الديمقراطية من زاوية كونها عملية انتخابية فقط ، ومن الضروري إعادة النظر في قانون الانتخابات و نسبة 7% الذي حرم شرائح كبيرة من المجتمع من شرف المساهمة في الخدمة العامة ، والحرية السياسية تتلازم كما ذكرنا مع حرية الاجتماعية و الاقتصادية ، و ديمومة الديمقراطية ترتبط بالاستقرار والتنمية في مجالات الحياة المختلفة وفق برنامج واقعي و سليم ، ومن الضروري الحفاظ على الأمن العام بحيث يشعر المواطن و المجتمع بأنه المعني بالاستقرار .
يجب أن نتجاوز تناقضاتنا الذاتية لنستطيع تخطي التناقضات الموضوعية ، لشعب مضطهد و مؤنفل و وطن ممزق ، يجب أن نقهر الصعاب لنبني بيتنا العراقي انطلاقا من إقليم كردستان العراق ، وبيتنا لا يبنيه طرف معين أو جهة واحدة ، بل تقيمه سواعد كل القوى القومية و الوطنية الخيرة ، الذين يؤمنون بالتحاور الفكري بعيدا عن الشللية الضيقة ، و بعيدا عن صخب الكلمات والشعارات ، لأن الحوار الفكري و الرؤية الواضحة هو زاد المخلصين ، و رفض واقع مشاكلنا لا يتم إلا عن طريق فهمها بصورة واقعية و الانطلاق منها لا من خارجها لكي لا نستسلم لها .
وحدة الصف يؤدي إلى العمل الدؤوب و إلى الفعل لما فيه صالح شعبنا و وطننا ، بذلك نبتعد عن الخلافات و نساند شعبنا العراقي و نوحده لرفض واقعنا المؤلم ، لأن التجربة الكردستانية تجربة الجميع رغم خصوصيتها الكردية ، لذلك يجب أن ندرك بأن لا حل و لا علاج لأوضاعنا خارج إرادتنا و رغبتنا جميعا و معا .
المجد والخلود لشهداء كردستان و لشهداء العراق
تحية للحزبين الكرديين والى كل القوى السياسة الكردستانية والعراقية
عاش الشعب العراقي بعربه و اكراده و أطيافه الزاهية
تحية لأصدقاء شعبنا العراقي في كل مكان
الخزي والعار للديكتاتورية وللطامعين في ارض عراق المجد
نشرت مقتطفات من المقالة في جريدة المؤتمر الغراء عدد 325 في 18 - 24