أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - وطنيون وخونة وطائفيون...














المزيد.....


وطنيون وخونة وطائفيون...


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4045 - 2013 / 3 / 28 - 19:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في سورية البعثية، كان يجري تبرير كل مطلب أو دعوة عامة بمردودهما المحتمل على "الوطن"، تقدمه وصموده ووحدة مجتمعه وتحرير أراضيه المحتلة... إلخ. كي تكسب أية فكرة شرعية الطرح في المجال العام، كان عليها أن تربط نفسها بالعقيدة الوطنية، ليس بالاقتصاد وتوفير فرص العمل كما هو الحال في أميركا، ولا بالجمهورية وقيمها كما هو الحال في فرنسا، وليس بالإسلام على ما هو الحال في السعودية. النظام يحاكم معارضين باسم الوطن وصموده في وجه المؤامرات الخارجية، والمخابرات تطلب "التعاون" من مواطنين ومعارضين "لخير هذا الوطن". واتهام الموالين لأي معارضين محتملين بخيانة الوطن من الرياضات السورية الشائعة.
عموم المعارضين أيضا كانوا يسوغون مطالبهم الديمقراطية بأنها تعود منعة وقوة على الوطن، ولا تضعفه كما يبدو أن النظام يتوهم. الواقع أنه وحدهم الواهمون، والنظام يعرف ما يريد: احتكار تعريف الوطنية، واستخدام التخوين سلاحا ضد أي خصوم محتلمين. تشريع الديمقراطية على هذا النحو يعني في الواقع التسليم بهيمنة النظام الفكرية، وأن جرى الاعتراض على شكل سيطرته السياسية. هذا مسلك متهافت.
والكتّاب أيضا قلما يقولون شيئا مخالفا للإجماع الوطني المفترض، ويشعرون بالأمان كلما قالوا كلاما لا يتحدى شيئا من المسلمات المستقرة. وهو ما يحكم على أقوالهم بأن تكون عمومية وقليلة المحصول.
ولا يقف التأثير القامع لهذه الثقافة السياسة المهيمنة على التسليم بتعريف النظام للوطنية بدلالة "الخارج"، العدواني والمتآمر تعريفا، بل يتعداه إلى استبطان تعريف النظام للوطنية بدلالة التكوينات الاجتماعية الجزئية، الطوائف بخاصة. الوطني الجيد "عربي سوري"، لا تأتي على لسانه ولا قلمه كلمات مثل مسلم ومسيحي، وسني وعلوي ودرزي واسماعيلي... ويعتذر إذا اضطر لذكر هذه الكلمات المعيبة. الطائفية هنا هي ذكر شيء ما عن الطوائف في المجال العام. وهو ما يوفر أفضل شرط ممكن لعمل الطائفيين الصامتين، النظام قبل الجميع. كان منيف الرزاز قد شعر بالحيرة حيال هذا الواقع منذ منتصف ستينات القرن العشرين، حين لاحظ أن من يمارس الطائفية بصمت يكسب، ومن يتكلم على الطائفية يضعف نفسه في سورية. لكن هذا الواقع المقلوب هو نتاج هيمنة تصور للوطنية، محاب تكوينيا للنخبة الحاكمة، ويضع عموم الناس في وضع من يحتاجون إلى تبرير أنفسهم. وكان لحزب الرزاز، البعث، أكبر إسهام في نشر هذا التصور الاستبدادي، الملائم جوهريا لإخفاء طائفية النخبة السياسية، وذلك عبر المماهاة بين الدولة والوطن، ووضع لواء الوحدة الوطنية بيد حاكمين قلما كانوا مؤتمنين عليه.
وهنا أيضا يسجل عموم الكتاب والمعارضين تسليما بتعريف الوطنية على هذا النحو، الأمر الذي لم يؤد إلى سحب تهمة الطائفية من المجال العام، بل بالعكس إلى شيوعها الشديد، وإلى تثبيت النظام في موقع الطبيب الوطني العام، الذي يحتكر تشخيص الحالة الوطنية للجميع.
يناسب النظام الأسدي تماما أن يكون هو المرجع في تعريف من هو الوطني ومن هو غير الوطني في العلاقة مع العالم. هذا يضعه في موقع غير منازع، أو لا يبقى من موقع للاعتراض عليه غير المزايدة في العداء لـ"لخارج". يناسبه أيضا تحريم طرح المشكلات الطائفية في المجال العام لأن من شأن ذلك حتما أن يتطرق إلى تكوينه وممارساته، ودورهما في خلق هذه المشكلات أو مفاقمتها. يناسبه أكثر ألا يوجد من يتحداه فكريا أو يفكك هيمنته، وإن جرى الاعتراض على نمط ممارسته للسلطة.
وهو ما يكشف أيضا مصدر تهافت سياسة تيار من المعارضة السورية يجد نفسه في كل لحظة حاسمة أقرب إلى النظام، وشريكا له في ترويج تهم الخيانة والطائفية ضد خصومه. القرب من نظام تتراجع سيطرته هو المآل الوحيد الذي تقوده إليهم هيمنة لم يفكوا شباكها. وفي مثل شروطنا الراهنة يصعب التمييز بين مواقف هؤلاء البعثيين بلا بعث (وبعضهم أسديون بلا أسد)، عن طائفيين متمرسين وأسديين أقحاح، توفر هذه الوطنية المظلمة أفضل مناخ ممكن لعلمهم.
ما حققته الثورة يتجاوز زعزعة سيطرة النظام إلى فك سحر هيمنته. لكن هناك مسحورون مثابرون، يجدون في الوطنية البعثية قناعا لولاء يستحون منه.
في واقع الأمر، أكثر الحصائل سابقة للثورة. الوطنية البعثية، ومنذ الأيام الباكرة لحكم حافظ الأسد، لم تقد إلى استقلال وطني معزز، بل إلى "دولة خارجية"، تغلق البيت على السكان، وتلعب في الحارة مع الأقوياء أو تجعل نفسها ضرورية لهم بطريقة ما، كي تضمن بقاءها في السلطة. اليوم نرى "الدولة الخارجية" مستعدة لرهن الوطن واستقلاله، بالتقسيط وبالجملة، للحفاظ على السلطة.
وليس اكتشافا جديدا أيضا أن الوطنية البعثية لم تؤد إلى توطد الوحدة الوطنية بل بالضبط إلى أزمة ثقة وطنية عامة. غاية ما فعلته أن حجبت التحول الطائفي للحكم منذ وقت باكر من حكم حافظ الأسد، إن لم يكن منذ وقت أبكر، على ما لاحظ الرزاز وغيره.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة في الداخل والمعارضة في الخارج!
- متى تفجرت الثورة، وأين؟
- حوار حول الثورة السورية في عامين
- 1963- 2011: بين -ثورة- وثورة
- الرقة... صورة -مستعمرة داخلية-
- يوم سقط التمثال
- التناقض الكبير للثورات العربية
- ثورة في المملكة الأسدية
- ثلاثة أشكال للعنف في الثورة
- من مجتمع القضية الكبرى إلى مجتمع المشكلات الصغيرة
- -من بدل دينه فاقتلوه-!
- ثلاثة أشكال للنزعة السلمية في الثورة السورية
- استحضار كربلاء في -قلعة العلمانية-!
- عمر عزيز
- قطع رأس أبي العلاء
- عن الانتقال الديمقراطي والثورة الديمقراطية...
- ثورة أكثر، سياسة أكثر
- سورية الفلسطينية... -النظام- الإسرائيلي
- ... ولكن أين هو -الحل السياسي-؟
- هل هناك عرب في سورية؟


المزيد.....




- مشهد ناري مضاء بالمشاعل على مد النظر.. شاهد كيف يحيي المئات ...
- من الجو.. نقطة اصطدام طائرة الركاب الأمريكية والمروحية العسك ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة ...
- ضغوط وحرب نفسية وسياسية.. ما المراحل المقبلة من تنفيذ اتفاق ...
- سقوط قتلى إثر تحطم طائرة على متنها 64 شخصا بعد اصطدامها بمرو ...
- تواصل عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة دعوة حكوم ...
- تحطم طائرة ركاب تقل 64 شخصًا بعد اصطدامها بمروحية عسكرية في ...
- مبعوث ترامب يوجه رسالة لمصر والأردن
- أنباء عن وجود بطلي العالم الروسيين شيشكوفا وناوموف على متن ط ...
- شبكة عصبية صينية أخرى ستضرب إمبراطورية ترامب للذكاء الاصطناع ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - وطنيون وخونة وطائفيون...