|
جنازة البابوية
ميشيل نجيب
كاتب نقدى
(Michael Nagib)
الحوار المتمدن-العدد: 1163 - 2005 / 4 / 10 - 12:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لست هنا أتحدث عن شخص من قريب أو من بعيد ، بل أتحدث عن حدث شغل الكثيرين حول العالم ويحتاج إلى بعض التأمل بما ينفع رؤيانا وتقييمنا لما يدور فى العالم من أحداث والخروج من واقعنا الجغرافى والفكرى المحدود . رأينا على شاشات تلفزيون العالم جنازة البابا الكاثوليكى الراحل من آلاف بل ملايين الزائرين ولا أقول المؤمنين ، لأن هؤلاء الزائرين أو السائحين فى حقيقة الأمر الواقع هم مجرد مسيحيين أسمياً لا يعرفون شيئاً عن إيمانهم أو مسيحيتهم أكثر مما يفعلونه فى ساحة القديس بطرس بالفاتيكان أى إلقاء نظرة على جثمان البابا الراحل وترديد بعض الهتافات والترانيم التى فى أيديهم نسخة منها وأن يمسكوا أيديهم بأيدى بعضهم الآخر ولحظات من التصفيق يشترك فيها الحضور من بقية الأديان سواء كانوا مسلمين أو بوذيين أو يهود أو ملحدين ، وسط مشاعر إنسانية طبيعية فى ظروف كهذه . الوجه الآخر الذى لا يراه الإنسان ذو العقلية العربية ولا يريد أن يراه للإنسان ذو العقلية الأوربية بمبادئه وقيمه وأخلاقه بإيجابياته وسلبياته ، ذلك الوجه الذى يرفضه الكثيرين من العرب الذين يقيسون إنسانية وأخلاق الشعوب حسب العقيدة الدينية وما يسمونه بالإنحلال الجنسى وأعتباره إنحلال أخلاقى والسبب يرجع إلى قصور تصوراتنا الأخلاقية عند الحيز الجنسى الذى شغل أحلام أجيال وأجيال بذلك الجسد الذى أنحصرت فيه كل الملذات والشهوات والنجاسات والمحرمات الذى سيكون هدية الإله لمؤمنيه فى يومٍ ما أو قد لا يكون . الوجه الآخر للأخلاق الأوربية لآلاف الشباب الذين حضروا من مدن إيطالية وأوربية وناموا فى شوارع روما ليحظوا بشرف الأشتراك وإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان البابا الكاثوليكى والكثير منهم لا يؤمنون بالمسيحية مثل ذلك الشاب وبصحبته فتاته الذين أستيقظوا من النوم بعد أن أفترشوا الأرض وقال لمذيعة قناة تلفزيونية إيطالية أنهم ليسوا كاثوليك وغير مؤمنين لكنهم يحترمون شخصية هذا الرجل وما قام به وما أظهره من محبة تجاه الشباب لذلك جاءوا تقديراً له . وسط كل هذا قلت فى نفسى ماذا لو تنازل كل فرد " مسلمين ومسيحيين وغيرهم " عن مفاهيمهم القديمة ضد الآخر أياً كان ذلك الآخر لعدة أيام ليختبروا نموذج الإنسان الأوربى ولا أقول المسيحى بل يجب أن ينسى المواطن العربى أن ينظر إلى عقيدة من أمامه مثل الأوربى الذى يعمل ويفكر ويتعايش معك بأعتبارك إنسان ، وأن يحاول الإنسان العربى فهم تلك الأخلاق والقيم الإنسانية ويطبقها على أرض الواقع حباً للآخر ونسيان الكراهية المدمرة لأفكار الحياة وحباً للوطن وشركائه فى الوطن وألتزاماً بالمواعيد وجدية فى العمل .. .. ، ويمكننى تصور أن سلوكياتنا وأفعالنا ستتغير تماماً نحو الأفضل لعدة أيام . إن الإنسان الأوربى لا يشغل تفكيره ولو بصفر فى المائة بموضوع العقيدة أو الدين ، لذلك لا نجده يضيع وقته فى مجادلات لا طائل منها أو النظر إلى الآخرين وتصنيفهم هذا كافر وهذا هرطوقى وهذا ملحد ، حتى القلة القليلة من الأوربيين الذين يمارسون حياتهم الدينية بصورة تلقائية عفوية لا يوجد فى عقولهم أو قلوبهم أدنى أهتمام تجاه العقائد الأخرى لأنهم إصلاً لا يفهمون شيئاً فيها لذلك يمارسون طقوس روتينية بعيدة وعلى النقيض من المشاعر السلبية التى يشعر بها الإنسان العربى والتى يخلقها رجال الدين وما ينشرونه من تعاليم يومية تضعنا جميعاً مؤمنين وملحدين على جبهة قتال فى حرب دينية باردة أسلحتها فاسدة ، لذلك يجب علينا جميعاً الخروج من دائرة الحرب الباردة التى تدور فى الخفاء فى عقولنا وقلوبنا بأسم الدين وننظر إلى إنسانية الآخر لا إلى دينه . تلك الآلاف من البشر هى أكبر مظاهرة يمكن للإنسان العربى أن يدرس مدلولاتها الواقعية بعيداً عن المدلول الضيق للدين ، فلو نظرنا إلى الهتافات واللافتات التى رفعوها مثل " البابا قديس سريعاً " وهو شعار لا يجب أن نفهمه دينياً بل هو شعار عادى من شباب عاديين لا يفهمون القداسة لا بالمعنى الكنسى ولا بالمعنى الكتابى ، إنهم يريدون التأكيد لأنفسهم وللآخرين على وجود شئ يربطهم بهذا البابا ويشعروا بأن علاقتهم مع البابا مستمرة من خلال إعلانه قديس ، ولا يهمهم الناحية الدينية بل كل إهتمامهم بالناحية الإنسانية التى ربطتهم بهذا الرجل أى هناك قيمة كبرى فى عقلية الأوربى للحوار والأتصال . لكن لماذا كتبت عنوان المقال جنازة البابوية وليس جنازة البابا ؟ الأسباب ستكون موضوع حديثنا القادم .
#ميشيل_نجيب (هاشتاغ)
Michael_Nagib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرة يا وزير الإعلام المصرى
-
قمة الجامعة العربية
-
القذافى رئيساً لمصر
-
تعديل الدستور المصرى
-
خجل الرؤساء العرب
-
الأغتيال جريمة العرب التراثية
-
مؤتمر حرية الإرهاب
-
الحرية والحكم عربياً
-
التقدم الفضائى
-
رأى وتعليق
-
حائط المبكى العربى
-
العلم نور
-
برلمان محو الأمية
-
ألفين وأربعة فى أيامه الأخيرة
-
الأقباط والمسلمون إخوة ؟
-
منتدى المستقبل العربى
-
الصحافة الألكترونية فى عالم الحوار
-
إلى متى يستمر الإحباط القبطى
-
الملك عبد الله وإغلاق المنابر
-
الجراد البشرى
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|