سردار عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 1163 - 2005 / 4 / 10 - 12:13
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
استعرت الحملة شرسة ودون اي حساب لحق او عدل او وجدان, او حتى لقيم سماوية او انسانية... وتزداد هذه الحملة ضد الكرد ومطالبهم المشروعة في الصحف وقنوات الاعلام العربي شراسة يوماً بعد يوم, الغريب هو ان تفتح اكثر الصحف العربية انفتاحاً وموضوعية صفحاتها وعلى اوسع مدى لادارة هذه الحملة المغرضة المشبوهة والمكشوفة في نياتها المبيتة, بينما تحرّم علينا نحن الكرد حتى حق التعقيب والتوضيح, ناهيك عن حق الرد وكشف الحقائق. ففي مقابل الاصوات العربية الشريفة التي تنصف القضية الكردية وتناصرها وتدعم حقوق الكرد المشروعة, هناك الآن كم هائل من مفردات هذه الحملة الشرسة تغرق وبصورة يومية الصحف والقنوات الفضائية العربية.. لتصل في ذروتها الى خروج عن كل ما يمت الى الحوار والعقل والحقيقة والمنطق, ولينزلق البعض منها الى مهالك الاكاذيب, لا بل وحتى المهاترات, نذكر منها وعلى سبيل المثال ليس إلاّ, مقال منشور في صحيفة الشرق القطرية, كتبه الاخ مصطفى امين بعنوان (الدولة الكردية.. بحور من الدم وحلم لن يتحقق!!). مشكلة هذا الجمع ومنهم الاخ مصطفى امين طبعاً , مشكلتهم فيما يخص القضية الكردية هي انهم ينظرون اليها من الزاوية الميتة التي لا تنتج إلاّ الاكاذيب والاوهام الباطلة المجحفة, ولكن ليس هذا هو جوهر المشكلة, فالمصيبة اكبر واعظم بكثير.. وما موقفهم من القضية الكردية سوى احدى تجليات هذه المصيبة التي اصابتهم ويبدو انها لن تدعهم الاّ بعد ان تأتي على ما تبقى من فكرهم المتزمت المتخندق المهزوم, والمعتاد على الخروج من اكبر الهزائم بأساليب احتفالية اخذت شكل ترديد اكبر الاناشيد والشعارات الوهمية التي تتغنى بعظمة الانتصار, وكل ذلك على شاكلة (الانتصارات) التي تشدق صدام بتراكمها على كاهل (الامة) وتاريخها الى ان اتت في النهاية على الاخضر واليابس, فكانت(قمة انتصاراته) حينما استسلم في جحره المهين راكعاً ذليلاً..عاجزاً حتى عن تحسس مسدسه الذي كان يقتل به العراقيين الابرياء بدم بارد. في الحقيقة ليس هدف هذه السطور هو الرد على المغالطات و(المعلومات) والآراء او بالاحرى الاوهام التي يطفح بها كيل المقال,بحيث ان مجرد تصحيح المغالطات يحتاج الى مساحات كبيرةجداً, هذا ناهيك عن ان بعضها لايستحق حتى الرد اصلاً, بل الهدف الاساس هو وضع مقال الأخ مصطفى امين في سياقه الطبيعي داخل اطار ذلك الصراع المخاض الكبير الذي يمر به العالم العربي اليوم, واذا وضعناه في سياقه الطبيعي يغدو كل ما(جاد) به قلمه من تجاوزات على الحقائق والضمير والموضوعية, كمسألة طبيعية وتحصيل حاصل. فبماذا يمكن ان ترد على شخص يستكثر على مواطن عراقي كردي تبوأ منصب رئاسة الدولة في بلده ليقول عن ذلك (احتلال رئاسة الجمهورية), حتى لو كان هذا العراقي رجل مناضل كالسيد مام جلال الذي قضى جل عمره في النضال من اجل تحقيق الديمقراطية للعراق,الغريب هو انه ليس في العراق اليوم عراقي وطني شريف واحد يقبل بمثل هذا الكلام المثير للفتنة والحرب الاهلية...وبماذ يمكن ان يرد المرء على اكاذيب مفبركة ونسوبة الى قيادات كردية مواقفها واضحة جداً من كل الامور السياسية الجارية على الساحة العراقية اليوم..؟ عندما يأتي بكلام يقطر دماً وينسبه الى زعماء الكرد حتى من دون التأكد من صحته وصحة ودقة مصادره فإن المسألة تتحول الى مجرد تربص مع سبق الاصرار والترصد والبحث عن ابسط الذرائع لتهيئة الارضية الاعلامية لقيام(الحرب المقدسة) التي تستهدف ابادة الكرد عن بكرة ابيهم, وإلاّ فكيف يمكن ان نفسر كلامه عن المخطط الجهنمي الذي يرمي الى تأسيس الدولة الكردية الكبرى, ويفوق في خطورته جميع ماتخطط له القوى الامبريالية والصهيونية من قبيل ضرب ايران او حتى سوريا, ليصل في النهاية الى اصل المقصد ويكشف نيته المغرضة وليعلن وبالفم المليان تهديده الفاشي((الحلم – يعني حلم الدولة الكردية – مستحيلاً لكن دوائر الموت وبحور الدم ستكون اسهل مما نتصور او نتوقع)) ليتوصل الى الهدف النهائي وهو اصدار بيان الاستغاثة الى العرب ويعلن في نهاية بيانه((لقد آن الاوان ليكون للعرب كلمتهم ووقفتهم, فالامر جد خطير)).ماذا يمكن ان تقول لشخص يسرد اوهامه على الملأ ويعلنها حقائق مطلقة وبديهيات لا يمكن الشك فيها الى درجة يسمح فيها لنفسه بتصديق اكاذيب من قبيل (( لقد تلقوا – يقصد الكرد طبعاً – الوعود من الامريكان وعاث من خلال المناطق التي يسيطرون عليها الخبراء الاسرائيليون فسادا وافسادا في العراق فقتلوا علماءه, ونهبوا تراثه الحضاري, واقاموا المواقع الحضارية بذريعة ان هناك اسرى اسرائيليين سبق وسباهم ملك بابل نبوخذ نصر منذ آلاف السنين)) مثل هذا الكلام الموجود فقط في المخيلة المريضة الهرمة والمحتضرة لهذا الجمع الذي ليس اخينا مصطفى امين سوى واحداً منهم, علاوة على انه لا يمت الى الحقيقة والواقع بصلة, فإنه يعتمد العودة الى الاساطير التي تستمد منها الحروب الدينية المقدسة (شرعيتها) الزائفة. لكن القائمة تطول لذا فان من الافضل العودة الى الفكرة الاساسية التي بدأنا بها, ولكن يجب التنويه الى ان المصدر الذي اعلن اخينا مصطفى اعتماده عليه هو موقع مفكرة الاسلام الذي لايعلم الاّ الله من هي ومن اين تأتي باكاذيبها واخبارها المفبركة.مشكلة الاخ مصطفى وجمعه هو انهم لازالوا غارقين في اوهام تلفظ انفاسها الاخيرة.. انه ومن خلال كلامه قد حدد موقعه وخندقه وفي العديد من الاماكن من مقاله, منها على سبيل المثال, اصراره على تسمية الانقلاب الكارثي الصدامي عام 1968 بثورة تموز. وهو بهذا يختصر علينا البحث والاثبات, اذ انه يعلن انتماءه الى العقلية البعثية الصدامية الفاشية التي تجد امتداداتها الاقليمية والعربية في بقايا النخب القومية الفاشية المتقوقعة في المنطقة, والكارثة هي انه يتجاوز حتى حدود الصدامية ليصل الى اعلان انه يتماهى مرة مع التاريخ ليتكلم باسمه وفي اماكن عديدة من المقال, والاخطر من ذلك هو تماهيه مع الذات الالهية – استغفر الله – ليعلن ((يدينون – الكرد – بديننا شيعة ( الاكراد الفيلية) وسنة (اغلبية الاكراد).. وهنا لايمكن السكوت ويجب ان يوقف عند حده, والدين هو دين الله وحده وهو ديننا كما هو دين الانسانية جمعاء وعندما ارسل رحمة للعالمين لم تقم الارادة الالهية باستشارة امثال هؤلاء المهووسين. المسألة ببساطة شديدة هي ان هناك اليوم صراع كبير في العالم العربي بين هذه الجماعة المتقوقعة المتخندقة من (حملة الرسالة الخالدة), وبين النخب المستنيرة العظيمة التي تزداد حضوراً وقوة في الساحة العربية يوما بعد يوم ومن هذه النخب مجموعة المثقفين الذين باتوا يعرفون اليوم بالليبراليين العرب الجدد. وهذا الصراع يدخل الى مسامات جميع ما يدور الآن في منطقتنا, وتنقسم هذين الجمعين حول كل الامور والمسائل المتعلقة بمستقبل المنطقة وشعوبها, كان من الطبيعي ايضا ان ينقسما حتى على القضية الكردية.. فنحن الآن امام قوتين احداهما تنتمي الى الماضي وتعتاش على الذكريات والشعارات والبكاء على الاطلال وصولا الى التهديد بقتل كل الاعداء المفترضين واحياء مجد الامة التليد, بينما تدعو الثانية الى العقلانية وتحرير العقل والانسان والانفتاح على العالم والخروج من دائرة الاساطير للدخول في عالم العلم والمعرفة والمستقبل المشرق الزاهي لشعوب المنطقة جميعها. والحقيقة هو ان اشتداد الحملة المستعرة ضد الكرد وفي هذا التوقيت بالذات ليس إلاّ خوفاً من مواجهة هذه الحقائق المرة, فالتوقيت هو بناء دولة جديدة في العراق اول ما يميزها هو انها ليست عربية وليست عروبية ايضاً لتصل في ذروتها في تولي المناضل العراقي الكردي الكبير جلال الطالباني رئاسة الدولة العراقية الوليدة, دولة كل العراقيين دون استثناء, فهؤلاء يعرفون اكثر من غيرهم هي ان هذه اللحظة ليست مهمة للكرد الذين تتهمونهم باحتلال العراق واحتلال الرئاسة ووزاراتها فقط, بل وهي ليست مهمة وحياتية للاقليات والقوميات والطوائف التي تعيش في العالم العربي وحسب, انها لحظة حياتية لعشرات الملايين من المواطنين العرب المغلوبين على امرهم الذين يرزحون تحت نير الدولة العربية المستبدة التي لم تنتج إلاّ الكوارث والهزائم والديكتاتورية لدولها وشعوبها, ان هذه اللحظة هي لحظة سقوط الدولة العربية المستبدة, وليس استحالة الحلم الكردي المشروع الذي يصر الاخ مصطفى على انه ليس الاّ وهما قاتلاً. وهذا هو في الحقيقة ما اصاب هذا الجمع بهذه الحمى الهستيرية.انه التباكي على موت هذه الدولة العربية المستبدة التي تلفظ انفاسها الاخيرة, ليتأسس على انقاضها دول انسانية عادلة تحفظ وتضمن الاختلاف والتنوع القومي والديني والطائفي, وهي بالضرورة لا يمكن ان تكون دولا قومية, فالانعطافة الخطيرة هي هذا التغيير الجوهري الذي طال تركيبة الدولة, ليعلن سقوط ونهاية الدولة القومية ايا كانت هويتها وللأسف فان الدولة العربية المستبدة هي من يمثلها اليوم وبامتياز, على هذا الاساس يجب ان يعرف الاخ مصطفى وجمعه من القومجية الفاشية هي ان اصرارهم على عروبة العراق ليس إلاّ انغماساً في خطاب الفتنة الذي لن ينتج إلاّ الحروب والويلات. فعروبة العراق ليست حقيقة, وهي اكبر اكذوبة لم يستطع حتى صدام بجرائمه ومقابره الجاعية ان يحققها, ولن يحققها احد غيره ايضا, لأنها ببساطة ليست الاّ اكذوبة, فالعراق ليس عربيا وهو ايضا ليس كرديا, انه عراقي, وهو عراقي لنا كلنا , وهو بلدنا كلنا ودون استثناء واهل العراق ادرى من غيرهم بمستقبل بلدهم وحل مشاكلهم, فكفوا عنّا افكاركم الجهنمية رجاءا, فانتم لم تنبسوا ببنت شفة عندما قتل صدام العراقيين بمساواة غريبة, والآن تمسكوا بصمتكم و (انقطونا بسكوتكم) رحمكم الله.نعم, هنالك معركة.. وهنالك ايضاً انتصاراً يحققه الكرد, وهنالك الكثير من الانتصارات تنتظر الكرد, لا لشيئ إلاّ لأنها استحقاقات تاريخية مشروعة وعادلة استطاعت الانظمة الاستبدادية, كما انها هناك انتصارات تحققها شعوب المنطقة على اختلاف انتماءاتهم القومية والطائفية والدينية. واخيراً وليس آخراً كيف سمحتم لأنفسكم الادعاء بأن((يقف الاكراد اليوم في موقف المتفرج على الخلاف السني – الشيعي بعدما فرضوا شروطهم...)),هل كنتم موجودين في القاعات المغلقة التي يتفاوض داخلها ممثلي الشعب العراقي بمختلف طوائفه واطيافه السياسية؟ فكلامكم هذا يشبه كلام اناس يعلمون ما يدور ليقرروا ان فلان يقف متفرجا شامتا, وان فلان كذا وكذا, وهو لا يمكن ان يعلمه إلاّ من يحضر تلك الاجتماعات التي تدور في بغداد, او من يدعي انه يعلم الغيب! لكن تبقى الحقيقة الساطعة هي ان العراق سوف يصل الى الاستقرار والى بناء دولته العادلة الفيدرالية الديمقراطية التي ستلهم شعوب المنطقة وتنير لهم طريق النضال الانساني من اجل اسقاط الدولة القومية المستبدة وبناء الدولة الحديثة الانسانية العادلة, وإلاّ فأنه لن يبقى امام الشعوب المغلوبة على امرها سوى طريق الكارثة, ان البديل الوحيد لعراق فيدرالي عادل متحد حديث ومتحرر من اوهام الفاشية القومية, هو التقسيم الذي تدفع النخب القومية الفاشية العربية باتجاهه وليس الكرد كما يحاول ان يروج البعض...
#سردار_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟