سامان كريم
الحوار المتمدن-العدد: 4043 - 2013 / 3 / 26 - 14:58
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
حوار مع سامان كريم حول التنظيم الشيوعي العمالي!
الى الامام: بعد 10 سنوات من العمل العلني في العراق كيف تقييمون تنظيم او العمل التنظيمي للحزب الشيوعي العمالي؟
سامان كريم: سؤالكم مهم, لكون أن هناك مفارقة عجيبة تنبثق منه. ان عشرة سنوات من العمل العلني للحزب على صعيد العراق كله وخصوصا نحن كحزب لدينا علاقات ربما وطيدة مع عدة قطاعات عمالية مهمة, ناهيك عن وجود اتحادات عمالية ومنظمات اخرى قريبة من الحزب, ولدى الحزب العديد والعديد من النشاطات العمالية والجماهيرية والنسوية المهمة على الصعيد الاجتماعي. مع هذه الرزمة الكبيرة من النشاطات والفعاليات المختلفة نحن نعاني من نقص فضيع من الجانب التنظيمي, بحيث بامكاني ان اقول ليس لدينا التنظيم بمعنى الشيوعي للمفهوم التنظيمي, بالمعنى الذي مارسه لينين وماركس وبمعنى تلك التقاليد السياسية والنضالية والتنظمية والاجتماعية التي بنيت التنظيمات الشيوعية عليها. هذه هي المفارقة.
لابد ان نعرف ماهو تنظيمنا الحالي او الموجود ليتسنى لنا تقيمه. تنظيمنا عبارة عن دمج وجمع عدد من الاشخاص من الرفاق المتفانين للحزب واهدافه, الرفاق الذين لا يتعبون فعلا وناشطون بشكل لا يقبل الجدل ولكن اقدامهم ليست مترسخة في واقع الحركات الاجتماعية في واقع الصراع الطبقي وبالتالي أسِسَ التنظيم في حزبنا بصورة تلقائية وعشوائية, عبر جمع الرفاق في اللجان والخلايا الحزبية. اللجان والخلايا الحزبية بعيدة عن الواقع النضالي لحركة الطبقة العاملة ونضالاتها اليومية المستمرة, وبالتالي بعيدة عن الواقع الجغرافي – المحلي وبعيدة ايضا عن معاناة الجماهير الكادحة في الاحياء السكنية وبالتالي ليس لدينا اللجان الشيوعية في الاحياء السكنية. بمعنى اخر ان لجاننا وخلايانا ليست لجاناَ ومنظمات حزبية مترسخة ولها مواطئ قدم في مكان العمل والمعيشة. واريد ان اعلق على هذه القضية المهمة اي مكان العمل والمعيشة. هذه القضية ليست مسالة الجغرافيا بمعنى المفهوم الجغرافي المحلي فقط, بل تتعدى ذلك بكثير من حيث المحتوى. اي ان القضية ليست فقط الوجود الشكلي للجان الحزبية في معمل او حي سكني او جامعة ما, بل قبل ذلك واهم من ذلك هو ان هذه اللجنة او تلك يجب ان تنبثق من نضالات عمالية او جماهيرية او طلابية في تلك المنطقة الجغرافية. من هنا نرى ان وجود اللجان الحزبية في المعامل والمؤسسات والاحياء السكنية هي نتيجة لعمل نضالي اجتماعي وليس سبباً له. لا بد ان تتموضع لجاننا في الاحياء السكنية او المعامل او مؤسسات الدولة او الجامعات ولكن هذا التموضع هو نتجية لعمل شيوعي ونضالي مستمر, نتيجة لقيادة الاعتراضات والاحتجاجات اليومية في هذا الموقع او ذاك. ليس بامكاننا ان ننقلب المعادلة بالعكس. اي ليس بالامكان جمع عدد من الرفاق في حي سكني او معمل او جامعة ما... بصورة تلقائية وبعيدة عن النضال الواقعي ونسميها لجنة تلك المحلة او الجامعة او هذا المعمل او ذاك.... انها صورة كاريكاتورية للتنظيم الشيوعي.
أعتقد ان تقيمي للعمل التنظمي لحزبنا واضح, وهذا كلام ربما تكراري بالنسبة لي على الاقل أذ اني اكدت على هذا الامر منذ سنوات.
الى الامام: هل الشيوعية العمالية تمتلك نظرية خاصة بالتنظيم؟
سامان كريم: انا استخدم الشيوعية العمالية مثل ما استخدم ماركس الشيوعية وبهذا المعنى لبناء مجتمع شيوعي وقيادة الثورة العمالية كإستراتجية وهدف للشيوعية او للجزء الطليعي للطبقة العاملة, لا بد من التنظيم. هذا التنظيم او هذه النوعية من التنظيم التي تنسجم مع تحقيق هدف الشيوعية أنها تنظيم خاص للشيوعية وطليعي الطبقة العاملة (انا استخدم الشيوعية هنا كحركة وليس كافكار وبهذا المعنى انها جزء طليعي للطبقة العاملة). إن إلغاء العمل المأجور او الملكية الخاصة البرجوازية كما يقول ماركس في البيان الشيوعي هو هدفنا وإستراتجيتنا. لتحقيق هذا العمل الخاص يتطلب تنظيماً خاصاً به.
ماهي هذه الخصوصية؟ براي ان اهم او اسس الاساس لتحديد هذه الخصوصية هو وجود التنظيم في موقعه اي في خضم الصراع الطبقي, ان التنظيم بهذا المعنى هو عبارة عن تنظيم حركة عمالية وبالتحديد الجزء الطليعي من هذه الطبقة وهذه الحركة. بدون هذه الخصوصية او بدون تحقيق هذه الخصوصية, يفقد التنظيم الشيوعي محتواه. هذه الخصوصية ليس خصوصية فكرية او نظرية او شئ من هذا القبيل بل قبل ذلك وفي الاساس هي خصوصية واقعية كما يعبر عنها بصورة واضحة ماركس في بيان الشيوعي حين يقول "وإنّ ما يميّز الشيوعية, ليس القضاء على الملكية بشكل عام، بل إلغاء الملكية البرجوازية. غير أن الملكية الخاصة للبرجوازية االعصرية هي آخر تعبير وأكمله عن الإنتاج وتملّك المنتجات القائم على التناحرات الطبقية, وعلى استغلال البعض للبعض الآخر. والحالة هذه يستطيع الشيوعيون أن يلخّصوا نظريتهم بعبارة وحيدة: إلغاء الملكية الخاصة". (ماركس - انجلز- البيان الشيوعي / التاكيد مني). من هذه الخصوصية اي خصوصية ألغاء الملكية الخاصة, تنبع خصوصية التنظيم الشيوعي.
من الطبيعي للتنظيم الشيوعي خصوصيات اخرى مهمة وخصوصا على صعيد التقالد النضالية والتنظمية والسياسية ولكن بدون وجود التنظيم في موقعه ليس بالامكان اصلا تحقيق الخصوصيات الاخرى او التمايزات الاخرى. براي نحن لدينا تجربة كبيرة حول هذا الامر. مادامت الخصوصية الرئيسية لم تتحقق اذاً ان ظهور خصوصيات الاخرى هي بمثابة وهم ولا يتحقق بدونها. ذكرت قبل اكثر من سنتين وأكدت "ان هذا الاسلوب الشيوعي للعمل، لا يتوافق مع حالة الطلاب والشباب والحركات الاخرى. لا يتوافق مع واقعهم المعيشي والعملي او المهني. الطلاب هم في الجامعات مثلا، تصرف عليهم عوائلهم، اي ان العائلة لا تتطلب منهم بل ان العملية هي بالعكس تماماً، حيث ان الطلاب في العراق لا يمكن ان يستمروا ويستكملوا دراستهم الا عبر تمويل العائلة، حتى اذا الطالب يعمل مثل ما يعمل في اوروبا يعمل في سبيل انهاء دراسته وليس لامرار معاش العائلة. هذا ناهيك عن ان الطلاب فئة منقسمة الى طبقات مختلفة، حسب ثروة عائلتهم... أذن ان تنظيم الطلاب يتناقض واسلوب العمل الشيوعي" اقصد هنا بالتحديد الهوية الشيوعية". هذا ناهيك عن حالة الطلاب الوقتية، اي ان الطلاب عادة يكملون دراستهم في الجامعات خلال 4-6 سنوات وبعد ذلك ينقسمون الى طبقاتهم. اذن ان تحزب الطبقة لا يمر عبر تنظيم الطلاب او النساء... بل تنظيم الطبقة التي بامكانها تثوير المجتمع والظفر بالمجتمع عبر الظفر بالسلطة السياسية."( سامان كريم- التحزب الطبقي / بصدد تجربتنا في العراق – أيلول 2011).
اريد ان اوضح محوراً مهماً وهو ان التنظيم هو أساساً تنظيم حركة اجتماعية وليس تنظيم افراد. ان تنظيم الافراد هي نتجية او إفراز لتنظيم الحركة وليس بالعكس. بالنسبة لنا كشيوعين علينا ان ننظم الحركة العمالية, والجزء الطليعي منها اي الجزء الشيوعي او التيار الشيوعي في صفوف الطبقة العاملة... وهذا التيار واقعي مثل واقعية الطبقة العاملة والنظام الراسمالي. ونحن نراه باشكال مختلفة, عبر قادته وتنظيماته حزبية وغير حزبية وجماهيرية مختلفة... نرى الان هذا التيار يقود النضال والتظاهرات في شركة نفط الجنوب والبتروكيمياويات والموانئ وهكذا. الهم الاول هو تنظيم هذا التيار عبر الاشكال التنظيمية التي افرزتها الحركة العمالية وليس بعيداً عنها. علينا تنظيم هذا الشكل في الاطار الشيوعي العمالي بمعنى الاجتماعي وبطبيعة الحال وبعد ذلك نصل الى تنظيم الحزبي.
الى الامام: وفق ما يظهر في جوابك ان التنظيم بالنسبة لتحزب الشيوعي العمالي هو جزء من كيان نفسه, اي ماضيه وحاضره ومتسقبله.؟! هل هذا هو قصدكم فعلا من التنظيم الشيوعي, بمعنى اخر ان التنظيم مرتبطة باستراتجية الحزب واهدافه النهائية؟
سامان كريم: ليس فقط لكل الاحزاب الاجتماعية لها تنظيمها الخاص بها, بل لكل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الادارية للدولة أيضا تنظيمات خاصة بها. خصوصية التنظيم نابع من خصوصية الاهداف. ماهو الهدف لهذه الحركة او تلك لهذه المنظمة او تلك؟ وفق هذا الهدف ينبع بالضرورة نوعا خاصا من التنظيم. منظمة امنستي انترناسيونال (العفو الدولية) لها ملايين من الأعضاء في انحاء العالم, وهدفها الدفاع عن بعض الحقوق السياسية والمدنية عبر الضغط السياسي والمعنوي على الحكومات والاحزاب الحاكمة او المسيطرة في منطقة ما في العالم. التنظيم بالنسبة لها هو عبارة عن جمع ما يمكن جمعه من الاعضاء لتشكيل حملة عالمية كبيرة, لتحقيق هدفها وهو الضغط السياسي والمعنوي على الحكومات عبر ارسال الوفود والبرقيات الاعتراضية او ربما التظاهرات في قليل من الحالات.... اذن تنظيمها هو تنظيم خاص بها وفق هدفها الخاص كما ذكرناه. هذا التنظيم لا يتطلب تنظيم طبقة معينة ولا شريحة او فئة معينة, بل يشمل كل من يشارك في هدفها... سواء كان برجوازيا, او ملاكا او طالبا او شيوعيا او ليبرالياً او اصلاحيا.... هدفه ليس تغير العالم ولا حكومات ولا الاحزاب رجعية, بل الضغط السياسي والمعنوي عبر تشكيل راي عام عالمي ضد هذه الحكومة او تلك, ليتسنى للبشر ان تعيش على الارض في ظل النظام الرأسمالي, وتحقيق بنود "اعلان حقوق الانسان والمواثيق الدولية المختلفة التابعة لها". هذا العمل يتطلب نوعاً من الحملة السياسية الكبيرة وهذا ما تقوم بها هذه المنظمة. هذا مثال فقط.
الشيوعية كحركة سياسية اجتماعية لها اهدافها الخاصة بها كما ذكرنا اعلاه اي الغاء الملكية الخاصة البرجواية او الغاء العمل الماجور وبناء مجتمع خالٍ من الطبقات. هذا الهدف يتطلب تنظيما خاصا به, وهذا يعني ان التنظيم الشيوعي ومنذ اليوم الاول لبناء الحزب الشيوعي العمالي, ليس مرتبط فقط باهداف الشيوعية العمالية بل جزء منها وبراي محتوى ولب هذه الحركة وهذا العمل الاجتماعي الكبير. اكدت على هذا الامر في مناسبات عديدة ومنها: "أن التنظيم الحزبي للحزب الشيوعي العمالي العراقي، ينتج عن أهداف واستراتجية الحزب. الاطاحة بالنظام الراسمالي، وبناء الحكومة العمالية، اسقاط الراسمالية كنظام سياسي، إقتصادي - اجتماعي، والغاء العمل المأجور. ان اسس نظریتنا التنظیمیة، تنتج من رؤیتنا الشیوعیة للتحزب. لماذا اسسنا الحزب؟ ما هي مهمة الحزب وهدفه؟ الحزب اداة ووسیلة لتحقیق الثورة الاشتراکیة. اي نوع من التنظیم یتناسب لتحقیق هذه الثورة والظفر بالسلطة السیاسیة، الحكومة العمالیة. نحن کشیوعیین ننظم الطبقة العاملة وکافة التحرریین لقیادة هذه الثورة". (سامان كريم - حوار حول رؤية الحزب للتنظيم الحزبي والجماهيري في الاوضاع الثورية الراهنة / المنظم الشيوعي- نيسان 2011).
الى الامام: كثيرا ما نسمع من اليسار التقليدي، بأن الشيوعية هي تيار خارج الطبقة العاملة، وعليه ان يدخل في صفوف الطبقة العاملة، كيف تردون على هذا التصور؟
سامان كريم: براي هذا التصور قديم, قدم اليسار التقليدي. هذا بحث لا ارى ان نغور في عمقه لان ليس له عمق اصلا, هذا اولاً وثانيا: براي ان هذا التصور على الاقل على الصعيد النظري لم يبقى من يؤيده او يدافع عنه, عليه ليس ضروريا ان ندخل في حوار جاد مع هذا التصور. على رغم من ذلك اريد ان أعلق على جانب من هذا التصور وبراي جانب مهم, إلا وهو ان هذا التصور او هذه الاطروحة, في الاساس هو تصور واطروحة مثالية وماوراء الطبيعية ليست لها اي صلة بالمجتمع والطبقة العاملة والصراعات الاجتماعية. الاطروحة تقدم "بان الشيوعية هي خارج الطبقة العاملة, وعليها ان تدخل في صفوف الطبقة". اعتقد ان كل الشيوعين بمختلف مشاربهم السياسية والفكرية متفقون على ان الشيوعية هي للطبقة العاملة" بغض النظر عن يدخل في صفوفها او لا"... اذن من اين جاءت هذه الافكار؟!! إن هذا اليسار يصور الشيوعية كأفكار وليس كحركة اجتماعية حاضرة امام اعيننا كما يقول ماركس في البيان الشيوعي... ولكن من أين جاءت إلينا هذه الافكار؟ من أين لنا هذه الافكار؟ وفق هذا اليسار جاءتنا من المثقفين, ماركس وانجلز ولينين ومنصور حكمت... ولكن هؤلاء من اين لهم هذه الافكار؟! من نقد الافكار التي سبقتهم... اذن حلقة مفرغة وفي التحليل الاخير نصل الى معركة الافكار لا صلة لها بالواقع وبالنضال, نطير من الارض الى السماء مرة اخرى ولكن هذه المرة بلباس شيوعي؟! هذه هي المهزلة. ان اصل صراعنا حتى مع الدين هو إنزال الدين الى مكانه الاصلي اي الارض. هذا النوع من اليسار لا يرى الشيوعية حركة واقعية قبل تنظيرها من قبل ماركس وانجلز والاحزاب الشيوعية والاممية الاولى والثانية والثالثة... إذن على هؤلاء المثقفين ان يدخلوا وان ينخرطوا في صفوف الطبقة من أجل تثويرهم, الثورة التي لا تبدأ أبداً وفق هذا المنظور.
على اية حال كما قلت ان لهذا التصور زوايا مختلفة, ولكن اعتقد أن هذا يكفينا. واذا كان لحد الان هناك من يدافع عن هذه الأطروحة, براي علينا ان نصعد قطارنا ولا ننتظره لحظة واحدة.
الى الامام: يتحدث منصور حكمت كما كان يتحدث لينين عن العمل الروتيني للحزب الشيوعي "الدعاية والتحريض والتنظيم" في صفوف الطبقة العاملة، هل نستطيع ان نقول بأن هذه المسألة غائبة في عمل الحزب الشيوعي العمالي ودائما يسيطر عليه الحملات السياسية على سبيل المثال لا الحصر احتفال الاول من ايار، يوم المرأة العالمي، قانون العمل..الخ وكيف ترتبطون العمل الروتيني بالتكتيكات السياسية للحزب او بتلك الحملات السياسية؟
سامان كريم: العمل الروتيني هو روح الثورة العمالية ورافعها. العمل الروتيني هو عمل معَرَفْ وواضح من حيث مكوناته الاساسية اي "الدعاية والتحريض والتنظيم" كما جاء في سؤالكم. براي ليست القضية إن هذا الروح او العمل هو الغائب لدى حزبنا, انا اعرف هو غائب ولكن غيابه نتيجة وليس سبب وهذا مهم براي وخصوصا اذا نرجع الى اجاباتي اعلاه. براي السؤال الاهم هو لماذا روح الثورة غائبة لدى حزب الثورة, هل بامكاننا ان نقود الثورة بدون جوهرها؟! او هل بامكاننا ان نصل مرحلة الثورة بدون هذا الجوهر؟! هذه هي القضية. والقضية ان العمل الروتيني هو عمل يومي عظيم, عمل شيوعي في كل لحظة وفي كل يوم, في كل يوم نحن امام هالة كبيرة من الشعوذات والأكاذيب والخزعبلات البرجوازية, يوميا نحن امام سياسات صغيرة او كبيرة اقتصادية او ادارية, قوانين مختلفة, قرارات مختلفة للدول والحكومات وفي العراق يوميا نحن امام كم هائل من الاكاذيب المصطنعة من الاعلام والحكومة والاحزاب والكتل السياسية في البرلمان وفي الحكومة, امام قرارات وقوانين رجعية مختلفة, امام سياسات مختلفة, امام معاناة ومطالب عمالية وجماهيرية ونسوية وشبابية مختلفة.. وبالتالي ان العمل الروتيني الشيوعي هو عمل مستمر ومتواصل في كل لحظة. ولكن كيف يمكن عمليا تحقيق هذا العمل الروتيني او جوهر الثورة هذا.. وخصوصا نحن ليس لدينا قناة فضائية , وهذا طبعا يصعب من تحقيق وظيفتنا ولكن لا ينفيها. هذا العمل له مكانته وموقعه وهو المجتمع عبر الطبقة العاملة وفي داخل صفوفها وبالتحديد الجزء الطليعي منها. القوة او الحزب الذي لم يتموضع في اطاره الطبقي ليس بامكانه اداء العمل الروتيني.
اما بخصوص سؤالكم اريد ان اوضح شيئا قبل ان اجيب عليه. وهو ان هناك فرق بين الحملات السياسية بصورة عامة واحتفالات الاول من ايار وثمانية مارس... بالنسبة لطبقتنا ان احتفال الاول من ايار هو جزء من تقاليد الجزء الطليعي لطبقتنا وهو تقليد شيوعي, والحال كهذا لا يدخل في خانة الحملات السياسية. ولكن انا اتفهم محتوى سؤالكم حيث تحولت الاحتفالات الطبقية بالنسبة لنا الى حملات سياسية وانا ادرك هذا الامر. ان عدم تموضعنا في مكاننا الاصلي, في خضم النضال الطبقي في عمق صف النضال الطبقي, حول الحزب الى كيان وجسم بعيد الى حدما عن الصراع الطبقي وبالتالي الصراع السياسي في العراق. هذه هي البنية الاساسية لغياب العمل الروتيني وبطبيعة الحال يحول كافة التحركات والنضالات الاخرى اما الى عمل أكسيوني او الى حملات سياسية معينة حول قوانين العمل او حقوق المراة او العاطلين عن العمل او اطلاق سراح السجناء..... لان الحلقة التي بالامكان ان يتحقق فيها العمل الروتيني غير موجودة وبالتالي تتحول كياننا بين حملة واخرى الى لا عمل , او وقف تام لاي عمل يذكر على صعيد الاجتماعي, طبعا لا اقصد الاجتماعات او كتابة البيانات... سواء كان في بغداد او في خارجها... ولكن الطبقة االعاملة وجزء كبير من المجتمع مشغول يوميا بامرار معاشها, بمعاناتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية, وترد عليها بأشكال مختلفة سواء كان بالتظاهرات او بشكل فردي او حتى غير مرئ على الصعيد الاجتماعي.... اذا أنت لست حاضرا ومؤثرا في هذا الموقع لم يبقى لك موقعا لأداء او لتحقيق وظيفتك الروتينية, وبالتالي تتحول النشاطات الحزب الى حملات سياسية او اكسيونات حزبية ضيقة. اللجان الحزبية تسأل ليس لدينا وظيفة ما؟! هذا السؤال بحد ذاته يدل على اننا لسنا موجودين في اطار الصراع الذي يجري اما اعيننا. هذا هو لب المشكلة واصل القضية. لان الموجود في خضم هذا الصراع ليس لديه هذا السؤال, أنهم يتواجهون يوميا كلجنة او كأشخاص امام عشرات الاسئلة حول النضال العمالي, كيف نجيب على ادارة الشركة, كيف نرد على تلك الهجمة, وكيف نحصل على زيادة الاجور وكيف نحصل على ارباحنا السنوية, وكيف نحصل على علاوة المناوبة وكيف نحصل على فرض منظمتنا او نقابتنا او مجلسنا او اتحادنا العمالي, وكيف نحصل على اجور النقل والغذاء.... والمشاكل كثيرة....
براي ان التكتيك, للحزب الطبقي الذي له موقع طبقي, داخل صفوف طبقته, هو استمرار للوظيفة الروتينية.... ان العمل الروتيني كما ذكرت هو عمل يومي ومستمر ومتواصل على كافة الصعد التنظمية والتحريضية والدعائية وتشمل كافة مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والادارية والامنية. على الكادر واللجنة الشيوعية "ليس لدينا لجنة الشيوعية لحد الان" ان يجيب بصورة يومية على قضايا العمال النضالية المختلفة في موقعها الجغرافي... وهذا جزء من عملها, وعليها ان تحرض العمال على المسائل اليومية سواء كان للرد على ادارة الشركة او المصنع او دائرة ما او للرد على سياسات الحكومة او القوانين التي تشرع من البرلمان, عليها أن تربى وتثقف كوادر واعضاء لجنتها بتربية ماركسية ووفق اولويات واضحة, وهذا يعني تربية الكوادر الشيوعية والعمل الدعائي الذي يرافقه, وعليه ان تنظيم الاعضاء الجدد وتوسيع نفوذ لجنتها وبناء لجان جديدة جزء من مهمام اللجنة وهذا هو التنظيم.. وعليها تنظيم العمال ليس فقط في لجنتها الشيوعية بل في منظماتها الجماهيرية سواء كان المجلس او النقابة او الشكل البدائي للتجمعات العامة او في منظمات غير حزبية.. مثل الحلقات والشبكات العمالية للقادة العمالين.. وعليها ان توزيع جريدة الحزب وبياناته المختلفة وعليها اصدار بيانات وتصريحات مختلفة في محيط تواجدها وعملها.. وعليها ايضا اخبار قيادة حزبها من كل صغيرة وكبيرة تجري في محيط عملها ناهيك عن تقرير شهري مفصل حول لجنتها.... وعليها تنظيم وقيادة التظاهرات والاضرابات في محيطها.. ووظائف كثيرة ومختلفة... هذا هو العمل الروتيني وهذا هو جوهر الثورة. هذا العمل المتواصل والمستمر يؤدي الى تقوية نفوذ الشيوعية والحزب في هذا المحيط او ذاك.. وهذا يعني تغير توازن القوى لصالح الطبقة العاملة والحزب والشيوعية في تلك المنطقة او هذا المعمل... من هنا نصل الى تكتيك.
بهذا المعنى ان التكتيك هو سياسة نتيجة لعمل سياسي متواصل ومستمر لحزب ما على صعيد بلد ما او لجنة ما على صعيد منطقتها الجغرافية. يظهر التكتيك هنا كعمل سياسي جاء عبر تراكم العمل السياسي والتنظمي واستمراراً طبيعياً للعمل الروتيني الذي شرحناه في اعلاه. ليس بامكان اي حزب ان يحقق تكتيكه على ارض الواقع وفي خضم الصراع السياسي بدون من أن تكون له باقة كبيرة من العمل الروتيني المتحقق في المجتمع وباالتحديد في الصف الطليعي لطبقة العاملة. والعمل الروتيني المتحقق يعني جسد تنظيمي شيوعي, يعني كوادر مسلحة بافق ماركس والبيان الشيوعي ويعني نفوذ شيوعية ماركس في المجتمع, في التحليل الاخير ان العمل الروتنيني المتحقق يعني الحزب اثر على الاوضاع في هذه المنطقة او تلك بحيث يؤثر هذا العمل على تغير توازن القوى لصالح الحزب والشيوعية حتى اذا كان هذا التغير قليل جداً ولكنه ملموسة. ولكن هذا التكتيك الذي نتحدث عنه اي تكتيك كأستمرار او كوجه من وجوه العمل الروتيني للحزب, يتطلب مسبقا تحزبا طبقياً, اي ان الحزب ليس فقط له الحضور في الصراع الطبقي بل له قوة وتأثير ايضا, حينذاك بامكاننا ان نقول ان التكتيك جزء من هذا العمل الروتيني, جزء من العمل الضروري الذي تتطلبه الثورة العمالية. من ليس له قوة على الارض ليس بامكانه تحقيق التكتيك, بل يتحول التكتيك الى شعار بلا محتوى, الى لافتة دون تظاهرة... وهذا يشمل كل الاحزاب السياسية.
الى الامام: ما هو برأيكم اهم المعوقات التنظيمية التي تقف امام نضال الطبقة العاملة في العراق؟
سامان كريم: المعوقات التنظيمة كثيرة.... التشرذم القومي والطائفي, وبالتالي تموضع العمال في صف الطائفة والقومية بدل تموضعهم في صف طبقتهم من الناحية السياسية, هذه مشكلة كبيرة وواقعية, القوانين الاستبدادية مثل القانون الذي ينفذ ضد القادة العماليين بفصلهم او نقلهم من موقع عملهم الى مكان اخر, هذا ناهيك عن القوانين البالية الاخرى التي تبناها النظام القومي الطائفي الحالي من النظام القومي البعث, يضاف الى ذلك نسبة البطالة العالية في صفوف طبقتنا... التي قسمتها الى قسمين: قسم العاطل عن العمل وقسم العامل في المؤسسات والمعامل... ولكن كل هذه القضايا وهي واقعية وموجودة علينا ان نتغلب عليها على رغم صعوبتها, من هنا نصل الى اصل القضية بالنسبة لنا كحزب وكقيادة لهذا الحزب.
ان القضية او العائق الرئيس امام تنظيم الطبقة هو عدم تكملة بناء التحزب الطبقي لها... ان الحزب الشيوعي العمالي هو الحزب الوحيد الذي بامكانه ان يعلب هذا الدور, بامكانه ان يتموضع في خضم النضال الطبقي, اي يتموضع كلجان شيوعية , يتموضع كقائد لهذا النضال ولهذه الحركة, حينذاك بامكانه ان يتغلب على المعوقات التي ذكرناه اعلاه. ولكن قبل كل شئ يجب ان يتغير الحزب وتتغير قيادة الحزب, هذه هي القضية, يتغير وفق هذا المعنى ويتغير وفق هذا الاسلوب من العمل والتنظيم والسياسة. بدون هذا التغير ليس بامكاننا ان نتحدث عن التغلب على المعوقات الاخرى.
الى الامام: كيف يرد الحزب على هذه المعوقات؟
سامان كريم: اجابتي على السؤال هذا موجودة أعلاه. ولكن بامكاني ان أشير الى عدد من المسائل "الادارية والفنية والسياسية" الاخرى التي من الممكن ان يقوم بها الحزب...لمساعدة الحركات العمالية المختلفة او التعاضد معها. تقوية التضامن بين القطاعات المختلفة مثلا في حالة الاضرابات او التظاهرات العمالية, كسب التضامن المعنوي والسياسي للحركات العمالية من الخارج مثل ما نقوم به الان لعمال النفط في الجنوب, مساعدة قطاعات مختلفة من العمال للنشر في الجريدة مثلا... توفير الاجواء الامنية المناسبة للقادة العماليين في حالة ملاحقتهم او في حالة وجود خطورة على حياتهم... هذه كلها مسائل ومسائل مهمة ولكن بدون تحقيق الامر الاهم الذي ذكرناه في المقطع الاخير من جوابنا لسؤالكم اعلاه ليس بامكاننا حتى ان نحقق هذه المسائل بصورة مجدية.
21 / 2 / 2013
#سامان_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟