|
قراءة في البيان الأخير لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا
إبراهيم إستنبولي
الحوار المتمدن-العدد: 1162 - 2005 / 4 / 9 - 12:26
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الكل يعلم أن سوريا تعيش لحظة تاريخية بالغة الدقة و فائقة الحساسية .. إذ لم يعد خافياً على أحد أنها تلوح في الأفق مخاطر كبيرة تتهدد ليس النظام في سوريا ، بل و البلد ككل دولةً و شعباً .. فلا يتوقع أحد أن يكون المخطط الإمبريالي – الصهيوني تجاه سوريا رحوماً و لا أن تكون نوايا المتربصين بسوريا شفوقة . لكل ذلك نقول : إن اللحظة الحالية شديدة الحرج و إن الظروف المحيطة بنا معقدة لدرجة تتطلب من الجميع الارتفاع إلى مستوى المسؤولية التاريخية لمجابهة التهديدات ، التي( لا قدر الله ) لو حصلت فإنها ستطال الوطن ، كل الوطن ، و لن تبقى جهة في منأى من نتائجها . و بالتالي ، إن بيان جماعة الإخوان المسلمين الأخير الذي صدر في لندن بتاريخ 3 نيسان الجاري ، كان يمكن له أن يندرج ضمن هذا السياق .. و هو هكذا بالفعل ..لولا أنه ... سأحاول توضيح وجهة نظري كمواطن سوري يتحسس الخطر الداهم الذي يحيق بالوطن ليس أقل من واضعي البيان المذكور . أولا ، إن البيان و منذ السطر الأول يبدو كما لو أن واضعيه إنما يطلبون شهوداً على صدق نواياهم و على انهم قد فعلوا ما يوجبه الشرع عليهم ( .. إلى الشهود من أبناء امتنا العربية و الإسلامية ... ) . ثانياً ، إن البيان إذ يقف على خطورة الموقف و جسامة اللحظة و إذ يوصّف الظروف الدقيقة و المخاطر التي تهدد الجميع .. و بعد أن يتوجه إلى الجميع : .. نداء لا يستثني أحدا : رئيساً ، أو حكومة ، أو حزباً أو جيشاً ، أو أجهزة أمن ... الخ . و بعد أن يطالب البيان : .. بأن يستشعر كل واحد مسئوليته .. و ينذر بأن حزب البعث الحاكم خلال أربعين سنة سيتحمل – وحده – وِزرَ الدمار ، الذي سينزله بالوطن و الأمة .. و هلم جرا . ثم هذه العبارة المبهمة و الملتبسة جداً : .. و توشك شمس الحرية أن تشرق على العالم ؟ .. و تصبح الشعوب هي صاحبة القرار ؟ ... ( الاستفهام هنا لكاتب هذا المقال ) .. إلى أن يصل البيان إلى مقترحه الأساسي ألا و هو : عقد مؤتمر وطني شامل لا يستثني أحداً ، و لا يلغي أحداً يمثّل كل التيارات و الأطياف و الطوائف و الأعراق .. الخ . يضع هذا المؤتمر برنامج عمل وطني للإنقاذ و التغيير يبدأ من إلغاء المادة الثامنة من الدستور ، ووضع قانون عصري للأحزاب وتحديد موعد لإجراء انتخابات حرة نزيهة لجمعية وطنية تأسيسية ، تحت إشراف هيئة محايدة لصياغة دستور يلبي متطلبات المرحلة .. وولادة جمهورية دستورية ديموقراطية .. و إلى أن ينعقد هذا المؤتمر الوطني العتيد ، خلال فترة ينبغي ألا تتجاوز ثلاثة اشهر ، لا بد من اتخاذ بعض الخطوات السريعة على طريق تأكيد الجدية .. الخ ( بالمناسبة تجدر الإشارة إلى أن الأمور الأساسية ، التي يطالب بها البيان لا تختلف عن المطالب التي تنادي بها مختلف القوى السياسية المعارضة في داخل سوريا بما فيها منظمات المجتمع المدني و منظمات حقوق الإنسان أو بيانات المثقفين السوريين– و منها بالتحديد إلغاء حالة الطوارئ و كافة الأحكام العرفية و المحاكم الاستثنائية و إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين دون استثناء .. ) . لكنني سأتوقف عند بعض النقاط التي أرى أنها تضعف من قوة البيان( الذي أريد له أن يكون عقلانياً و يتفق مع التحديات التي تواجهها سوريا ) و تجعله ناقصاً لناحية توفر الإرادة السياسية الجادة و الهادفة إلى صياغة و تشكيل الجبهة الوطنية المنشودة ، حسب البيان . و من هذه النقاط الآتية : ما جاء في البند الأول لناحية المطالبة برد المظالم لأصحابها و بالكشف عن مصير المفقودين و رد الاعتبار الوطني لهم و التعويض عليهم .. إنني أعتقد أن هذا المطلب ( على الرغم من عدالته ) هو سابق لأوانه لأنه يتطلب جهوداً ليست قليلة ، كما إن الأمر يطرح سؤالاً حول الجهة المخولة النظر في هذا الملف بكل تشعباته وبكل حساسيته . فإذا كان البيان يرى أن إنقاذ الوطن لم يعد يحتمل التأجيل .. أو الترحيل إلى مؤتمر قطري ( و هذا صحيح ) .. فإنني أعتقد أن طريق إنقاذ الوطن يجب أن يحتمل ترحيل هذا الملف– ملف المفقودين و ما يرتبط به إلى ما بعد المؤتمر الوطني ، الذي يدعو إليه البيان ( و هذا هو الصواب ) .. ثم يؤكد واضعو البيان على ضرورة طرح مشروع وطني لمكافحة الفساد : السياسي ، الإداري و الاقتصادي .. و محاسبة كل الذين تصرفوا برغبات فردية مستغلين الموقع العام .. هؤلاء ، الذين تمكنوا – في غفلة من الشعب – من منظومة القيادة في سوريا ، من أعلى الهرم حتى قاعدته ؟؟!! ( الاستفهام و التعجب لكاتب هذه القراءة ) : مَن هي الجهة و من هم الأشخاص الذين سيقومون بمكافحة الفساد بشتى أنواعه ، و ما المقصود و من المقصود بأولئك الذين تمكنوا – في غفلة ... الخ - هل المقصود هم أعضاء قيادة حزب البعث الحاكم و مجلس الشعب بمختلف دوراته و أعضاء القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية ، أم المقصود هو الشخصيات القيادية في الجيش و القوات المسلحة و الأجهزة الأمنية ؟! إذا كان البيان يقصد هؤلاء – فأين الجدية في طرح موضوع الحوار من اجل إنقاذ الوطن .. لأنه مع مَن سيكون الحوار عندئذٍ .. لماذا يبدأ البيان إذن بالتوجه إلى الجميع بمن فيهم صناع القرار و قادة الأجهزة الأمنية... الخ . لا أظن انه يمكن وصف البيان هنا بالجدية و بالنية الحسنة ، هذا إذا لم نرغب بتحميل الكلام هنا ما يمكن أن يفهم على انه هروب أو محاولة وضع شروط للحوار مع النظام ( المأزوم و المرتبك – حسب رؤية واضعي البيان .. و التي قد لا تتفق مع رؤية أركان النظام ؟! ) . هذه الفقرة هي بمثابة العصا في عجلة الحوار . إنني كمواطن يتحسس الأخطار التي تحيق بالوطن ككل أرى انه من الأفضل الاقتداء بتجربة بعض البلدان ، التي انتقلت من نظام الحزب الواحد إلى دولة التعددية ( بلدان الكتلة الشرقية – المبدأ الأساس هو : عفا الله عما مضى - خصوصاً بما يتعلق بما لحق من ضرر بالاقتصاد و بالمال العام .. و لنتذكر ما جرى في روسيا سواء على يد غورباتشوف أو يلتسين .. ) .. إن بناء الأوطان يحتاج إلى نفس طويل و بعد نظر و فكر نيِّر . و لنا في تجربة روسيا ( و غيرها ) في عهد الرئيس ف . بوتين أسوة حسنة . ثم يتوجه البيان بالنداء : ... إلى أبناء الطائفة العلوية ، شركائنا في الوطن و المصير ، ليقفوا صفاً واحداً مع أبناء شعبهم ...؟! هذه الصيغة ليست دقيقة .. و كأن أبناء الطائفة العلوية ليسوا واقفين مع أبناء شعبهم .. و كأنهم ، أي أبناء الطائفة العلوية يسبحون في بحر من نعيم النظام و يعيشون في جناته .. أو كأنهم لم يعانوا و لم يزالوا يعانون من حيف النظام و من ظلمه .. و كأنه لم يعان ِ المئات من أبناء الطائفة العلوية من السجن و الحرمان و البطش بسبب انتمائهم إلى منظمات يسارية و شيوعية ( سواء مَن كان ينتمي إلى جماعة رياض الترك ، و رابطة العمل الشيوعي و البعث الثوري و غيرهم بما فيهم أعضاء لجان الدفاع عن حقوق الإنسان ( جماعة أكثم نعيسة و رفاقه ) .. و اغلبهم لا زال محروماً من ابسط حقوقه المدنية . باختصار ، إن هذه الفقرة تحمل شكوكاً في ولاء أبناء الطائفة العلوية للوطن لصالح ولائهم للسلطة . وهذا غير صحيح و غير عادل . و يجب الكف عن هذا النوع من الخطاب الذي يكرره البعض تارة من موقع المعارضة " اليسارية " و تارة أخرى من قبل ممثلي المعارضة " اليمينية " .. إن هذا لا يليق بمن يريد بناء وطن . تنويه : لقد رأيت أن من واجبي الخوض في هذه التفاصيل ( و أنا اعتبر نفسي فوق تلك السفاسف ) لكي لا يتكرر الأمر و نحن على أبواب مرحلة ستشهد ( من قبل أعداء سوريا ) تركيزاً على خطاب طائفي و مذهبي .. إن هكذا خطاب هو أكثر ما يخدم مصالح المتربصين بسوريا . و في مقدمتهم إسرائيل ، التي تبحث عن مشروعيتها الكاملة في المنطقة .
#إبراهيم_إستنبولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة أربعين اغتيال الرئيس الحريري : انطباعات مواطن سوري
-
بوريس باسترناك - الكاتب و الشاعر الفيلسوف
-
أيتها الوَحْدَة ، ما اسمك ؟
-
لماذا 8 آذار – هو عيد المرأة العالمي ؟
-
من الأصوات الشعرية الروسية المعاصرة : اناتولي فيتروف
-
تداعيات و خواطر .. ع البال
-
امتنان و فكرة .. و سؤال
-
تمنيات مواطن سوري في العام الجديد
-
تطورات الروح - من تعاليم التصوف
-
متى ستزور - لحظة الحقيقة .. - اتحاد الكتاب العرب ؟
-
كلمات رائعة .. - باقة - لنهاية العام 2004
-
سوريا تتسع للجميع - حول إغلاق حانة في دمشق
-
أشعار حزينة من روسيا - للشاعر ايفان غولوبنيتشي
-
الصحافة الإلكترونية .. و الأخلاق الحوار المتمدن مثالاً يُحتذ
...
-
لماذا أخفقت حركة المجتمع المدني في سوريا ؟ وجهة نظر على خلفي
...
-
على نفسها جَنَتْ براقش .. هزيمة جديدة لروسيا .. في عقر دارها
...
-
كل عـام و العالـم مع .. جنون أكثر - خبطة آخر أيام العيد
-
عــام عــلى رحيــل رسول حمزاتوف
-
تعليق على تعليق سناء موصلي ...
-
مارينا تسفيتاييفا - شاعرة الحب و المعاناة
المزيد.....
-
متحدثة البيت الأبيض: أوقفنا مساعدات بـ50 مليون دولار لغزة اس
...
-
مصدر لـCNN: مبعوث ترامب للشرق الأوسط يلتقي نتنياهو الأربعاء
...
-
عناصر شركات خاصة قطرية ومصرية وأمريكية يفتشون مركبات العائدي
...
-
بعد إبلاغها بقرار سيد البيت الأبيض.. إسرائيل تعلق على عزم تر
...
-
أكسيوس: أمريكا ترسل دفعة من صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا
-
ميزات جديدة لآيفون مع تحديث iOS 18.4
-
موقع عبري يكشف شروط إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي السورية ب
...
-
مصر.. -زاحف- غريب يثير فزعا بالبلاد ووزيرة البيئة تتدخل
-
تسعى أوروبا الغربية منذ سنوات عديدة إلى العثور على رجال ونسا
...
-
رئيس الوزراء الإسرائيلي: ترامب وجه لي دعوة لزيارة البيت الأب
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|