|
عشر سنوات على حرب (تحرير ) العراق-تحليل سيكوبولتك
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 4040 - 2013 / 3 / 23 - 09:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(1-4)
توطئة تتعدد مسميات ما حدث في 9/4/2003 بحسب الأهواء السياسية بين:سقوط،تحرير،غزو،احتلال...وهي أمور لا تعنينا نحن المتخصصين بعلم النفس الاجتماعي والسياسي بقدر ما يعنينا استخلاص دروس علمية من هذا الحدث الأكبر،في مجالات العلوم والمعرفة المختلفة : السياسية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية والدينية والثقافية والاخلاقية،على صعيد الفرد بوصفه انسانا والجماعات والمجتمع والسلطة ..والعلاقات التي تحكم هذه الأطراف ، وكيف تنشأ الصراعات والى ماذا تفضي ، والعنف والضغوط النفسية وقوة تحمل الشخصية.. وما الى ذلك من امور من قبيل ما يحصل للقيم والنسيج الاجتماعي من تخلخل او انهيار كالذي حصل لقيمة الحياة التي كانت مقدسة في المجتمع العراقي ،وانتهكت بعد هذه الأحداث واسترخصت لدرجة ان عدد الضحايا الأبرياء بلغ الالاف في الشهر الواحد بين عامي 2005 و2007 ،وتزايد التفجيرات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2013،وقيام التظاهرات التي بدأت في الانبار والموصل وسامراء..نهاية عام 2012 واستمرارها في الأشهر الأولى من عام 2013،وتأزم العلاقات بين الكتل السياسية ،حتى بات الوضع ينذر بكوارث جديدة مع ان عشر سنوات كانت تكفي لقيام دولة مؤسسات مدنية وبناء عراق جديد يمتلك كل مقومات الرفاهية. وكانت اوجع الكوارث الاجتماعية:تهرؤ الضمير والأخلاق وشيوع الفساد والتعامل معه بوصفه شطارة وليس خزيا،واسقاط قدسية "النضال" عن الذين كانوا في "المعارضة"وتولوا السلطة،وسقوط هيبة السياسي من الاعتبار الاجتماعي بعد ان تبين ان معظم الذين جاءت بهم امريكا الى السلطة والذين جاءت بهم الجماهير المخدّر وعيها بـ"افيون" الطائفية والعشائرية الى البرلمان ،قد خذلوا الناس وتركوا ربع الشعب تحت خط الفقر فيما هم اشتروا البيوت الفاخرة والفلل الخرافية في عواصم عربية واجنبية ومدن سياحية مثل اسطنبول وشرم الشيخ. ان علماء النفس في البلدان المتقدمة يعمدون الى اجراء التجارب على الفئران في المختبر لمعرفة كيف تتصرف حين تعرّض الى موقف ضاغط لنستفيد من نتيجة التجربة فيما لو تعرض الانسان الى موقف مماثل .وقد يجرون احيانا تجربة على انسان او مجموعة من افراد (ضمن حدود الاخلاق ) ليعرفوا مدى قدرتهم على تحمل ضغط معين مثلا . وما حصل بعد 9 / 4 / 2003 أن العراق صار بكامل ارضه مختبرا لاجراء تجارب ميدانية فريدة من نوعها على 30 مليونا من البشر، من كل الأعمار وكل المتغيرات الاجتماعية والثقافية والنفسية...لا يمكن تأمين مواصفاتها في مختبر حتى على الفئران . وكان على علماء النفس والاجتماع – لاسيما المتخصصين منهم في علم النفس والاجتماع السياسي – دراسة ما يحصل للطبيعة البشرية والمجتمع ،ليس فقط في ظروف حرب شاملة باسلحة تدميرية هائلة ليس في مفردات قاموسها "احترام قيمة الحياة"، انما ايضا ما ينجم عنها من ضحايا وهجرة وتهجير وفقر وبطالة وتفكك اسري وتعصب بانواعه، وصراعات على المصالح والهويات ،وعنف وقتل في مشاهد لا يستوعبها عقل ولا يهضمها منطق . في الآتي دروس لا يدعي الباحث أنها مستوفية لشروط البحث العلمي،لكنه عايش الأحداث من بداية وقوعها الى أطول خميس في حياة العراقيين(20 آذار – مارس 2003) الذي اطلق على بغداد في ليلته (72)صاروخا من نوع كروز شاركت في اطلاقها غواصة بريطانية..وكانت ليلة مرعبه..رهيبة ..لن ينسها من عاشها،الى يوم نهبت المؤسسات المحيطة بسكن الباحث :وزارة العدل، الاذاعة والتلفزيون،المتحف العراقي، وزارة الأعلام..وصولا الى تظاهرات 2013وما نجم عنها من تحولات ايجابية (توحّد سنّي شيعي ضد الطائفية) وأخرى سلبية ملغومة بالشر للعراق والعراقيين. وكان الباحث في هذه الأحداث أشبه بفأر التجارب..لكنه كان الباحث والمبحوث في آن معا.ولأن لديه خبرة جامعية وبحثية تزيد على ربع قرن،فأن لديه ظن بنفسه أنه قادر على استخلاص (نظريات او فرضيات)علمية ترقى الى ان تقدم لىعلماء النفس والاجتماع في العالم العربي بشكل خاص والجامعات ومراكز البحوث العالمية،لدراستها واعتمادها في ادبياتهم بوصفها اضافة معرفية جديدة من باحث عراقي..فنحن اعتدنا قبول فرضيات او نظريات تأتينا من باحثين اجانب فيما نستكثر او لا نكترث بما يقدمه العقل العراقي..ليس على صعيد السلطة فحسب،بل واهل الصنعة ايضا. فضلا عن أن هذه الدروس تتضمن أفكارا وتحليلات جديرة بأن يتناولها الباحثون بالنقد والتحليل الأعمق والأشمل( وحبذا لو تتبناها جامعة عراقية ) لتشكل وثيقة علمية تؤرخ،اجتماعيا ونفسيا وسياسيا، لواحدة من أصعب المراحل التي مرّ بها العراق في تاريخه الذي ينفرد به ليس فقط بمنجزاته الحضارية انما في حروبه وفواجعه ،وأزماته التي شغلت الناس والسلطة عن العلم والعلماء. **** الدرس الأول: الحاجة الى البقاء. ما حدث في المجتمع العراقي بعد 9 نيسان /ابريل 2003 يقدم لنا فرضية نفسية عن الطبيعة البشرية نصوغها على النحو الآتي : " اذا انهارت الدولة وتعطّل القانون وصارت الحياة فوضى ..شاع الخوف بين الناس وتفرقوا الى مجاميع أو أفراد تتحكم بسلوكهم الحاجة الى البقاء..تظطرهم أن يلجئوا الى مصدر قوة أو جماعة تحميهم ، ويحصل بينهما ما يشبه العقد ، يقوم على مبدأ الحماية المتبادلة ".
كان هذا هو التحوّل السيكولوجي الأول الذي حصل للعراقيين بعيد مزاج الفرح الذي شاع بين معظمهم بالخلاص من الدكتاتورية. وكان شيئا أشبه بالخيال ان يستيقظ العراقيون صباح التاسع من نيسان وقد وجدوا انفسهم انهم تخلصوا من كابوس رهيب جثم على صدورهم اكثر من ربع قرن . والكل يتذكر ذاك الرجل الذي مسك صورة صدام صباح ذلك اليوم وهو يضربها "بالنعال" ويخاطب العالم بانفعال :ياناس ياعالم هذا مجرم دمّر العراق وقتل العراقيين ، وأوصل رسالة عفوية –للعرب بشكل خاص –أنهم لم يدركوا بشاعة ما جرى للعراقيين على يديه .
كان فرح العراقيين معجونا بدهشة أن ما حصل يصعب تصديقه .فللمرة الأولى في تاريخهم يفرح العراقيون بالقضاء على حاكم دمّر وطنهم وأذلّهم وقتل أبناءهم في حروب حمقاء وفي سجون مظلمة وفي الشوارع بوضح النهار .وكان هو الحاكم العراقي الوحيد في تاريخ العراق الذي سجل أعلى الأرقام في ترمّيل النساء وتيتيم ألأطفال وفي جعل المهندسين خريجي الجامعات يبيعون (اللبلبي)في الشتاء و(الموطه ) في الصيف في صنعاء وعمان وهم أبناء أغنى بلد في العالم!. غير أن مزاج الفرح هذا لم يدم سوى أيام .لم يعلم العراقيون حينها ان الذي سقط ليس نظام صدام حسين فقط انما الهوس الامريكي اسقط الدولة بكاملها . ويعلمنا الدرس أن خيمة الدولة اذا سقطت (حتى اذا كان نظام الحكم فيها دكتاتوريا ) ولا توجد خيمة اخرى تجمع أهل الوطن فان الناس يصابون بالذعر مدفوعين بـ " الحاجة الى البقاء " فيتفرّقون بين من يلجأ الى عشيرة أو مرجعية دينية، أو تجمع مديني أو سكني، أو تشكيلات سياسية أو كتل بأية صفة كانت.وهذه خاصية يشترك بها مع الحيوان ايضا حين يتعرض الى خطر فيهرب الى مكان يأويه مدفوعا بالحاجة الى البقاء.ولدى العراقيين مثل يضربونه على تصرف الناس حين يداهمهم خطر لا يقدرون عليه فيفرون :"كلمن يقول ياروحي". والذي زاد من مشاعر الخوف بين الناس، وتوزعهم على مرجعيات اجتماعية وقومية ودينية لا حصر لها، أن مزاج الفرح بسقوط الدكتاتورية امتزج بمشاعر الألم والمرارة التي تدمي القلب بتعرض بغداد الى النهب والسلب وحرق مؤسسات الدولة بشكل لم تشهد له مثيلا في أحداث تاريخ نهبها التي زادت عن العشرين. وكان أن اتسعت الكارثة بشكل جنوني لدرجة أن الوطن كلّه صار ينهب من قبل أهله!*.
من هنا بدأت " ثقافة الاحتماء " وحصل تحوّل سيكولوجي خطير، هو أن الشعور بالانتماء صار الى المصدر أو القوة التي تحمي الفرد، فيما تعطّل الشعور بالانتماء الى العراق وتحول الى ولاءات لا تحصى. ومما سهّل على العراقيين التخلي عن انتمائهم الى العراق، هو أن النظام السابق ساوى في الانتماء بين العراق ــ الوطن ، ورئيس النظام ( صدام حسين هو العراق ). وثقّف الناس على مدى ربع قرن عبر قنواته الإعلامية ومؤسساته التربوية والكوادر الحزبية بهذه المعادلة التي تختزل وطنا بحضارات عريقة وشعبا بقوميات وتنوعات مختلفة في شخص رجل واحد..وانه عندما سقط رئيس النظام واختبأ في حفرة تحت الأرض، انهارت تلك المعادلة نفسيا"، فتوزع الــ " 30 " مليون عراقي الى ما قد يزيد على المليون انتماء. ولعل الدرس البليغ هنا هو أن الدكتاتور أو الطاغية أو الحاكم الذي يكرهه شعبه ، اذا أطيح به من قبل قوة خارجية ولم يطح به أهله ،فان الناس يفتقدون " البطل " الوطني الذي تطمئن اليه قلوبهم ويمنحهم الشعور بالأمان ، فيما يتملكهم الشعور بالخوف وتزايد القلق بعد صحوتهم من فرحة الخلاص من جلادّهم التي "جادت " بها عليهم القوة الأجنبية ، فيتفرقون ويصيرون أمام واقع نفسي جديد، هو: (إن الولاءات المتعددة في المجتمع الواحد ، الذي ينهار فيه انتماء يوحّده طوعا" أو قسرا" يفضي الى أن تتصارع فيما بينها على السلطة ، حين لم يعد هناك دولة أو نظام.) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ • بوصفي شاهد عيان، فأن مؤسسات الدولة تعرضت للنهب في 8/ نيسان / 2003 وليس التاسع منه. ففي صباح ذلك اليوم كنت أرى ،من شباك شقتي بشارع حيفا أربع دبابات أمريكية تربض في الصالحية بجوار تمثال الملك فيصل الأول، وجرى نهب ممتلكات وزارة العدل التي لا يفصلها عن هذه الدبابات سوى رصيف الشارع. .على مرأى و " تشجيع " من الجنود الأمريكان . فيما بدأت الحرائق في بغداد في 12 نيسان 2003، إذ شهدت اشتعال النار في الطابق العلوي من بناية البنك المركزي العراقي، وفي الركن الأيسر الأرضي من مبنى وزارة العدل ، وفي مبنى الإذاعة والتلفزيون ومبنى وزارة الإعلام. وكنت أرى من على سطح العمارة التي اسكنها في شارع حيفا، الحرائق حيثما أدرت وجهي في سماء بغداد.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حذار من الترامادول
-
الناخب العراقي..من سيكولوجيا الضحية الى سيكولوجيا التردد(1-3
...
-
حذار من اليأس..سنة خامسة
-
الشك بين الأزواج
-
التستر على المرض العقلي
-
الشخصية الفلوجية
-
ثقافة نفسية(75): الشعور بالذنب..والضمير
-
العشائر العراقية..قراءة في ازدواجية المواقف
-
الحكومة تريد..اسقاط الشعب!
-
الطلاق.. صار يوازي الارهاب!
-
ايها السياسيّون..كلكّم أحول عقل!
-
من عام النكد الى عام الرهان على العراقيين
-
سيكولوجيا الكذب
-
الصعاليك
-
رسالة الأقليم الى العرب المقيمين فيه
-
يستر الله..المسألة معكوسة!
-
ثقافة نفسية(74):نصائح للمعلمين والمعلمات..مع التحية
-
نظرية عراقية
-
ثقافة نفسية(73):رثاء الذات
-
عفيفة اسكندر..الصورة الأخرى
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|