مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)
الحوار المتمدن-العدد: 1161 - 2005 / 4 / 8 - 12:18
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
إهدار السياقات الجريئة والنابذة لركود العقل والمدارك في كتابات بعض المبدعين والمثقفين العرب يبدو هو الحل الأنجع من قبل أشباه المثقفين المعتاشين على موائد السلطان والضاربين بسيوفه . فالممارسة الثقافية المتحللة من تقاليد العقلانية والديمقراطية , المرتهنة إلى بيع الذمم والضمائر , أسهمت في بلورة صورة غريبة محض عن المثقفين والكتاب والمفكرين والتنويريين .
في أحسن الأحوال يتعرض هؤلاء المثقفون الديمقراطيون إلى حرب شعواء , تريد إسكاتهم , وخلخلة رؤاهم الكتابية , وخلق مدارات قاتلة من اليأس والقلق والإحباط حولهم , وذلك لإركاعهم وترويضهم وتدجينهم وتحويلهم بعدئذ إلى سدنة للهيكل العنكبوتي القومي ومطبلين للفكر الأحادي .
هكذا ببساطة تتقمص طائفة لا بأس بها من المثقفين العرب أدوار رسل القومية العربية, مبشرين بغد مشرق خال من القوميات الأخرى في الجوار , أو في الداخل , ناسين أو متناسين أن العوالم العربية تعيش في بيوت زجاجية مرئية مكشوفة للجميع , لاسيما في ظل سطوة وهيمنة المعرفة والتقانة في العالم المتحول إلى عالم بلا خرائط .
لا يختلف الكثير من الثقافويين العرب عن الأنظمة التوتاليتارية العربية في رؤيتهم للمسائل المزمنة والحلول المقدمة لها . بل كثيرا ما يكون الإرهاب والقمع الفكري والثقافي أشد بكثير من ممارسات الأجهزة القمعية للدولة البوليسية , فيتحول الآخرون هكذا وبجرة قلم إلى خونة , مرتزقة , متآمرين , منشقين , انفصاليين , ولتقتل أية إمكانية في العيش على أرضين منفصلتين وتحت سماء واحدة .
وإذا كانت الأنظمة القومية العربية تتهاوى بسرعات خاطفة , والتيارات القومية العربية منتكسة وخجولة , لمجموعة انهيارات سياسية وعسكرية , فان طائفة هينة وبسيطة ليس لها أي اعتبار حتى في الأوساط الثقافية التي ينحدرون منها , تنصب نفسها كحراس للمعبد القومي ويستلون سيوفهم الصدئة للدفاع عن المعقل الأخير للفكرة القومية .
انطلاقا من ذلك لا نستغرب تنامي واستفحال عقد إقصاء الآخر وتجلياته المؤذية لدى بعضهم . فهم مواكبون للرؤية الإيديولوجية وصائغون بارعون لخطابها الاستهلاكي المتهافت في مقاربته للمسائل السياسية –الاجتماعية – الاقتصادية الثقافية .
فماذا يضير " جمال الدين الخضور " كتابة الآخرين لهواجسهم ورؤاهم التي تفتعل بدواخلهم . أم أن انقياده الأعمى لهمجية الماكينة الإيديولوجية للأنظمة الشمولية يدفعه دفعا للارتزاق من فضلات مائدة السلطان وأولي الأمر .
يستنكر " الخضور " على " سعدي يوسف " كتابته عن كردستان العراق التي زارها , ويصب حمم قصوره الحضاري وشوفينيته الآلية , التلقائية على رفيق في الخندق الكتابي . وهو يدرك أن " سعدي يوسف " لا يسعى وراء مكاسب وامتيازات , إنما يستجيب لنداء الديمقراطية بداخله وهو الذي يوجهه , فان كان مثل شاعر الدعاوى الإيديولوجية والمكاسب المتأتية من الضرب بعصا السلطان , لما عرف المنفى والبعاد عن وطنه العراق , ولتربى في كنف النظام البعثي العراقي مدللا ومغنجا . لكن الموقف ( موقف الشاعر من العالم ) , ذلك النبل الأخلاقي هو الذي يخليه يقدم الاعتبارات الديمقراطية والعقلانية والإنسانية على كل اعتبار آخر .
الهجاء والسخرية والتحامل البغيض هي المانشيتات العريضة في كتابة الخضور تلك . فهو يبعث بتهانيه الحارة ( ساخرا ومستهزئا ) إلى سعدي يوسف > ( من مقالة جمال الدين الخضور في مجلة الناقد , العدد 65 بعنوان : العقل المقلوب ..عن السقوط في برميل النفط .) .والمقصود بهذا المجلس , مجلس الوزراء في إقليم كردستان العراق . ويرى أن هذا المجلس لم يباركه إلا >. ( المرجع السابق )
وهكذا تختزل كردستان بثوراتها وثوارها وشهدائها إلى مجرد علبة " كوكا كولا " برعاية أمريكية وأوروبية وتركية وكل الديمقراطيات الأخرى المنتشرة في العالم .
انه مثال بسيط على العقل الأجوف , المليْ بالقمامة , المغلق , والذي يستحق الحجر عليه , لأن هكذا كتابة مقهوية ( نسبة إلى المقهى ) تعيش على إزاحة القيم الفكرية والإتيان بالمسوخ اللفظية .
يتابع " الخضور " كتابته المتشنجة ليفّج رأس الأكراد أيضا , ولتتحول انتفاضة 1991 الكردية إلى عملية انتحار للشعب الكردي على حد زعمه . يقول :
<< لكنني لم أدرك عن أية انتفاضة تحدث هذا الشاعر الجليل – ربما بسبب جهلي – هل قصد الانتفاضة التي سحقت الفقراء والأشراف من أبناء شعبنا الكردي >>. ( المرجع السابق ) .
يحتاج الخضور إلى زمن طويل ربما ليبارح جهله المزمن وقصور وعيه , وليتعرف على هذه الانتفاضة التي قام بها الأكراد . وهو مدعو إلى التعرف على هذه الانتفاضة ودوافعها وأسبابها , بل هو مدعو قبل ذلك إلى التعرف على الأكراد كشعب , وعلى قضيته التي هي قضية ليست إنسانية فقط ومشروعة , وإنما هي تمثل أحد المفاصل الأساسية لتاريخ وجغرافية وثقافة المنطقة , ولا يمكن للتحول الديمقراطي أن يتم دون حل هذه القضية .
ويمضي صاحبنا الملتاث في عقله ليرى أن، الانتفاضة << هبت في ظروف موضوعية وذاتية غير ملائمة إلا لشيْ واحد هو تقسيم بلاد الرافدين >>.( المرجع السابق )
لا ندري ماهي الظروف الموضوعية والذاتية المثلى لكي يهب شعب في ثورة هي عمليا واجب عليه وحق من حقوقه ؟.
هل يقصد بتلك الظروف الموضوعية والذاتية انتظار رحمة ديناصورات بغداد والاستسلام لآليات القمع البوليسي والأيديولوجي والمجازر الجماعية وعمليات التهجير المليونية والابادة بمبيدات الحشرات مثلا .
هل يريد لنا – الخضور – التحول إلى قنافذ بائسة في مهب الحذاء القومي العربي . أم يقصد بتلك الظروف الموضوعية والذاتية , اللجوء إلى مفاوضات ماراتونية مع نظام لا يعترف بالآخر أبدا , والطريق إلى الديمقراطية لديه يمر دائما عبر غرف الغاز وأحواض الأسيد .
أما العبارة البدعة " تقسيم بلاد الرافدين " فهي عبارة سخيفة ومملة ومقرفة وباعثة على القيْ . وهي بمثابة حصان طروادة للقوميين العرب . لماذا ؟.
في العراق , أعني في بلاد الرافدين – لكي يفهمنا الخضور أكثر – دائما للمعادلة السياسية والقومية طرفان : الأكراد والحكومة المركزية . ودائما الأكراد هم الذين يثورون , وذلك لسبب بسيط وواضح وواحد , وهوأن جميع الحكومات العراقية المتعاقبة تنظر إلى العراق بمثابته كلا واحدا لا يتجزأ , ما خلا بعض الفترات العابرة كان يتم الاعتراف بالأكراد وذلك لاعتبارات تكتيكية محض . فليس الهاجس هو تقسيم بلاد الرافدين حين يقوم الأكراد بثوراتهم وانتفاضاتهم , وإنما الباعث والهاجس هو نيل حقوقهم المشروعة , والرغبة في الديمقراطية والتحول بنتيجتها إلى مواطنين من الدرجة الأولى أسوة بالعرب . ثم لماذا الخوف العربي وخوف الجوار العراقي من تقسيم العراق .؟. فمتى كان العراق يشكل وحدة عبر تاريخه القريب . ولن نبحث في التاريخ البعيد ما قبل الميلاد , لأننا ببساطة لا نعترف ولسنا مقتنعين بانتماء الكلدان والسومريين والآشوريين إلى العروبة , لأن حزب البعث العربي الاشتراكي لم يك حاضرا في الدولة / المدينة السومرية , وفي الدولة البابلية الأولى والثانية , والدولة الآشورية.
ويستطيع عزيزنا " الخضور " استفتاء الأحزاب الآشورية في العراق واستراليا وأوروبا عن مسألة انتمائها أو لا انتمائها إلى العروبة , فقط لئلا يكون حكمنا على مزاعمه جائرا.
إن صراع الأكراد مع حكومات بغداد موغل في القدم . فاعتبارا من النصف الثاني من القرن الثامن عشر كانت إمارات / بابان , سوران , بهدينان / تلعب دورا هاما على المسرح السياسي في المنطقة , وكانت تتبادل الانتصارات والهزائم مع ولاة بغداد, وكانت إمارات مستقلة في إدارة شؤونها وتتبع للسلطان العثماني اسميا".
وفي العقد الثاني من القرن العشرين << تأسست إمارة كردية في السليمانية برئاسة الشيخ البرزنجي تحت الإشراف البريطاني >>.( جلال الطالباني : كردستان والحركة القومية الكردية – دار الطليعة – بيروت .صــ67 ) .
وفي الفترة بين 11آذار 1970 و 6 آذار 1975 كانت كردستان العراق تتمتع بحكم ذاتي بناء على اتفاقية مع حكومة البعث . وفي الفترة بين 1991 والىا لآن تتمتع كردستان العراق باستقلالية كاملة في شؤونها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية .
فعن أي تقسيم للعراق يتحدث مثقف الوطنيات الغبارية " الخضور " ؟ ....
ثمة هشاشة في الوعي إذن . ثمة زيف معرفي نقدي يوجه هكذا خطاب سكوني , متهافت , منقاد . ثمة ادعاءات دونكيشوتية لا تتسق والواقع العياني الملموس في المنطقة . وفي أحسن الأحوال ليس هنالك ثمة قراءة مستندة إلى الجذر المعرفي التاريخي والانتقال منه إلى الاستنتاجات والتحاليل التي تأتي مجهضة قبل الأوان . لا بل تكون حاملا بفيروس القومجية العربية في استعلائيتها الجوفاء .
#مصطفى_اسماعيل (هاشتاغ)
Mustafa_Ismail#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟