|
جاك بيرك والعروبة
لطفي حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1161 - 2005 / 4 / 8 - 12:14
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
جاك بيرك: من مواليد الجزائر 1910، فرنسي الجنسية، أتقن العربية كأحد أبنائها وأقام في عدة بلاد عربية، وكانت إقامته في بكفيا في لبنان كمشرف على معهد تعليم العربية للمستشرقين آخر محطاته في البلاد العربية، حتى انتقل بعدها إلى باريس ليتولى كرسي "التاريخ الاجتماعي للإسلام المعاصر" في المعهد الفرنسي، ثم تقاعد عن العمل منصرفاً لترجمة القرآن الكريم لمدة 10 سنوات.. توفي عام 1995. لقد فهم بيرك الاستعراب على أنه حوار بين ثقافتين – الأوروبية المسيحية والعربية الإسلامية، ويؤكد أن منطقة المتوسط ستتحول إلى "بحيرة للمعنى" من خلال إعادة بناء الشراكة المتوسطية الأوروبية – العربية والحوار الديني المسيحي الإسلامي، وهو لا يخفي إيمانه المسيحي إلا أنه يؤكد أن السنين الطويلة (رغم حياته في البلاد العربية وتشبعه بالثقافة الإسلامية) قد بلورت رؤيته المسيحية للحياة والإيمان.. وينظر بيرك للحياة نظرة متفائلة ويرى أن الله يحب الحياة لأنه خلقها، ورغم عذاباتها وآلامها إلا أنها مصدر فرح وعزاء. وبرأيه أن فرح الحياة هذا هو الذي يمكن للإسلام أن يعيد بثّه في المسيحية بوصفه "دين الفطرة".. فالإسلام يحترم الطبيعة الإنسانية والمسيحية تحترم الشخص وتؤنسن الطبيعة فيتكامل المجتمع ليصل إلى جمال "أسطورة الأندلس". أدخل بيرك مصطلحات متعددة إلى الثقافة العربية كالثابت والمتحول، و"الإسلام المتوسطي" و"الأصالة والمعاصرة". ويمكن أن تعبر هذه المصطلحات عن تفكيره وطموحه الإنساني.. وإن عنوان مذكراته التي نشرها 1989 (بين الضفتين) يلخص سعيه الدائم للتوفيق والتقريب بين الضفتين "الإسلام المتوسطي" و"أوروبا المسيحية"، ويشرح بيرك نشوء "الإسلام المتوسطي" بقوله إن معاوية الذي احتكّ بالحضارة البيزنطية في بلاد الشام قد تأثر بها عميقاً ومعه بدأ "الإسلام المتوسطي" يكتسب ملامحه التي بلغت ذروتها أيام العباسيين، عندما صارت بغداد عاصمة الثقافة وساحة لقاء الحضارات. ويرى بيرك أيضاً أن مشروعه الثقافي هو إقامة أندلس جديدة أو مجموعة أندلسات جديدة حيثما التقت الحضارتان الأوروبية المسيحية بالإسلام طيلة سبعة قرون. أي التقاء الضفتين!! * * * أعجب بيرك بطه حسين وأفرد له دراسة عميقة خاصة عن جرأته العلمانية وتأثره بأبي العلاء المعري وابن خلدون الذي جعله موضوع أطروحة الدكتوراه في باريس. ويشير بيرك إلى عمل طه حسين الصادق بما يخص المعري وعلاقته الفكرية مع راهب مسيحي في طرابلس الشام، والذي أدرك هذه الجدلية في الفكر العربي وراح يبحث عن أساليب الجمع بين الطرفين حتى وجد في المتوسطية نقطة اللقاء بين الحضارتين المسيحية والإسلامية، وقدم طه حسين في هذه الفترة كتابه المشهور "في الشعر الجاهلي" كما كتب "مستقبل الثقافة في مصر"، وعندما حوكم من أجل كتابه الأول وتراجع عنه، شعر أن دوره الاجتماعي والسياسي وانفتاحه قد آذنا بالانتهاء.. بعدها تحول طه حسين إلى الدين ويتساءل بيرك: ألم يكن موت طه حسين العلماني هو نتيجة خيبة أمله في عبد الناصر؟! * * * وفي الحديث عن عبد الناصر فإن بيرك قد أعجب في السنين الأولى للثورة بانفتاح عبد الناصر على العالم، لكن أمله خاب بعد ازدياد القمع السياسي الناصري.. فكتب بيرك كتابه "مصر إمبريالية وثورة" منتقداً التيار الديني المندفع وانحسار التيار العلماني عند النخبة الثقافية كالعقاد وطه حسين وأحمد أمين والشرقاوي، وتشتت الأصوات الفكرية المنفتحة وهربها إلى الخارج. * * * ويلتقي بيرك فكرياً بأنطون سعادة مؤسس الحزب القومي السوري الاجتماعي في مفاهيم العروبة، وهو يفرق بين العروبة الوهمية والعروبة العملية، ويعترف بأن الوحدة العربية مستحيلة عملياً ليس فقط لاختلاف الأجناس بل أيضاً لاختلاف التركيبات الاجتماعية كما يرى سعادة أيضاً. ويعتقد أن التعددية من أساسات العالم .."ومن هنا جاءتني القناعة منذ بداية عملي بضرورة حوار الحضارات الأقرب إلى بعضها البعض". * * * يقول جاك بيرك في دراسة أسباب الأصولية ونشأتها: "بعد عصر السلطان عبد الحميد جاء الأخوان المسلمون كالخميني وأتباعه، وأبو الأعلى المودودي، وقدموا خطابات مختلفة عن بعضها لكنها تلتقي في الدعوة إلى الرجوع إلى الأصول، وبخاصة إلى القرآن، وإلى إعادة تأصيل القرآن باعتباره قادراً على تقديم الحلول للمشاكل التي يطرحها العالم المعاصر، وهم يطرحون ذلك في مواجهة المجتمعات التي وضعت نفسها منذ مئة عام في مدرسة الغرب ولم تحقق النجاحات المطلوبة.. فهل نشهد نهضة دينية؟ أم استخداماً سياسياً للدين". * * * كتب بيرك أربعين كتاباً جميعها عن العروبة والإسلام ما عدا كتابين وكان آخر كتبه "ويبقى هناك مستقبل"، وهو حوار طويل بعد إصداره الترجمة الجديدة للقرآن، يُعدّ وصيته الأخيرة.
#لطفي_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديزموند توتو وسجناء ربيع دمشق
-
مانديلا .. سيد قدره
-
-ساتياغراها- غاندي
-
الطوفان- إلى عارف دليلة
-
رياض الترك
-
ملف الأدب العربي الأميركي المعاصر -حسن نعواش
-
بحث في الأصولية الدينية
-
ملف الأدب العربي المهجري المعاصر - جون عصفور
-
ملف الأدب العربي الأميركي المعاصر
-
ليلة عشق
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|