|
أوباما إذْ جاء سائحاً!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4037 - 2013 / 3 / 20 - 10:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ولاياته الرئاسية الثانية والأخيرة، أبى الرئيس أوباما إلاَّ أنْ يَشْرَح لنا، ويُوضِّح، بنفسه ما معنى أنْ يكون، في قوله وفعله الرئاسيين، حُرَّاً من ضغوط جماعات الضغط اليهودية المتعصِّبة لإسرائيل، في الولايات المتحدة، وفي الكونغرس على وجه الخصوص، والتي (أيْ الضغوط) لا تَفْعَل فعلها إلاَّ في رئيس يرغب في ولاية رئاسية ثانية وأخيرة؛ ولقد شَرَح لنا، وأوضح؛ لكن بما ينبغي له أنْ يُقْنعنا بأمْرٍ من أمْرين: أنَّ لدى الرئيس أوباما، حتى في ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة من المصالح والحاجات ما يشدِّد لديه المَيْل إلى أنْ يستمر في الاستخذاء لضغوط تلك الجماعات، أو أنَّ انحيازه إلى إسرائيل هو جزء لا يتجزَّأ من "جلده السياسي والفكري"؛ فهل من المنطق في شيء أنْ ندعوه إلى الإتيان بمعجزة "الخروج من جلده"؟! وإنَّ لكم أنْ تختاروا هذا التعليل، أو ذاك، لشكل ومحتوى زيارة أوباما المرتقبة لإسرائيل، الدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، ولفلسطين، الدولة التي هي الآن في منزلة العضو المراقِب. البيت الأبيض شرع يتحدَّث عن الزيارة، فذَكَّرَنا بأمْرٍ ليس لدينا من أدلة الواقع إلاَّ ما يَصْلح لدحضه ونفيه؛ وهذا الأمر، على ما ورد في كلامٍ لمساعد مستشار الأمن القومي، هو أنَّ "السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ما زال مصلحة للأمن القومي (للولايات المتحدة)"؛ لكنَّ الرئيس أوباما الحريص أكثر من غيره على هذه المصلحة للأمن القومي لبلاده لم يَفْعَل في ولايته الرئاسية الأولى، ولن يفعل في زيارته الوشيكة، والتي بها دشَّن ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة، إلاَّ ما يَصْلُح دليلاً على أنَّ هذا السلام ليس بمصلحة للأمن القومي للولايات المتحدة، إلاَّ إذا كان سلاماً نستدلُّ على ماهيته وجوهره من "الرُّموز" التي تنطوي عليها زيارة أوباما لطرفيِّ الصراع، أو السلام. البيت الأبيض سَهَّل علينا المهمَّة (مهمَّة الفهم والتفسير والتعليل) كثيراً؛ إذْ كَشَف، أو اكتشف، أنَّ "السياحة التاريخية"، لا "السياسة التاريخية"، هي قَلْب وقالب زيارة أوباما، وأنَّ مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة تُخْدَم على خير وجه من طريق زيارة الرئيس أوباما لـ "المواقع التاريخية"، والتي يشهد التاريخ (الواقعي الحقيقي) نفسه على أنَّ "اليهودي" من هذه المواقع صلته بـ "الحقيقة التاريخية" كصلة "النَّقْد المزوَّر" بـ "النَّقْد الحقيقي". أوباما تجشَّم السَّفر إلى إسرائيل، وإلى متحفها، ليَطَّلِع بنفسه على "مخطوطات البحر الميت"، وكأنَّ غايته أنْ يزداد إيماناً واقتناعاً بضرورة أنْ يلبِّي الفلسطينيون شرط نتنياهو للسلام، وهو الاعتراف (أيْ اعترافهم هًمْ) بإسرائيل على أنَّها دولة يهودية، تعود الملكية القومية والتاريخية لأراضيها إلى "الشعب اليهودي" فحسب؛ فإنَّ في تلك المخطوطات يكمن شيء من حيثيات "الحق القومي التاريخي اليهودي"! وزيارة "المخطوطات" يجب أنْ تَكْتَمِل معنىً؛ وهذا الاكتمال يأتي من طريق زيارة "القًبَّة الحديدية" التي تقي الدولة التلمودية شرور أعدائها في قطاع غزة؛ فالإيمان بـ "الحق القومي والتاريخي اليهودي" يجب أنْ يَقْتَرِن بالإيمان بحقِّ أصحاب هذا الحق في "الأمن الحديدي". ويمضي أوباما في زيارته "السياحية التاريخية"، فيزور نصب ما يسمَّى "المحرقة اليهودية" حتى لا تتكرَّر هذه "المحرقة" على أيدي "نازيين فلسطينيين أو عرب"، كما يزور ضريحيِّ "المؤسِّسَيْن": ضريح مؤسِّس الصهيونية هرتزل، وضريح المؤسِّس للسلام مع الفلسطينيين رابين. أوباما (الشَّخص والرئيس) هو الذي شاءت الأقدار جَعْلِه "ثلاثة في واحد"؛ فهو "المُسْلِم"؛ لكون والده مسلماً؛ وهو المسيحي، على ما أراد واختار؛ وهو "اليهودي"؛ لكن بمعنى انتمائه إلى "اليهودية السياسية"؛ ولقد ألْزَمه هذا الانتماء، أيضاً، أنْ يَمْتَنِع، ويحجم، عن زيارة ضريح عرفات؛ فالذي حَرِصَ على أنْ يَسْتَجْمِع في زيارته كل تلك "الرُّموز" لـ "اليهودية السياسية" لا يمكنه أنْ يُدْخِل فيها الضَّديد الأوَّل لتلك الرُّموز، وهو زيارة ضريح عرفات، الذي فيه اجتمع ما يشبه "هرتزل الفلسطيني" و"بن غوريون الفلسطيني". وبقي من "السائح أوباما" ثُلْثاه؛ فبِثُلْثِه المسيحي سيزور كنيسة المهد في بيت لحم؛ أمَّا ثُلْثه "الإسلامي" فيُفَضَّل أنْ يُعَطِّله بنفسه، ويمتنع، من ثمَّ، عن زيارة الحرم القدسي. من قَبْل، استهلَّ أوباما (المرشَّح الرئاسي) سيره في الطريق إلى البيت الأبيض بزيارة "حائط المبكى"؛ والآن، أراد، على ما يبدو، أنْ ينهي مسيرته كلها بما يشبه "مِسْك الختام"، وهو هذه "الزيارة السياحية (التاريخية)"؛ لكن، لِمَ لا يَقْتَرِح عليه الفلسطينيون زيارة "رودوس الفلسطينية"، أيْ حي "الشيخ جرَّاح" في القدس الشرقية، والذي سيَدْخُل التاريخ بصفة كونه "جَبَل أوباما الذي تمخَّض فولد فأراً (وهذا "الفأر" هو كناية عن "زيارته السياحية")"؛ فهل تَذْكرون؟ هل تَذْكُرون ما حَدَثَ في تموز 2009 عندما أعلنت حكومة نتنياهو خطَّة لبناء نحو عشرين منزلاً (فقط) للمستوطنين في حيِّ الشيخ جرَّاح في القدس الشرقية، والذي يقع في خارج أسوار البلدة القديمة من المدينة المقدَّسة؟ في تموز 2009، اسْتُدْعي السفير الإسرائيلي في واشنطن إلى وزارة الخارجية، لِيَنْقُل إلى حكومة نتنياهو رسالة مؤدَّاها أنَّ إدارة الرئيس أوباما تقف ضد خطة إسرائيلية لبناء منازل (نحو عشرين شقة سكنية) للمستوطنين في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، وتدعوها، في الوقت نفسه، إلى وقف هذا النشاط الاستيطاني الجديد، الذي يرفض نتنياهو تصويره على أنَّه نشاط استيطاني؛ لأنَّ "القدس الموحَّدة"، في زعمه، ليست بـ "مستوطنة" حتى يشملها "تجميد" النشاط الاستيطاني، وإنَّما هي، في الزعم الإسرائيلي التلمودي، "عاصمة الشعب اليهودي، ودولة إسرائيل"، والسيادة الإسرائيلية عليها ليست، ولن تكون، على ما صرَّح نتنياهو، محل جدل. في ذلك اليوم، قالت إدارة الرئيس أوباما لحكومة نتنياهو إنَّ عليكم أن تتوقَّفوا عن بناء تلك المنازل في حيِّ الشيخ جراح في القدس الشرقية؛ فما كان من حكومة نتنياهو إلاَّ أنْ ردَّت عليها قائلةً إنَّها لن تتوقَّف أبداً. "رودوس الفلسطينية"، أيْ حي الشيخ جرَّاح، تحدَّت أوباما أنْ يقفز منها، فما كان منه إلاَّ أنْ عاد القهقرى إلى الوراء؛ وظلَّ يتقهقر، ويتقهقر، حتى جاء إلى "عرين نتنياهو" سائحاً؛ فماذا وَجَد في هذا "العرين". وَجَدَ أنَّ زعماء الاستيطان ازدادوا عدداً وعدةً فيه، أيْ في حكومته؛ لكنَّ البيت الأبيض أبى إلاَّ أنْ يتحدَّث عن "انهزامية" سيِّده، وكأنَّه يَعْزِف "سمفونية البطولة"؛ فالرئيس أوباما، على ما قال مساعد مستشار الأمن القومي، "لا شيء يثنيه عن التوجُّه (في زيارة سياحية) إلى إسرائيل"!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشَّار مجاهِداً!
-
نظرية -فائض القيمة- تُجيبكم الآن..!
-
دَحْضَاً لحُجَج مُنْكري فَضْل ماركس!
-
لهذه الأسباب ما زال ماركس حيَّاً وعلى صواب!
-
أربع سنوات ونَلِد -حكومة برلمانية-!
-
متى تتفتَّح -زهرة الآخر- في -الربيع العربي-؟!
-
شيءٌ من -الديمقراطية التوافقية- يُنْقِذ ثورة مصر!
-
المرأة العربية ما زالت للعبيد عَبْدة!
-
القصة الحقيقية ل -العجز في الموازنة-!
-
مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في ضوء مأساة مخيَّم اليرموك!
-
فضائيات لبثِّ السُّموم الطائفية!
-
-جبهة الإنقاذ- ولعبة -المُنْقِذ البونابرتي-!
-
ما ينبغي للمعلِّم أنْ يَعْلَمه!
-
-إخوان الدولة- و-دولة الإخوان-!
-
هذا الاحتلال الإسرائيلي للرواتب الفلسطينية!
-
طلاسم عهد حكومي أردني جديد!
-
لهذه الأسباب لا يُسلِّح الغرب المعارَضَة السورية
-
ضَعْفٌ يعتري -قوَّة المثال- في -الربيع العربي-
-
-مجموعة العشرين- تنزلق في -حرب عملات سرِّيَّة-!
-
مجرمون في عيون الشعب.. أبرياء في عيون القضاء!
المزيد.....
-
-يا إلهي-.. رد فعل عائلة بفيديو وثق بالصدفة لحظة تصادم طائرة
...
-
ماذا نعلم عن طياري المروحية العسكرية بحادث الاصطدام بطائرة ا
...
-
إليكم أبرز الرؤساء العرب الذين هنأوا الشرع على توليه رئاسة س
...
-
العلماء الروس يرصدون 7 توهجات شمسية قوية
-
أسير أوكراني يروي كيف أنقذ الأطباء الروس حياته
-
على شفا حرب كبيرة: رواندا والكونغو تتصارعان على الموارد
-
ألمانيا تمدد 4 مهام خارجية لقواتها قبيل الانتخابات
-
مرتضى منصور يحذر ترامب من زيارة مصر (فيديو)
-
-الناتو- يخطط لتقديم اقتراح لترامب بدلا من غرينلاند
-
مشهد -مرعب-.. سماء البرازيل -تمطر- عناكب والعلماء يفسرون الظ
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|