|
لحظةٌ حاسمةٌ في تاريخِ العلمانية العربية
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4037 - 2013 / 3 / 20 - 07:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا تريد القوى الاستغلالية الكف عن المتاجرة بالإسلام كما كان أمر الطبقات العليا في التاريخ السابق، حيث غدا الإسلام على يديها قوى طائفية متحاربة متعادية، وتهجيراً لأصحاب الديانات الأخرى وحصاراً على المسلمين من كثير من الدول والأمم. ألم يشبعوا من استغلال العامة؟ أم أن المستويات الفكرية والاقتصادية لهذه القوى لا تتيح لها الصعود لمستوى أعلى من الإدارة؟ لكن هذا المستوى نفسه مدمر لإمكانيات التراكم الاقتصادي السياسي، لأنه توسيع للصراعات وتفكيك للبلدان وتدمير لمواردها. حتى في عمق المذابح، وبين خندقين مملوءين بالجثث والدماء لا يريدون إلغاءَ صكوك الإيمان من أيديهم يمنحونها لمن شاءوا، فيما الجزارون الحكوميون في سوريا يقولون نحن علمانيون ونعطي المواطنين حرية المذاهب والأديان! الكلمة السر، دولة الحرية، دولة المواطنين، الدولة اللامذهبية، ذات الجذور الواسعة لكل المؤمنين، دولة الأخوة والأخوات المتساوين أمام القانون، الذين قدموا التضحيات، من كل القبائل والمدن والأديان، مواطنو الوحدة والثورة العلمانية، من كل المذاهب؛ الدروز والسنة والشيعة والمسيحيين والعلويين واليهود، العرب والأكراد والترك، الذين توحدوا في دماء الثورة ونيرانها، الذين قدموا التضحيات الجسام لينتقلوا من عصر الطوائف لعصر الشعوب، والمنفيين في المخيمات الثلجية، والمقتولين في المدن الحارقة، الذين لم تفرق الصواريخُ بين أحيائهم، ولا ميزتْ السياراتُ المفخخةُ بين شهاداتهم الوفاة لهم، إنهم لا يريدون أن ينتقلوا من دولةٍ علمانية خادعة تحديثية واهية إلى دولة مذهبية سياسية ساحقة ماحقة. لماذا لا يريدون الاعتراف بجوانب التطور التحديثية العلمانية التي أسسها الشعبُ السوري قبل العسكر ولم يستطيعوا هدمها؟ لماذا لا يريدون الإضافة إلى البناء بدلاً من الرجوع للوراء؟ لم تكن الوطنية السورية نتاج أجهزة المخابرات، فاسألوا ميسلون ويوسف العظمة وخالد بكداش وحنا مينه. بين هجومٍ على علمانيةٍ خائبة استبدادية دموية والخوف عليها من قبلِ ضحايا الاضطهاد الديني الذي استمر لقرون، تتمزقُ سوريا الشهيدة بمعاولِ طبقاتٍ أنانية جعلت من الأديانِ أدوات هيمنة للغزو والاحتلال، لا أدوات مواطنة وتعاون وأخوة، معاول تجمعُ الثروات في الخزائن وتتركُ الشعوبَ من كل الألوان والأديان في الفقر لتتشاجر على حرفٍ من لغة وجدار من بيتٍ سقط أخيراً وجعل الناس تهرب إلى الخيام وأراضي الثلج والتشرد. من يمسك خيوطَ الثورة يمسك خيوطَ التخلف والاستبداد والتمييز بين المواطنين، يعدلا نفسَه ليكون وريثاً في دولة المذهب والخزانة المخصصة لعلية القوم، يكررون تاريخ الاضطهاد المذهبي اللامنقطع، تاريخ العباسيين والسفاح والرؤوس المتدحرجة قرب الولائم، والتفتيش في القلوب والحفر في الرؤوس، تاريخ العثمانيين والصفويين حيث تتسع المعاركُ ويعيدون مجدَ المذابح بين المسلمين ويتعاركون على حطام الأمكنة المقدسة! عدة ملايين من مسلمين علويين وشيعة ومسيحيين يتخوفون من مذهبية شمولية منتصرة، ولا يقرأون منها فكراً أكثر تقدماً من فكر البعث العسكري الشمولي الدموي، لكن الذي خدعهم وسيطر عليهم بعلمانيته وبخوفهم من دكتاتورية المذاهب الكاسحة المسلحة التي تريد فناءهم. أثورةٌ بكل هذا الزخم تعجزُ عن رفع شعار العلمانية؟ وتجعلُ ملايينَ المواطنين متخوفين مترددين ومنهم من يعمل بقوة في صفوف الدكتاتورية العنيفة، تجعلهم مرةً أسرى العنف ومرة أسرى الخوف؟ حين تتمزق سوريا سوف تشتعل البلدان الأخرى، والأحزاب الدينية التي رفعت كل الشعارات الأخاذة سوف تلتهم النيران مدنها ومقراتها، والآن تبدأ القوافل الأولى للضحايا، سراً، وغداً ستعلم الأمهاتُ والآباءُ أين أخذوا الشباب وقتلوهم، وكيف تركوا حدود إسرائيل ليذهبوا إلى البيوت العربية يفخخونها، والآن يعودون نعوشاً، فلماذا يزدهر مطرُ الموت الطائفي في شوارع الأوطان العربية؟ إن الذين تاجروا بالمذاهب وجمعوا الثروات منها هاهم يستقبلون الوجبات الأولى من أولادهم، لا زغاريدَ مقاومة، بل نحيب خجول، والعارُ خنق البطولات، وبكاءٌ مشترك من القتلة والمقتولين، والكل مهزوم. فألى متى يتصور المتاجرون بالمذاهب والأديان إن القلاع والخرافات سوف تحميهم وأن سيلَ النار لن يصل إليهم؟ لا القنابل النووية ولا الدبابات والصواريخ قادرة على قتل فكرة الوحدة بين الشعوب، والعلمانية نارٌ تسري في هشيم الجهل والتعصب توحدُ الطبقات والأمم، وتكسرُ الأسلاكَ الشائكة التي غرزوها في لحم البشر. فلا يتصور زعماءُ التردد السوري والتجارُ الجددُ في اللحم الشعبي ان القضية فقدان قيادة أو حكومة بل هو فقدانُ فكرة، وغيابُ شعار مصيري، وعدم السباحة في النهر الشعبي، ونقص دم عميق يضرب في العظم الوطني إلى النخاع، بأن يكونوا قادة شعب لا قادة مذاهب وأزقة مسدودة، ورثة يتوجون مسار الوطنية والعلمانية السورية.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قاطرةُ التاريخِ
-
طائفتانِ في مجرى الصراعِ السلبي
-
صراع القبائل والنصوص
-
سوريا من انتفاضةٍ شعبية إلى حربٍ أهلية
-
بلزاك: الرواية والثورة( 8- 8)
-
بلزاك: الروايةُ والثورةُ (7 -8)
-
غيرُ قادرين على التوحيد
-
شيعةُ العربِ ليسوا صفويين
-
تبايناتُ القوى التقليدية
-
العقائدُ المتأخرةُ والثقافةُ
-
صراعُ الإقطاعِ والبرجوازية العربي
-
ممثلو الصوتِ الواحد كيف يتحاورون؟
-
الوعي الديني والإقطاعُ المناطقي
-
الرأسمالياتُ الحكوميةُ والربيعُ الدامي
-
المسلمون في مفترقِ طرقٍ
-
تسلقُ البرجوازية الصغيرةِ الديني
-
بلزاك: الرواية والثورة(6-6)
-
بلزاك: الروايةُ والثورةُ (5 - 6)
-
الحريقُ الطائفي ينتشر
-
طفوليةُ الكلمةِ الحارقة
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|