وديع بتي حنا
الحوار المتمدن-العدد: 1161 - 2005 / 4 / 8 - 12:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مقابلة أجرتها معه قبل ايام احدى الفضائيات, سُئل الرئيس العراقي الجديد السيد جلال الطالباني عن السبب الذي جعل مرشح القائمة الكردستانية الى احد المناصب الرئاسية في الجمعية الوطنية العراقية يحصل فقط على ستة وسبعون صوتا في حين حصل مرشح قائمة الائتلاف على اكثر من مئة واربعون صوتا بينما نال الفائز بمنصب رئيس الجمعية الوطنية على مئتان وخمسة عشر صوتا وقد ذهب مقدم البرنامج ليتجاوز مرحلة التساؤل الى مرحلة الاستفزاز حين اظاف الى تساؤله الاول فاستفسر من السيد الطالباني عن السبب الذي ترك قائمة الائتلاف تمتنع عن التصويت لمرشح القائمة الكردستانية. ابتسم مام جلال نصف ابتسامة واجاب بصراحته المعهودة وفطرته المعروفة فقال انهم قد رتبوا الامور لتخرج بهذا الشكل و لكي تلبي ضرورات التوافق الذي هو اساس العملية السياسية في العراق حيث ينبغي ان يحصل رئيس الجمعية السني على اعلى الاصوات يليه نائبه الشيعي ثم نائبه الكردي أي ان العملية قد تم – فبركتها- وأُدخلت عليها عمليات المونتاج التي لايجعلها تختلف كثيرا عن المسرحيات التي شهدها العراق سابقا في انتخابات او استفتاءات عديدة. بعد اعلان النتائج في تلك الجلسة واثناء نقلها لتلك الوقائع التقت احدى الفضائيات بالشيخ غازي الياور فحاول بحماس وبلهجة بدوية اصيلة ان ( يُسَوٍق) هذا الانجاز الوطني الكبير والاعجاز الديموقراطي البيٍن الى ابناء الشعب العراقي. انها الديموقراطية بعد ان أدخل العراقيون عليها الكثير من التحسينات فاصبحت في نتائجها تشبه حصول طالب الصف السادس الاعدادي على مقعد في كلية الطب بعد ان امتحن (البكلوريا) وكان معدًله بشق الانفس 50%. انها القيم الجديدة التي اصبح يؤمن بها السياسيون العراقيون الجدد والتي على اساسها رفض الشيخ الياور الدخول في قائمة انتخابية واحدة مع الدكتور اياد علاوي لانه لايجوز ان يكون الرئيس رقم ( 2) في القائمة الانتخابية لكن نفس القيم سمحت للرئيس ان يكون نائبا للرئيس الجديد!
ان السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح لماذا الانتخابات اذن اذا كان كل شئ يجري بالتوافق؟ لماذا تم اهدار مئات الملايين من الدولارات على عملية ليس شرطا الأخذ بنتائجها؟ من قال ان التوافق والانتخاب ليسا خطان متوازيان؟ منذ متى اصبح العراقي يستسيغ ان يرى على مائدة طعامه ظهرا طبقا للبيض المقلي الى جانب مناسف التمن والمرق؟ من يستطيع ان يفسر كيف تحصل القائمة التي لها خمس مقاعد في الجمعية على منصب رئاسي حالها في ذالك حال القائمة التي لها مئة واربعون او الاخرى التي لها سبعون واكثر! أليس من حق التركمان والمسيحيون والشبك والصابئة ان يطالبوا باستحداث مناصب رئاسية اخرى لهم طالما ان الامر لايعدو عن كونه ( تشكيلة ) او ( زلاطة ). لا احد يعارض في ان ( الخيار والطماطة والبصل ) تشكل المكونات الرئيسية للزلاطة العراقية إلا ان التجارب اثبتت ان اضافة القليل من الفلفل والكرافس وعصير الخل وزيت الزيتون اليها يجعلها أشهى وألذ , كما ان مطاعم المشويات المتكاملة هي تلك التي تقدم لزبائنها كافة انواع المشويات ( تكة , كباب , معلاق , بيض غنم , ضلوع, جلاوي ). ربما ينعتنا البعض بسبب هذا الكلام باننا ضد الوحدة الوطنية حيث اصبحت هذه هي الشماعة الجديدة, كان النظام السابق يصٍنف كلً من يقول ( أُفٍ ) على انه معادٍ للثورة ومسيرتها واليوم يوضع في خانة ايتام النظام او مشجعي الارهاب او معادي الوحدة الوطنية كل من يحاول مخلصا تأشير الخطأ من اجل بناء العراق الجديد على اسس سليمة.
لقد برهنت تجربة السنتين الماضيتين ان التوافق والمحاصصة لاتبني العراق الجديد ويتحمل من وضعها وكرًسها مسوؤلية امام الله والتاريخ حيث ادخل العراق في نفق مظلم جديد سيكون من الصعب على الاجيال القادمة التخلص منه حيث مَن مِن التكوينات الطائفية والقومية العراقية سيرضى في المستقبل بتقليص عدد المناصب و الحقائب الوزارية المخصصة له الان. ان التوافق يعني فقط ( شَييلْني وأشَييلك , عَبٍرْلي وأعَبٍرْلك , أسكتْلي وأسكتْلك وكلنا حبايب ) او على العكس ( واحد يجر بالطول والثاني يجر بالعرض ) بينما يحتاج العراقيون وهم يبنون دولتهم من جديد الى طفرات نوعية وتسابق مع الزمن في مجالات الحياة كافة. في السويد تقوم حياة الحكومة من خلال تمتعها بالاغلبية في البرلمان على تحالف بين الحزب الديموقراطي الاشتراكي وحزبي اليسار والبيئة إلا ان هذا التحالف مبني على اساس عدم اشتراك اي من الحزبين الاخيرين اي اليسار والبيئة في التشكيلة الوزارية لان الحزب الرئيس وهو الديموقراطي الاشتراكي يؤمن ان اشتراك اخرين يعيق تنفيذ برنامجه الحكومي. كذالك الحال في الولايات المتحدة التي يعتبرها الكثير من الاطراف السياسية العراقية ( ابا روحيا ) له حيث لايتولى قياديوا الحزب الذي خسر الانتخابات اية مناصب تنفيذية فيقال هذه ادارة جمهورية وقبلها كانت ادراة ديموقراطية. الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط اعترف وبالفم المليان قبل ايام في لقاء بُثً على احدى الفضائيات انه ليس بالامكان اطلاقا بناء لبنان في ظل نظام طائفي ( وطمأنَ ) الشعب اللبناني بأن لايتوقع تغييرا ملموسا حتى اذا جاءت المعارضة الحالية الى الحكم واستمر العمل بنفس النظام الطائفي. هل بقي لدى العراقيون صبر لينتظروا خمسين سنة اخرى حتى يخرج من بينهم ( وليد جنبلاط العراقي ) فيقول لهم ما يقوله نظيره البناني اليوم. انتهت الحرب الاهلية اللبنانية قيل عشرات السنين ولازالت الليرة اللبنانية تعوم في بحر التضخم وتسقط في الدور الاول في اية بطولة تُقام للعملات , نفس الشئ ينطبق على العملة العراقية حيث بعد سنتين من سقوط النظام ورفع الحصار لم يتحسن سعر صرف الدينار العراقي الى الحد الذي كان يتوقعه ويتأمله الكثيرون بل كان في فترة ما في مرحلة التسعينات وتحت ظل الحصار افضل سعرا مما هو عليه الان. ليس المقصود من ذالك مدح النظام السابق في سياسته الاقتصادية الكارثية بل المقارنة والاشارة الى ان الارهاب والمحاصصة الطائفية يتحملان معا المسؤولية في عدم قدرة الاقتصاد العراقي على انجاز قفزات نوعية.
ربما يعتقد بعض الاطراف السياسية العراقية انه قد ابتكر حلا سحريا لتحسين وضع المواطن العراقي حيث يسمح نظام التوافق والمحاصصة الى تحسين الوضع المعاشي لعوائل وعشائر معينة فياتي الوزير والمسؤول الفلاني مع عائلته واقربائه واعضاء حزبه واصدقائه فتكون الفترة المخصصة للمنصب كافية لرفع المستوى المعاشي لديهم لتاتي الانتخابات الجديدة فتتكرر العملية مع مجموعة اخرى وهكذا كلما تعددت الانتخابات والحكومات كلما سنحت الفرصة للواقفين في الطابور ان ينالوا نصيبهم ويأخذوا ( حمًامهم ). ان المشكلة في هذا الاختراع ان ملايين مثلي لايصلهم الدور اطلاقا لانهم ليسوا باي شكل من الاشكال حتى ( اولاد عَمٍ للخياط الذي خيًطَ بدلات عرس العرسان ) ولذالك لا امل لديهم في الحصول على اية فرصة تُذكر.
ان المثل الروسي يقول ان البداية الطيبة هي نصف العمل وقد اثبتت تجربة السنتين الماضيتين ان البداية على اساس التوافق والمحاصصة هي بداية خاطئة ستلحق بالعراق نتائج كارثية اذا تم تجذيرها لانها تقَيٍد بالتاكيد مسيرة العراق لحل المعضلات والمشاكل الجدية التي يعاني منها. لو كان السياسيون العراقيون قد جلسوا في بيوتهم يستلمون رواتبهم الشهرية خلال هاتين السنتين واعطوا العراق ( مقاولة عامة ) لاحدى الشركات اليابانية , من المؤكد ان ذالك كان سيجعل المواطن العراقي يشعر بالتغيير الذي طرأ على بلده اكثر من التغيير الذي يحس به الان. ليس ذالك استهانة بالقدرات العراقية فالكل يعترف بالقدرة الخلاقة للعراقيين ولكنها مغيًبة بفعل الاستحقاقات الطائفية والقومية. نعم ان الجمعية الوطنية والحكومة المنتهية ولايتها وربما ستكون القادمة كذالك , كلها جميعا متخمة بحملة الشهادات العليا ولكن هؤلاء جميعا وجدوا انفسهم مقيدي الحركة في خيمة انتماءاتهم الطائفية والقومية
ان الحكومة القادمة هي حكومة يبقى الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر , وهو بطبيعة الحال الشعب العراقي المسكين , اللجوء كما كان حاله دوما الى رحمة السماء. فهل سيعي السياسيون العراقيون ابعاد اللعبة الخطرة المسماة (الوفاق والمحاصصة ) فيقرروا بفعل شجاع تجاوزها في المرحلة القادمة والاحتكام الى نتائج الانتخابات والقبول بها ايا كانت , ام اننا سنستمر في نفس اللعبة؟
ان الكثير من المؤشرات تشير للاسف على ان اللعبة ستستمر ولذالك تعال عزيزي القارئ لنلعب ( اللوتو ) على دوري الانتخابات القادمة , عسى ان نكون من الرابحين. لقد قررت شخصيا ان العبه على الشكل التالي : اياد علاوي رئيسا , الباجه جي وبرهم صالح نائبين له , مسعود البارزاني لرئاسة الوزراء , محسن عبد الحميد على الجمعية الوطنية, الشيخ غازي الياور على الدفاع او الداخلية وباسكال ايشو لشؤون الجاليات.
اكتب خياراتك انت ايضا عزيزي القارئ والعب اللوتو وكم اتمنى ان يتولى احد المواقع الالكترونية ادارة اللعبة .
#وديع_بتي_حنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟