نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1161 - 2005 / 4 / 8 - 12:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المفسدون في الأرض,هو الاسم الرسمي لبعض الجماعات المسلحة التي مافتئت تواجه السلطات في السعودية متخذة من الدين واجهة وشعارا لها, وإن كان هناك أسباب أخرى للعصيان ,في محاولة مستمرة ,ومكررة لاستقطاب رجل الشارع البسيط الذي تستهويه هكذا شعارات.كما حمّلوهم في وقت سابق لقب "أصحاب الفكر الضال" ,فيما يكفر هؤلاء السلطات ,ويعتبرونها مارقة وكافرة,ولا ندري, نحن, فتوى من هي الملزمة,ومن هم المالكون الحقيقيون لمفاتيح الجنة؟ فقد قتل خلال الأيام الثلاثة الماضية ,أربعة عشر أصوليا في السعودية, في أعنف وأطول اشتباكات دارت بين الطرفين منذ اندلاع موجة المواجهات المسلحة التي تتبناها ماعرف حتى الآن بمنظمة القاعدة في الجزيرة العربية,وشعارها الرئيس "إخرجوا المشركين من جزيرة العرب".ولعلها المرة الأولى التي تكون بهذا العنف والقوة منذ الصدام الدموي الذي وقع في الحرم المكي بين جهيمان العتيبي ومجموعته المسلحة ,والقوات الخاصة, والتي انتهت بمصرعه مع رفاقه واستسلام البعض الآخر في عام 1979.فيما لم تكن هناك حصيلة نهائية, حول أحدث المواجهات ,عن أعداد المصابين من رجال الأمن والقوات السعودية,وإن كان هناك بعض الأرقام المعلنة.وقد استمر حصار هذه المجموعة المسلحة لمدة ثلاث ليال متواصلة في ساحة حرب حقيقية كانت كافية لاستنزاف الطرفين, وهوالسبب في وقوع هذا العدد الكبير من الضحايا.وكما هي العادة فإن الأرقام الرسمية ,والرواية الرسمية يعتريها بعض الشك والريبة, لأسباب عدة أهمها أن هذا العدد من المسلحين لايمكن أن يقاوم جيشا بهذا الحجم والتسليح,ثم إن تنظيم الخلايا العنقودي السري والمعقد أمنيا لايسمح بوجود هذا العدد من المسلحين بوقت واحد في نفس المكان.وتظل هذه المواجهة لغزا كبيرا بحاجة للكثير من المفاتيح لتفكيكه. ولو استطاعت السلطات إخفاء أمر هذه المواجهات كليا لما توانت عن ذلك ,ولكن يبدو أن عملية بهذا الحجم والكثافة لايمكن إبقاؤها سرا.
ومن غريب المفارقات أن يطلق الإعلام على هذه المجموعة التعريف الرسمي بالمفسدين في الأرض ,بعد أن كان نفس الإعلام ومعه الإعلام العربي,والغربي, الذي ساهم هو الآخر في أكبر عملية غسل الدماغ تعرضت لها هذه الشعوب على الإطلاق, يصفهم بالمقاتلين من أجل الحرية,والمجاهدين.ولقد دلت الأعمال الإرهابية التي قامت بها هذه الجماعات ,والبلاغات التي تصدرها,ولو ظاهريا على انقطاع "حبال الود" ,وطلاقا بائنا بين الفريقين المختلفين بالأسلوب والمتفقين في الأهداف.
ومن المعلوم تماما ومن خلال التجارب الطويلة ,أن الحلول الأمنية قد أخفقت تماما في التعاطي مع هكذا مشاكل,لابل كانت السبب في الكثير من أعمال العنف والانتقام . وهذه التيارات نمت وترعرت خلال زمن ليس بقصير, ومن خلال دعم وتأييد نفس السلطات التي تحاول اليوم قمعها وإبادتها كليا عن الساحة,متناسية المناخات الملائمة التي أدت إلى هذا الظهور الكثيف لها,وتغلغلها في كافة مناحي الحياة,وسيطرتها على كافة النشاطات الاجتماعية ,واكتساحها القوي لوسائل الإعلام والمنابر الرسمية وغير الرسمية,والتي ماتزال حتى اللحظة تبث نفس الخطاب.والآن أتت لحظة الحقيقة والمواجهة. وأصبحت هذه الجماعات التي كانت يوما ما الطفل المدلل لدى جميع الأنظمة ,محل ريبة وشك ومطاردة ,ومواجهات دموية لا يعرف أحد متى وكيف ستنتهي. ولقد أدى إقصاء كافة القوى السياسية والتيارات الفكرية الأخرى عن ساحة العمل,إلى زيادة فعاليتها وقوتها , واتخاذها موقفا تصعيديا بلغ حد تكفير كل الأنظمة القائمة والدعوة لإسقاطها علنا,وبقوة السلاح,في ظل غياب مطلق ومقصود للقوى السيايبة الأخرى.
كما تم استخدامها من قبل السلطات كفزاعة سياسية أمام نمو أية قوى سياسية ليبرالية وعلمانية وتنويرية,تتباين معها في التوجه والمضمون ,والأهداف.هذا ,ولم تكن إشارة "العقيد الأخضر" في مؤتمر القمة الأخير, بالتخيير بين صدام والزرقاوي عابرة للسبيل وتؤخذ بنوايا طيبة,وأن كل ماجرى من تضخيم لهذه التيارات كان مقصودا ومعدا له سلفا ,بغية استخدامها في الوقت المناسب.ولعل ماجرى في جامعة البصرة مؤخرا من عرض للعضلات الإرهابية, كان بهدف التذكير بوجودهم على الساحة ليس إلا ,وأن التطورات الأخيرة في العراق لا تعني تخليهم عن أهدافهم وسياساتهم. وللأسف ,لم يعد هناك من وسيلة لمواجهة المد القوي والطاغي والسيطرة المطلقة على الشارع, سوى الحلول الأمنية التي بدا واضحا أنها أعجز عن تحقيق أي اختراق في هذا المجال.ولقد كان هناك أكثر من تصريح ومن مستويات عليا بالتبشير بالتخلص من "فلول"هذه الجماعات ,إلا أن تطور الأحداث أظهر عودة هذه القوى للضرب مرة وأخرى,وتواجدها بقوة وكثافة, مكذبة كل البيانات الرسمية "المتفائلة" الصادرة من وقت لآخر.هذا إذا علمنا أنها تتخذ من أسلوب العمل السري طريقا لها,وأن أي مجموعة أو خلية قد يتم اكتشافها قد لا يكون لها على الإطلاق علاقة أو دراية بالخلية الأخرى,إذن النار تحت الرماد ,واحتمالات الخطر والمواجهة ماتزال قائمة إلى الآن.
وهنا لابد من تسجيل ملاحظة ,أن الحلول الأمنية قد تنفع لفترة قصيرة من الوقت, وبشكل نسبي ,ولكنها لن تفلح طوال الوقت.والحل الأمثل هو في إطلاق حركة إصلاح عامة, تشمل حياة سياسية صحية ,وإتاحة المجال لكافة أطياف المشهد السياسي والقوى الأخرى التي لايخلو منها مجتمع بطبيعة الحال,والسماح بوجود الأحزاب , ومن كل الإتجاهات, وهو الوحيد القادر على الوقوف في وجه المد الإرهابي ,والتصدي له واستئصاله.وإن القوى الوطنية الحية هي التي تتمكن, وحدها, من تغيير شكل الشارع السياسي ولونه,عبر التفاعل مع كافة الشرائح الإجتماعية التي وجدت نفسها وحيدة أمام الضخ الهائل لذاك التيار الظلامي ,ولذلك كان لابد من انضوائها تحته وتقبل أفكاره طواعية وبدون مناقشة.
يبدو أن الحرب ضد المفسدين في الأرض قد بدأت من زمان ,وعلى عدة جبهات ,وبمختلف الاتجاهات.ويأخذها على عاتقه أكثر من طرف الآن ,وإن اختلفت الأماكن والألوان. وهاهي أحد فصولها تشهدها الأراضي السعودية .وقد هوى في التاسع من نيسان 2003 واحد من كبار الفاسدين مع أوهامه,بعد أن تربى,وتدلل ,ونعم بالدفء طويلا في أحضان عرابيه السابقين, تماما كما حصل مع "أصحاب الفكر الضال" هنا.ومن الظاهر أن التخلص من المفسدين في الأرض جار على قدم وساق في أكثر من مكان,وأن البضاعة الفاسدة ,والمنتهية الصلاحية لايمكن أن تبقى معروضة طويلا في أسواق السياسة الدولية بعد الآن ,لأن وجودها ,وحسب خبراء مجلس الأمن القومي الأمريكي بات يشكل خطرا على أمن أمريكا الذي لا تتهاون فيه أبد ,ولا تقدم أية تنازلات بشأنه.وصار من الضروري وجود "بضاعة" جديدة قابلة للترويج في سوق الشرق الأوسط الكبير.وأمريكا نفسها, أيضا,تحاول الآن تجميل صورتها والدخول إلى قلوب الجماهير العربية عن طريق نفس الأنظمة التي خدمتها طويلا , وذلك من خلال استغلال الثغرات الكثيرة الموجودة في جدران تلك الأنظمة,بعد أن ظهر جليا أن "البضاعات الفاسدة" تسبب الكثير من المشاكل الصحية ,والصداع,ووجع الراس.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟