|
الاستمرارية و التغيير في السياسة التركية
مرال جيفرودي
الحوار المتمدن-العدد: 4036 - 2013 / 3 / 19 - 08:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في يوم 21 فبراير، توفيت "برفو أنا"، أم "سميل كيربير" عن سن يناهز 105 سنة بإسطنبول. "اختفى" ابنها "سميل كيربير" قبيل اعتقاله خلال الانقلاب العسكري لسنة 1980. و كانت "برفو أنا" واحدة من " أمهات السبت"، اللواتي كن يجتمعن لمدة 17 سنة، كل سبت في حديقة "كلطا سرايي" بإسطنبول منذ سنة 1995، للمطالبة بتحديد مصير أبنائهم الذين أعلن عن إختفائهم أثناء الاعتقال. لقد خاضت نضالا دام 33 عاما من أجل العثور على رفات ابنها. رغم أن تقارير لجان البرلمان لسنة 2011 أشارت إلى أن "سميل كيربير" توفي جراء التعذيب، إلا أنه لم تتخذ أية إجراءات لتقديم المجرمين للمحاكمة. لقد كان أملها أن لا تدفن قبل العثور على رفات ابنها، لكن أمنيتها لم تتحقق.
في نفس اليوم، أعلن عن انتحار، الجندي "مزلوم أكسو"، البالغ من العمر 20 عاما، بواسطة بندقية من نوع G3. اخترقت رصاصة عظمه الصدغي الأيسر. لقد كان كرديا، و مدير مقاطعة حزب العمال اليساري. عبر قبل انتحاره المفترض، لأصدقائه و عائلته عن القمع الذي عاناه خلال فترة التجنيد بسبب هويته العرقية و السياسية. ورفض التجنيد الإجباري فغير معترف به في تركيا و الخدمة العسكرية إلزامية. حيث أفادت تقارير لموظفين في مراتب عليا، عن انتحار 949 جندي خلال عشر سنوات الأخيرة، رقم يتجاوز عدد الجنود الذين قتلوا خلال عمليات عسكرية. عائلة "مزلوم" و أصدقائه لا يصدقون الرواية الرسمية حول سبب الانتحار.
وفي 24 أبريل من العام الماضي، في ذكرى إبادة جمعية الأرمن، SevagBalikci، قتل جندي أرمني عن سن 25 في اسطنبول من طرف جندي أخر من وحدته. اعتبرت الجريمة حادثا. تسير المحاكمة بدون الجاني الطليق، المعروف بأنه تركي قومي. أيضا لا تصدق عائلة "سوفاج" Sevag و أصدقائه الرواية الرسمية لمقتل أحد أحبائهم.
تذكر هذه الأحداث التي تحدت أساسا بشكل مستمر ودائم بسياسة النظام التركي. فقد مرت عشرة سنوات على حكم حزب العدالة و التنمية لتركيا، و التغيير الذي حققوه يلفت أنظار المتتبعين في تركيا و في الخارج. وبالأخص تقديمه بعض الجنرالات للمحاكمة و اعتقال البعض منهم، قد يعطي هذا صورة على أنها (أي تركيا) أكثر ديمقراطية من العشر سنوات الماضية .لقد ادعى حزب العدالة و التنمية، من خلال الاستفتاء الذي نظمه سنة 2010، إنهاء النظام الذي بناه الانقلاب العسكري لسنة 1980، لكنه في حقيقة الأمر، هجوم كبير على حقوق الشغيلة يعبد الطريق لحكم فاشي من طرف الحزب الحاكم. فاعتقال بعض الجنرالات، والقمع و العنصرية الممارسين عن طريق نظام التجنيد الإجباري، لم ينهيا الأمر. إن الحديث عن القضية الكردية بمباشرة بعض الخطوات الخجولة و العودة مجددا لنفس الأساليب القديمة، لا يقدم بتاتا تغييرا بناءا فيما يخص النظرة للمسألة الكردية.
انتهى إضراب المعتقلين السياسيين عن الطعام الذي طال مدة 68 يوما. فقد بدأ الإضراب يوم12 شتنبر، في ذكرى الانقلاب العسكري، بمشاركة ما يزيد عن 700 شخص، ثم انتهى بواسطة رسالة من قائد حزب العمال الكردستاني،عبد الله أوجلان. لقد كان مصير كل من الإضراب عن الطعام و المطالب الموجهة للحكومة التجاهل المطلق.
رغم أن المطلب الأول كان هو إنهاء الحبس الانفرادي لعبد الله أوجلان الذي دام أكثر من سنة ونصف، بسبب العطب المزعوم لسفينة النقل الخاص بالجزيرة التي يتواجد بها أوجلان. لقد تمكن أخ أوجلان من الوصول إليه و جلب رسالته التي أنهت الإضراب عن الطعام . لقد افتتح هذا الأمر عملية حوار جديدة مع أوجلان. في 23 فبراير، زار وفد ثان من حزب السلام و الديمقراطية أوجلان، بحيث حضر اللقاء أيضا أعضاء من جهاز الاستخبارات. رغم عدم الاعتراف الرسمي بالإضراب عن الطعام و الضغط الشديد على الحركات المتضامنة إلا أن الفضل يعود في مباشرة الحوار هذا إلى الحركة السياسية الكردية. لقد صمدت الحركة في أقسى الظروف منذ تأسيس الجمهورية التركية ونظام ما بعد الانقلاب العسكري لسنة 1980. تسير عملية الحوار مع قائد الحركة السياسية الكردية بالتوازي مع خطط الحكومة لوضع الدستور الجديد. تتضمن مسودة الدستور، المنتظر تقديمه للبرلمان في شهر مارس. مبني على تعريف جديد للمواطنة، والذي لن يحدد المواطنين الأتراك على أساس العرق ( مثلا : المواطنون الأتراك هم أتراك) لكن من الناحية المدنية ( مثلا من يرتبط بالدولة التركية من حيث المواطنة هو مواطن تركي).
تلك هي وجهة النظر التي جمعت كل من حزب العدالة و التنمية و حزب المجتمع الديمقراطي حول أرضية مشتركة، جعلتهما يواجهان معارضة حزب العمل القومي خاصة. و مع ذلك، لا تتضمن المسودة مطالب الجانب الكردي فيما يخص اللامركزية و التركيز على الرفع من أهمية هيئات الإدارة المحلية. بالمقابل، يريد الحزب الحاكم وضع نظام رئاسي سيعمل على تقوية منصب رئيس الحكومة الحالي أر دوغان، مما سيمكنه من الحكم لفترة قادمة على الأقل . لقد قدمت قيادة كل من حزب السلام و الديمقراطية وحزب العدالة و التنمية الحاكم تصريحات تلمح إلى إمكانية العمل معا لعرض المسودة للاستفتاء. لكن الشروط ليست واضحة لحد الآن و ممارسة الحكومة لا تشير لأية مبادرة تحمل السلام كهدف نهائي.
في حين تظهر الحكومة و حزب السلام و الديمقراطية علنا عدم تعارضهما كقطبين في عملية التفاوض حول الدستور ويسير التشاور غير الرسمي مع أوجلان حول رأيه في " خارطة الطريق" نحو السلام. تعرضت جولة ثلاث نواب برلمانيين من حزب المجتمع الديمقراطي بالمناطق الثلاث من البحر الأحمر للتخريب العنيف من طرف الجماعات الفاشية المحلية. لم تتخذ الشرطة أية إجراءات لوقف العنف الذي تعرض له المتدخلون. فبعد الهجومات التي تعرضوا لها في مدن Sinop و Samsun اختار فريق البرلمانيين عدم الذهاب لمدينة Trabzon نظرا لعدم تدخل الشرطة.
تعرض مواطنون أكراد للتعنيف في ديار بكر، أثناء تنظيمهم وقفات تضامنية مع المعتقلين الأكراد المضربين عن الطعام. لقد قدم للمحاكمة منذ سنة 2009 أزيد من 2000 شخص " لعلاقته" بفرع حزب العمال الكردستاني بالمناطق الحضرية. بناءا على هذا، فكل المطالبين بالحقوق المدنية الكردية، من منظمات غير حكومية و صحفيين و أكاديميين و فنانين مشتبه في ارتباطهم ب"الفرع الحضري" . ليس الأكراد وحدهم من يتعرض للقمع و المحاكمات. لقد أعلنت مؤخرا لجنة حماية الصحفيين أن تركيا قامت بسجن أغلب الصحفيين سنة 2012 ( ترتيبها عالميا يأتي بعد إيران و الصين). كما سجنت 115 عضو من كونفدرالية نقابات موظفي القطاع العام لوحدها. إن النقد الموجه للسياسة القمعية والبيئية من خلال الكتب، مثل كتاب جون شتاينبك ( الفئران و الرجال) و كتاب خوسي ماورو دي فاسكونسيلوس "عزيزتي شجرة البرتقال" تعتبر والحالة هذه "على خلاف مع القيم التركية".
ليس من الممكن القول بأنه لم يتغير شيء في تركيا مند انقلاب 1980 أو خلال عشر سنوات من حكم حزب العدالة و التنمية، لقد بات كسر المحرمات التي دامت طويلا ممكنا الآن. مع ذلك، سيعد مجانبا للصواب، القول أن الفضل يعود للحزب الحاكم، وليس للحركات السياسية المنغرسة التي تناضل باستمرار من أجل حرية التعبير و حرية التنظيم النقابي على جميع المستويات، للحركات المناهضة ل "التجنيد الإجباري" التي تناضل من أجل الاعتراف ب"الحق في رفضه " و النضال الكردي المعاصر الذي يمتد لأكثر من 30 سنة و صاحب الخبرة الواسعة في التسيير المحلي . هذا المشهد من أعلى لأسفل هو بالضبط ما لدى الحزب الحاكم : تفاوض مع النخب و قمع للحركات الشعبية المنغرسة . رغم ذلك، فعلى الحركات الحضرية المضطهدة هذه الأيام في الشرق و الغرب التركي معا تطوير " خارطة الطريق" فعلية لكن من أسفل لأعلى .
مرال جيفرودي.
موقع أوروبا متضامنة بلا حدود .
تعريب المناضل-ة
#مرال_جيفرودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|