|
مجزرة حلبجة في ميزان القانون الدولي الجنائي
زهير جمعة المالكي
باحث وناشط حقوقي
(Zuhair Al-maliki)
الحوار المتمدن-العدد: 4034 - 2013 / 3 / 17 - 14:47
المحور:
حقوق الانسان
في 16/3 من عام 1988 وبينما كان اهالي حلبجة القرية العراقية الكردية الوادعه بين احضان سلاسل جبال(هورامان) الشاهقة من الشمال وسلسلة جبال (بالامبو ) من الجنوب ومن الشرق سلسلة جبال(شنروي)وبحيرة دربنديخان و من الغرب سهل(شهرزور) على الحدود الشمالية الشرقية العراقية حيث لاتبعد عن الحدود العراقية الايرانية سوى مسافة 16 /كم كما توازي الحدود الايرانية بمسافة 75كم2 يعيشون حياتهم اليومية هبت فجأة رائحة التفاح لتملء طرقات القرية بعطر فواح يتسلل الى البيوت والمغاور ويدخل الى الرئتين بكل سهوله ليحول في ظرف دقائق خمسة الاف انسان من نساء واطفال وشيوخ الى جثث ترقد في طرقات القرية والالاف من المصابين هاربين عبر الطرقات الجبلية الوعره بحثا عن ملجاء في اكبر هجوم كيمياوي ضد منطقة مأهولة بالناس في التاريخ . والان وبعد خمسة وعشرين عاما من ذلك اليوم الاسود الذي تضمخ بعطر التفاح ولون الدم وبعيدا عن تبادل الاتهامات وتضارب القصص اصبح من حق تلك الارواح الطاهره ان يعترف العالم بتلك المذبحة باعتبارها جريمة ضد الانسانية ، ودفع تعويضات للضحايا والذي يجب ان يسبقه البدء بالملاحقة القضائية للشركات والحكومات التي زودت نظام صدام حسين بالأسلحة الكيمياوية المحرمة دوليا، وما قد تؤدي إلى فتح ملفات تحقيقات شائكة إزاء تورط الحكومات الغربية صراحة بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن المجزرة التي أودت بحياة أكثر من 5 آلاف شخص من خلال الاليات والقواعد والاركان التي حددها القانون الجنائي الدولي . ان مجزرة حلبجة ليست الوحيدة في القرن العشرين، فقد سبقها مجازر عديدة ومنها التي قام بها الحكم الستاليني ضد شعوب روسيا، ومجازر هتلر التي اعترفت ألمانيا بمسؤوليتها عنها، وخاصة المحرقة اليهودية "الهولوكوست"، واعتذرت للشعب اليهودي ودفعت المليارات كتعويضات. بالإضافة للمجزرة الكمبودية في عهد بول بوت في العام 1978، وصبرا وشاتيلا والمذابح التي تعرض لها اهلنا في جنوب العراق وتلتها مجزرة راوندا في العام 1994 وسيراليون ويوغسلافيا السابقة ومجزرة روبوسكي التي ذهبت ضحيتها 38 مدنيا كرديا، هذه كلها وغيرها جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ومسؤولية المجتمع الدولي ألا يدعها تمر دون عقاب، للحؤول دون وقوعها في أماكن أخرى. فالاولوية للمصلحة الإنسانية الشاملة. ومن الواجب على كل القوى الديمقراطية ان توحد صفوفها من دون تمييز بين الجنس والعرق والعقيدة للوصول الى مجتمع قوي ومتين يسوده المودة والاخلاص والسلام والمحبة والديمقراطية بعيدة عن القتل والتنكيل. وبناء على ماتقدم سنتناول تلك الجريمة في ضوء القانون الدولي الجنائي يعود ظهور مصطلح الجرائم ضد اﻻنسانية الى التصريح الذي صدر عن حكومات كل من فرنسا وروسيا وبريطانيا العظمى في 28 حزيران 1915 والذي أعلن فيه أن ارتكاب الدولة العثمانية للمذابح أدى إلى موت مليون أرمني،وطالبت هذه الدول بمحاكمة جميع اﻷتراك المسؤولين عن ارتكاب تلك الجرائم. وفي ذلك اﻹطار تقدمت روسيا بمشروع لتسمية تلك الجرائم بـ "الجرائم ضد المسيحية والحضارة" لتضفي عليها طابعًا دينيًا خالصاً، ولكن عارضت كل من فرنسا وبريطانيا تلك التسمية، ﻷن كل منهما كان يضم بين رعاياها في ذلك الحين كثبر من المسلمين ، اﻷمر الذي أدى إلى إطﻼق مصطلح الجرائم ضداﻹنسانية على تلك المذابح. مر مفهوم الجرائم ضد اﻹنسانية بتطورات كثيره كان أولها في اتفاقية ﻻهاي 1907 من خﻼل شرط "مارتنز" الذي وضع اﻷساس لتجريم اﻷفعال التي تشكل حاليا جرائم ضد اﻹنسانية، .خصوصا أن شرط "مارتنز" عمل على حماية طائفة السكان المدنيين الذين ليسوا طرفًا أساسيًا في الحرب. وينص شرط مارتنز على أنه "حتى صدور منظومة مدونة قانونية كاملة لقوانين الحرب، وفي الحاﻻت التي ﻻ تتضمن القواعد الموضوعية،فإن الدول المتعاقدة ترى الفرصة مناسبة لﻺعﻼن بأن السكان المتحاربين يظلون تحت سلطان وحماية مبادئ قوانين اﻷمم المؤسسة على ما هو مستقر بين الشعوب المتمدنة وقوانين اﻹنسانية ومقتضيات الضمير العام. وباستعراض النص يﻼحظ بأنه يهدف إلى حماية السكان المدنيين الذين يشكلون متطلبًا أساسيًا من متطلبات الجرائم ضد الانسانية ..
الأساس القانوني لتجريم اي فعل هو النص القانوني الذي يصف الفعل المقترن به على أنه جريمة إذ الأصل في الأفعال الإباحة حتى يأتي النص التشريعي الذي يجرمها. ففي النص القانوني الجنائي الداخلي يحدد النص التشريعي الأفعال المحظورة التي يعد اقترافها جريمة من الجرائم استنادا الى القاعده التي تقول بانه لا جريمة ولاعقوبة الا بنص و تتعدد هذه النصوص بتعدد الأفعال التي يحظرها القانون و تسمى نصوص التجريم و عليه لا يمكن اعتبار أي فعل من الأفعال جريمة إلا إذا انطبق عليه أحد هذه النصوص و معنى ذلك أن النص التشريعي المكتوب هو وحده الذي يحدد الجرائم و العقوبات حيث تستبعد المصادر الأخرى كالعرف و قواعد العدالة و مبادئ الأخلاق .الجريمة لا تنشأ إلا بنص قانوني يبين ماهيتها و أركانها من جهة و العقوبات المقررة لها و بيان نوعها و مدتها من جهة أخرى أي لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص قانوني .اما على المستوى القانون الدولي الجنائي فان الكثير من المحاولات التي جرت لتقنينه قد باءت بالفشل ولم يتوصل المجتمع الدولي الى الاتفاق على تعريف مكتوب للجريمة الدولية بل ترك الامر للفقة والذي تعددت فيه التعاريف . فقد عرف البعض الجريمة الدولية على انها سلوك من شأنه لو حدث أن يعكر صفو العلاقات الودية بين الدول بوصفه عملا يصيب المصالح الدولية المحمية بالضرر كجرائم السلام مثلا و لا تنحصر هذه المصالح المحمية في العلاقات الدولية بين الدول فحسب فقد أقر المجتمع الدولي ضرورة حماية المصالح الأساسية أيضا كذلك بتحريمه أعمال القتل أو الإبادة أو الاسترقاق أو الإبعاد و كل اضطهاد مبني على أسباب سياسية أو عنصرية دينية بل و يحمي القانون الدولي الجنائي كل ما من شأنه أن يحط بكرامة الإنسان كالتعذيب و المعاملة السيئة و الاعتداء على المدنيين فيما يسمى بجرائم الحرب . ويرى الاستاذ الدكتور محمود نجيب حسني بأن الجريمة الدولية تعني " فعل غير مشروع في القانون الدولي من شخص ذى أرادة معتبرة قانونا، ومتصل على نحو معين بالعلاقة بين دولتين أو أكثر، وله عقوبة توقع من أجله". كما عرفه جلاسير فإنما كل فعل يخالف القانون الدولي كونه يضر بالمصالح التي تحميها هذا القانون في نطاق العلاقات الدولية و يوصف بأنه عمل جنائي يستوجب تطبيق العقاب على فاعله .و يرى بلاوسكي بأن الجريمة الدولية هي كل فعل غير مشروع يقترفه الأفراد و يعاقب عليه القانون الدولي الجنائي كونه يضر بالعلاقات الدولية في المجتمع الدولي إلا أنه من خلال ما سبق من تعاريف يمكن تعريف الجريمة الدولية على أنها كل عمل أو امتناع عن عمل يصيب المصالح الدولية أو الأساسية الكبرى بضرر يمنعه العرف الدولي و يدعو إلى المعاقبة عليه باسم المجموعة الدولية . وقد جاء النظام اﻷساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة 7 من الدستور ليعدد الافعال التي اعتبرها جرائم ضد الانسانية دون ان يعرف تلك الجريمة مشترطا ان يكون ارتكابها في إطار هجـوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم وتلك الافعال هي القتل العمد واﻹبادة واﻻسترقاق و إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان و السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد اﻷساسية للقانون الدولي والتعذيب واﻻغتصاب، أو اﻻستعباد الجنسي، أو اﻹكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخـرمن أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة واضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان ﻷسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو اثنيـة أو ثقافيـة أودينية، أو متعلقة بنوع الجنس ، أو ﻷسباب أخرى من المسلم عالميا بـأن القـانون الـدولي ﻻيجيزها، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة و اﻻختفاء القسري لﻸشخاص وجريمة الفصل العنصري واﻷفعال اللاانسانية اﻷخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجـسم أو بالصحة العقلية أو البدنية والإبادة الجماعية بالقتل. من ما تقدم نرى ان الاركان الخاصة بالجريمة ضد الانسانية هي كما يلي : 1. أن يقتل مرتكب الجريمة شخصا أو أكثر. 2. أن يكون الشخص أو الأشخاص منتمين إلى جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية معينة. 3. أن ينوي مرتكب الجريمة إهلاك تلك الجماعة القومية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية، كليا أو جزئيا، بصفتها تلك. 4. أن يصدر هذا السلوك في سياق نمط سلوك مماثل واضح موجه ضد تلك الجماعة أو يكون من شأن السلوك أن يحدث بحد ذاته ذلك الإهلاك.
وبالنظر الى كافة الوثائق والافلام والصور والشهادات التي اخذت من موقع حلبجة نرى ان جميع الضحايا كانوا من المدنيين العزل الذين لم يكونوا طرفا في اي نزاع عسكري وان كافة الاركان اعلاه تنطبق بصورة كاملة على تلك المذبحة وبهذا فهي دعوة لكل الحقوقيين العراقيين بالعمل معا على متابعة ذلك الملف وعدم اهدار حقوقهم .
#زهير_جمعة_المالكي (هاشتاغ)
Zuhair_Al-maliki#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ام قصر وادارة الملفات الدولية
-
نظرة نقدية في الصياغة القانونية لقانون الاستثمار العراقي رقم
...
-
الاشكالية بين اقتراح القوانين وتقديم مشاريع القوانين
-
اجتثاث مدحت المحمود اسفين في اساس الدولة العراقية
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|