أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - وطنية تخوينية أم خيانة وطنية؟!















المزيد.....

وطنية تخوينية أم خيانة وطنية؟!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1160 - 2005 / 4 / 7 - 11:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أن يتجه معارضو نظام تستهدفه واشنطن إليها من أجل تغييره، فالأمر مجازفة محفوفة بالمخاطر؛ وأن يلجأ إليها معارضو نظام آخر، فالأمر سياسة تتبلور شيئا فشيئا؛ وأن يطلب عونها الصريح معارضو نظام ثالث، فهذه ثقافة وشرعية جديدة. اللجوء إلى واشنطن اضحى "سمة العصر"، خيارا "شرعيا" ينافس غيره. ليس خيارا مقبولا من الجميع بالضرورة، لكنه خيار مقبول من البعض في جميع الأوقات. ويمكن الرهان على ان الثقافة هذه تنتشر بالتوازي مع إمعان الأنظمة الشرق اوسطية في التعفن والجمود، وضعف المعارضات السياسية، وتفكك المجتمعات المحلية، ونجوع الفاعلية التغييرية الأميركية.
حين سار افغان في ركب الأميركيين تحول حميد كرزاي من اسم علم إلى اسم نوع، مثلما جرى لكلمة كيسلينغ التي دخلت اللغة الانكليزية كمرادف لكلمة خائن، تيمنا باسم السياسي النرويجي فيدكون كيسلينغ الذي تعاون مع هتلر ومكن النازيين من بلاده. ولبعض الوقت بعد احتلال بلاده، بدا أحمد شلبي كرزاي عراقيا قبل أن يفقد حظوته في عين واشنطن. وهما معا، كرزاي وشلبي، يبدوان مجازين قدر ما هما شخصان. وحين يريد احد من السوريين التشهير بفريد الغادري يطلق عليه اسم شلبي سوريا. ، والغادري أميركي، سوري الأصل، أنشأ منذ عامين في واشنطن "حزب الإصلاح السوري" الذي يدعو لتغيير نظام حكم حزب البعث في سوريا. ومن كرزاي أفغانستان إلى شلبي العراق إلى غادري سوريا ترتقي الاستعانة بالأميركيين مراتب الإلفة لتغدو جزءا من نظام الأشياء في "الشرق الأوسط".
هل هؤلاء خونة؟ تعرضت كلمة الخيانة للتتفيه والتبذيل على يد الأنظمة ذاتها التي "يخونها" هؤلاء ويشكلون الوجه الآخر لها في الواقع. إن الشيء الوحيد الأسوأ من تحول الخيانة إلى وجهة نظر هو تحول الوطنية إلى وجهة نظر. إذ لا يمكن تسييس الوطينة إلى الدرجة التي وصل إليها النظامان البعثيان دون تسييس الخيانة ذاتها، اي جعلها خيارا منافسا لغيره أو "ثقافة" كما اشرنا. غير ان هذا لا يبرر لأحد خياراته. فالنظم التي تسيس الوطنية وتجعل من الولاء لها مقياسا لوطنية شعوبها ليست مثلا عليا يقتدى بها؛ إنها بالضبط المثل السفلى التي يستحسن تجنبها.
وأن تبادر واشنطن إلى إسقاط نظام بعينه، فهذا حدث مفرد لا يقاس عليه؛ فيما إسقاطها نظاما آخر، أمر يدل على توجه سياسي تمليه المصلحة؛ أما إعلانها خططا لتغيير غيرهما، فيرقى إلى مرتبة مشروع تلتقي فيه المصلحة والقوة بالفكرة.
لقد تحولت واشنطن من سياسة مراقبة ومنع التغيرات غير المرغوبة أو غير الموافقة لمصالحها إلى سياسة فرض التغيرات المناسبة. وبموازة تحول السياسة هذا ارتفعت سيادتها من مرتبة كفالة الستاتيكو القائم في المنطقة إلى مرتبة إحداث التغيير فيها. وتحول واشنطن إلى صناعة التغيير في الشرق الأوسط، بل احتكارها لهذه الصناعة، هما أعلى مراتب السيادة العالمية ومؤشر على ثقة بالنفس لم تكن في متناولها هي من قبل، وليست في متناول أية قوة اخرى في العالم. لقد اضحت الولايات المتحدة قوة "ثورية" في "الشرق الأوسط" بعد أن كانت القوة الأشد رجعية ومحافظة فيه وحليفة القوى الأكثر جمودا وانغلاقا حتى عقد السبعينات (بين السبعينات ونهاية القرن العشرين لم يعد ثمة مشروعات تغييرية من اي نوع؛ لم يعد ثمة رجعيون ومحافظون لأنه لم يعد ثمة تغييريون وثوريون).
مقابل تسنم الولايات المتحدة مرتبة السيادة على التغيير أو "السيادة الثورية" في المنطقة انخفضت مرتبة سيادة دول المنطقة جميعا، بما في ذلك إسرائيل من حيث المبدأ (هذه مستفيدة جدا من الثورية الأميركية، لكن بالتبعية لا بالسيادة). وما يمنح واشنطن مرتبتها السيادية العليا هو ذاته ما يجرد الأنظمة العربية في المنطقة مما بقي لها من مراتب السيادة ورسومها، أعني التقاء القوة العسكرية وغير العسكرية غير المسبوقة، بالعقيدة الديمقراطية الليبرالية غير المنافسة اليوم عالميا، وبالإرادة السياسية الأكيدة التي تُنسب، ليس دونما أسف عند كثيرين، لإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش. نشهد بخصوص الدول العربية ضعفا مضروبا بضعف مضروبا بضعف: لا إرادة سياسية إن للتغيير أو لمقاومة التغيير، ضعف عسكري ومدني ومعنوي قياسي يتفوق على أي ضعف سابق، وافتقار لأي نوع من العقيدة الجاذبة القادرة على الإقناع. الضعف الأُسّي هذا يلقي بعض الضوء على الجو المكتئب والمستسلم في قمة الجزائر. تكاد غريزة الموت تكون الشيء الوحيد الحي في هذه الأنظمة.
ليست الضغوط الأميركية هي التي اضعفت النظم العربية. لقد كشفتها فحسب بعد ان كانت سترا وغطاء لها.
كانت هذه النظم قد تعودت على الاستكانة لما يطلب منها من الخارج بما أغناها عن مفاوضة الداخل والوصول إلى تسويات معه. لذلك لا نعثر على مفتاح فهم تاريخ نظم الحكم في منطقتنا في تاريخ المجتمعات المحكومة واقتصادياتها ونظمها الثقافية والدينية، خلافا لما يحب ان يرى الأميركيون انفسهم. إنه بالأحرى تاريخ نظام السيطرة الدولية.
لقد كانت السياسة في المنطقة لعبة بين نظم حكم دكتاتورية وبين القوى الكبرى في العالم، وذلك منذ بداية السعبينات. وكان الضعف النسبي للأميركيين إبان الحرب الباردة ينعكس قوة نسبية لأنظمتنا. وبعد الحرب الباردة لم تجد واشنطن سببا لتغيير سياستها حيالها، وبالخصوص لعلمها أن في المجتمعات المحكومة من الخصوم والأعداء لها اكثر مما فيها من الأصدقاء. وهكذا جرى تواطؤ أميركي سلطوي على إهمال المجتمعات وعدم أخذها في الحسبان، وصولا إلى ضربها حين تتمرد.
بالنتيجة لم يعلن تغير نظام السيطرة الدولية تغيرا ذا بال في الموقف من نظم الحكم في المنطقة. لقد استمرت تنظيمات الحرب الباردة هنا ولم تنته إلا في أيلول 2001.
ثلاث سنوات ونصف بعد 11 ايلول: تبلور مشروع وتلامحت ثقافة. إن علاقة "التعاون" التي تجمع ناشطين ومعارضين من بلاد عربية مع الأميركيين هي ثمرة التقاء المشروع التغييري الاميركي بثقافة تعاون على إنتاجها المشروع ذاته وتعفن في مجتمعاتنا المخنوقة. ثمة "شرعية ثورية" فتية تتولد عن السيادة الثورية الأميركية، ومعها يتولد "ثوريون" جاهزون للاستعمال. وثمة "شرعية ثورية" محتضرة تستسلم للتفسخ، ومن تفسخها يتخلق جناح من "الثوريين" الجدد. وبين تفسخ هنا واستعمال هناك، يتشكل "ثوريو" اليوم من مغامرين وانتهازيين وعملاء حقيقيين.
هذا لا يمنح ذرة شرعية لأنظمة التفسخ. بالعكس. قد نتبين أن ورثة "الشرعية الثورية" القديمة بكل اشكالها، البعثية والشيوعية والإسلامية، هم جنرالات أمن مرعبون، يفرضون نسختهم الخاصة من الوطنية على مواطنيهم المرتاعين: الوطنية التخوينية، حيث الجميع خونة إلى أن يثبتوا وطنيتهم عبر الوشاية بمواطنيهم. النتاج الصافي لهذه السياسة هو جعل الخيانة إغواء وطنيا عاما. فببساطة التخوين ينتج خونة، والتكفير ينتج كفارا.
فيما وراء انحطاط الوطنية البعثي، وانحطاط السياسة الذي تمثله الشلبية، بلادنا بحاجة إلى وطنية جديدة وسياسة جديدة. وطنية لا يكون رجل المخابرات المخيف، ولا رجل المال السارق، معيارها. وسياسة لا تخوّن ولا تكفّر، ولا تغويها الخيانة والكفر.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنون الاستهداف والعقل السياسي البعثي
- في استقبال التغيير: ليس لسوريا أن تتخلف!
- ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟
- على شرف حالة الطوارئ: حفلة لصيد -الخونة- بين قصر العدل وساحة ...
- نحو تملك عالمي للحداثة والتغيير تأملات حول شيوعية القرن العش ...
- نقاش حول الدين والثقافة وحرية الاعتقاد
- تسييس العلاقة السورية اللبنانية
- ما بعد الحقبة السورية: تحديات الوطنية اللبنانية الجديدة
- أمام الأزمة وجهاً لوجه
- من يقتل رفيق الحريري؟
- الإعلام الفضيحة: ماذا فعلت جريدة -تشرين- بالحوار مع الأسير ا ...
- السجناء السوريون في إسرائيل أو موقع الجولان في الوعي السوري ...
- دولة مؤسسات أم دولة أجهزة؟
- في ذكرى انتفاضة الجولان: الشجاعة وحدها لا تكفي!
- موجتان لنزع العقيدية في الثقافة السياسية السورية
- نظام اللاسياسة: العنف الطليق والعقيدة المطلقة
- ضد الحرية وليس ضد -الحرة-
- عشر أطروحات حول السلطة والندرة
- موقع الثقافة في مشروع الإسلاميين السوريين
- من يهين سوريا؟


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - وطنية تخوينية أم خيانة وطنية؟!