أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صاحب الربيعي - مَلكة الإبداع بين العبقرية والالهام والفطرة















المزيد.....

مَلكة الإبداع بين العبقرية والالهام والفطرة


صاحب الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1160 - 2005 / 4 / 7 - 11:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مَلكة الإبداع
بين العبقرية والإلهام والفطرة

هناك جدل لم يحسم بين الفلاسفة بشأن الإبداع وماهيته والأسس التي يستمد منها المعرفة لخلق الكائن الإبداعي، فهناك من يرجح أن العقل هو مصدر الإبداع كونه خزانة المعرفة وما يوظفها المبدع لشحذ الآليات والسُبل اللازمة لإنجاز عمله الإبداعي. وهناك من يرفض هذه الرؤية، ويجد أن العمل الإبداعي هو ملكة خارجة عن حدود الوعي وما يتحكم به العقل.
فكل تحكم يعني إدراك مسبق لماهية العمل، والإبداع هو عمل انسيابي خارج عن حدود الوعي وتحكم العقل. لذلك فإنه عمل مميز تحكمه تصورات وأحاسيس ومشاعر هائمة يستمدها المبدع من الفضاء الكوني كرموز وإشارات تأتي على شكل إلهام ويتم تجسيدها بمخلوق أرضي وروح كونية ليكون قادراً على التفاعل مع أقرانه من الكائنات الإبداعية في عالم الإبداع.
وتنهل ملكة الإبداع رموزها وإشاراتها من مصدرين: العبقرية والإلهام وكلاهما مكونان كونيان، لايمكن الوصول إليهما إلا من خلال مكون آخر (العقل) القادر على فك الرموز والإشارات الكونية وتجسيدها على شكل كائن إبداعي (أرضي).
يرى ((شوبنهاور))" أن جوهر العبقرية وماهيتها، هو سيادة ملكات المعرفة على نوازع الإرادة والنشاط العقلي الذي ينشأ عن تلك السيادة".
وعليه فأن آلية الربط بين العقل والعبقرية، تخضع لمدى إدراك ماهية المعرفة ومراتبها، فكلما زادت حالة الاكتساب من المعرفة كلما تسامت منظومة العقل نحو احتلال مراتب أعلى في سلم المعرفة. وتلك المراتب العليا من المعرفة هي التي تمهد لهذا الربط بين العقل والعبقرية وتحت تأثر حالة من الهيام والتفكير العميق تسيطر على المبدع وتنقله من العالم الأرضي إلى العالم الكوني ليستمد منه مكونات كائنه الإبداعي بدون تدخل آليات منظومته العقلية.
يعتقد ((أفلاطون))" أن الإنتاج العبقري يجيء بعد التفكير العميق والذي يعقبه ما يسمى الكشف الصوفي، لكن هذا الإنتاج لايتم عن طريق هذا التفكير".
تمر آلية استلام وفك ذبذبات العبقرية عبر عدة مراحل ليتمكن المبدع التقاطها عبر منظومته العقلية منها: حالة الهيام والصوفية اللتان تسيطران على المبدع، وتفصله عن العالم الأرضي. ومن ثم إرسال ذبذبات خاصة للعالم الكوني لتسمح بانسياب دفق المعلومات، وما يحتاجه المبدع لعمله الإبداعي.
هذا الدفق المعلوماتي يُخزن في اللاوعي ليتفاعل مع أحاسيس ومشاعر المبدع ومن ثم يبدأ في الظهور من خلال عمله الإبداعي الذي لايتقيد بتوقيت محدد.....فمرحلة الدفق الثانية والناتجة عن تفاعل المكونات الكونية والأرضية قد تستغرق دقائق وقد تمتد لعشرات السنوات لتكشف عن مكوناتها الجديدة من خلال العمل الإبداعي. وهذا الأخير أيضاً ليس له أية علاقة بمنظومة العقل، فالمكونات الجديدة هي أيضاً نتاج لحالة خارجة عن الوعي تفيض نحو الخارج بظروف خاصة لايتحكم بها وعي المبدع ذاته.
يرى ((جراهام والاس)) أن عملية الخلق العبقري في العلم والفن تمر في أربعة مراحل:"
1-مرحلة الإعداد: يعرض المفكر أو الفنان فيها دراسة مشكلته من جميع نواحيها.
2-مرحلة التفريخ: يختفي فيها التفكير الشعوري الواعي، وهي فترة ركود وراحة.
3-مرحلة الظهور: ظهور الفكرة السعيدة مقترنة بأحداث سيكولوجية، وتسمى بالكشف في اللغة الصوفية.
4-مرحلة التحقيق: تكون في مجال التفكير العلمي".
إذاً الآلية وما تحكم الاتصال بين حالة اللاوعي لدى المبدع وعالم العبقرية اللذان ينتميان لنفس العالم الكوني يديرها كائن خفي مهمته التحكم بهذه الآلية من خلال إيجاد قناة خاصة تنساب من خلالها المكونات والتفاصيل الدقيقة للعمل الإبداعي، وتقتصر مهمة المبدع على توظيفها بشكل دقيق لإنتاج عمله الإبداعي.
يعتقد ((ستيفنسون))" أن العمل الإبداعي الحقيقي، يقوم به مساعد غير منظور يبقيه داخل حجرة عالية ومغلقة...ينجز المبدع الجزء الأكبر من عمله فيها وهو مستغرق في نومه، وينجز الباقي أثناء يقظته".
في حين أن هناك من يرى أن العبقرية هي حالة من الجنون تنتاب المبدع فيفقد فيها علاقته بالمحيط، ويرتقي إلى حالة كونية تكشف له عوالم أخرى يستمد منها مكوناته وحاجته المفقودة في العالم الأرضي. وتلك الحالة وما ينتاب المبدع ليست لها وقتاً محدداً، كما أنها ليست رغبة آنية يطلبها المبدع.
أنها حالة لها شروطها السيكولوجية الهائمة في عالم خارج عن منظومة العقل، كما أنها حالة من التركيز الشديد تسيطر على المبدع فتنقله من عالم منظومة العقل إلى عالم الجنون الكوني الذي يُفصح عن أسرار العبقرية فتأخذ طريقها إلى خزائن اللاوعي في وجدان المبدع.
يصور ((توفيق الطويل)) حالة العبقرية- الجنون لدى المبدع قائلاً:" الحكم الجمالي، وإن كان مزاجاً من العقل والوجدان معا، فأن عبقرية الفن وحالة الجنون على تشابه ملحوظ. إذ تمتاز لحظة الإبداع الفني الذي يسمونه يقظة العبقرية بأنها تؤثر في روح العبقري، تأثراً يقرب من حالة الجنون وهو بالفعل حالة من الجنون! ووجه الشبه بين العبقري والمجنون اتفاقيهما في الارتباط، خاصة في اللحظة الحاضرة من الزمن دون غيرها. وتركيز كل منهما انتباهه في شيء واحد بالذات حتى لو كان تافهاً في نظر الآخرين. وفي الخلو من هدوء الطبع، وفي الإفراط في التهيج والحساسية الناشئتين عن الإرهاف الشاذ للحياة العصبية والمخية، وفقدان الذاكرة على اعتبار أنهما لايعيشان إلا في اللحظة الحاضرة".
وهناك من الفلاسفة من يجد أن العقل يعتبر الأساس لحالة الإبداع، لأنه الممهد لسُبل الإلهام. وإن لم يكن هذا العقل مكتملاً بالمعرفة فإنه غير قادر على اكتشاف هذه السُبل التي تخترق العالم الكوني لتجيز للمبدع البحث والاستقصاء لاقتناء مكونات مخلوقه الإبداعي.
وعليه فأن الإنسان الذي لايملك العقل المعرفي لايمكنه الوصول إلى حالة الإلهام وما تلقح به مكونات العقل المعرفي بالمزيد من الرؤى والأفكار لتنقله إلى مرتبة معرفية أعلى لها القدرة على أن تنهل حاجتها من عوالم كونية خارجة عن حدود منظومة العقل ذاتها.
يعتقد ((دانتي))" أن العقل ذاته ممهد للإلهام، ولا إلهام لمن لاعقل له. وبذلك نجد أن رمز العقل هو رمز الوحي والإلهام".
إذاً حالة الإلهام، بالرغم من أنها حالة لايمكن إدراكها بمنظومة العقل، لكنها بذات الوقت لايمكن الوصول إليها إلا من خلال منظومة العقل ذاته وتلك المنظومة يجب أن تكون لها القابلية على الاحاطة والإدراك لمراتب المعرفة كونها الآلية لاكتشاف سُبل الوحي والإلهام.
وهذه الرؤية الثانية (العقل والإلهام) بالرغم من أنها تمنح منظومة العقل الأولية للوصول إلى حالة الإلهام، لكنها تخالف الرؤية الأولى (اللاوعي والعبقرية) حيث أنها تجد أن العقل المعرفي الأساس في الوصول إلى حالة الإلهام، والرؤية الثانية تجد أنه بالرغم من أهمية العقل المعرفي لكنه ليس السبيل للوصول إلى العبقرية وإنما حالة اللاوعي هي السبيل للوصول إلى العبقرية.
وتتفق الرؤيتان على أن اكتساب منظومة العقل لمراتب المعرفة العليا، هي الأساس للوصول إلى العبقرية والإلهام وبدونها لايمكن إيجاد السُبل اللازمة لهذه العلاقة.
يرى ((أفلاطون))" أن الإدراك حالة مسبوقة بدراسة وبحث عميق، ينبثق بُعدهما في النفس نور كما ينبثق لسان اللهب وسط النار، أي أن هذا الإدراك أشبه ما يكون بالإلهام أو وميض يخالف كل المخالفة العمليات المنطقية والرياضية التي تقترن بالتفكير والدراسة اللذان يسبقان في العادة هذا الإلهام المفاجئ".
إن حالة العبقرية وما تنتاب المبدع لاعلاقة لها بزمن محدد، وأنما بحالة هيام وجنون خارجة عن الوعي. كذلك فأن حالة الإلهام ليس لها علاقة بالزمن، وأنما هي حالة من الصوفية تنتاب المبدع فتهبط عليه كالوحي يستلهم منها حاجته في الإبداع.
يرى ((توفيق الطويل))" أن بعض الفلاسفة ردًّ حالة الجمال مصدر العبقرية عند الفنان إلى حالة الإلهام كما يسميه الشعراء أو الكشف والاشرق والحدس كما يسميها الصوفية. بمعنى أن الطبيعة البشرية عند بعض الناس مهيأة لتلقي الإلهام الذي يهبط على صاحبه بغته وبغير مقدمات تسلم إليه. أن طبيعتهم مزودة بقدرة خارقة على الإبداع الفني مرجعها شعور مفاجئ، غير مسبوق بتفكير عقلي ولا اختبار تجريبي ولا أي عمل إرادي فالخلق الفني عند دعاة هذه النظرية مرجعه إلى فطرة الفنان وما يعتريها من حالات التجلي التي لاتسلم إليها دراسة عقلية أو تجارب حسية".
وهنا تبرز لدينا رؤية ثالثة تجيير ملكة الإبداع إلى الحالة الفطرية للإنسان، أي أن الملكة الإبداعية هي ملكة فطرية تولد مع الإنسان وتبقى كامنة في الذات بانتظار شروط وظروف تفجرها كالبركان في داخل الكينونة ومن ثم تقذف بحممها إلى الخارج على شكل إبداع.
وتُصقل الملكة الفطرية بالمعرفة، فكلما تحفزت الذات لاكتساب المزيد من المعرفة وتسلق مراتبها العليا كلما صقلت وزاد فيضها وتعددت سُبل اتصالها بالعوالم الكونية لتنهل منها حاجتها في خلق الكائن الإبداعي.
يرى ((توفيق الطويل))" أن الخلق الفني عند دعاة هذه الرؤية مرجعه إلى فطرة الفنان وما يعتريه من حالات التجلي التي لاتسلم إليها دراسة عقلية أو تجارب حسية".
ولاتخرج هذه الرؤية عن سياق الرؤيتين السابقتين بشأن الارتقاء بالمنظومة العقلية عبر المعرفة لخلق آلية للتواصل مع العوالم الكونية. لكنها تعطي الأولوية للفطرة الإنسانية الراعية للملكة الإبداعية الكامنة، ومن ثم يأتي دور منظومة العقل لتصقل الملكة الإبداعية. في حين الرؤيتان السابقتان منحتا منظومة العقل وصقلها بالمعرفة الأولوية للتواصل مع العوالم الكونية، ولم تؤشر إلى حالة الفطرة الإنسانية ودورها في ملكة الإبداع.



#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قيم الراعي والقطيع السائدة في الكيانات الحزبية
- الحكمة والحقيقة في الفلسفة
- مراتب المعرفة عند الفلاسفة
- ماهية الإحساس والمعرفة في الفلسفة
- صراع القيم والمبادئ بين الفلاسفة والملوك
- تأثير الاستبداد والعنف على اختلال أنماط السلوك الاجتماعي
- دور علماء الاجتماع في تقويم المجتمع
- موقف الفلاسفة من الحاكم والحكومة
- العلم والجهل في المجتمع
- تحرير الثقافة من الهيمنة والتسلط
- الحكومة والشعب
- التصورات اللاعلمية في الفكر الماركسي
- مجالس الفلاسفة والعلماء مع السلاطين
- الملوك والفلاسفة وتهمة الإلحاد
- النظام الديمقراطي والسلطة السياسية
- الفشل في تحقيق الذات وانعكاساته السلبية على المجتمع
- العنصر الثالث لدعم الاستقرار والتوازن الاجتماعي
- سلطة القانون في المجتمع
- مواصفات الرئيس وشروط الرئاسة
- شروط وآليات العقد السياسي والاجتماعي في كتابة الدستور


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صاحب الربيعي - مَلكة الإبداع بين العبقرية والالهام والفطرة