|
الآثار القانونية لأحكام محكمة العدل الدولية
عبد الصمد بازغ
الحوار المتمدن-العدد: 4034 - 2013 / 3 / 17 - 01:25
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
إذا كان هدف الأحكام القضائية هو الوصول إلى وضع حد فاصل في للنزاع المطروح على المحكمة بالنظر إلى تمتعه بقوة الشيء المقضي به بالنسبة لأطراف النزاع، فإنه مع ذلك تثور تساؤلات حول الآثار القانونية لهذه الأحكام، و خاصة تلك الصادرة عن محكمة العدل الدولية باعتبارها الجهاز القضائي الأسمى في التنظيم الدولي الحالي. و إذا كان صحيحا أن إرادة الدول هي التي ترتب آثارا قانونية لتلك الأحكام في نطاق القانون الدولي، فإن هذه الآثار تصل في سندها إلى ما يعلو إرادة الدول و اتفاقها، آلا وهي المبادئ الأساسية للقانون الدولي العام، و عليه فان القانون هو الذي يرتب آثارا قانونية لواقعة قانونية ما و يربط تسوية النزاع الدولي بواسطة الحكم. و عليه فان الحكم الصادر عن العدل الدولية ينشأ وضعا جديدا يرتكز على إلزام تنتج عنه طريقة معينة للسلوك الواجب اتباعه من جانب أطراف النزاع، و يقصد بهذا السلوك تنفيذ الحكم القضائي ووضع آثاره موضع التطبيق، و هو أيضا تكييف قانوني للتصرف و يترتب عنه آثار قانونية تسري في مواجهة الأطراف او الطرف الذي صدر الحكم بصدده. فما هي إذن الآثار القانونية لأحكام محكمة العدل الدولية؟ المحور الأول: مدى إلزامية أحكام محكمة العدل الدولية أولا: الآراء الاستشارية بين الالزامية و عدمها يذهب الاتجاه الراجح في الفقه و القضاء الدوليين إلى اعتبار الرأي الاستشاري ليس بمثابة إجراء قضائي و بالتالي فهو لا يملك القوة الإلزامية للحكم مادام أنه ليس بقرار décision و إنما يظل مجرد رأي يهدف إلى إفادة أو تنوير الجهاز الدولي الذي إستفتى من الناحية القانونية حول مسألة معينة. فالرأي الاستشاري لا يلزم دولة أخرى حتى ولو كانت ذات مصلحة مباشرة في المنازعة، و حتى أنه لا يلزم المحكمة نفسها في حالة ما عرض نفس النزاع عليها للفصل فيه إذ أن فتواها لا تتمتع بحجية أمامها زيادة على هذا، لا يوجد أي مانع يحول من أن يعاد عرض النزاع، الذي صدرت بشأنه فتوى، على محكمة العدل الدولية لتفصل فيه بحكم قضائي. في الحياة العملية تبدو لهذه الآراء أهمية بالغة، فقد سهلت في كثير من الحالات تسوية المنازعات الدولية بشكل كبير، فهذه الآراء تمكن من استجلاء المسائل المعقدة في مجال القانون، مما يعطي دفعا للخلافات للسير خطوات إلى الأمام نحو الحل المرضي و خاصة إذا كان موضوع النزاع تسوده جوانب سياسية. إن الخدمة التي تقدمها المحكمة الدولية بواسطة هذه الآراء الاستشارية تساهم، بقسط وافر في حفظ السلم العالمي، و في عملية التخفيف من حدة التوترات الدولية من جهة أخرى، و في بعض الحالات يكتسب رأي المحكمة طابعا إلزاميا بحيث يؤسس على اعتبارات معينة كالأساس الإتفاقي كما هو الشأن في نص المادة 2.37 من النظام التأسيسي للمنظمة الدولية للعملOIT ، كما أشارت المادة 8 من اتفاقية 13.02.1946 حول المزايا و الحصانات التي تتمتع بها هيئة الأمم، ففي حالة وقوع خلاف بين الهيئة و الدول الأعضاء بشأن تطبيق و تفسير هذه الاتفاقية، فإن محكمة العدل الدولية تصدر رأيا استشاريا في الموضوع و يتعين على الدول الالتزام بهذا الرأي. ولعل أشهر قضية عرضت على المحكمة الدولية للإفتاء فيها، و أصبح هذا الرأي الصادر عن المحكمة يكتسي الطابع الإلزامي للأطراف المعنية، هي قضية مراسيم الجنسية بتونس و المغربَ Affaire des Décrets de nationalité en Tunisie et au Maroc، ومن جانب آخر كان لهذه الآراء الاستشارية أهمية بالغة في إثراء قواعد القانون الدولي العام و إرساءها و هي تفرض نفسها عموما لما لها من سلطة معنوية، فهي تنطوي على عناصر الحكم القضائي المتمثلة في إقرار القانون الساري المفعول la Constations du droit en vigueur. هذا و جرى العمل في نطاق هيئة الأمم و الوكالات الدولية المتخصصة على احترام الآراء الاستشارية كما لو كانت ملزمة قانونا و ذلك تحاول دائما ملائمة توصياتها مع مضمون تلك الآراء الاستشارية، و لهذا يقصد عادة باصطلاح " الأحكام القضائية" Jurisprudence مجموع الأحكام Arrêts و الآراء الاستشارية Avis Consultatifs التي تصدرها المحكمة الدولية على السواء . كما أنه يمكن لتلك المنظمات أو الدول، التي طلب رأي المحكمة، أن تصبغ على تلك الآراء صيغة إلزامية بمقتضى اتفاقيات فيما بينها . و مهما كان الرأي حول مدى الزامية الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية من عدمها، فإنه من الحكمة عدم تجاهل القيمة المعنوية لتلك الآراء في الممارسة الدولية للجماعة الدولية. و هذا ما أشار إليه أيضا أحد القضاة المشكلين للهيئة القضائية في قضية تفسير معاهدات السلام في تعليقه على الرأي الصادر عن المحكمة في 30 مارس 1950 و هو القاضي Winiarski: « Les avis ne lient formellement ni les Etats ni l’organe qui les a demandés, ils n’ont pas l’autorité de la chose jugée, mais la cour doit à sa haut mission de leur attribuer une grande valeur juridique et une autorité morale ».
ثانيا: إلزامية القرارات القضائية تكمن آثار الحكم القضائي الصادر عن محكمة العدل الدولية في إلزام الطرف، أو أطراف النزاع، على الإقرار بأن الحكم هو تسوية نهائية لذلك النزاع الذي عرض على المحكمة و أن الحكم إلزامي فقط لأطراف النزاع و ذلك تطبيقا لمبدأ نسبية الأحكام المقضي بها l’autorité relative de la chose jugée « La décision de la Cour n est obligatoire que pour les parties en litige et dans le cas qui a été décidé » art 59.Statut de la CIJ. « L arrêt est définitif et sans recours. En cas de contestation sur le sens et la portée de l arrêt, il appartient à la Cour de l interpréter, à la demande de toute partie » art 60/statut de la CIJ. فطبيعة الحكم إذن تكمن في توضيح الموقف الذي يتعين على هذه الأطراف سلوكه اتجاهه. و يقوم واجب الأطراف المعنية على التسليم بأن النزاع قد تمت تسويته وفقا لأساليب سلكتها المحكمة و يترتب عنه الأثر الدائم للحكم حول الموضوع، بمعنى أن هذا الحكم أصبح يحوز قوة الشيء المقضي بهla force de la chose jugée في مواجهة هذه الأطراف من الناحية الموضوعية و من الناحية الشخصية. إذا أصبح الحكم القضائي الدولي نهائيا لا يقبل الطعن كان واجب التنفيذ، على أساس أنه يعتبر بمثابة القول الفصل في معرفة مدى تطابق سلوك ما مع ما تأمر به أو تنهى عنه قواعد القانون الدولي السارية المفعول وقت البت في النزاع. ذلك أن الحكم القضائي يتمتع بقوة الشيء المقضي به la force de la chose jugée من الناحية الموضوعية و الشخصية مبينا بصورة كاملة أو جزئية حقوق و التزامات أطراف النزاع. فالحكم بهذه الصفة يضع حدا ليس فقط للمراحل القضائية في النزاع و إنما يكمن دوره أيضا في أنه ينشئ وضعا جديدا يرتكز على قوة الشيء المقضي به بتحديد طريقة معينة للسلوك الواجب اتباعه من جانب أطراف النزاع، و يقصد بهذا السلوك تنفيذ الحكم القضائي و وضع آثاره موضع التطبيق. فالحكم القضائي هو إذا عمل قانوني ينطوي على فكرة العلاقة التبادلية، أي تلك العلاقة التي تنشئها قواعد القانون الدولي بين التصرف المقصود و التقييم الذي يرتبط به، فهذا التقييم يمثل التكييف القانوني للتصرف و تترتب عنه آثار قانونية و التي تسري في مواجهة الأطراف أو الطرف الذي صدر الحكم بصدده. و من الواجب الإشارة إلى أن صفة الحكم النهائي لقرار محكمة العدل الدولية كما نصت عليه المادة 60 من النظام الأساسي للمحكمة ترد عليه استثناءات، تتمثل في حالة طلب أحد الأطراف تفسير المحكمة للقرار الصادر عنها و مثال ذلك قضية حق اللجوء بين البيرو و كولومبيا « Droit d’asile » 1950، و كذلك طلب إعادة النظر فيه المبني على ظهور وقائع جديدة يمكنها أن تؤثر في طبيعة ذلك القرار، مع التأكيد على أن هذين الاستثناءين تنظمهما مجموعة من الضوابط و الشروط. المحور الثاني: تنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية أولا : التنفيذ الإرادي للأحكام محكمة العدل الدولية تنص المادة 94/1 من الميثاق على أن "يتعهد كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة بأن يلتزم بحكم محكمة العدل الدولية في أي قضية يكون طرفا فيها". و هذا مبدأ قديم و مستقر في الفقه و القضاء الدوليين. و لذلك يرى البعض أن هذا النص كاشف لمبدأ قديم Pacta Sunt Servanda و ليس مستحدث لمبدأ جديد، بالنسبة للطبيعة الملزمة للأحكام و القرارات الدولية بوجه عام خاصة أحكام و قرارات محكمة العدل الدولية فقد تم الاعتراف بهذا المبدأ في كل الحالات و إن اعترض على تطبيقه في بعضها لأسباب منها: بطلان الحكم لتجاوز الاختصاص أو لفساد أحد أعضاء المحكمة أو لتجاهل خطير لإحدى قواعد الإجراءات – قضية البوريمي – أو استحالة التنفيذ – حكم ملك اسبانيا لعام 1960 -. و بداية نشير أنه هناك جدلا بين فقهاء القانون الدولي حول تفسير معنا الحكم الوارد في نص المادة 94/1 من الميثاق، حيث يرى جانب من الفقه أن اصطلاح الحكم la décision يشير في الحقيقة فقط إلى القرارات les arrêts، و حجتهم أن الكلمة وردت في المفرد و ليست في شكل جمع les décisions، و بالتالي فما يقصده واضعو الميثاق هو القرار النهائي للمحكمة و ليس مجموع أحكامها و التي تضم أيضا الآراء و التوصيات.و بالمقابل هناك رأي آخر مخالف يرى أن قصد الميثاق من عبارة الحكم هو مجموع الاحكام les décisions التي تصدرها المحكمة بما فيها الآراء الاستشارية و حجتهم في ذلك أنه و رد في نفس المادة و في الفقرة 2 عبارة قرار بصيغة " Arrêt" و الذي يشير إلى القرار النهائي الصادر عن المحكمة. الفرع الأول : التنفيذ التلقائي L’exécution spontanée إن اللجوء إلى القضاء الدولي أو التحكيم الدولي يرتبط أساسا بإرادة الدول، وبالتالي فإن تلك الدول تعبر، منذ بداية الرغبة في حل النزاع عن طريق القضاء، عن إرادتها المبدئية في تقبل الحكم الذي ستصدره الهيئة المكلفة بالنظر في القضية و هذا ما يفسر في نظر العديد من فقهاء القانون الدولي قلة الحالة التي يتم فيها رفض الدول تنفيذ الحكم و هذا ما انعكس على قلة الاهتمام بإشكالية التنفيذ و عدم التنفيذ خصوصا في نطاق النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية التي لم تورد الاجراءات و المساطر الخاصة بالتنفيذ. وعلى أية حال فمما لاشك فيه أن من بين الالتزامات واجب تنفيذ حكم محكمة العدل الدولية تنفيذا لا يتوقف عند العبارة اللفظية لمنطوق الحكم و إنما تنفيذا يتفق مع روح هذا الحكم طبقا لمبدأ حسن النية la bonne foi و ليس وفقا لسوء النية فرغم تمتع القرار بقوة إلزامية la force obligatoire إلا أنه في الواقع يفتقر إلى القوة التنفيذية la force exécutoire . ذلك أن الدولة المعنية قد تقوم بتنفيذ الحكم و لكن بسوء نية، كما لو كان الحكم على سبيل المثال يلزمها باسترداد تماثيل أو قطع أو آثار أو صور قديمة كما حصل في قضية معبد برياه-فيهار Preah Vihear ، بين تايلاند و كمبوديا فكان من المحتمل أن تنفذ تايلاند هذا الحكم بسوء نية، كأن تقوم بإعادة هذه الأشياء و لكن بطريقة مزيفة، كما لو سلمتها تالفة أو مقلدة. و تجدر الإشارة إلى أنه إذا كان الحكم القضائي نهائيا و ملزما، فلا يوجد هناك مانع من أن تبادر الدولة الكاسبة، أي التي صدر الحكم لصالحها من إعفاء الدولة الخاصرة كليا أو جزئيا من واجب تنفيذ الحكم من خلال هذه الرؤية يمكن للدولة الكاسبة أن تكتفي بالقيمة المعنوية للحكم الصادر لصالحها، حيث يمثل بالنسبة لها ترضية و تنازلا عن التعويض المقرر لها تجاه الدولة المدينة إما بصفة كلية أو جزئية . الفرع الثاني : التنفيذ عن طريق التفاوض L’exécution négociée إن التنفيذ المتفاوض بشأنه بالنسبة لقرارات محكمة العدل الدولية يعتبر في الممارسة الدولية تطبيقا للدبلوماسية الرسمية بين الدول المتنازعة، حيث يتم التفاوض بشكل مباشر أو عن طريق وساطة يقوم بها طرف ثالث له تأثير على الأطراف المعنية بالقرار و تحضر هذه الوسيلة بالخصوص في قضايا التعويض عن الأضرار réparation de dommages لتحديد طريقة الأداء التي تناسب الطرفين و من أمثلة ذلك قضية المناطق الحرة بين فرنسا و سويسرا les zones franches في عهد المحكمة الدائمة للعدل الدولي، و كذلك في عهد محكمة العدل الدولية مع قضية الحدود بين مالي و بوركينا فاسو بمساعدة من لجنة خاصة شكلتها المحكمة نفسها بموجب توصية صادرة عنها في 9 أبريل 1987 و بمساهمة مالية من الاتحاد السويسري و نفس الشيء في النزاع الحدودي بين ليبيا و تشاد . هذا مع الاشارة إلى إمكانية لجوء الدولة الصادر لصالحا القرار إلى إجراءات أحادية الجانب من أجل إرغام الطرف الآخر على تنفيذ القرار القضائي ، كأن تلجأ إلى ممارسة ضغوط دبلوماسية أو اقتصادية كقطع العلاقات الدبلوماسية أو التجارية، و مثال ذلك ما قمت به بريطانيا اتجاه الاتحاد السوفيتي ثانيا: التنفيذ الإجباري لأحكام محكمة العدل الدولية مما لا شك فيه أن تنفيذ الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية يطرح عدة صعوبات لاسيما عندما يحاول الطرف الخاسر التحلل أو المماطلة في تنفيذه، فالحكم القضائي الدولي لا يتوفر على تلك الوسائل القهرية التي تجبر الدولة العاصية على تنفيذ الحكم، على خلاف ما هو قائم بالنسبة لحكم المحاكم الداخلية حيث ينفذ هذا الأخير بالقوة الجبرية من قبل السلطات العمومية للدولة. أ دور الأمم المتحدة في تنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية خلال إعداد ميثاق الامم المتحدة لم تركز اللجنة القانونية على موضوع تنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية و اكتفت بالإشارة إلى مبدأ حسن النية La bonne foi الذي يقع على عاتق الدولة في تنفيذ إلزاماتها الدولية . و قد خلصت لجنة الفقهاء المكلفة بإعداد مشروع محكمة العدل الدولية إلى ما يلي: " لقد لفت الأعضاء نظر اللجنة إلى أهمية تنفيذ أحكام المحكمة الحالية في سيادة القانون و حفظ السلام و تسائل عن ما إذا كان من المناسب أن يتضمن النظام الأساسي لها نصا يتعلق بأساليب خاصة في ضوء فعالية أحكامها". ب سلطة مجلس الأمن في تنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية من بين الوسائل على حمل الدولة الرافضة لتنفيذ حكم المحكمة الدولية اللجوء إلى مجلس الأمن نظرا لأنه الجهاز التنفيذي للمنظمة كلها، و اعترافا من الميثاق بأن عملية التنفيذ En forcement عملية سياسية تعقب عملية إصدار الحكم التي تعد عملية قانونية و تنتهي صلة المحكمة بالقرار بمجرد إصداره بحيث لا تسأل عن تنفيذه و لا يحق لها تحديد وسائل التنفيذ إلا إذا طلب منها أطراف النزاع و باتفاق بينهم تحديد وسائل التنفيذ أو المساعدة في ذلك، إذا طلب منها أطراف النزاع ذلك صراحة. يثير نطاق نص المادة 94 إلى أن الإلزام بالتنفيذ ليس قاصراً على أعضاء الأمم المتحدة الذين اختصتهم الفقرة الأولى ولكنه يتسع ليشمل غير الأعضاء حيث ذكرت الفقرة الثانية من المادة " أحد المتقاضين " طالما أنه بإمكان غير الأعضاء اللجوء الى محكمة العدل الدولية وفقا للضوابط التى وضعها مجلس الأمن والجمعية العامة فيكون من المحتمل إلزام هؤلاء بالتنفيذ، سواء كانوا مصادقين على النظام الأساسي للمحكمة أو لا. و يرى البعض أن مضمون المادة 94 من الميثاق يترك لمجلس الأمن حرية واسعة في التصرف وفق ما يراه، فيمكنه الامتناع عن اتخاذ أي عمل و قد يوصي الطرف الآخر بتنفيذ الحكم، و قد يتخذ تدابير معينة وفق تقديره . و على العكس يذهب البعض الآخر إلى أن المجلس ملزم بالتصرف و أن التقدير الكامن في عبارة " إذا ما بدى ذلك ضروريا" تشير إلى حرية اختياره بين أن يوصي أو يقرر تدابير معينة لتنفيذ الحكم على أساس أن الدولة الرافضة قد لا تقبل تلك التوصيات. لذلك يتعين على المجلس أن يصدر قرارات ملزمة في إطار المادة 25 من الميثاق الأممي . إذا أصدر المجلس توصيته في الموضوع و يتطلب نظام مجلس الأمن إجراء التصويت وفق نظام محدد لاتخاذ القرارات الموضوعية ونظراً لأن معظم الأعمال التى يتخذها المجلس ليست أعمال إجرائية ومن ثم فإنها تكون موضوعا لهذا التصويت و نتيجة لأنه ليس هناك التزام على أى طرف للامتناع عن هذا التصويت فى حالة التوصية أو اتخاذ قرار معين وفقا للمادة 94 فإنه بإمكان أى دولة دائمة العضوية – تكون طرفا فى حكم يصدر ضدها أن تمنع إصدار قرار من المجلس باستخدامها حق ( الفيتو ) وبالتالى يكون من الناحية الواقعية من غير الممكن عمل أى توصية فى موضوع يتخذ وفقا لأحكام المادة 94 لأن معظم الدول تدور فى ركاب الدول دائمة العضوية، و هذا ما حصل فعلا خلال قضية الانشطة العسكرية و شبه العسكرية في نيكاراغوا حيث لجأت الولايات المتحدة إلى الفيتو ضد مشروع قرار يلزمها بتنفيذ حكم محكمة العدل الدولية الصادر ضدها لصالح نيكاراغوا. ولقد حاولت الجمعية العامة فيما بعد – المطالبة بعدم إعمال حق النقض ضد أى موقف يتعلق بهذه المادة إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل. و قد عهد بتلك المهمة إلى مجلس الأمن نظرا لخطورتها البالغة، ذلك أن رفض الدولة الامتثال لقرار المحكمة الصحيح يعد خطأ دوليا و خرق لالتزام ثابت في القانون الدولي العرفي و انتهاكا خطيرا لمبدأ العدالة، و واضح أن ذلك يمكن أن ينطوي على تهديد خطير للسلم و العدل و القانون و لكونها تمثل ضوابط لعمل الامم المتحدة. لذلك يجب أن تفسر المادة 2.94 على أنها تلزم مجلس الامن بالتصرف و معالجة الموقف وفق ما يراه في الحدود التي رسمها الميثاق المادة) 24)، و هي صيانة السلم و عدم المساس بالعدالة. و المجلس في هذا الصدد يمكنه وفقا للرأي الراجح في الفقه أن يستخدم إجراءات القمع لتفادي الآثار المترتبة على رفض الاذعان لقرارات المحكمة إذا ما قدر أن هذا يعرض حفظ السلم و الامن الدوليين للخطر لأن سلطته في هذا الشأن ليست مؤسسة على المعاقبة على انتهاك التزام قانوني، أو قائمة على إمكانية استخدامه كجهاز لتنفيذ أحكام المحكمة. و يجب أن نميز بين أربع حالات لتدخل مجلس الأمن الدولي: 1. يمكن للدولة طرف في الميثاق أو النظام الاساسي التي صدر الحكم لصالحها أن تلجأ للمجلس لحمل الطر الآخر على تنفيذ الحكم، كما يمكنها أن لا تفعل ذلك، حين لا يهدد عدم التنفيذ السلم الدولي. 2. إذا ترتب على عدم التنفيذ تهديد للسلم أو انتهاك له أو عمل من أعمال العدوان في تقدير الطرف الآخر، يمكنه أن يعرض الأمر على مجلس الأمن وسواء كان الحكم صادرا عن محكمة العدل الدولية أو جهاز تحكيمي آخر لأن المجلس يهمه فحص مدى آثار عد الامتثال. 3. لا يقرر المجلس بنفسه أن عدم امتثال طرف لحكم المحكمة أو أي جهاز قضائي أو تحكيمي آخر يهدد بنشوب احتكاك دولي أو يهدد السلم و الامن الدوليين، في هذه الحالة المجلس يمارس سلطته بموجب الفصل السادس. 4. يقرر المجلس أن عدم الامتثال لحكم قضائي أو تحكيمي يعد تهديدا للسلم الدولي أو انتهاكا له أو عملا من أعمال العدوان فيباشر سلطاته وفقا للفصل السابع و خاصة المادة 39 ويرى البعض أن الدولة المتضررة يمكنها استصدار قرار من المجلس يقضي بقيام أعضاء الأمم المتحدة بالحجز على ممتلكات الدولة المخالفة و الواقعة تحت اختصاصها الإقليمي ، بل أن دولة ثالثة متضررة من عدم التنفيذ يمكنها أن تتخذ اجراءات ضغط لإرغام الدولة المخالفة على تنفيذ قرار المحكمة إذا كان لها مصلحة في النزاع مع مراعاة عرض النزاع على المحكمة. إن اضطلاع مجلس الأمن بدوره فى التنفيذ يجيء انطلاقا من سعيه نحو استقرار الأمن والسلم الدوليين بالمفهوم الواسع لهما وليس ذلك المفهوم القاصر على مجرد استخدام القوة أو التهديد بها وفقا لأحكام المادة 39 من الميثاق كما أن هذا الدور لا يقتصر على تنفيذ أحكام القضاء وإنما يتسع لأحكام التحيكم الدولى مع مراعاة أن يكون الحكم المطلوب تنفيذه قد استوفى الشروط الشكلية والموضوعية إن المساطر السابقة ليست الوحيدة المتاحة لتنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية، بل إن هناك منظمات دولية أخرى، إقليمية أو متخصصة، يمكنها أن تسهر على تنفيذ تلك القرارات وفق ما هو منصوص عليه في الميثاق المنشئ لكل واحدة منها و ضمن اختصاص كل منظمة.فمثلا ينص الميثاق المنشئ لمنظمة العمل الدولية OIT في المادة 26 و ما يليها على خلق آليات لحل الخلافات بين أعضاءها و وفقا لتلك الآليات يمكن أن تشمل في طياتها تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية (المواد 31 و 32): « Si un membre quelconque ne se conforme pas dans le délai prescrit aux recommandations éventuelles contenues…dans la décision de la Cour…, le Conseil d’administration (de OIT) pourra recommander à la Conférence telle mesure qui lui paraîtra opportune pour assurer l’exécution de ces recommandations. » art.33 de la constitution de OIT. و في نفس السياق نحيل إلى المادة 50 من ميثاق بوغوتا المنشئ لمنظمة الدول الأمريكية OEA و التي تنص على وسائل حل الخلافات بين الدول الأعضاء، و منها تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية و هيئات التحكيم: si l’une des hautes parties contractantes manque à exécuter une obligation qui lui a été imposée par une décision de la Cour internationale de Justice ou par une sentence arbitrale, l’autre partie ou les autres parties concernées devront, avant de recourir au Conseil de Sécurité des Nations Unies, provoquer une réunion de consultation des Ministres des Affaires étrangères en vue d’un accord sur des mesures appropriées afin d’assurer le respect de la décision judiciaire ou arbitrale
المراجع Bibliographie
د. محمد طلعت الغنيمي، الأحكام العامة في قانون الأمم............... د أحمد بلقاسم، القضاء الدولي، دار هومه، ط 2005. د.عبد الله لأشعل، النظرية العامة للالتزام في القانون الدولي(دراسة مقارنة) ، دار الكتاب القانوني.
Gilbert Guillaume : La Cour Internationale de Justice à l’aube du XXIème siècle, le regard d’un juge ; Edition A.PEDONE, Paris, 2003 E.TUNҪEL : L’exécution des décisions de la cour internationale de justice selon la Charte des Nations Unie. Edition H.Messeiller - Neuchâtel.1960 La Charte des Nations Unies Le Statut de la Cour internationale de Justice http://www.icj-cij.org/documents/index.php?p1=4&p2=2&p3=0
#عبد_الصمد_بازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متورطون بقمع وتعذيب المعتقلين.. ضباط من قوات النظام السوري ا
...
-
فيديو.. لحظة اعتقال منفد هجوم -أعياد الميلاد- في ألمانيا
-
ألمانيا.. دعوات لترحيل جماعي للمهاجرين على خلفية مأساة ماغدي
...
-
السعودية تنفذ الإعدام بمواطنين بتهمة خيانة وطنهما وحرّضا آخر
...
-
هجوم ماغديبورغ: مذكرة اعتقال وتهم بالقتل موجهة للمشتبه به
-
مقاومو -طولكرم وجنين- يتصدون لاقتحامات و اعتقالات الإحتلال
-
اللاجئون السودانيون.. مأساة لم ينهها عبور الحدود واللجوء
-
الأمم المتحدة تحذر: شبح المجاعة يهدد 40 مليون شخصًا في غرب أ
...
-
تظاهرات في تل أبيب مطالبة بصفقة للإفراج عن الأسرى
-
الشروق داخل معسكرات النازحين فى السودان.. حكايات الفرار من ا
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|