|
انتخابات الازمة .. وأزمة الحكم في اسرائيل !
عصام مخول
الحوار المتمدن-العدد: 4034 - 2013 / 3 / 17 - 00:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الفقاعة !
انشغلت الساحة الاسرائيلية حتى الساعات القليلة الماضية ، بوضع اللمسات الاخيرة على تشكيل، أو تعثر تشكيل "حكومة نتنياهو" الثالثة إذا صح التعبير ، فليس من المفروغ منه ان تكون الحكومة المقبلة "حكومة بنيامين نتنياهو"، حتى لو ترأسها هو وشكلها بيديه الاثنتين ، فالأجدر ان نقول إنها "حكومة الازمة" الاسرائيلية البنيوية العميقة، التي كشفت الانتخابات البرلمانية الاخيرة عمقها ، أكثر مما أعطت الحلول لها او أشارت الى المخارج منها . إن تعثر تشكيل الحكومة أو النجاح في تركيبها في اللحظة الاخيرة على مقاس شروط يئير لبيد ، ليس نابعا في الحقيقة عن براعة "نجم السياسة الاسرائيلية" الجديد في المفاوضات الائتلافية وتحالفه مع "البيت اليهودي" الاستيطاني ، وليس نابعا عما بشّر به من بدعة "السياسة من طراز جديد" ، وانما نابع عن أن السياسة الاسرائيلية ، كما أعادت انتاجها الانتخابات ، والمؤسسة الاسرائيلية الحاكمة بشقيها في الائتلاف والمعارضة، عاجزة عن إخراج اسرائيل من أزمتها البنيوية المتفاقمة ، وعاجزة عن انتاج الاجوبة الحقيقية على القضايا الجوهرية المطروحة للحسم، والمآزق التي يغوص فيها المجتمع الاسرائيلي في المستويين السياسي والاجتماعي . وبقدر ما كانت نتائج الانتخابات تعبيرا عن أزمة اليمين الاستيطاني الحاكم بقيادة نتنياهو – ليبرمان – براك ووصولها الى الباب الموصود ، فإنها بالقدر ذاته، كانت انعكاسا لأزمة البدائل المعارضة المرشحة للحكم . والحقيقة أن نجاح لبيد ، أكثر مما كان حلا للازمة ، فإنه جاء تعبيرا عنها وتجسيدا للرغبة في التستر على الازمة وتهريب أسبابها الحقيقية . إن قيام "النجم" يئير لبيد ، بافتتاح معركته الانتخابية في مستوطنة أريئيل ، توطئة لتحالف مستقبلي مشبوه يقيمه مع حزب "البيت اليهودي" الاستيطاني ، لم يكن ، وليس هو اليوم مناورة تفاوضية أو تكتيكا انتخابيا فقط ، وانما هو التعبير عن سياسة يمينية من طراز جديد، واستراتيجية جديدة، ترسخ نهائيا، نقل النواة المنظمة لقوى الاستيطان والاحتلال المنفلتة - بصفتها أحزاب استيطانية في جوهرها - من هامش السياسة الاسرائيلية ، ومن أطراف الائتلاف الحاكم، الى لب القرار السياسي ومركز الحكم في اسرائيل . إن لبيد ، وحزبه "يش عتيد" يقدم على هذه السابقة الخطيرة في السياسة الاسرائيلية ، بعد أن رسّخ الوهم بأنه حزب "المركز" دون منازع ، وممثل "الطبقة الوسطى" ، وممثل "الاجماع القومي " في المركز الاسرائيلي ، الذي كان قبل عقد من الزمن يتعامل مع جمهور المستوطنين كعبء أمني وسياسي واقتصادي وأخلاقي يزعج هدأة المجتمع الاسرائيلي. إن احتضان قوى الاستيطان المنفلت والاكثر تشددا في المناطق الفلسطينية المحتلة، في مركز الحكم وفي مركز الاجماع القومي في اسرائيل بلا تحفظ ، يحسم النقاش المتلعثم ، الدائر بخجل ، في السياسة الاسرائيلية ، (وغالبا على هامشها) منذ أكثر من أربعة عقود، حول مدى المجاهرة أمام الرأي العام العالمي والمحلي ، بعمق الدور الذي يلعبه المستوطنون الكولونياليون الاسرائيليون في المناطق المحتلة في السياسة الاسرائيلية وفي توجيه دفتها . وبالمقابل، فإن تلازم هذه المواقف مع ما أفرزه لبيد من مواقف الرفض العنصري ، وتنكره الوقح للوزن السياسي للجماهير العربية وممثليها في الكنيست، ولشرعية تحويل ثقلها الانتخابي الى قوة سياسية ، من خلال فكرة مشاركتها في جسم مانع لليمين ، يشكل مؤشرا على طبيعة الدائرة التي يدور في إطارها هذا اللبيد ونهجه في القضية السياسية .
السطو على حركة الاحتجاج !
لكن أخطر ما يمثله لبيد الذي كان أكثر من حصد ثمار حركة الاحتجاج الاجتماعي غير المسبوقة، والتي أخرجت مئات ألوف الاسرائيليين الى الشوارع على مدار صيف 2011 ، من دون ان يكون له فيها ناقة أو جمل ، هو عملية السطو التي قام بها على حركة الاحتجاج ، والالتفاف عليها وتفريغها من مضامينها الجوهرية ، وفي صلبها رفض السياسات الليبرالية الجديدة ، التي فرضتها حكومات اليمين الاجتماعي المهووس ، وتغيير سلم الاولويات ، وتضييق الفجوات الاجتماعية ، وتوفير أماكن عمل ، وإمكانات السكن، ووضع حد لسياسة الافقار والبطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية . وبدلا من الانضمام الى هذه المطالب التي حملتها أيضا فئات واسعة من الطبقة الوسطى التي يدعي تمثيلها ، فقد قام لبيد بأكبر عملية تمويه حين القى بمطالب حركة الاحتجاج الاجتماعي في سلة المهملات ، وقام بالترويج لأجندة تافهة، تضليلية ، تحت مسمى "الحملة من أجل المساواة في تحمل العبء" و"حكومة من دون "الحريديم" .. ورفع نسبة الحسم" لقطع الطريق على الاحزاب الصغيرة وإخراجها من اللعبة البرلمانية ، وخلق الوهم بأن فرض الخدمة العسكرية أو بدائلها على اليهود المتدينين المتشددين "الحرديم"، وعلى العرب ، هو الكفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية والتجاوب مع مطالب حركة الاحتجاج الاجتماعي ، وهو الطريق نحو "سياسة جديدة" ، تقود اسرائيل خارج الازمة . إن عملية التضليل والالتفاف التي قادها لبيد ويمثلها ، هي التي تمكنه اليوم من استلام منصب وزير المالية وإدارة سياسة الازمة بنفسه ، في حكومة الليبرالية الجديدة والرأسمالية الخنازيرية ، التي خرجت حركة الاحتجاج ، لمقاومتها وكنسها . إن الدور الذي يلعبه لبيد ، والدور المنوط بالفقاعة التي يترأسها -"يش عتيد"، أشد خطرا مما يبدو على السطح . فهو يشكل تبريرا للازمة الخانقة في اسرائيل ، وليس مخرجا منها . كما أن افتعال أجندة اجتماعية زائفة ، في مركزها التحريض على "شاس" وتوزيع العبء العسكري، بديلا عن أجندة حركة الاحتجاج الشعبي ، وفي مركزها العدالة الاجتماعية ، هي محاولة مرعبة لعسكرة مفهوم "العدالة الاجتماعية" ، بحيث يصبح مطلب جماهير الاحتجاج: "الشعب يريد عدالة اجتماعية" ، مشروطا بالخدمة العسكرية وبدائلها. وهي محاولة تقوم بها فقاعة "يش عتيد" لتهريب القضايا الجوهرية التي انفجرت حركة الاحتجاج في مواجهتها ، ولتمويه الاسباب البنيوية الحقيقية للأزمة الخانقة التي انعكست في اتساع الفوارق الطبقية وزيادة التقاطب الاجتماعي ، وتركيز الثروة لدى قلة ضئيلة من الرأسماليين الكبار ، واتساع دائرة الفقر والضائقة لتشمل قطاعات شعبية منتجة هائلة ، تأخذ بالازدياد يوما بعد يوم . إن لبيد الذي يعمل في خدمة البرجوازية الاسرائيلية الكبيرة المهيمنة على الحكم في اسرائيل، والذي وصل الى الساحة السياسية ممثلا لمصالحها ، يعي أنها تعتمد على ديماغوجيته ، كما اعتمدت على ديماغوجية والده من قبل، في خلط الاوراق وتضييع التناقض الجوهري الصارخ ، بين مصالح الجماهير الشعبية المنتجة، وبين الرأسمالية الاسرائيلية المأزومة ، وأنها تعتمد عليه في خلق المزاج العام لتوجيه اللوم للضحية ، وتحميلها المسؤولية عن فقرها وبؤسها ومعاناتها ، وتفتيت نضالها ، وقولبته في مفاهيم فئوية وطائفية متضاربة ومتناقضة . إن التناقض الرئيسي الموهوم الذي يروج له لبيد، ليس بين المستفيدين من السياسات الليبرالية الجديدة من جهة وبين ضحايا هذه السياسات من الجهة الاخرى ، بين رأس المال الكبير وبين الطبقات العاملة والمنتجة ، بين المستفيدين من الاحتلال والاستيطان الذين يجنون ارباحه من جهة ، وبين الذين يدفعون ثمنه من الجهة الاخرى ، وإنما هو التناقض الزائف، بين من يخدم في الجيش ، ومن أعفي من الخدمة العسكرية ، و بين المتدينين المتشددين من أصول شرقية بالأساس ، وبين الطوائف اليهودية من أصول غربية اشكنازية "العلمانية " غالبا ، بين العامل العربي وبين العامل اليهودي ، بين مركز الدولة وأطرافها . إن الدور التاريخي الذي تضطلع به و تتناوب عليه منذ اكثر من ثلاثة عقود ، "فقاعات سياسية" على الساحة البرلمانية الاسرائيلية ، على نسق "يش عتيد" و"شينوي" و"داش" ، في كل مرة يرتفع فيها منسوب أزمة الحكم القائم في اسرائيل ، وفي كل مرة تتراكم مظاهر الغضب والاحتجاج الشعبي، يتلخص في امتصاص الازمة وحرف حركة الاحتجاج عن مسارها ، وانقاذ النظام الذي أوصلت سياسته الى الازمة ، وتثبيت علاقات القوة الطبقية القائمة ولو بثمن تبديل الادوار واستبدال بعض النخب . إن الخيار المنتصب أمام ضحايا الرأسمالية الاسرائيلية المأزومة، وأمام الطبقات الشعبية في اسرائيل اليوم ، وأمام القوى السياسية الممثلة لها ، وفي طليعتها الحزب الشيوعي والجبهة هو المباشرة الى بناء اصطفاف جديد لقوى المعارضة ، وبلورة تحالفات جديدة يمكن اعتمادها لتفجير موجة جديدة من الاحتجاج في وجه الليبرالية الجديدة التي ينفذها لبيد في هذه المرة ، وبلورة الوعي بأن الصراع الرئيسي والتناقض الاساس، هو بين أولئك الذين لهم مصلحة في استمرار النظام الاجتماعي والطبقي القائم ، وبين اأولئك الذين لهم مصلحة طبقية وانسانية في تغييره وإسقاطه . إن "الفقاعات السياسية" لها منطق الثورة المضادة والسطو على منجزات حركة الاحتجاج ، قد تنجح أحيانا في تأجيل الازمة ، ولكنها عاجزة دائما عن الخروج منها .
#عصام_مخول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخدمة العسكرية ومشروع -السلخ القومي-
-
ليست إسرائيل هي الضحية.. وليست الحل !
-
النووي الاسرائيلي ليس ضمانة للسلام بل العقبة الاساسية أمامه
-
وحبوب سنبلة تموت ستملأ الوادي سنابل..
-
-القاعدة -... والشذوذ عن القاعدة!
-
المضيق والضائقة! بين مضيق هرمز وضائقة السياسة الامريكية
-
خطر الفاشية.. والأزمة الرأسمالية
-
قرار التقسيم- والخيارات الصعبة
-
سوريا - المطروح للحسم ومرغريت اللندنية!
-
الهستيريا النووية والمؤامرة الامبريالية في المنطقة
-
ما يحدث في سوريا... و-الاهداف الاستراتيجية الكبرى-
-
تصدير الثورة المضادة- عنوان المرحلة! (2)
-
تفكيك اللغز حول الموقف من سوريا!
-
ما بعد مجلس الأمن !
-
بين الانتماء إلى المعركة الاجتماعية وأدلجة ضيق الأفق !
-
توفيق طوبي إسم لطريق مشرّف وعنوان لمرحلة
-
ليس بالعدوان الامبريالي وإنما بمقاومته يتحرر الشعب الليبي!
-
من النظام النووي القديم إلى نظام عالمي جديد مناهض للنووي
-
حين يصبح اللا حل هو الحل !
-
الان جاء دورعادل مناع : التسطيح الاكاديمي والافتراء الفظ على
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|