كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1160 - 2005 / 4 / 7 - 11:50
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
رغم أن العالم قد اعترف للشعوب بحقها في تقرير مصيرها بنفسها وإقامة دولها المستقلة إن شاءت ذلك, ورغم ورود ذلك في اللوائح الدولية والأمم المتحدة المعترف بها من قبل جميع دول العالم, فأن ممارسة هذا الحق في بعض مناطق العالم ما تزال بعيدةً, وما تزال الأمم المتحدة عاجزة عن مساعدة الشعوب المطالبة بذلك في تحقيق هذا الهدف المنشود. وحق تقرير المصير يمتد من حق شعب ما طلب التمتع بالحقوق المتساوية والمواطنة المشتركة ورفض التمييز إلى الحق في ممارسة الحكم الذاتي أو إقامة الفيدرالية أو الكونفدرالية أو ممارسة حق الانفصال وتشكيل الدولة المستقلة ويفترض أن تتمتع بهذا الحق كل الشعوب التي تعيش في دولة ما, ولا يجوز الانتقاص من هذا الحق بأي شكل من الإشكال, إذ أن أي انتقاص له يعتبر تجاوزاً على حق الشعوب ومخالفة للقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان. ويبدو أن العالم بحاجة إلى فترة أخرى لكي يتسنى له ممارسة هذا الحق دون ضغوط ونضالات ومصاعب وتضحيات كبيرة.
إلا أن شعوب العالم قد تمكنت خلال القرن العشرين أن تحقق الكثير من النجاحات على هذا الطريق وبشكل خاص في قارة أفريقيا, في حين ما تزال شعوب كثيرة في قارة آسيا تناضل في سبيل الوصول إلى ممارسة فعلية لهذا الحق العادل والمشروع. ومن بين دول هذه القارة دول منطقة الشرق الأوسط, ومنها تركيا وإيران وسورية, في حين تسنى أن يمارس هذا الحق في العراق من جانب الشعب الكردي بعد نضالات مريرة وتضحيات غالبية وكبيرة ومآس لا حصر لها. وفي العراق حيث أمكن تحقيق ذلك ويراد الآن تكريسه في الدستور العراقي, حيث قرر الشعب الكردي وقيادته السياسية المتمثلة بأحزابه السياسية ومجلسه الوطني (البرلمان الكردستاني) إقامة الفيدرالية والبقاء في إطار الجمهورية العراقية التي يطلق قادة الكرد عليها "الدولة العراقية الفيدرالية الديمقراطية التعددية الموحدة". وهذه الموافقة لا تنفي بأي حال حقهم في الانفصال وإقامة دولتهم الوطنية المستقلة في حالة محاولة القوى القومية الشوفينية والعنصرية رفض ممارسة حق الفيدرالية من جانب الشعب الكردي أو محاولة الانتقاص من حقوق المواطنة المتساوية. وترشيح الشعب الكردي مواطناً كردياً لمنصب رئيس الجمهورية العراقية الفيدرالية الديمقراطية, هو السيد جلال الطالباني, وفوزه به فعلاً في الجمعية الوطنية في 6/4/2005, دليل على أن الشعب الكردي اختار الوحدة وليس الانفصال وقرر بمحض إرادته هذا النمط من الوجود في إطار الدولة العراقية. كما أن موافقة بقية القوى السياسية العراقية الممثلة في الجمعية الوطنية المؤقتة أو أغلبها على هذا الترشيح والانتخاب دليل اعتراف بالحقوق المتساوية للعرب والكرد وبقية القوميات في العراق الفيدرالي الديمقراطي الموحد.
إلا أن هذا الحل الذي ارتضاه الشعب العراقي لا يعجب البعض ويثير غيض القوميين المتعصبين الذين ما زالوا يحلمون بدولة أموية أو عباسية لها مستعمراتها أو حتى فتوحاتها وقهر شعوب أخرى وفرض إرادتها عليها. إلا أن هذا الوقت ولى وانتهى. ومن هذا المنطلق القومي الشوفيني الضيق يتصدى بعض الكتاب والصحفيين العرب إلى القضية الكردية في العراق من زاوية مشوهة, زاوية الرؤية القومية الشوفينية المتطرفة التي ترفض الاعتراف بحق الشعب الكردي في العراق في تقرير مصيره بنفسه, وتستنكر من نفس الزاوية الفكرية والسياسية وجود الفيدرالية في كردستان العراق, وترى فيها الخطوة الأولى على طريق الانفصال وإقامة الدولة الكردية. ولا يكتفي هذا البعض الكثير بذلك, بل يسعى إلى تحريك الحكومتين التركية والإيرانية لتقفا ضد هذه الفيدرالية, وتهدد بأن مواصلة الكرد في العراق السير على هذا الطريق يمكن أن تتسبب في بحور من الدماء (راجع في هذا الصدد مقال مصطفى أمين بتاريخ 4 نيسان/أبريل 2005 في جريدة الشرق القطرية, ومقالة الدكتور محمد صالح المسفر في نفس الجريدة بتاريخ 5/4/2005). ولا يكتفي المسفر بذلك بل يطالب الحكومات العربية بعدم التصدي للإرهابيين الراغبين بالسفر إلى العراق والمشاركة في حمل السلاح وقتل العراقيات والعراقيين من خلال الدعوة إلى مساعدتهم في ما يسعون إليه.
المقالات التي ينشرها هؤلاء الكتاب والصحفيين تتميز بعدة ملامح, منها:
1. الإصرار على قلب الحقائق والابتعاد عن الموضوعية وتشويه التصريحات لبعض الشخصيات الكردية, إضافة إلى تفسيرها بعيداً عما يراد منها.
2. الرغبة في إثارة الضجة وتشويه المسيرة النضالية للشعب الكردي واستعداء العرب ضد هذا الشعب في العراق وضد مطالبه العادلة.
3. الدفاع عن النظام الدكتاتوري الصدّامي المخلوع باعتباره كان نظاماً قومياً عربياً ويجسد الطموحات العربية.
4. دعم العمليات الإرهابية التي تمارسها القوى الصدامية والظلامية بحجة أنها "مقاومة شريفة!".
لم يخف الكرد أحاسيسهم وحقهم المشروع كقومية وكأمة كردية في أن يحققوا يوماً ما دولتهم الوطنية المستقلة على أرض كردستان الممتدة على الأرض الواقعة في الدول الأربعة المشار إليها في أعلاه. وقد عبروا عن هذا الحق في الاستفتاء الذي أجري في صفوف الكرد ليبرهنوا عن مسألتين مهمتين, وهما:
أ?. إن حق الانفصال وإقامة الدولة هو حق مشروع أولاً؛
ب?. ولكنهم يريدون إقامة الفيدرالية والبقاء في إطار الدولة العراقية باعتبارها جمهورية فيدرالية ديمقراطية موحدة ثانياً.
وعلى هذا الأساس تجري الأمور في العراق حالياً مستندين في ذلك إلى التجارب الغنية والطويلة التي بلغ عمرها الآن ثمانية عقود من الحياة المشتركة ومن الممارسات الاستبدادية للنظم العراقية المركزية والذهنية العنصرية التي ميزت النظام البعثي المقبور بشكل خاص. فالمسألة ليست توزيعاً بين الشيعة والكرد, بل هي حاجة فعلية لهذا العراق وضرورة لا بد منها. وإذا ما أدرك العرب في الدول الأخرى ذلك فسيكون في صالح العراق الديمقراطي الموحد وفي صالح الشعب العراقي بكل مكوناته.
إن محاولة تشويه التصريحات لا يسيء إلا إلى من يحاول ممارسة ذلك التشويه. إن تصريح السيد جلال الطالباني بأن قوات البيشمركة في مقدورها أن تساعد بقية القوات المسلحة العراقية في وضع حد للإرهاب في الموصل لا يعني انفصال هذه القوات عن القوات المسلحة العراقية أولاً, وعدم ممارسة هذا الحق أيضاً لأن مهمات الحفاظ على أمن كردستان والحدود العراقية الإيرانية والعراقية التركية والعراقية السورية من خلال تلك القوات ثانياً يحتل حالياً أهمية فائقة لكي تمنع امتداد الإرهاب الدموي إلى إقليم كردستان العراق ومنه إلى بقية أنحاء العراق, خاصة وأن جملة من القوى المناهضة لحقوق الشعب الكردي وللعراق الديمقراطي تحيط بكرد العراق. كما أن تصريح السيد مسعود البارزاني حول عدم السماح للقوات المسلحة العراقية بدخول كردستان إلا بموافقة المجلس الوطني لاتحادية كردستان لا يعني انفصال هذه القوات عن الجيش, ولكنها تتضمن حقيقة مهمة هي أن الجيش العراقي كان حتى عام 2003 الذراع العسكري المقيت الذي وجه الضربات القاسية لنضال الشعب الكردي من أجل حقوقه المشروعة والعادلة, وما مجازر حلبجة والأنفال إلا التعبير الصارخ وقمة الجرائم التي ارتكبت هناك وفق قرارات سياسية أصدرتها الحكومات المركزية, كما يدرك الكرد بأن هناك قوى في القوات المسلحة العراقية ما تزال تطمح بأن يمارس الجيش العراقي مثل هذا الدور ضد الكرد. ولهذا فهو تعبير عن تجربة مريرة ورغبة في تجاوز حصول مثل هذا الأمر إلى أن تتكرس الديمقراطية في صفوف القوات المسلحة العراقية وتتعزز الرؤية المشتركة للعراق الفيدرالي الديمقراطي التعددي وتنمو الثقة المنشودة.
إن استعداء العرب والدول المجاورة على الشعب الكردي في العراق لن ينفع القوى المتطرفة ولن تحصد غير الخيبة, وسوف ينتهي الشعب العراقي من ظاهرة الإرهاب الدموي الجارية حالياً وسيلفظ هؤلاء أنفاسهم الأخيرة على حدود العراق بكل تأكيد وسيتمتع العرب والكرد وبقية القوميات في جمهوريتهم الديمقراطية الفيدرالية وستكون قدوة لبقية الدول ذات القوميات المتعددة.
برلين في 6/4/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟