أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد الكريم كامل أبو هات - النمساوية الجديدة















المزيد.....



النمساوية الجديدة


عبد الكريم كامل أبو هات

الحوار المتمدن-العدد: 4031 - 2013 / 3 / 14 - 23:38
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


النمساوية الجديدة
 فردريك فون هايك F.V.Hayek مثالاً
تمهيد
يشغل فردريك فون هايك مكانه مميزه في الفكر الاقتصادي العالمي لابعّده شخصيه مؤثره في اقتصاد القرن العشرين بل احد أهم ممثلي المدرسة النمساوية الذين واصلوا تقاليدها فضلا عن كونه احد المنظرين الذين وقفوا ضد الاتجاهات النظرية السائدة وقتئذٍ و باستعارته لجملة مشهورة أطلقها الفيلسوف الاجتماعي وأحد منظري الحداثةModerinismفي المسرح والفن "هنريك ابسن H.IBSEN"التي تقول" يمكن أن تكون الأقلية على حق .. لكن الأكثرية ليست دائما على حق" حيث أراد التعبير عن التزامه بالفردية Individualism منهجا وفلسفه بإزاء قضايا عصره في المجالات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي عصرنا الذي نعيش وبعد أن تحول الصراع العالمي باتجاه قيم اللبرالية والاقتصاد المعولم أصبح اسم هايك حجه لليبراليين في صراعهم ضد النزعات الاشتراكية والمتبنيات الجماعية وعندما بلغت المعرفة التخصصية ذروتها وصدرت الملاحظات ألانتقاديه بحق النظرة الشمولية (الكليانية)Universalismعن غير المحترفين تقدم هايك بنظامه المركزي للمعرفة الاجتماعية وظهر المجتمع من خلاله كنظام مبهم وإذا كان هايك يعيش في زمن تقبل اللبرالية الكلاسيكية بعّدها صدى للماضي الذي لن يعود واللبرالية الاقتصادية ظاهره سيئة عند البعض فانه هايك دافع عن فضائلها وأصالتها التي تعرضت أيضا إلى سوء الفهم وجرت حولها جدالات ونقاشات أثارها جون ماينارد كينز J.MKenynesالذي رفضها وأنكرها أيضا الاقتصادي السويدي) R.J.H.icksجون هكس 1989-1904)في مؤلفه رسائل انتقاديه لنظريه النقود(1) MONETARY THEORYالصادر عن جامعه أكسفورد عام1967 فكان هايك الشخصية الدرامية الرئيسية للحدث في المرحلة المحصورة مابين 1890-1930 لقد اقتنع هايك في صحة الأوضاع الرئيسية لنظرياته إذ ارتبط فكريا بما طرحته المدرسة النمساويةAUSTRIAN SCHOOLالتي كان ينتمي إليها والتي عاودت الظهور في الوسط الأكاديمي بفضله ثانيه بعد إهمال وصمت طوال سبعينات القرن العشرين تحت تأثير عدد من الدواعي من بينها .
1-خيبات الأمل في أفكار الإصلاح الاجتماعي بشكل عام والإقرار بأهمية القيم الليبرالية وبمقدمتها الحرية الفردية
2 تفكك الإجماع الحاصل خلال أربعينات وستينات القرن الماضي حول برامج السياسة الاجتماعية والاقتصادية ليس فقط من خلال أثاره الشكوك حول دور الدولة وقدرتها على صياغة السياسة الملائمة التي لاتتقاطع مع كفاءة نظام السوق والقيم الرئيسية للمجتمع الديمقراطي
3-التغيرات التي أصابت عمليه أعاده الإنتاج المؤدية إلى ادرا ك أن المشكلات المتصلة بعدم استخدام الموارد لايستبعد مشكله المحدودية والاستخدام الكفء للموارد ومن هنا سيطر الاعتقاد بان مدخل APPROACHالاقتصادي الكلي MACRO ECONOMICليس شاملا حتى وان كان الحديث يجري حول القضايا العملية للسياسات في مثل هذه الظروف( منحت الثقة بالفلسفة الاجتماعية اللبرالية المنهجية الفردية الذاتية ومبدأ إدماج عنصر اللايقينUNCERTAINITYفي النظرية ألاقتصاديه والنظر إلى العملية ألاقتصاديه من زاوية صياغة ونشر المعلومات FORMATIONS)نقول منحت المدرسة النظرية النمساوية قدرا ملموسا من التأثير مقارنه بالنظرية الأخرى المتمثلة بالكنزيين والنيوكلاسيكية الأرثوذكسية ابتداءً من السبعينات من القرن الماضي لم تكن الصدفة تمثل إي دور في إعلان أنصار المدرسة النمساوية على أنفسهم كمواصلين لتقاليدها ومن بينهم يمكن ذكر الأسماء الأتية:-
كيرسنر U.Kerzener
ليشمان L.M.Lachman (1906- 1990)
جورج شاكل G.Shacle (1903-1992)
راتباد .م M.N.Rothbod (1926-1995)
باري. Berry (1930-2007)
دريسكول J.O.Drscole
إن استعاده المدرسة النمساوية لمكانتها في تاريخ الأفكار ألاقتصاديه بدا وكأنه انتصار لأفكار فردريك فون هايك حول الاشتراكية(2) فمطالعه هايك تنحصر في إن المجتمع الذي يتم فيه استبدال النظام الطبيعي بمبدأ خضوع الحياة الاجتماعية لعدد من الأهداف إنما هو مجتمع يفتقد للديناميكية ويحكم على نفسه بالفشل(3)وفيما يتعلق بنظريات الاقتصاد الانتقالي ذهب هايك إلى الاعتقاد بأنه بغض النظر عن مستوى الراديكالية التي تتمتع بها هذه النظريات في المجال السياسي فإنها تستند إلى فرضيات منهجيه تتحد بل وتقرراخطاء سياسه الانتقال ولهذا ونظرا لعدم كفاية الأدوات النظرية المستخدمة في تحديد خصائص مشكلة الانتقال تصاعد الاهتمام بأطروحات هايك ومن بينها الأطروحات المتصلة بالإشكال المتطورة للمؤسسات الاجتماعية فضلا عن أفكار متعلقة بالإمكانات المحدودة لتحليل الاقتصاد الانتقالي والأهمية المتدنية لنظريات الاقتصاد الكلي MICROECONOMICSفي رسم السياسة ألاقتصاديه.
1- فلسفه ومنهجيه هايك
إن ألموضوعه الرئيسية لنظريه المعرفة في فلسفه هايك (تتمثل في المحدودية ألمبدأيه للمعرفة الانسانيه فهي لاتوجد في شكل متركز في منظور الاختيار النهائي للمعلومات المجسدة في صيغ وأرقام بل توجد مبعثره وسط الناس وكل منهم يمتلك جزء منها فيما يمتلك الجزء الأعظم منها صفه لاشكليهunformal أن هذه ألموضوعه تعكس ليس مشكله التجريبية التي كان من الممكن توقعها من جراء اكتمال التكنولوجية العلمية والحقائق الغير قابله للدحض في الحياة الواقعية فصار الاعتراف بعدم أمكانيه صياغة خارطة موضوعيه شامله للعالم والاقتصاد نتاج لها والاقتناع بان إي معلومات ملموسة حول النظام العام والنظام الاقتصادي ضمنا قد تكون أسوء أو أفقر من تلك التي نجدها داخله).
إن المعارف المتراكمة في المجتمع والمتجسدة في العادات والتقاليد والمعايير تنتقل في عمليه التربية وتظل عاده بدون إدراك المعنى الواقعي لهذه وتلك من المقاييس ومن هنا لاتصبح اقل أهميه في وجود المجتمع.
إن مجموع المقاييس والمؤسسات يشكل النظام الاجتماعي الذي يتوطد ويتكون من خلال أفعال الناس المعتادة ولكن بذاته لايمثل نتاج للإراده الواعية ولايخضع للتنظيم الموجه إن هذا النظام قد ظهر بشكل متدرج ولايخضع وجوده لأي هدف من الأهداف إلاأنه مهم جدا وبشكل استثنائي للوصول إلى غالبيه الأهداف المتباينة التي يسيطر عليها البشر والتي هي إجمالا غير معروفه لأحد والحديث يجري هنا حول ما يصطلح عليه النظام الموسع أوالنظام التلقائي pontaneous Orderإن النظام التلقائي بحسب هايك هو عمليه استكشاف ديناميكيه يقوم الناس خلالها بتجربة الأعراف الاجتماعية الجديدة أو القوانين الجديدة تماما كما يتصرفون مع التقنيات الجديدة(4) ويمثل هذا النظام حسب هايك الموضوع الرئيسي للعلوم الاجتماعية على وجه العموم هذه النظرة التي دافع عنها هايك سبق (لكارل منجرk.menger 1921-1840) أن أشار إليها في عام1871 فتعدد المؤسسات لديه ليس نتاج للتشريعات الموضوعية أو نتاج للإرادات الواعية للمجتمع بل تعبير عن جوهر ألآثار الغير مدركة للتطور التاريخي وبذلك تتجلى الطبيعة المحدودة للمؤسسة الاجتماعية إن السوق هو الجزء العضوي المكون والمهم للنظام التلقائي أو النظام الاجتماعي وبمؤسساته التي يقوم عليه بشكل مباشر وقبل كل شي مؤسسه الملكية الخاصة وبعده نظام اجتماعي فان السوق تشكل من خلال المسار الطبيعي ودون تدخل من أي قوه موجهه وتتوقف على وجوده المنافع لكل المجتمع وخاصة ضمان وجود أكثر القيم الاجتماعية أهميه وهي الحرية الشخصية(5)ومن ثم فان دراسة السوق كنظام للتبادل يمثل هدف علم الاقتصاد عند هايك وعليه فان وجوده هو الذي يجعل التحليل العلمي أمرا ممكنا إن المرجعية الاساسيه للمدرسة النمساوية ترتبط بشكل لاينفصل بالمنهجية الذاتية Subjestivism إي وبالأساس المنهجي للفردية mdividualism وبقدر ما مهمة علم الاقتصاد تكمن في شرح النظام الاقتصادي التلقائي فانه يصبح علما نظريا مدعو لبناء قوانين نوعيه فيما بين أجزاء الظواهر الاجتماعية الأكثر بساطه في حياه الإنسان ألاقتصاديه وقد يؤدي استخدام المنهجية الذاتية في تحليل الظواهر ألاقتصاديه يمكن إن يقود إلى نشوء الأوضاع التيه(6)
1-إن الإفراد المشاركين في النشاط الاقتصادي يعملون بموجب تصوراتهم الخاصة (الغير مكمله ومحدودة )حول الأوضاع ألقائمه والفرص التي تتفتح إمامهم
2-أنهم يتوجهون نحو المستقبل الذي لايحتمل اليقين عند إي فرد تماما كما هوالحال بالنسبة لعواقب الأفعال التي يقوم بها الناس
إن تقديرات وتصورات الناس مختلفة بسبب اختلاف الميول والمعارف والمعلومات التي تقع تحت تصرفهم ويمكن لهذه التقديرات والتصورات إن تكون خاطئه بسبب عدم التقدير الصحيح للوضع وعلى أساس المعرفة النظرية الخاطئة وعدم كفاية واكتمال المعلومات.الخ.
يتجه الإفراد نحو التقييمات الذاتية عند تغيير سلوكهم وعندها لن تتقرر الوقائع رد فعل الناس فقط بل ستتقرر بالقدر الذي يعدون فيه قناعاتهم وتصوراتهم نسبيا إن الفلسفة اللاتجريبيه تفترض Apriorism إن العلم الذي يدرس الظواهر الاجتماعية يتأسس على بعض الفرضيات عن السلوك النسبي للإفراد وهذه الفرضيات تحصل بشكل حدي npotive وعلى أساس الاستبطانintrospection وتكون القوانين المستنبطة على قاعدة الفرضيات هذه قوانين لاتجريبيه وتأسيس على مبدأ اللاتجريبيه Apriorism . قدم فون ميسز 1973_1880 Mises فكرته عن البراكسيولوجيه فهي العلاقة التناسبية مابين الأهداف والوسائل ويستكمل هذا الوصف بما أفاد به فون ميسز أيضا من إن النظرية ألعامه للفعل البشري تنشا من الاقتصاد السياسي للمدرسة الكلاسيكية ولايمكن لأي معالجه للمشاكل ألاقتصاديه المحضة تفادي البدء من أفعال الاختيار ويصبح الاقتصاد جزء وبالرغم من كونه أفضل الأجزاء اتقانا لحد الآن من العلم الأكثر شمولا البركسيه (7)وان البركسيه تعبر تعبيرا دقيقا ومضبوطا عن المعرفة بالأشياء الحقيقية(8)العلاقة هذه تقوم مبدأ العقلانية RATIONALISMباعتبارها تركيب منطقي بحتا لذا تتعلق العقلانية فقط بالأفكار التحليلية ولايمكن إن تخضع للتقديرات التجريبية كما يوقد على ذلك مايسز أو مثلما أثار هايك إلى إن البراكسيولوجيا وبدون إضافة فرضيات تجربيه ممكن إن تقدم معرفة كافية عن الواقع بالقدر الذي تنطلق فيه استشارة عقلية أطلق عليها جوهر الفعل (9)
إن البراكسية وبعدها مدخلا للبحث لدى المدرسة النمساوية وبالطريقة التي افترضها مايسز تعرضت لقدر من التحريف حيث جرت محاولات لتحديد دائرة الفرضيات الأولية (اللاتجربية )Apriori فبعض من التصورات المستنبطة introspectedعن سلوك الإنسان تعرض للاختيار التجريبي empirical test فمثلا يقترح كيرسنر إن فرضية العقلانية فقط يمكن إن تنتمي إلى البراهين الأولية (اللاتجربية )وكل ماعدا ذلك يمكن إن يكون تجريبيا (10).
وفي نطاق تطوير أفكار مايسز بصدد المداخل المنهجية حاول كل من دريسكول وبيزو G-p-pizzo طرح تصورات جديدة حول بناء النظرية الاقتصادية في إطار مااصطللح عليه (مبدأ الديناميكية الذاتية )الذي يقوم على الاعتقاد بلا حتمية الإحداث المستقبلية وعدم انعكاس العمليات الاقتصادية وعدم إمكانية مناقشة أمرها ضمن مصطلحات الاحتمالية (11)ومع ذلك فان الوضع العام للصياغات المنهجية عند النمساويين ظللت كما هي في السابق متمثلة في العلاقات الانتقادين تجاه مايصطلح عليه بالعلموية Scientism ( إي نقل أو تحويل وسائل وطرائق العلوم الطبيعية ميدان البحث في الظاهرات الاجتماعية دونما اهتمام إلى الاختلاف ألمبدأي القائم بين ظواهر العالم المادي والظواهر الاجتماعية )لقد لاحظ هايك إن اختلاف العالم المادي عن الواقع الاجتماعي يرتبط في انه في المجتمع يعمل الإفراد الذين يتبعون أهدافهم والذين يقبلون ويقيمون مايحصل في ضوء التقييمات التي تبدل من تصرفاتهم إن الإقرار بهذه الخصائص أجبرت هايك على توجيه النقد الحاد لسلسلة كاملة من المفاهيم المنهجية الشائعة في ثلاثينيات القرن الماضي وفي عدادها ما يتصل بأهمية البحث التجريبي وما يتعلق بمضامين التنبوءات وأهميتها عند تقييم النظرية
لقد ظلت المعرفة النظرية لدى هايك دائما تمثل نقطه الانطلاق للمعرفة التجربييه وقد اتضح هذا الموقف في مفهوم هايك لجوهر وأهميه التنبؤ، فلم يقرر هايك أهميه النظرية بمدى قدرتها على التنبؤ بل إن صدق التنبؤ يمثل أكثر المعايير المعبرة عن حقيقتها غير انه يرى في عمليه التنبؤ وظيفة مهمة للنظرية وبخلاف غالبيه الاقتصاديين فهم هايك جوهر التنبؤ ولهذا تضامن معه في الفهم هذا جمهرة الاقتصاديين النمساويين الجدد new austrian economists فالتنبؤ ليس تقويما للأهميه الملموسة لأي مؤشر من المؤشرات بل هو مقدمة للاتجاه المحتمل لتطور الإحداث أو مايصطلح عليه بنمط التنبؤ pattern prediction وعلى هذه الصورة لاينبغي للعلم العزوف عن تقييم تطور الإحداث المقبلة بل لاينبغي للعلم انه يعطي توجهات رقميه ملموسة .
ثالث الأجزاء المكونة لمنهجيه البحث والتفكير لدى المدرسة النمساوية الجديدة هو المنهجية الفردية ويشار إليه أيضا بمبدأ الذريه Atomism الذي يقول بأنه الظاهرات الاجتماعية هي نتاج للأفعال الفردية المستقلة وطبقا لهذ ه المنهجية لايمكن إن يوجد مفهوم عند الاقتصاد الوطني إلا ويتقدم بعده مجموع للأقتصادات الفردية التي تنتجها جميع الوحدات ألاقتصاديه وفي ضوء هذا الفهم وجه هايك نقده للمنهجية الكليانية أو holism التي تنطلق من الشموليات الاجتماعية المختلفة نوعيا عن تلك الناجمة عن الوحدات ألاقتصاديه من وجه نظر المدرسة النمساوية تنطوي الظاهرة الكلية على خطر ليس لأنه غير موثوقة من الناحية النظرية – المنهجية، وإنما تكمن خطورتها أيضا في أنها تفتح الطريق في النهاية أمام الاصلاحية و التجريب .
ثانياً : مشكلة التناسق في النظرية الاقتصادية
إن تصور علم الاقتصاد وكأنه نظام يحدد مجموعه من المسائل التي جلبت انظار هايك كما يقرر محتوى تلك المفاهيم ألاقتصاديه الاساسيه مثل مفهوم التوازن والسوق والمنافسة والمالك إن التركيز على التناسقcoordination يعني زيادة الاهتمام بدراسة الميكانيزمات التي تؤمن التوافق في نشاطات الإفراد الاقتصاديين ومن وجه نظر هايك لمسألة التوافق منظورين مترابطين المنظور الأول يتمثل بالمجال الذي يفترض إن الاقتصاد يركز على المصاعب الناجمة عن التغيرات في هيكل الإنتاج والاستهلاك بعدها أثرا لكميات المتغيرات التجميعية aggregate ، والمنظور الثاني هو الزمن الذي يفترض إن القرارت التي يتخذها الإفراد المشاركين في العملية ألاقتصاديه وبالمقدمة منهم المستثمرون، إنما تعبر عن تصوراتهم عن الأفعال المحتملة للمشاركين الآخرين في المستقبل فالوضع الذي يظهر فيه إن إنتاج السلع يتطلب زمنا ويمنح عمليه التكييفadaptation امتداداً زمنياً يزيد من احتمال حصول الأخطاء في عملية التناسق وتكتسب الأخطاء صفه تراكميةAccumulative لقد كان تركيز هايك والمدرسة النمساوية بشكل عام على مشكله التناسق الهيكلي يمثل الخاصية المميزه لهذا لمدرسه مقارنه بنظريات الاقتصادي الكليMacroeconomics وفي هذا كان لهايك رؤية فبعد أن عدت طرائق معظم الاقتصاديين للتميز بين أساليب الاقتصاد الجزئي Microeconomics والاقتصاد الكلي متناقضة وتزايد الاهتمام لاحقا بعدها تكميلية حسب رأي بولندغ Bouldimgعام 1950 عارض هايك بعنف هذا المنظور مرتئيا إن الاقتصاد الكلي يمهد السبيل لانعدام تام في العقلانية فينبغي بالتالي رفضه (12).
لقد تميز منظور الزمن في التناسق طبيعة مدخل Approachالنمساويين الجدد عن مداخل ممثلي المدرسة الحدية الكلاسيكية واشر في الوقت نفسه مدى اقتراب هايك ومناصروه من المدرسة السويدية فليس صدفه إن يقوم هايك وغونار ,ميوردال Myrdal (1787-1898)K.Gفي نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن الماضي بكتابة مؤلفات جديدة في مجال التوازن الزمني عندما طرح هايك مشكله التناسق كموضوع لعلم الاقتصاد فانه في الوقت نفسه حدد المجموعة النظرية الاساسيه وحزمة الثيمات في النظرية ألاقتصاديه والحديث هنا يدور مثل كل شي حول الأسعار كنظام فعال للمعلومات والاتصال وأيضا حول نظريه الأسعار التي ينبغي إن تظهر ميكا نزم تكيف النظام ألسعري مع الاضطرابات الخارجية وأيضا حول رأس المال باعتباره تركيبا معقدا متكون من رؤوس أموال فرديه غير متجانسة وحول نظريه رؤؤس الأموال التي تضيف ميكانزم التكيف في إطار نظام الأسعار وأخيرا حول النقود كحلقه وصل مابين الحاضر والمستقبل ونظريه النقود التي بينت لها إن تبين الارتباط المتبادل مابين التغيرات الهيكلية بالأسعار التي تعكس التغيرات في هيكل رأس المال والإنتاج والاستهلاك والتغيرات الحاصلة في كميات النقود في التداول التي تعبر بدورها عن الحلول السياسية بعبارة أخرى العلاقة المتبادلة مابين الأسعار النسبية والأسعار المطلقة كما أثارت نظريه الدوراتTHeory off Sycles اهتمام هايك التي توحدت في إطارها طروحات هايك حول ماتقدم من مجالات وفي ضوء الإيضاحات بشأن أسباب وخصائص الفشل في عمليات التناسق فضلا عن بحث في تأثير السياسات النقدية الائتمانية على هذه العملية لقد ناقش هايك على نحو خاص مجموعه كأمله من المفاهيم الاساسيه في النظرية ألاقتصاديه كالأسعار ورأس المال والنقود فضلا عن مفهوم التوازن و مفهوم المنافسة والمفاهيم الأخرى المشار إليها سابقا وبغض النظر عن التقارب الواضح مابين المدرسة النمساوية والمدرسة النيوكلاسيكية فان النمساويين الجدد ناقشو موضوع التوازن من زاوية الوضع المثالي في النظام الاقتصادي تختفي فيه ومن جراء مثاليته بواعث التغير والتطور وهنا يمكن تمييز اتجاهين نقديين مترابطين ويكمل احدهما الأخر : الأول وضع بدايته مايسز حيث يتصف قبل كل شيء بالاعتراض على المدخل الاستاتيكي static للتوازن واستبدال فكرة عملية processالسوق بفكرة وضع أو حالةstatas السوق ، والأمر يحصل هنا الدعوة لرفض التصور الميكانيكي للعالم الذي بدأ مسيرته منذ ادم سمث smith (1723-1790) ووجد تجسيده في موديل ليون فالراس L.Walras (1843-1910) . إما الاتجاه الأخر فأنه يتميز بازدياد الانتباه لمسألة المعرفة والمعلومات وعلى نحو يستدعي العزوف عن الافتراض القائل باكتمال المعرفة لدى الإفراد وهذا يعني إن المشاركين في السوق يدركون الأسعار التوازنية قبل إكمال الصفقات .
إن النمساويين يرون عدم إمكان تحديد التوازن قبلا أو أي تعيين أسعار التوازن وكمية الثروات التي يتم مبادلتها بهذه الأسعار بسبب أن التوازن في النظام البنائي لاينفصل عن عملية تحققه أو تجسده إذ لايوجد مراقب خارجي قادر على تحديد مااذا كان هذا الوضع أو ذاك هو وضع توازن لكن مايسز أثار الشك حول قيمة مبدأ التوازن كمسلمة تحليلية . فيما عده هايك امرأ مسلماً بت ونظرا إلى المعرفة ,كأمر ذاتي subject وبالتالي افترض إن الحصول على معرفة جديدة لابد إن يؤدي إلى إعادة النظر بالخطط الفردية ومن هنا نستنتج وجود إمكانية تقيم هذا الوضع أو ذاك فقط على مستوى الفرد وليس على مستوى النظام البنائي بشكل عام ومن ثم انطباق مفهوم التوازن فقط على سلوك الشخص (أو الفرد) .
إن كلا الاتجاهين الانتقادين يندمجان عندما تتم دراسة الارتباط بين المدخل التوازني وفكرة الاقتصاد المخطط ، وكلاهما أيضا يتفقان مع إن مبدأ التوازن وفي إطار المفهوم العادي له ، يتنافى والقيم التي تؤسسها الديمقراطية واقتصاد السوق فيما لو نظر إليه كنظام تلقائي ، وفي هذا النظام وليس في غيره تجد الإنسانية حقيقتها لاتفاقه مع الطبيعة البشرية، ومن النافلة هنا الإشارة إلى محاولة هايك في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين إعادة الحياة إلى الليبرالية في وجه الدعوات المنادية إلى تخطيط مركزي واسع للاقتصاد الوطني ، مع انه قد تراجع عن القول بسياسة عدم تدخل الدولة تماما ونادي بفكرة إن على الدولة توفير إطار عمل مستقر تجري ضمنه تصرفات الإفراد فقد انطوى هذا في كتابه (الفردية والأنظمة الاقتصادية)( 13). على موقفه الجديد هذا . فالقيمة العليا للنظام تجد تجسيدها عنده في المنافسة ، ومن هذا التصور ذهب هايك في توصيف العلاقة مابين التخطيط والسوق مذهباً يتساوق مع فلسفته الاقتصادية والسياسية ، فالتخطيط والمنافسة لايمكن الجمع بينهما إلا بواسطة التخطيط من اجل المنافسة ، ولكن ليس بالتخطيط ضد المنافسة ... أي التخطيط الذي يستبدل بالمنافسة 14.
وهنا تنبغي ملاحظة إن النمساويين يرون في التوازن كأحد أنواع التطابق في سلوك الإفراد مع تصوراتهم التي تتمظهر في أفعال محدودة متوافقة . أي إن الحديث لايجري حول نتائج الأفعال ، بل حول الاتجاهات tendencies التي تتشكل في عملية التبادل التي هي بحد ذاتها تعبير عن النشاط المبدع للإنسان . إن عمليه السوق عند النمساويين هي عمليه نشر للمعرفة لاتنفصل عن عمليه المنافسة التي بحثت لديهم لابعّدها علاقة مابين المتعاملين Agents التي تتصف بها مايطلق عليها بالمنافسة التامة perfect competition بل ينظر إليها كعمليه تقوم نحو الأمام في كشف وفتح جديد أي كشف إمكانيات وتفصيلات جديدة وكذلك وسائل إشباع وفي إطار الفهم هذا تكون المنافسة جوهر التناسق ونشر وامتلاك للمعرفة 15 .
وكخطوه أولى في هذا المجال تتقدم المنافسة بمنظورها الديناميكي والتوجه نحو المستقبل المجهول الذي لاتنفصل الحركة باتجاهه عن ألمخاطرهRisk يلتقط هايك هنا مفردات الاقتصاد الكلاسيكي الأكثر أهميه وقاعدة كل مايتم على الساحة ألاقتصاديه للنظام التلقائي فيشدد على أهميتها القصوى لصيرورته وتقدمه، وهذا ما أكده الاقتصادي الأمريكي جون كينيث جالبريث J.K.Galbraith (1908-2006) في مولفه تاريخ الفكر الاقتصادي الماضي صور الحاضر بقوله ففي عام 1944 ( وفي ذروة المجهود الحربي وسياسة عدم التدخل، عاد إلى الهجوم الأستاذ فردرك فون هايك.. مدافعا صلبا عن قواعد الاقتصاد الكلاسيكي قائلا: إن نظام الأسعار لن يؤدي دوره .. إلا إذا سادت المنافسة، أي عندما يصبح المنتج الفردي ملزما بالتلاؤم مع التغيرات بالأسعار وغير قادر على التحكم فيها ).16
ثالثاً:- مساهمات هايك في النظرية ألاقتصاديه
إن أداء السوق لاينفصل عن عمليه تكوين ونشر واستخدام المعارف فالجانب الأكبر من المعرفة الضرورية للشخص الاقتصادي يكون مجسداً بالأسعار التي هي بحد ذاتها مؤشرات معلوماتية رئيسيه في النظام الاقتصادي البنائي. إن النظام ألسعري هو شبكه معلوماتية واتصاليه فالأسعار تنطوي على communicational and informational معلومات متماسكة وفاعله وموسعه ومؤشرا مع مدى تاثرالافراد أو تفاعلهم. ومكافئه غير عاديه مقابل الجهود السابقة ودليل على منفعة الثروة من وجه نظر مختلف الإفراد وعليه فهي ليست إيه مقوله criteria خارجية وإيه ذلك مايعبر عنه هايك ويشرحه ومن أفكار حول الأسعار في المجتمع القائم على المنافسة، فان الأسعار التي سيكون علينا إن ندفعها من اجل شي ما، والسعر الذي نستطيع به الحصول على شي مقابل أخر ، يتوقف على كميه الأشياء الأخرى التي إذا اخذ واحد منها فإننا نحرم أعضاء آخرين من المجتمع وهذا السعر لايحدد بواسطة الاراده المتعمدة لأي شخص 17
تشغل التقديرات الزمنية في خطط الإفراد وخاصة المنتجين منهم أهمية فائقة وكذلك الحال فيما يتعلق بالمديات الزمنية لعمليه الإنتاج، وفي نفس الوقت لايبدو الرأسمال المستخدم في الاقتصاد متجانسا انماهو بنيّهstructure معقده تتصف بمجموعه من خصائص موجودات رأس المال: وفي هذا الجانب للتناسق الزمني ارتباط بالإنتاج عدد من الأوضاع 18
الأول : يعد المنتج خطه الإنتاجية في ضوء الطلب والموارد المتوفرة
الثاني : إن المنتج يحدد بنية الموجودات من رأس المال وحجم المواد الأولية المستخدمة الضرورية لتحقيق ألخطه
الثالث: إن كل هذا الخطط تتلاءم فيما بينها وتتطابق مع الموارد الموجودة من خلال ميكانيزم السوق في المرحلة الأولى من العملية الانتاجيه بسبب تنفيذ الخطط الانتاجيه. إن درجه التناسق في البنية الزمنية لرأس المال تظهر بسبب تنفيذ الخطط الانتاجيه، وفي هذا الوضع يمكن إن يحصل إن كميه ونوعيه المواد الأولية الموجودة لا تتطابق مع بنيه رأس المال القائمه ويبرز ذلك من خلال تغير أسعار المواد الأولية الذي يقود بالضرورة إلى أعاده النظر بخطط الإنتاج وما ينجم بالتالي عنها من مصاعب تنجم عن الخصائص المميزة للموجودات الراسماليه وطبيعة العلاقات المتبادلة فيما بينها: ومن بين تلك الخصائص أشار هايك إلى التخصص specialization ، أعاده الإنتاج reproductions ، الفترة أو المدى الزمني Duration الاستبدال substitution ،التكميل supplement . وهي تقرر خصائص عملية الإنتاج بوجه عام وبشكل خاص خصائص مايصطلح عليه هايك ب Roundaboutness أو الدورة الزمنية، أي الزمن الذي في مجراه تترابط الموارد في عمليه إنتاج السلع نفسها في الاقتصاد فان حصل التوافق في الاقتصاد بشكل عام فان مستوى الRoundaboutness سيتلاءم مع معدل الفائدة ، فلو أخذت الفائدة على أنها مؤشر لمستويات التفضيل للسلع الحاضر بالسلع المستقبلية، فان من الممكن في الحالة هذه التثبت من إن السوق بوجه هيكل العملية الانتاجيه بالتكيف مع تفضيلات الإفراد عبر الزمن، وحصول هذا يعتمد على مايتمتع به رأس المال من خصائص. في مؤلفيه( السعر والإنتاج 1431) و(النظرية النقدية والدورات 1433) وفي أعمال أخرى له صدرت في ثلاثينيات القرن الماضي ، أوضح هايك إن التناسق أي تساوي الطلب على الموارد مع العرض منها التي تستعمل في مختلف مراحل عملية الإنتاج(منظورا إليها من زاوية شاملة)يتحقق إذا كانت الأسعار كمؤشر للمعلومات كافيه للتعبير عن تفضيلات الإفراد، وضمن ذلك مقارنه الاستهلاك المستقبلي بالاستهلاك الحاضر وواقع الأمر إن التناسق الذي يدور حوله الحديث هنا هو التوازن الذي فهم كعمليه as process وليس كحالة as status . إن هذه العملية تقترن بتذبذبات تحصل بسبب التغيرات في التفضيلات تتعرض للتقلب الدوري من جراء ما تقتضيه عملية التكيف في بني الإنتاج ورأس المال من زمن, وتتصاحب مع مجموعة من القيود ولكن ثمة مصادر أخرى للاضطراب, فالفائدة المصرفية والنقود تخضع لمراقبة المؤسسات المتحكمة, القادرة على تشويه نظام الأسعار وتستدعي في الوقت نفسه تبدلات ناقصة في بنية الإنتاج, وهو ما يضعنا بإزاء نظريتي النقود والدورات لدى هايك.
لقد صاغ هايك أطروحاته بصدد الدورات الاقتصادية في ثلاثينيات القرن العشرين من خلال نقاشاته مع كينز J.Keynes باستلهام منهجية المدرسة النمساوية وخاصةً المنهجية الفردية رفض هايك النظر في مسألة النقود من منطلق العلاقة التناسبية بين حجم النقود في التداول وبين ما ينجز من صفقات بواسطتها, وأعاد بالوقت نفسه النظر بوظيفة نظرية النقود التي عادةً ما بحثت في إطار نظرية كمية النقود بوصفها نظرية للبحث في آلية تأثير كمية النقود على المستوى العام للأسعار, أو تحديد العوامل المؤثرة في القدرة الشرائية للنقود. لقد كان هايك قلقاً من السؤال المثار عن الكيفية التي يمكن للنقود من خلالها أن تؤثر على عملية تناسق النشاطات الاقتصادية. فتحول تركيز هايك من التغيرات في المستوى العام للأسعار, (مثلاً تعاظم كميات النقود بالنسبة للمؤشر التجميعي لحجم الإنتاج) إلى التركيز على آلية توغل النقود في الاقتصاد, هذا التوغل الذي يطول نظام الأسعار.
لم يستلهم هايك نصوص المدرسة النمساوية التي تفترض ظهور كميات إضافية من النقود أحياناً لدى بعض الأفراد, في حين تبقى كمية النقود لدى الجميع بلا تغير, فيما تكون النسب موحدة وبتغير المستوى العام للأسعار خلال عملية إنفاقها تتغير أيضاً الدخول, بل ومن الممكن في بعض أوضاع الإنتاج وبالوقت نفسه أن تتغير التناسبات الشعرية.
يستقصي هايك هنا تأثير ما يعرف بحقن النقود Injection الذي يكمن مضمونه في أن النقود الإضافية تدخل إلى الاقتصاد بصورة مختلفة, فهي تظهر لدى البعض من المتعاملين وفي أسواق معينة بمستوى أسرع مما في الأسواق الأخرى.
إن تغيرات الأسعار النسبية, أي تلك المؤشرات التي يسترشد بها المنتجين في صياغة الخطط الإنتاجية ومن ثم التغيرات في تخصيص Allocation الموارد يمثلان نتاجاً لعدم التساوي. وفي هذا التأثير بالضبط يرى هايك فكرة حيادية النقود, وهنا لابد من الإشارة إلى أن التأثير السلبي لنمو كمية النقود على الاقتصاد يمكن أن يحصل حتى في ظل ثبات المستوى العام للأسعار, لهذا يعد التضخم Inflation من وجهة نظر هايك بمثابة عملية تشويه لهيكل الأسعار وارتفاع المستوى العام يحصل نتيجةً لهذا التشويه.
إن حتمية حصول التشوه تقررها البنية المؤسسية للاقتصاد Institutional structure (عدم كفاية مرونة بعض الأسعار يعد أثراً لها) فضلاً عن التأثيرات التي تزاولها على الأسعار العمليات الممهدة للتغيرات في معدلات الفائدة وهذه الأخيرة محكومة بأن الطلب وعرض الموارد المستخدمة في الانتاجات التي تشغل مجالات مختلفة في البنية الزمنية للإنتاج, تؤثر بشكل مختلف على التغيرات في معدلات الفائدة, مثال ذلك أن انخفاضها ينشط إعادة توزيع الموارد باتجاه المجالات الاستخراجية, أي نحو أكثر مراحل بنية العملية الإنتاجية انخفاضا, فإن كانت التغيرات في معدلات الفائدة تعكس التبدلات الحاصلة في التغيرات الزمنية للناس فإن عملية التناسق تكتسب حين ذاك باعثاً جديداً, ومع أن عملية التكيف مع التفضيلات الجديدة يمكن أن تقترن بظواهر ألازمة فإن بنية الإنتاج ستتحدد بالتلاؤم مع هذه التفضيلات. ولكن بالقدر الذي تكون فيه معدلات الفائدة تحت تأثير المؤسسات التنظيمية ويمكن لهذه الأخيرة أن تقررها, فإن الانطلاق من التصورات السياسية (مثلاً محاولة رفع الطلب الاستثماري) يمكن أن يجعل من معدلات الفائدة مؤشراً غير صادقاً عن التفضيلات الزمنية للمتعاملين في الاقتصاد.
وبالنتيجة فان هيكل السعر, وقبل كل شيء العلاقات الشعرية ما بين الموجودات من رأس المال ومواد الاستهلاك تتعرض للتشويه ومن ثم تشوه البنية الإنتاجية. مثال .. عندما ينخفض المعدل فإن أسعار الموجودات الرأسمالية ستظهر بمستوى مبالغ فيه متجاوزة نسبياً أسعار مواد الاستهلاك, الأمر الذي يقتضي توجيه استثمارات كبيرة للغاية نحو هذا القطاع, نحو تلك القطاعات التي تختلف عن إنتاج السلع الاستهلاكية, وهذا يعني من وجهة نظر ها تكوين مصطنع للنهوض Boom الذي يتصف بالنمو اللامتساوي للأسعار وللإنتاج والذي على هذه الصورة سيضع مقدمات الأزمة (19).
في ظل هذا النوع من النقاش تكون الأزمة Crises ناجمة عن عدم كفاية الطلب وخاصة الطلب الاستثماري وفيض الطلب الاستثماري مقارنةً بالطلب الاستهلاكي الذي يظهر من جراء الحقن الائتماني الموجه إلى هيكل الإنتاج الذي يتناقض مع التفضيلات الحقيقية للناس, ونسبياً علاقة التناسب القائمة ما بين الاستهلاك الحاضر والمستقبلي وبالتناظر مع التشوه الذي يحدث في هيكل الإنتاج, يحصل تشوه مماثل في هيكل الاستخدام Employment ولصالح الانتاجات التي تكون بعيدة عن إنتاج مواد الاستهلاك, وفي الظروف الازمة فإن البطالة ستشمل هذه الانتاجات بأعلى المستويات.


رابعاً: السياسة الاقتصادية.
إن المدخل البنائي Structural Approach للبحث بالنقود والدورة لدى هايك حدد العلاقة الفعلية بالنسبة للسياسات المضادة للأزمة التي طرحها البناء الكينزي تماماً. والسياسات المضادة للتضخم التي قدمها النقوديون The Monetarist في حين أن كلا الاتجاهين أقاما سياستهما في ضوء التحليل الماكروي Macroeconomic للعمليات الاقتصادية, الذي يرى فيه هايك أنه يعزف عن العمليات الأكثر أهمية وهي التخصيص Allocation .
لقد اكتملت ملاحظات هايك الانتقادين للسياسة الكينزية موقفه السلبي تجاه تجربة إخضاع الاقتصاد للأهداف السياسية. فقد رأى هايك أن الخيار ما بين التضخم والبطالة هو مجال للصراع السياسي, وقسم الخيار هذا في إطار الصراع بين المصلحة السياسية والضرورة الاقتصادية, وهنا تتمتع السياسة بأهلية للظفر في هذا الصراع, غير أن السياسة في الأنظمة الرأسمالية ستواجه مصاعب معقدة جداً عندما تلجأ, ومن أجل تحديد الخيارات المناسبة للسياسة, إلى الاقتصاد لتعيين نظام الأسبقيات, ونتيجة هذه السياسة ستكون إعادة إنتاج قواعد للتضخم(20).
قبل أواسط سبعينيات القرن الماضي اقترنت سياسات التخلص من المأزق بتغير مبادئ عمل المؤسسات المركزية (المصرف المركزي بالدرجة الرئيسة), اقترنت قبل كل شيء بالتخلي عن التمسك بالأهداف السياسية وبما يلحق الضرر بالأهداف الاقتصادية دونما تحديد لإمكاناتها وقدراتها على تنظيم حجم وكمية النقود والائتمانات, ولكن عندما اتجهت الأوضاع إلى مدى أبعد أدرك عندها المفكرون ما يدعى بالحياد السياسي للبنك المركزي, فطرحوا سؤالاً حول فرص تقويض احتكار البنك المركزي لحق إصدار الأدوات النقدية. فانبثقت فكرة " تصفية النقود "Denationalization of Money وإلغائها, أي منح المؤسسات المالية الخاصة, وعلى أساس المنافسة, حق إصدار وسائل الدفع الجيدة لتمييزها عن تلك الوسائل غير الجيدة التي تفرضها المؤسسة الاحتكارية (أي الدولة)(21).
إن فكرة تصفية أو إلغاء النقود والانتقاد الذي وجهه هايك لسياسة مواجهة التضخم والبطالة هي في نهاية الأمر انعكاس لآرائه عن دور الدولة وعن امتثالها لمصالح المواطنين, ففي نطاق النظرة العامة لمبدأ مساهمة الدولة في الحياة الاقتصادية, فإن على الدولة, حسب هايك, أن تقيم الهيكل الذي يؤمن للناس أفضل الظروف لتحقيق أهدافهم. وهنا ليس المهم نطاق التدخل كما هو كائن, بل المهم هو اتجاه هذا التدخل, ولهذا فإن معاداة هايك للتدخل النشط للدولة إنما كان صدى لاعتقاده الحاسم بضرورة الحرية Freedom للفرد وللمجتمع كقيمة عليا, إذ لم يتورع هايك عن تخصيص أكثر من مؤلف لها (22). ففي مؤلفه (الطريق إلى العبودية) خلق عبارة صارت بمثابة حجة للمنادين بحرية الفرد والأسواق, إذ قال ((إن التورط السياسي المتزايد في الاقتصاد يؤدي في النهاية إلى الاستبداد)) لذا فليس غريباً أن نجد أكثر من مؤلف اقتصادي وباحث متخصص يستعير القول هذا كمدخل يحدد سلفاً رؤيته حول الدولة والسوق...
خامساً: العقلانية والنظام التلقائي.
ينصرف مفهوم النظام لدى هايك إلى الوضع الذي يمنح فيه الفرد فرصة لتكوين توقعات موثوقة نسبياَ عن سلوك الأفراد الآخرين والانخراط في علاقات موثوقة ومتبادلة تقترن بمثل هذا السلوك.
إن نظام الحياة المشتركة للناس تستلزم تنظيماً محدداً للنشاطات وقوانين عامة, ولم يكن هايك في رؤيته لطبيعة الأنظمة يركن إلى نظريات وفلسفات من سبق من المفكرين والفلاسفة, فقد وقف منها موقفاً انتقادياً حين كان يرى فيها أنها نظريات خاطئة وتنطوي على خطورة بالنسبة للقيم التي تسلم بها المجتمعات, وأيضاً بالنسبة لإمكانات بناء أنظمة عقلانية, لذا لم تكن انجازات الفلسفة الفرنسية في عصر النهضة والفلسفتين المادية والمثالية في ألمانيا والفلسفة الوصفية لتشكل لديه أية أهمية مرجعية.
لقد ذهب هايك مذهباً محدداً فيما يتعلق بكيفية تنظيم حياة البشر, فالمؤسسات هي نتاج لعقل الإنسان وأن التفكير المعقلن يدفع الناس نحو تدنية قيمة التقاليد وإعادة تقييم مدى واقعية النظام الاجتماعي الجديد والمثالي. هذه النظرة تتماهى بمفهوم الكلاسيكية والليبرالية للمجتمع (هيوم وسميث وسواهم من الكلاسيك) الذين شرحوا الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية كأثر غير موجه لأفعال الناس وليس كنتاج للنشاط الواعي. ويعتقد هايك أن وضع تمييز بين مستويات النشاط وبين القوانين أو القواعد هي عملية تنجم عن التحليل العلمي حيثما لا يدرك الناس خلال فعالياتهم اليومية ألا هو على نحو جزئي أنهم ينفذون قوانين محددة, ولهذا فإن مسألة كيف يمكن تحقيق نظام التأثير المتبادل بين البشر يرتبط بشكل تام بمسألة ماهية القواعد والقوانين التي يقوم عليها النظام وكيف تنشأ.
عندما ميّز هايك بين نوعية الأنظمة فإنه أجاب على السؤال المتعلق بكيفية نشوء أوالية عمل القوانين, فوجد الأفراد والجماعات التي تلتزم جزئياً وفي الوقت نفسه بقوانين مختلفة إنما يجعل الفرصة سانحة لانتقاء قوانين أكثر كفاءة (23). فهناك نوعان من الأنظمة هما:-
• النظام التلقائي Spontaneous Order .
• النظام البنائي والعقلاني Rational Constructive Order .
والأول حسب هايك هو النتيجة غير المقصودة لحياة الناس المشتركة ويتميز بأن الأفراد يتبعون أهدافهم الخاصة التي يمكن أن يحققوها خلال قيامهم بالأفعال الاجتماعية والاقتصادية وأية فعاليات أخرى.
ويعد وجود قانون والقواعد مقدمة لهذا النظام, إذ يسمح وجود القانون بإتباع الأهداف الفردية وتمكين الأفراد من استخدام قدراتهم, ويمنع فقط الأشكال المحظورة من الفعاليات, ويطلق هايك على هذه القوانين السلبية لفظ القوانين أو الأحكام المجردة Abstractive التي تملك طبيعة مشتركة فقط حين يكون عملها في صالح الناس جميعاً بغض النظر عن الأوضاع الخاصة وبصورة متساوية.
ولهذا فإن وجود وتأثير القوانين المجردة والعامة يمثل المقدمة المركزية لتصميم التنظيم التلقائي للفعاليات والنشاطات التي نجد تعبيرها الكلاسيكي في الاقتصاد الحر والمنافسة والسوق. وعلى هذا يعلق سانديفور Timothy Sandefur .. ((في الواقع تتخذ الأنظمة الاقتصادية والسياسية بنى شديدة التعقيد, وتتضمن معلومات مبعثرة ومبهمة إلى حد بعيد لايمكن معه لأي سلطة مركزية أن تسيطر على التفاصيل المطلوبة لتصميمها. أما في المجتمع الحر, فينتهي الحال بالكم الكبير من الأفراد الأحرار الذين يتولون تدبير شؤونهم الخاصة إلى التعاون دون ملاحظة هذا التعاون, وذلك بفضل القرارات التي يتخذونها اعتماداً على معلوماتهم المحدودة. وهكذا يرتفع البناء من الأسفل إلى الأعلى)). (24)وفي هذا تتبدى لنا جدلية نشوء وارتقاء النظام التلقائي.
أما النظام البنائي فهو ناتج النشاط الواعي, ففي المؤسسة أو المنظمة سيتم توجيه النشاط نحو بلوغ الأهداف العامة أو منظومة الأهداف التي تنفذ من قبل مرجعية مركزية وتخضع لها. وهنا الأمر يتطلب وجود قوانين أو قواعد ملموسة وفاعلة تفرض أو تمنع التصرفات المحددة لأعضاء المنظمة, وفي نفس الوقت تفيد توجههم نحو الأهداف والإمكانات الخاصة, والنموذج الكلاسيكي لهذا النوع من التنظيم يتمثل بالدولة والمشروع والمؤسسة العسكرية والتشكيلات الهرمية الأخرى, لذلك فإن القوانين أو القواعد التي يقوم عليها هذا التنظيم غالباً ما تكون قواعد وقوانين واعية, ويستخدم المجتمع من الناحية العملية كلا النوعين بالرغم من تباين العلاقة التناسبية بينهما.
إن سيادة النظام التلقائي والقوانين المجردة هي مقدمات للمجتمع الحر, ووجودها يجد تعبيره في نظرية هايك عن الإنماء الثقافي Cultural Evolution التي تركز موضوعاتها الأساسية على أن تحكم القوانين التي تتحكم في التطور الحضاري إنما هي نتائج لعملية اختبار طويلة, ولهذا فهي تكتنز معارف الأجيال السابقة عن مآثر ونواقص هذه أو تلك من وسائل التصرف, ذلك أنها تركز, جزئياً, على التجارب الناجحة والفاشلة, وعندما نقوم الناس بتنفيذ القوانين التقليدية فإنها تتمكن أيضا من استخدام المعرفة المجسدة لنتائج التجربة لدى العديد من الأجيال لذلك من الخطأ حسب هايك تأويل التطور الثقافي كبناء عقلي .
إن عدم اعتراف هايك بالعقلانية يقوده إلى رفض فكرة بناء القواعد الاجتماعية بالاستنتاج من المقومات الواضحة بل انه يذهب ابعد من في واقع الأمر بإشارته إلى أن عقل الفرد هو نفسه ناتج العملية ذاتها للتطور الذي أنتج مؤسسات المجتمع وانه متضمن في البنية التقليدية غير المشخصنة للقواعد التي تم تعلمها لذا فان قابليته لطلب الخبرة ماهي إلا نسخة عن الأنماط الاجتماعية التي عدها كل عقل ضروري من الأمور البديهية "إن عملية التطور الثقافي برأي ها تقوم في الحقيقة بإنشاء العقلانية ويتمثل الخطأ العظيم الذي ارتكبته الفلسفة في اعتبار القيم الأخلاقية المدركة بديهيها والتي يكتشفها المرء في أعماق قلبه إنما هي قيم ثابتة أبدية(25)
هذا التأويل السردي توقف عنده المفكر جالبرث (الذي دعا إلى التفريق بين الاحتياجات وبين الرغبات فالاحتياجات تنبع من داخل الإنسان والرغبات اقل أهمية من الاحتياجات وإلى ملاحظة سطوة الإعلانات وإغرائها اقترح جالبرث وظيفتها في خلق الرغبات وحيث إن السوق لايعرف الطلب الحقيقي للمستهلك والموجود في صميم أعماقه فأن هذا السوق يعرف الرغبات الاصطناعية التي زرعها المعلنون المتلاعبون وهو ما يطلق عليه جالبر بث أثر التبعية أو الانصياع فيستنتج أن المؤسسات تزرع وتغرس الرغبات في النفوس فيجب على الحكومة أن تحد من الاستهلاك الشخصي وأن تستخدم مواردها لتحسن المرافد العامة ويذهب جالبر ث ابعد من ذلك حين يتنبأ بمستقبل أكثر حضارة ما لم تتبنى الحكومة مبادئ الاشتراكية الديمقراطية والتخطيط كما يتنبأ بمزيد من البطالة... الخ. (26)ومثل هذا الطرح وجد معارضة قوية من ها تلخصها تأكيداته على إن كل الرغبات المهمة تنبع من داخل الإنسان.. وان قليلأ من الاحتياجات يكون حقيقيا طبيعيا ). (27).
يميز هايك بين طوائف مستقلة من قواعد السلوك التي ابعد ماتكون بلا تناقض فلم تكون هذه الطوائف تعرف المخططات المصممة والموجهة نحو موائمة المجتمع مع مثله المجردة فالناس تدرك أن ثمة قواعد ناتجة عن النمو التلقائي هي حصيلة عملية تطور مجموعة من الأخلاقيات والأعراف الاجتماعية وما يحصل من تناقض فمصدرة أن المواطن في نظام تلقائي ما إن يقوم ببعض الخطوات في طريق الإصلاح حتى يستحيل عليه أن يفعل ذلك دون أن ينتهك الأعراف المتبعة لذلك نجد لدى هايك تركيزا للهجوم على الحافز البنائي الداعي إلى فرض المخططات المصممة والموجهة التي تستند إلى فكرة أن المجتمعات لم تكن على معرفة بواقع الحال لايتفق مع ها فالانسجام يجد ذاته ليس قيمة ذاتية أو أصلية والتناقض كأي أمر أخر قد يتقبله أفراد المجتمع على نحو جيد جدا. (28), وفي هذا المضمار يشرح جون هاسناس Hasnas الإشكالية على النحو الأتي (29)
إن الميزة الأساسية للنظام التلقائي والتي تتميز في غياب صانع قرار واع ونهائي يعني أن قواعد النظام تبقى دائما عرضة لإعادة التقييم والقواعد التي تبقى غير مقبولة من أية نسبة من السكان ذات اعتبار ...إنما تؤدي إلى تفاقم الصراع ويؤدي هذا بدورة إلى ازدياد حالات التقاضي مما ينتج عنة زيادة في فرض تجربة قواعد أخرى قد يكون لها أداء أكثر إنتاجية أو سلمية فيما تودي القواعد المعززة للتفاعل البشري المسالم والمتعاون حسب ها قواعد الأداء العادل وهي قواعد للنظام العادل إلى خفض وتيرة الصراع الاجتماعي فتنخفض حالات التقاضي ويقل اعتماد تعرض القوانين للاعتراض مما يودي إلى بقائها وترسخها كجزء مستقر من النظام القائم... أما النظام البنائي يتسم أساسا بوجود شخص ما أو عدة أشخاص تفوض إليهم سلطة اتخاذ القرارات ذات التأثير الجماعي الذي يشمل النظام ككل فهو يعمل وفق مجموعه مختلفة من المحفزات وحتى إذا كانت النوايا على أرفع مستوى من الإخلاص فان المحددات المتأصلة في طبيعة الإنسان لاتشير بمقدرة صانع القرار الجماعي على التحديد الدقيق لقواعد تضمن الأداء العادل المنعقد على الخبرة ولكن مزيج القدرات المحدودة للإفراد على أخطائهم ضمنه تصرفات الأفراد لم يعد ها في كتاباته الأخيرة إلى نقد التخطيط المركزي" من قبل الدولة ففي كتابة الحرية والأنظمة الاقتصادية المشار إليها سابقا يكتب ها مما يأتي يمكننا التخطيط لنظام ذي قواعد عامة ويقبل التطبيق على الناس كافة وعلى أساس ديمومته وإذا كان قابل للمراجعة مع تقدم المعرفة وذلك لتوفير إطار عمل مؤسساتي ترك فيه للأفراد سلطة اتخاذ القرار أمثال مايجب فعله أو كيفية كسب المعيشة وبتعبير أخر يمكننا التخطيط لنظام تعطى فيه المبادرة الشخصية أو مع نطاق ممكن والفرصة الأمثل لتحقيق التعاون الفعال في المجهود البشري (30).وبهذا انتهى ها إلى الربط بين النظام التلقائي والتطور البنائي
والاعتراف بها .... إضافة إلى ما يتصف يه الإنسان من الأحكام المسبقة والتحيزات القياسية لاتؤدي فقط إلى تعقيد عملية تصحيح الأخطاء الأولى وأتما تزيد احتمال ترسخ هذه القواعد الاستغلالية والاضطهادية بقوة ضمن النظام أن النظام التلقائي يكون في حالته المعيارية أعلى مقاما من النظام البنائي ومنشأ ذلك أن المحفزات في تزيد من الاحتمال النسبي لإنتاج قواعد تساعد على التعاون السلمي بينما يكون من شان المحفزات في النظام البنائي أن تدفع باتجاه إنتاج قواعد تساعد على الاستغلال والاضطهاد.
مما تقدم من شرح للإشكالية المتعلقة بالتمييز ما بين النظامين جاء متفقا تماما مع أفكار هايك وفي مواجهة مثل المفهومات والتأويلات السابقة يبدو أن مفهومات هايك بصدد المكانة التي يحتلها النظام التلقائي في حياة البشر كانت متناقضة وتنطوي على مصاعب عديدة لجهة ماينبغي إن تتمتع بت من موثيقية ونجد من بينها:
- إنكار هايك وجود إي أساس مستقل ملاحظ بعيدا عن التطور الاجتماعي فالاختلاق فرعا من فروع الفلسفة
- محاولته لجعل بعض القيم الرسمية تماما ودون أي معنى وهدف كا التعميم والتوافق فعمل عملا جوهريا قياسيا
- خروجه عن الترتيب الزمني فيقرأا تطور القانون العام في القرن العشرين على أرضية أزمنة سابقة
- إفراطه واستصغاره للتفضيل العقلاني لمفهوم الحرية
- إن جهود هايك إلى إعادة الحياة إلى الأفكار الليبرالية الكلاسيكية بعد أن خبت وتلاشىت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي وتصاعدت دعوات التخطيط المركزي وانتشار مصطلح تخطيط تحت تأثير دراسات مريدي الاقتصاد الاشتراكي وفي المقدمة منهم ( بول باران P.Baran 1964 – 1916) وبو ل سويزي Sweezy من 2004 – 1910 وموريس دوب Dobb 1965- 1404 واوسكار لانجه O.Lange 1965 – 1904 ومايكل كاليستكي M.Kalesky 1970 -1899 وغيرهم من المؤلفين الاشتراكين وحيث رأت الناس في مثل هذه الأفكار حلولا لمشكلاتها وزادتها أهمية وشيوعا نقد جون ما ينارد كينزJ.M.Keyne s للنظرية الكلاسيكية على خلفية الأزمة الاقتصادية العام 1933 إلى 1929 اضطرت هذه الظروف ها إلى المناداة بتوفير أطر العمل المستقر الذي تجري ضمنه.


المصادر والهوامش
• فريديك فون هايك (1992- 1899)نمساوي الأصل ولد في فيينا من عائلة تتمتع بمكانة أكاديمية عميقة إذ كان والديه أستاذين في ابرز جامعات النمسا كما كان أخويه أستاذين درس القانون والفلسفة وعلم النفس والاقتصاد السياسي في الجامعة النمساوية وكان من بين أساتذته فون فايزر كل من هابرلر Haberler وماكلوب Mcklup ومورجنشتيرن Morgenshernبعد أنهى دراسته الجامعية وحصوله على درجتي الدكتوراه في القانون والعلوم الاقتصادية عمل تحت مسؤولية فون فايز V.Vizure في الإدارة الحكومية المختصة بتسوية ديون ماقبل الحرب في عامين 1924 – 1923 عمل في جامعة كولومبيا مستمعا إلى محاضرات ويسلي مينشل W.Metehel وفصل دراسي لجون باتيست كلاركJ.Bklark وبعد عودته إلى فيينا أسس بالاشتراك مع فون فايز معهد دراسات دورات الأعمال وظل يعمل فيه حتى عام 1931 حين غادر مع ليونيل روبنسون L.Robens إلى لندن للعمل في مدرستها للاقتصاد وفي ثلاثينيات القرن الماضي اشترك هايك في المناظرات التي جرت مع جون مانيارد كينز حول المسائل النظرية المتصلة بالنقود والدورات ورأس المال عارض الاشتراكية ومؤلفيها ورفض التخطيط وإمكانية الحساب العقلاني في الاقتصاد مؤسس على الملكية الحكومية وعرف على نطاق واسع اشد المدافعين عن الحرية والأسواق وله العديد من المؤلفات ونظرا لجهوده الفكرية والنظرية وخاصة جهوده في حل المسائل المتعلقة بنظرية النقد وتذبذبات الأسعار والتحليل المقارن لكفاءة الأنظمة الاقتصادية وأبحاثه في مجال الأسس القانونية للأنظمة منح مشاركة مع غونار ميردال G.Myraan 1974جائزة نوبل للسلام .
Hicks J.R.The Hayek Mistory “Hicks J.R.Critical Essays in monetary theory oxbord .1967.p.203.
A.Marshall
*في إشارة إلى أفكار الاقتصادي الفرد مارشال
2- إن تبديل أسلوب الإنتاج الرأسمالي بغيره يؤدي إلى التخلي عن العقلانية الاقتصادية وتظهر هذه الفكرة جليا في حجج فون مايسز وهايك ألا وهي إن الحسابات الاقتصادية العقلانية ممكنة حينما تكون وسائل الإنتاج مملوكة ملكية خاصة فقط فهي أذن مستحيلة في الاقتصاد الاشتراكي.
ينظر في ذلك: اوسكار لانكه الاقتصاد السياسي ترجمة د. محمد سلمان حسن دار الطليعة بيروت - الجزء الأول – الطبعة الثانية 1973 ص 267
3- هايك ف . ق الطريق إلى العبودية ترجمة محمد مصطفى غنيم دار الشروق القاهرة 1977والمؤلف مكرس بالا صل للحديث عن الحرية كنقيض للتوجه الحكومي
4- يظهر في دراسته ساند يفوربنجوتي T.Sandufur النظام التلقائي أربعة إشكالات في كتاب فردريك هايك والنظام التلقائي ترجم على الحارس سلسلة اشراقات معهد كاتوCato 2009 ص 8 وهو بالأصل دراسات أصدرها المصدر المذكور لمجموعة من الباحثين
5 –هايك ف. الطريق إلى العبودية مصدر سابق مقدمة ها الطبعة من الكتاب ص 25 وما بعدها.
6- افتونوموف ف .انانيين مكاشيفان /تاريخ الأفكار الاقتصادية موسكو نشر اينفرا 2007 ص 608 بالغة الروسية .
**** البراكسيولوجيه : Praxiology علم النشاط العقلاني فيقول حقيقة أن عقلانية الأفعال قد صارت ألان مميزة للعديد من حقول النشاط الإنساني .
.... اوسكار لانكة /الاقتصاد السياسي /مصدر سابق ص 196- 195.
7- 7.V.MISAS :humam action ,7.v.mises,1449.p.economics,new heven conn1449.P3.
نقلا : عن اجنياس ساكس تيارات رئيسية في علم الاقتصاد مناضل عباس مندب دار الطليعة بيروت ط 1977ص4 .
8- اوسكار لانكة الاقتصاد السياسي /مصدر سابق /ص221ص222
Caldwell B.J.Boehm S. (ED)Austrian economics:tension and new direction وردت في اقنونونوف /تاريخ/مصدر سابق ص 709 .
10-kirzner l.m, on the memos of astringe economic the ruundatious of modern austriqe ecomics ,;nass city .1976
ينظر – اقنونوموف /تاريخ ص 609
11- المصدر نفسة ص 610 .
**** Apriovism الأولية أو التجريبية مصطلح للفلسفة المثالية الذي يحدد المعرفة المستحصلة مثلا دون الاستناد إلى التجربة وهو بخلاف مصطلح Aposteriorizm الذي يعني المعرفة المتكونة عن التجربة أو نتيجة التجربة المصدر روز نتال م. م القاموس السياسي / موسكو 1975 نشر دار الآداب السياسية / اللغة الروسية ص 25 .
******* Whokism وهي من Holosاللاتينية أو تلفظ أحيانا بالهوليستيكية Holostic إي الكلية من الكل و من المصطلحات الفلسفة المثالية ويشير إلى عدم ارتهان الكل بالجزء.
المصدر / روز نتال / القاموس / مصدر سابق ص29 .
12- اجانسي ساكس / تيارات رئيسة / مصدر سابق ص36
13- بروس كال دويل – الرد الثالث في سبيل فهم النظام التلقائي / في فريدريك ها النظام التلقائي مصدر سابق ص 37
14- هايك ف / الطريق إلى العبودية مصدر سابق ص62 وص63
15 – هايك ف – المنافسة كإجراء لكشف – مجلة الاقتصاد العالمي الدولية – معهد الاقتصاد العالمي – موسكو العدد 12 لسنة 1992
16- جالبريث ج . ك – تاريخ الفكر الاقتصادي – ترجمة احمد فؤاد بليغ عالم المعرفة الكويت 2000 , ص267
17- هايك ف. ف / الطريق إلى العبودية مصدر سابق / ص103
18- افنو نو مو ف تاريخ الفكر / مصدر سابق ص615
-Barry N.P. H ayeks Social an d Economic Philosophy L1979.p.156-16019
ينظر افنوموف تاريخ مصدر سابق 618
20-Hayek f.v. atigre by the tail the kensian lagacg of in flation institute affirs and hie l v mises first published 1972 p 203
21- hayek f.v oenationlizakion of money 1976
ينظر افنوموف تاريخ مصدر سابق ص 619
22- را بيلبخ ب. دور المدرسة النمساوية في تطور الفكر الاقتصادي العالمي القرن العشرين / مجلة الاقتصاد والأساليب الرياضية العدد 3 موسكو 1992
23- ساند يفور / النظام التلقائي أربع إشكالات في كتاب فردريك هايك والنظام التلقائي مصدر سابق ص9
24- نفس المكان
25 – المصدر نفسه ص 15
26- وردت في بوشهولز تود ج أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين مقدمة للفكر الاقتصادي الحديث ترجمة نزيره الأفندي وعزة الحسين المكتبة الأكاديمية الطبعة الأولى , القاهرة 1996 ص 231 ص232
27- المصدر نفسه ص232
28 – سانت يفور / النظام التلقائي / مصدر سابق / ص17
29- هاسناس جونر الرد الأول النظام التلقائي .. أربعة حلول / في فردريك هايك والنظام التلقائي مصدر سابق ص25
30- وردف في كالدويل بروس الرد الثالث في سبيل فهم النظام التلقائي في فرديك هايك النظام التلقائي مصدر سابق ص37



#عبد_الكريم_كامل_أبو_هات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دروس الاقتصاد الكلي السابقة
- بانتظار الموجة الثانية للأزمة
- عصر التنافسية
- الخصخصة في الاقتصاد العراقي
- توجيه الانفاق الحكومي في اطار برنامج الاصلاح الاقتصادي
- العراق والنظام التجاري المتعدد الأطراف
- ظاهرة افساد الاقتصادي
- خفض الديون العراقية .. ماذا يعني للمستقبل ؟
- العرب… والليبرالية الجديدة
- التغيرات الاقتصادية و الثقافة
- الاقتصاد العراقي … ما بعد المحنة … ثمة آمل


المزيد.....




- -سيتي بنك- يحصل على رخصة لتأسيس مكتب إقليمي له في السعودية
- بوتين يأمر بإنتاج كميات كبيرة من السلاح -الذي لا يقهر-
- الإمارات: البنك المركزي يعلق نشاط تحويل الأموال لشركة الرازو ...
- كم سعره اليوم؟.. أسعار عيارات الذهب اليوم في العراق السبت 23 ...
- موراليس: الولايات المتحدة فقدت قوتها الاقتصادية
- اليابان تعتمد 250 مليار دولار لمواجهة التحديات الاقتصادية
- منظمات مناصرة للفلسطينيين تسعى لوقف صادرات الأسلحة الهولندية ...
- بعد نمو ضعيف هذا الصيف - توقعات بشتاء قاسٍ للاقتصاد الألماني ...
- مشاركة فعالة لشركات روسية في معرض إفريقيا للأغذية في الدار ا ...
- كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يشكل مستقبل التجارة الدولية؟


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد الكريم كامل أبو هات - النمساوية الجديدة