منذ انهيار الاتحاد السوفيتى ودول المجموعة الاشتراكية ، ومنذ سيطرة الشركات المتعدية الجنسيات على الاقتصاد الدولى كثر الحديث عن نهاية عصر الطبقة العاملة ودورها في قيادة التغيير الثورى ومن ثم تشرزم الطبقة العاملة وإقليميتها بدلاً من أمميتها في عصر الكوكبة.ويدهش الدكتور إسماعيل صبرى عبد الله وهو يلاحظ أن الحركة النقابية مازالت جوهرياً ذات طابع قومى ، ولم يعد للأممية التى رفعت شعارها في أواسط القرن التاسع عشر إلا لقاءات عابرة على مستوى ثنائى أو أكثر. والواقع أن طابع الأسواق المعولمة وسيطرة الشركات المتعدية الجنسية على الاقتصاد الدولى جعل بمقدور الشركات نقل نشاطها من دولة إلى أخرى لكسر الحركة النقابية المتمردة في أى من مصانعها وتفكيك المصنع ونقله إلى دولة أخرى . بل أن النقابات في بعض الدول المتقدمة تتهم الدول المتخلفة بالإغراق لأنها تطرح منتجات مدعومة بأجور متدنية وانعدام للرعاية والضمان الاجتماعى.
كما أن انتشار البطالة عالمياً كمظهر مصاحب للكوكبة وانتشار التفكيك وإلغاء عشرات الوظائف وانتشار ظواهر العمل لبعض الوقت ولبعض الأيام وانعدام الاستقرار في هيكل العمالة أنعكس على أوضاع الطبقة العاملة من حيث تآكل مكاسب الضمان الإجتماعى وتراجع بعض الدول عن تعويضات البطالة ، وفتح الباب أمام ساعات عمل أكثر وبأجور أقل على عكس ماكانت تطالب به الطبقة العاملة منذ أكثر من قرن من الزمان.
كذلك فإن سياسة الخصخصة وتحويل الشركات والمرافق العامة من الإدارة الحكومية إلى القطاع الخاص والشركات الدولية النشاط أدى إلى المزيد من إلغاء الوظائف والقذف بالآلاف من أرباب الأسر إلى قارعة الطريق.ولدينا في مصر تجربة مؤلمة في هذا المجال حيث يسعى بعض العمال إلى حفز الإدارة على تصفية المصانع وإعطائهم مكافآت يتصورون أنهم سيبدأون بها حياة جديدة وسرعان ما تتبخر أحلامهم ويعجزون في العثور على وظائف بنصف الأجور التى كانوا يحصلون عليها في المصانع المباعة.
ورغم ذلك كانت الطبقة العاملة وستظل الطبقة الثورية القادرة على التغيير ولكننى لن أتعرض لدورها في إسقاط عبد الرحمن واحد في اندونيسيا أو جوزيف استرادا في الفلبين ، ولن أتحدث عن دورها في عودة هوجو شافيز للحكم في فنزويلا أو دورها في إسقاط الحكومة في الأرجنتين فهذا يحتاج إلى دراسة مفصلة لكل حالة على حدى . ولكننى سأقتصر في الحديث عن حركة الطبقة العاملة بمفهومها النقابى والإجتماعى المطلبى ونضالها من أجل تحسين شروط وظروف عملها .
ولو تأملنا أوضاع الطبقة العاملة الآن في ظل الكوكبة الحاكمة نجد الآتي :
أولاً ـ صعود دور عمال الخدمات :
يتميز الاقتصاد في عصر الكوكبة بأنه يعتمد على قطاعات الخدمات مثل المصارف والشركات المالية وشركات التأمين والنقل والشحن والتفريغ والفنادق والبريد وغيرها أكثر من اعتماده على القطاعات الإنتاجية . ولكن لو تأملنا أوضاع عمال الخدمات خاصة في الدول الكبرى القائدة للكوكبة الاقتصادية نجد تفجر الإضرابات العمالية في قطاع الخدمات بشكل لافت للانتباه بدء من إضراب عمال السكك الحديدية في إيطاليا وإضراب شرطة نيويورك وعمال المطافئ والإنقاذ وعمال الأمن في مطار فرنكفورت مروراً بإضراب العاملين في مترو الأنفاق في لندن وانتهاء بإضراب عمال الشحن والتفريغ في موانئ الساحل الغربي الأمريكى وما سببوه من خسائر جسيمة للاقتصاد الأمريكى. كما أضرب عمال البناء في ألمانيا لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وطالب اتحاد العمال بزيادة الأجور بنسبة 4.5 بالمائة لعماله البالغ عددهم أكثر من 850 ألفا.
لذلك نجد الحركة العمالية والإضرابات في قطاع الخدمات أكثر تأثيراً من الإضرابات في بعض المصانع حيث توجد بدائل يمكن الحصول عليها من مصانع أخرى وحتى نفس المصنع يمكنه تعويض إنتاج المصنع المضرب بإنتاج مصانع أخرى تابعة له في دول أخرى على عكس قطاع الخدمات .
وفى الحالة المصرية نذكر إضراب عمال النقل العام عام 1976 وكيف شل الحركة في القاهرة وكذلك إضراب عمال السكك الحديدية عام 1984 ، وأخيراً إضراب عمال مترو الأنفاق في إبريل 2002 . وكلها صفحات مضيئة في تاريخ الطبقة العاملة . بل أن حركة مناصرة الانتفاضة المصرية حازت على دعم كبير من خلال امتناع عمال شركات الشحن والتفريغ في بعض الموانئ المصرية عن تفريغ بعض السفن الأمريكية تضامناً مع الانتفاضة . لذلك تكون التحركات المطلبية والعمالية في قطاع الخدمات أكثر تأثيراً في الرأى العام من التحركات العمالية في القطاع الصناعى.
ثانياً ـ الشركات المتعدية الجنسية :
لاشك أن سيطرة الشركات المتعدية الجنسية أضر كثيراً بالحركة العمالية من خلال أمكانية المناورة مما جعل أستاذنا الدكتور إسماعيل صبرى يرى أن احتجاجاتها خافته ومحدودة الأثر و يصف الطبقة العاملة العالمية بأنها ممزقة ومشتته ولا تملك رؤية واضحة . وقد يعزز من هذه الرؤية وجود تجارب استطاعت خلالها الشركات المتعدية الجنسية كسر الحركة النقابية وتوجيه ضربات موجعة لها .وعلى سبيل المثال هناك تجربة إضراب عمال شركة كاتر بيلر أكبر منتجى الآلات البناء والجرارات في العالم عام 1994 واستمرار الإضراب لأكثر من 18 شهر وتكبد النقابة لأكثر من 300 مليون دولار تعويضات للعمال خلال الإضراب وكيف أنتصر دونالد فيش رئيس مجلس الإدارة على ريتشارد أترود رئيس النقابة من خلال استخدام العمالة الإدارية والموظفين للعمل محل العمال المضربين واستخدام المصانع الأخرى خارج الولايات المتحدة في الوفاء بالطلبيات المتعاقد عليها مما أضر بالعمال المضربين وأجبرهم على إنهاء الإضراب والعودة لأعمالهم دون تحقيق مطالبهم .
ولكن رغم ذلك لا تزال الحركة العمالية في العالم تناضل من أجل تحسين شروط عملها رغم وجود هذه الشركات ففى إبريل الماضى بدأ أكثر من 12 مليون عامل إيطالي إضرابا عاما عبر أرجاء إيطاليا احتجاجا على خطط الحكومة المثيرة للجدل لتسهيل مهمة أصحاب الأعمال في تشغيل وطرد العمال.
وفى إبريل أيضاً قام 13.500 عامل في أكثر من 35 شركة تصنيع سيارات والكترونيات في أربعة مقاطعات رئيسية في ألمانيا بالإضراب لأكثر من ساعة في تحرك هو الأكبر للعمال الألمان منذ قيام عمال مصانع IG Metall بالإضراب عن العمل مطالبين بزيادة قدرها 6.5 % في أجورهم لهذا العام ولأكثر من 3.6 مليون عامل في صناعات أساسية مثل السيارات والهندسة والالكترونيات .كما أن إضراب عمال شركة فيات الإيطالية لصناعة السيارات نتيجة عزم الإدارة توفير 20% من الوظائف وتضامن باقى العمال الإيطاليين مع عمال فيات وكذلك عدم خشية عمال فيات من سيطرة الشركة المتعدية الجنسية كل ذلك يؤكد أن إمكانية المواجهة لازالت موجودة وأن الطبقة العاملة لازالت قادرة على المواجهة والتصدى رغم سيطرة الضوارى المتعدية الجنسية .
ويسوق الدكتور إسماعيل صبرى نفسه مثال يؤكد هذا المعنى حين يحدثنا عن إضراب عمال مصنع سيارات رينو في أوروبا كأول إضراب على مستوى ثلاث دول من أعضاء الاتحاد الأوروبى . فحين أضرب عمال مصنع رينو في بلجيكا لأن الشركة قررت غلقه ، سارع عمال الشركة في فرنسا إلى إعلان التضامن معهم . بل إن عمال مصنع الشركة في أسبانيا انضموا للاحتجاج رغم تلويح الشركة بأنها ستوسع المصنع الأسبانى لتعويض المصنع البلجيكى . والتقى ممثلو النقابات من البلدان الثلاث في مسيرة مهيبة في شوارع باريس وعندئذ وجد القضاء فتوى قانونية إجرائية استند أليها في أمر رينو بوقف تنفيذ قرار الإغلاق .
هكذا تؤكد الوقائع أن المواجهة ممكنة وأن النصر يمكن أن يتحقق بالتضامن العمالى ودعم وتكاتف الحركة العمالية سواء على مستوى الدول المتقدمة أو بين العمال في الدول المتقدمة والعمال في دولنا المتخلفة .
ثالثاُ ـ الحركة العمالية في العالم المتخلف :
تعانى الحركة العمالية في بلدان العالم المتخلف وفى القلب منها الدول العربية من مشاكل الإقليمية والتشرزم والقيود القانونية إضافة إلى تحمل الطبقة العاملة العربية لأعباء سياسات الإصلاح الاقتصادي التى نفذتها البرجوازيات العربية والخصخصة وانتشار البطالة وتآكل الأجور الحقيقية أمام حرية الأسواق وتعويم أسعار الصرف وتخلى الدولة عن الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة . ورغم تفجر الحركات المطلبية بين الحين والآخر إلا أنه ينقصها التنسيق سواء على المستوى المحلى أو الإقليمى أو الدولى .
وإذا كنا نعيش الكوكبة وعصر ثورة المعلومات والاتصالات فعلينا أن نتعامل مع أدواتها في تحقيق التواصل المفقود بين الطبقة العاملة على المستويات القطرية والإقليمية والدولية . بحيث يتضامن عمال شركة النصر للسيارات في مصر مع عمال فيات في إيطاليا ، ويتضامن عمال الشحن والتفريغ في ميناء دمياط مع عمال الشحن والتفريغ في الموانئ الأمريكية وعمال مترو أنفاق القاهرة مع عمال مترو أنفاق لندن .
إن علينا مهمة أن نتضامن من أجل الديمقراطية والحريات النقابية وتحسين الأجور الحقيقية ، وعلينا أن نعى أننا لن نواجه رياح الكوكبة ونحن فرادى ، وأن عمال مصر لا تختلف مشاكلهم كثيرا عن عمال الجزائر وعمال العراق وعمال السودان وأن إضراب في بور سودان يجب أن نتضامن معه في بور سعيد وفى بيروت . وعلينا أن نتواصل دولياً لنعيد الحيوية للأممية العمالية المفتقدة حتى يمكننا أن نواجه رياح الكوكبة ونقهرها . ومرة أخرى سنظل نردد " ياعمال العالم أتحدوا"
إعداد : إلهامى الميرغنى
باحث مصرى