مها حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1160 - 2005 / 4 / 7 - 08:41
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
هي بداية لثورة الطلاب في العراق ؟
في 13 ماي 1968 أطاحت ثورة الطلاب في فرنسا بحكومة ديغول، بدأت الثورة حين ادى التمرد الطلابي إلى اضراب عام شارك فيه 10 مليون عامل . كان الطلاب في ماي 1968 يجمعون المال لدعم العمال المضربين ، والعمال المضربون يتظاهرون ضد قمع البوليس للطلاب، زحف الطلاب والعمال إلى باريس، تضامنا مع طلبة السوربون وصرخوا جميعا " السوربون جامعة حرة " ، هذا ما حدث في فرنسا في عام 1968 حيث استطاع الطلبة تغيير الوجه السياسي لفرنسا واندلعت الحركات الإصلاحية في فرنسا على شتى الصعد ، وخاصة القانونية ، وأقرت قوانين في منتهى الثورية ، مما أتاح كذلك المجال لتتقدم الحركات النسائية وحركات المثلية الجنسية .
أما ما يحدث في العراق ، وبعد أكثر من ثلث قرن على ثورة الطلاب الفرنسيين ، فهو العكس تماما ، في الوقت الذي أقرت فيه منذ أكثر من سبعة وثلاثين عاما الحقوق المدنية والسياسية والجنسية ، التي لا تزال بعيدة عن طموح الطلبة والشعوب العربية ، تقدم جماعات في منتهى التخلف والرجعية والانغلاق الذهني على " ضرب " الطلبة لقيامهم بسفرة جامعية .
إن ما يحدث في العراق ، وغيره من البلاد العربية لهو مخجل ، في الوقت الذي نطالب فيه بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة ، تنصّب بعض الجماعات نفسها ناطقة باسم الله لتقوم بدور الله في محاسبة الناس، فمن يعطي الحق لهذا أو ذاك ، في تمثيل الله ؟الله الذي ربما لا يعترف بهؤلاء الرجعيين والمستبدين أساسا ، الله الذي دعا في جميع النصوص " سواء أكانت منزلة أم مكتوبة " إلى التسامح والمحبة والمعاملة الحسنة .
العراق الذي هو مهد الحضارة ، الأرض التي أقام بها " جلجامش" فمنحها الخلود الذي لم يتمكن منه ، وادي الرافدين ، بابل وسومر وآكاد ، أرض التعايش بين العرب والأكراد والتركمان والأشوريين .... هذا العراق العظيم كما ندعوه ، الرمز الحضاري المستمر ، وخاصة الآن بعد سقوط الديكتاتورية التي تلوح لجميع الأنظمة المماثلة للاستعجال بإطلاق الحريات .
إذن كل هذا العراق ، الماضي والحاضر ، الحضارة والمعاصرة ، عراق المقابر الجماعية ، العراق الذي استعاد نفَس الحرية ، ومع ترك المواضيع الفرعية جانبا " أبو غريب والزرقاوي ,,,, " التي تحدث نتيجة الاختناق الطويل في ظل القمع والديكتاتورية ، وعندنا في العالم العربي عشرات " أبو غريب " ولا أحد يجرؤ على فتح هذه الملفات ، وإصرار الأنظمة العربية على عدم فتح سجونها للهيئات الدولية أكبر أو أحد الأدلة على " أبو غريب " ، إذن مع ترك هذا جانبا ، فإن الشعب العراقي يقدم درسا للبشرية المعاصرة في نجاح الديمقراطية ، والتسامح الكردي العربي ، بل والتآزر وترك الخلافات الحدودية والتاريخية جانبا لمصلحة العراق لهو دليل على تحضر هذا الشعب .
بعد كل هذا الأمل على تخلص العراق من التسط ، تأتي جماعات مسلحة ناطقة باسم الإسلام ، لتقدم على ضرب الطلاب وملاحقة طريقة تحجب الطالبات ، والتدخل في شؤون الطلبة .
أنا منذ الأساس من أشد المعارضين للحوار مع هذه الجماعات ، فمن المستحيل التحاور مع جهة مرجعيتها الوحيدة مرجعية مقدسة لا تقبل الشك أو الحوار ، فأنت تقول له قال سارتر أو ماركس أو البرزاني أو ميلان كونديرا أو حتى " المنتصر البلوشي " فيقول لك من هؤلاء ، قال تعالى ، فينتهي الموضوع ، هذه الجماعات التي تعتقد بامتلاك الحقيقة ، ولا تكتفي بذلك ، بل يأخذها الورم العاطفي والجهل الثقافي ، والجهل بحركة المدنية والثورات المعاصرة ، فتعتقد بحقها في تطبيق وتنفيذ أحكامها العائدة إلى أكثر من ألف وأربعمئة عام ، والتي لم تكن أساسا ، برأيي ، مناسبة ومتناسبة مع الطبيعة البشرية حتى في ذلك الوقت .
إن قيام جماعة الصدر وأمثالها من الجماعات الدينية بتطبيق أحكام الشريعة دون اللجوء إلى القانون كفيصل بين جميع الأطراف ، يضعف موقف الإسلاميين ، ويقدمهم على الدوام كمرجعية متسلطة ، دموية ، لا تعترف بالآخر ، وبالتالي ، مرجعية غير آهلة ، ومنبوذة .
إن ما حدث لطلاب جامعة البصرة ، وطالبات جامعة الأنبار ، وكل التصرفات المشابهة لهو سلوك همجي لا يليق بالخطاب المعاصر ، حيث العولمة والأنترنت والثورات الثقافية والمعلوماتية ، لذلك ، فالمطلوب من الجماعات الإسلامية المتنورة ، في حال انوجدت ، إدانة هذه التصرفات إدانة واضحة وعلنية على صفحات الانترنت والتلفزة والصحافة ، لتوعية الأدمغة التي لا تزال تحيا في أقبية النظام السابق ، والزوايا المعتمة للفكر الديني الأصولي .
ربما ثمة إسلام حديث ، أنا أول من يدعمه في حال انوجد ، لا إيمانا مني بالإسلام ، بل بحق الجميع في الاعتقاد، واعتقاد من هذا النوع ، الحديث ، الذي يؤمن بالآخر ، ولا يكفره ، ولا يلغيه ، اعتقاد جدير بالاحترام ، لذلك ، فهذه دعوة موجهة إلى الناطقين باسم الإسلام الحديث ، ليكفوا بلاء هؤلاء الغوغائيين عن الطلبة ، الطلبة الذين هم أمل العراق ، وكل الدول العربية .
على هذه العقلية الرعوية أن تدرك أنها "هبة ريح" ولن تغير مجرى التاريخ ، سوف ينتصر العلم ، وسوف ينتصر القانون ، الطلاب ، المنطق ، الثقافة ، ويبقى هؤلاء أسرى الزوايا والأزقة المغلقة .
لا يحق لكم يا سادة تكفير الناس والتدخل بتفاصيل اللباس والحجاب ..... ولم ينصبكم الله ناطقين باسمه ، بل إن الله الذي يحب العراق ويحب جميع البشرية ، لأنه خالق الجميع ، ولا يمكن للخالق الوقوف ضد مخلوقاته ، لا يقبل بكم ناطقين باسمه وممثلين له على الأرض ، فاتقوا الله !
نهاية لا بد لجميع الهيئات المدنية ولجان حقوق الإنسان ، واللجان الطلابية في جميع جامعات العالم ، العربية والغربية ، دعم مطالب طلاب البصرة ، والأنبار ، وجميع الطلاب في العراق ، بمحاكمة المسؤولين عن الاعتداءات ، وفصل الدين عن الدولة ، والمساواة التامة بين المرأة والرجل في جميع المجالات ، وعلى الجماعات الإسلامية " الحديثة " إعلان تضامنها مع طلاب البصرة ، وإدانتها لسلوك " جماعة الصدر " وأمثالها، لنقول بصوت واحد ، كما حدث في ماي 1968 " البصرة جامعة حرة !" .
#مها_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟