أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - العمران الديمقراطي في العراق (1-4) التوتاليتارية والدكتاتورية – سياسة تخريب الكلّ















المزيد.....

العمران الديمقراطي في العراق (1-4) التوتاليتارية والدكتاتورية – سياسة تخريب الكلّ


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1159 - 2005 / 4 / 6 - 12:58
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


عندما قيل مرة لأحد المتصوفة "من أي شئ هذه الآه؟"، أجاب "من كل شئ!". وهو الوصف الذي يمكن تطبيقه على بقايا العراق ولسان حاله الواقعي. فعندما ننظر إلى العراق الآن فانه يبدو كيان يتأوه بين تاريخه الواقعي وفرضيات المستقبل. وليس المقصود بتاريخه الواقعي هنا سوى تاريخ مشاكله الكبرى والصغرى. وذلك لان التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية لم تبق فيه غير كتلة من المشاكل الهائلة. بحيث يمكننا القول، بان كل ما في العراق مشكلة، بل أن العراق نفسه مشكلة مركبة. وهو الأمر الذي يجعل من تاريخه المقبل كتلة من الفرضيات، لعل أكثرها جوهرية الآن هي فرضية العمران الديمقراطي. وذلك لان إعادة ترميم الأحجار والطرقات والمنازل وغيرها مما ينسب للبنية التحية، قضية قابلة للحل السريع نسبيا. الا أن القضية الأكثر تعقيدا هي البنية التحية للدولة والقانون والسياسة والأخلاق والإبداع الثقافي. من هنا فان الفرضيات الممكنة والضرورية للعراق بهذا الصدد هي تلك التي تصب في ترسيخ أسس وتقاليد الرؤية الواقعية والعقلانية للإشكاليات التي يواجهها وكيفية حلها. وذلك لما في الرؤية الواقعية والعقلانية بالنسبة للعراق في الظروف الراهنة من أهمية وقيمة استثنائية واستراتيجية بالنسبة للعمران الديمقراطي. وذلك لأنها تعمل بقدر واحد على جانبين ومستوين، الماضي والمستقبل، والبنية المادية والروحية لكل مكونات الدولة والمجتمع والثقافة. وذلك لان الخراب الشامل في العراق يمس بقدر واحد الماضي والمستقبل والروح والجسد. من هنا فراغه من الحاضر وخلوه من الوحدة. إذ ليس في العراق حاضر بالمعنى الدقيق للكلمة، من هنا فقدان المعاصرة فيه. فقد جردت التوتاليتارية الماضي من قوته الذاتية بوصفه الشرط العام والذخيرة الثقافية للحاضر، وأفقدت المستقبل من بريقه الخاطف بالنسبة لفكرة الاحتمال والبدائل. وفي الحصيلة جردت جسد الدولة والمجتمع من روحهما وجعلتهما مجرد كيانات للتجارب الفارغة. وذلك لان الامتلاء الحقيقي في الوجود هو الذي يستند إلى فكرة الزمن باعتباره التيار الساري في روح التاريخ وجسده الواقعي أي في التكامل الدائم للمجتمع والدولة في وحدة لا ينفصم عراها. بينما أفرغت الدكتاتورية وحدة الدولة والمجتمع من كل محتوى باستثناء العنف الموحد في وسائله التي لا تحصى. وفي النتيجة لم تصنع سوى مسخ الدكتاتورية التوتاليتارية والبعثية الصدامية، أي نموذج وأسلوب التخريب الشامل أو تخريب الكلّ. وهو نموذج وأسلوب ملازم بالضرورة للنفسية الراديكالية بشكل عام وأنواعها الهامشية بشكل خاص، بوصفها سياسة الخروج على منطق التاريخ السياسي للدولة والمجتمع.
فقد كشف تاريخ العراق المعاصر عما في الراديكالية من خطورة مدمرة وتخريب هائل لبنية الدولة والمجتمع والثقافة. وهو تخريب يكمن أساسا في سياسة القطع "الجذري" التي تتبعها الفكرة الراديكالية بشكل عام ونماذجها الهامشية بشكل خاص. مع ما يرافق ذلك بالضرورة من محاولات حثيثة لرفع أساليبها ونماذجها المتنوعة في تجسيد فكرة القطع الجذري بالتاريخ والتقاليد، إلى مصاف العقيدة المقدسة. بينما المقدس بمعنى ما هو الثبات. بينما تسعى الراديكالية بحمية بالغة إلى جعل التجريب الخشن المبني على احتقار الشكوك والاعتراض "مقدسها" الوحيد. مما يجعل منها في الأغلب قوة مدمرة لا تنتج في نهاية المطاف سوى الخراب والتوغل الدائم فيه. حينذاك تصبح الأفعال تضحية دائمة لا غاية منها سوى "البرهنة" على "صحة" و"عظمة" العقائد والشعارات المتعالية في سماء الأوهام.
وشكل تاريخ التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية نموذجا صارخا لذلك. إذ سعت بكل قواها من اجل التحكم التام في كل شئ وتحويل نفسها إلى اله بلا قلب قادر على فعل كل شئ بما في ذلك تغير طبيعة الإنسان. من هنا عدم تسامحها مع كل مخالف واحتقارها لكل تعددية، لأنها تجد فيهما تعبيرا عن الشك والضلال. ولا تؤدي أفعالها هذه في نهاية المطاف إلا إلى صنع أنصاف الوعي. أنها تنتج وتعيد إنتاج أيديولوجية الرعاع والغوغاء عبر بلورة وتقديم ألف باء المعرفة. من هنا معارضتها للمثقفين والإبداع ومساعيها التي لا تقف عند حد من أجل كسبهم إلى جانبها. أنها تجعل منهم ألسنة بلا قلوب وهراوات خشنة. وتؤدي في نهاية المطاف إلى أن تجعل الجميع عراة دون أن يرى أحدهم عورته. مع ما يترتب على ذلك من احتقار للحقوق والأخلاق. ومن كل ذلك تصنع سبيكة الإرهاب المنظم. فهو الشيء الوحيد الذي تبرع في تهذيبه، بحيث تجعل من العنف المنظم وتنظيم العنف الدورة الدائمة لوجودها. من هنا سيادة الشعارات ودورتها الدائمة في فلك العداوة بمختلف أشكالها. بحيث يصبح كل ما لا يخضع لعبوديتها عدوا. وفي النهاية تجعل من مساواة الجميع في العبودية أسلوب تبريرها لرفض الديمقراطية وتصويرها على أنها مجرد وساخة جماعية. وتصبح أدنى وأبسط وأخفّ أشكال معارضتها ذريعة لبهجة الانتقام والقتل. وتتبجح في جعلهما طقوسا وعبادات مبرمجة بحيث يتحول الحماس والابتهاج في القتل والانتقام إلى فصول في مسرحياتها الدموية. وهي "مسرحية" لا تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى خاتمة السقوط، لأنها لا تستطيع القتل إلى ما لا نهاية. وفي موتها تمثل اتفه الأدوار لأنها تختم فعلا دراميا دماءه وقتلاه التاريخ والمجتمع والدولة. أما النتيجة الحتمية لكل ذلك فهو تخريب المجتمع والدولة والوعي، أي تخريب الكلّ.
ولا يعني تخريب الكلّ سوى التخريب والخراب الشامل. وبما أن الخراب الذي حل بالعراق كان خرابا شاملا، لذا فإن من الضروري أن يكون الإدراك شاملا للبديل الواقعي والعقلاني للإشكاليات الكبرى التي تواجهه في كافة ميادين الحياة، بدأ من التربية والتعليم والصحة وانتهاء بإرساء أسس الحرية كمرجعية ثقافية قومية عبر الإصلاح الدائم لآلية فعل المؤسسات الشرعية للدولة. فهي السلسلة الضرورية لإرساء أسس الحرية بوصفها بحثا عن البدائل العقلانية والواقعية وحق تجسيدها في مشاريع تخدم تكامل الفرد والمجتمع والدولة كل بمعاييره، بوصفه الأسلوب الأمثل للعمران الديمقراطي في العراق.
فالاعمار المفترض في العراق هو ليس مجرد إعادة بناء. بل انه لا ينبغي أن يوضع بمعايير ومقاييس "إعادة البناء" لان ذلك يفترض بدوره العمل ضمن معايير ومقاييس "الترميم". بينما لا شئ يستحق الترميم في العراق، بدأ من المجاري والطرقات وانتهاء بمؤسسات الدولة والإنسان. ولا يعني هذا بدوره إعادة إنتاج الراديكالية، بقدر ما يعني ضرورة العمران الشامل. وذلك لان المهمة الكبرى القائمة أمام العراق هي ليس الهدم، إذ لا بناء في العراق، بل خراب شامل. ومن ثم فان مهمة "إعادة البناء" أو "الترميم" في العراق تبقى في نهاية المطاف مجرد إجراءات جزئية هي مضيعة للوقت والجهود والتكاليف. من هنا ضرورة العمران الشامل. ولا يعني هذا بدوره سوى ضرورة العمل من اجل إرساء أسس منظومة بديلة ومتكاملة لتذليل تاريخ الخراب وتخريب الدولة والمجتمع والثقافة.
وهي مهمة ممكنة التحقيق من خلال تنفيذ سلسلة من الأوليات التي تعمل أولا من اجل تذليل التوتاليتارية في كافة نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية وإخلاء مؤسسات الدولة من بقاياها على مستوى الأفراد والسلوك والعمل والقواعد. وثانيا العمل من اجل تفكيك الذهنية الراديكالية في البدائل عبر تحويل العقلانية إلى فلسفة الاعتدال العام والسياسي منه بالأخص. فهي الضمانة التي يمكنها أن تؤسس وترسخ تقاليد الثبات الضرورية لوحدة المجتمع وتراثه. وبالتالي قطع الطريق على الراديكالية، بحيث لا يؤدي حتى ظهور مختلف أشكالها وأصنافها وأطيافها، إلا إلى ترسيخ الرؤية العقلانية وفكرة الحقوق والدولة الشرعية والسياسية الاجتماعية. ثالثا العمل من اجل تنظيم خلخلة وإضعاف نفسية وآلية فعل البنية التقليدية للمجتمع من خلال تعمير مؤسسات المجتمع المدني استنادا إلى فكرة الخلايا الحيوية للمجتمع المدني. فهي الوسيلة القادرة على تفعيل مكونات المجتمع المدني من نقابات وجمعيات وتشكيلات متنوعة تعطي لها إمكانية الحركة الحرة والمستقلة، بوصفه الأسلوب التلقائي لتذليل البنية التقليدية العائلية والعشائرية والقبلية والجهوية والطائفية وغيرها. ورابعا العمل من اجل سحق الهامشية الاجتماعية عبر إعادة دمج مكوناتها في نسيج العمل الاقتصادي والاجتماعي المنتج
إن تنفيذ هذه المهمات العملية الضرورية يستلزم بدوره التحرر من إسار الماضي والنظر إلى المستقبل بمعايير المعاصرة، أي العمل من اجل معاصرة المستقبل في العراق. وليس المقصود بذلك "مسابقة الزمن"، لأنها مجرد عبارة أدبية، مع انه فعل ضروري في حال وضعه ضمن سياق الرؤية السياسية الواقعية والعقلانية. بمعنى العمل من اجل مسابقة تذليل الفجوة الهائلة التي أحدثتها التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية في تاريخ الدولة والمجتمع والثقافة في العراق. فهي لم تبق العراق في حركة تتراوح في مكانها، بل وسرقت تاريخ الملكية والجمهورية من خلال سحقها معنى وقيمة التفاؤل بالمستقبل. من هنا فان المضمون الوجداني لمعاصرة المستقبل في العراق تقوم في إعادة غرس هذا التفاؤل الواقعي والعقلاني لكي يتحول إلى يقين بان تاريخ الخراب والتخريب في العراق قد انتهى، وان المستقبل هو رهن بإقامة الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي الاجتماعي والمجتمع المدني. حينذاك سيكون بإمكان العراق أن يتجاوز في غضون فترة وجيزة، التخلف المزري لأربعين عاما من الخراب. لا سيما وأنها المهمة التي تشكل رهان المستقبل ومعاصرته في نفس الوقت.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإصلاح والثورة في العراق – البحث عن توازن واقعي
- الراديكالية العراقية - التيار الصدري وآفاقة المسدودة - الحلق ...
- الراديكالية الشيعية المعاصرة وآفاق البدائل السياسية في العرا ...
- الاعلام العربي وإشكالية الأمن والأمان والحرية والاستبداد في ...
- الراديكالية والرؤية المأزومة في العراق – 2-4
- الرؤية السياسية - لا الرؤية الحزبية
- الراديكالية العراقية - الطريق المسدود 1-4
- المرجعيات الثقافية لفكرة الإصلاح في العراق
- الصحافة العربية المرئية والمسموعة وظاهرة الصحّاف والتصحيف
- المغزى التاريخي للانتخابات العراقية الاخيرة
- الصورة والمعنى في الصراع العربي – اليهودي
- اليهودية – الصهيونية في روسيا
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق – ...
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق – ...
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق - ...
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق - ...
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق- ا ...
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق-ال ...
- التيار الإسلامي ومهمة تأسيس البدائل العقلانية في العراق
- الحلقة الثانية-البروتوكولات الصهيونية-الماسونية اليهودية الص ...


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - العمران الديمقراطي في العراق (1-4) التوتاليتارية والدكتاتورية – سياسة تخريب الكلّ