|
ليس للعراق مشكلة مع الحكومة الأردنية
عودة وهيب
الحوار المتمدن-العدد: 1159 - 2005 / 4 / 6 - 12:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1- قيل الكثير عن مواقف الحكومة الأردنية السلبية ازاء الوضع الجديد في العراق، فهي قد غضت النظر عن نشاطات كثيرة معادية للعراق تنطلق من الأراضي الأردنية، وسمحت بجعل الأردن مركزا لتجمع البعثيين الهاربين من العراق بصحبة كميات كبيرة من الاموال العراقية المهربة يستخدمونها لتمويل العمليات الأرهابية داخل العراق ، وهي الدولة العربية الوحيدة التي انفردت بوضعت بنات صدام في ضيافة ملكية مميزة رغم مايشكله هذا الأمر من تحدي لمشاعر أغلبية العراقيين .مثل هذه الأقوال لاتبتعد عن الحقيقة كثيرا ،غير ان امور كهذه لاتدفعنا للحكم بأن الحكومة الأردنية تساند العمليات الأرهابية في داخل العراق ، فالحكومة الأردنية نفسها تخوض حربا ضد الأرهابيين الذين يعتبرون الأردن ( اعرق) الأنظمة العربية عمالة للغرب ولأسرائيل ، كما لايعقل ان تقوم الحكومة الأردنية بدعم عمليات ارهابية بعض ضحاياها من الأمريكيين الذين هم اخلص حلفاء العرش الهاشمي.
المشكلة اذا ليست في الحكومة الأردنية بل بقطاعات واسعة من الشعب الأردني التي تكن عداء اسودا للشعب العراقي ، ويمكن القول ان اغلب هيئات المجتمع المدني الأردنية معادية للشعب العراقي الذي (ساند اسقاط القائد الشرعي المنتخب صدام حسين)، فأغلب النقابات والأحزاب الأردنية تعلن صراحة عن عداءها للوضع الجديد في العراق، ونفس الأمر ينطبق على أئمة وخطباء المساجد الأردنيين ، اما اجهزة الأعلام الأردنية فلاتخفي دعمها للأرهابيين وتسميتهم ب (المقاومة العراقية الوطنية الباسلة).ان عداء هذه الحزاب والنقابات والمنظمات والجمعيات والجماعات الأردنية للتغير في العراق وجد تعبيره في مواقف البرلمان الأردني من هذا التغيير. ولاشك ان لهذه الأحزاب والجماعات والنقابات والصحف والجمعيات الأردنية المعادية للعراق تأثير كبير في تشكيل الرأي العام الأردني الذي اصبح بسبب تحريضها معاديا للأوضاع الجديدة في العراق الى درجة اصبح فيها المجتمع الأردني مستعدا للأحتفال (بأعراس) الدم كما فعلت عائلة منصور البنا التي لم تكن هي العائلة الأردنية الوحيدة التي احتفلت (بزفاف) ابنها للجنة بعد ان (مكنه الله) من قتل عشرات العراقيين اللذين بينهم من كان يرتكب (جريمة) تسوّق خبز الصباح لعائلته.
2- لو ان مشكلتنا مع الحكومة الأردنية لأصبحت هينة جدا ولأمكن اصلاحها بعدة قبلات (ياورية) او (علاوية) او حتى( جعفرية) ، ولأصبح اعتذار الحكومة الأردنية للشعب العراقي كافيا لأسدال الستار على (سوء التفاهم) او حتى سوء النوايا ، ولكن المشكلة العراقية الأردنية هي اكبر من خلاف او عداء بين حكومتين ، انها تكاد ان تكون عداء بين شعبين . مئات الألاف من العراقيين الذين عاشوا في الأردن ايام المحنة يحملون قصص مريرة عن المعاملة السيئة التي عاملهم بها الشعب الأردني لا الحكومة الأردنية . فالحكومة الأردنية فتحت ابواب الأردن للعراقيين الهاربين من جحيم النظام الصدامي وسهلت لهم الأقامة في الأردن، غير ان قطاعات واسعة من الشعب الأردني استغلت مأساة العراقيين وجعلتها وسيلة للأثراء ، فاصحاب العمل الأردنيون يرفضون في حالات عديدة اعطاء العمال العراقيين اجورهم خاصة اذا علموا بأن اقامة العامل العراقي غير شرعية، وقد حفظ العراقيون عبارة ( يعطيك العافية) التي يلقيها الأردني بوجه العامل العراقي الذي يطالبه بمستحقاته المالية ، والشرطة الأردنية لاتنصف العراقي الذي يدّعي على صاحب العمل الأردني بل وتهدده بالتسفير حتى لو كان يحمل وثائق لجوء من الأمم المتحدة، واصحاب مكاتب السفر نصبوا على الاف العراقيين وسرقوا اموالهم بعد ان اغروهم بأمكانية تسفيرهم الى دولة لجوء اوربية ، واصحاب العقارات مارسوا شتى القذارات مع المؤجرين العراقيين... قصص كثيرة جدا جدا تزخر بها الذاكرة العراقية عن سوء معاملة الشعب الأردني للعراقيين ، ولاشك ان اصحاب هذه القصص الأليمة قاموا بنقلها الى معارفهم واقاربهم في داخل العراق، وتكوّن بذلك رأي عام عراقي سلبي ازاء الشعب الأردني، وهذا يفسر سعة المظاهرات العفوية المعادية للأردن التي فجرتها (قشة) رائد منصور البنا.فأنفجارهذه المظاهرات الغاضبة المعادية للأردن والتي شارك فيها مئات الآلاف في مختلف مناطق وسط وجنوب العراق ليست وليدة حادثة احتفال عائلة المجرم رائد منصور البنا ، وليست من افتعال الدكتور احمد الجلبي كما حاولت ان تزعم بعض الأوساط السياسية والأعلامية الأردنية، انها نتيجة تراكمات كثيرة رصدتها الذاكرة والعين العراقيتان.أن هذه المظاهرات لم تكن موجهة فقط ضد الحكومة الأردنية المتهمة بالتساهل مع النشاطات المعادية للعراق، بل موجهة اساسا ضد قيادات المجتمع الأردني التي تعلن ليل نهار عن عداءها لقطاعات واسعة من الشعب العراقي التي ساندت اسقاط الصنم الصدامي. لقد تساءل الكثير من الأردنيين عن السبب الذي جعل العراقيين يتظاهرون ضد الأردن ولايتظاهرون ضد سوريا في حين ان الأساءات السورية اعظم واوسع. ان هذا السؤال يجيب عن نفسه بنفسه ويؤكد ماذهبنا اليه من ان غضب الشعب العراقي موجه الى الأردن ككل وليس الى حكومته فقط، فرغم سعة الأساءات السورية وخطورتها التي تتجاوز خطورة الأساءات الأردنية، الا ان الشعب العراقي بوعيه الثاقب لم يجيرها ضد الشعب السوري لأنه يدرك انها اساءات مصدرها الحكومة السورية وليس الشعب السوري المحتل من قبل عصابات البعث السوري . كما ان ذاكرة العراقيين الذين عاشوا في سوريا احتفظت للشعب السوري بصورة ناصعة رغم اساءة اجهزة المخابرات السورية لبعض العراقيين على عكس الصورة التي ترسخت في ذاكرة العراقيين عن الشعب الأردني.
3- قيادات المجتمع المدني الأردنية من جانبها لايمكن ان تغفر للعراقيين قطعهم لأرزاق هذه القيادات التي كانت تعتاش على كرم (الرئيس الشرعي المنتخب صدام حسين) ، ومن الصعب هنا ذكر كل تفاصيل (السخاء) الصدامي مع هذه القيادات الأردنية وخاصة الصحفيين. ويمكن القول ان صدام استطاع ان يشتري (لوبي) كبير في داخل الأردن قوامه اغلب قيادات المجتمع الأردنية الى درجة اصبحت فيه هذه القيادات وكأنها امتداد للسلطة في العراق ، فالنظام الصدامي خصص مثلا لقادة بعض الأحزاب الأردنية مقاعد في الجامعات العراقية يهبونها لمن يناصرهم من الأردنيين ،( كما يفعل البعث في داخل العراق) وهي طريقة رخيصة (ولكنها فعالة) لكسب الأنصار. ولأن قطع الأرزاق كقطع الأعناق لذا لايجب استغراب دفاع (الضحية) الأردني عن رزقه ورزق عياله الذي قطع بسبب سقوط النظام الصدامي . ان سيارة وفيلا الصحفي الأردني تذكرانه كل ساعة (بجريمة) قطع الأرزاق التي (ارتكبها) الشعب العراقي والتي راح (ضحيتها) اغلب قيادات المجتمع المدني الأردنية. أن كل الشواهد تشير الى أن قادة المجتمع المدني الأردني يشنون حربا شعواء ضد التغيير في العراق ويقومون بعملية تحريض واسعة ضد الشعب العراقي في اوساط المجتمع الأردني مما ادى الى تطوع اعداد كبيرة من الأردنيين في صفوف الأرهابيين العاملين في العراق . وليس من دون مغزى تميّز الأردن بتطوع اعداد كبيرة من محاميه بالدفاع عن صدام حسين وأركان نظامه . أن مواقف اغلب قادة المجتمع المدني الأردنيين المعادية للتغيير في العراق خلقت حالة عداء اردنية شعبية ضد الأوضاع الجديدة في العراق لايمكن اخفاؤها بكلمات مجاملة . قد يبرر الأردنيون عداءهم للوضع الجديد في العراق ودعمهم للأرهاب بعدة تبريرات عقائدية تظهرهم كمناضلين ( ضد الأمبريالية) ، غير أن عداءهم هذا ليس له تفسير في القاموس الشعبي العراقي غير العداء للشعب العراقي نفسه الذي فتح له التغيير الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية بوابات الأمل بقيام عراقي ديمقراطي ، وبالنسبة للشعب العراقي لايمكنه تفسير دعم فعاليات المجتمع الأردني السياسية والأجتماعية لما يسمى ب (المقاومة) الا بفكرة واحد مفادها استرخاص الأردنيين للدم العراقي الذي تهدره العمليات الأرهابية . وبطبيعة الحال أن حالة العداء الأردنية لقطاعات واسعة من الشعب العراقي لابد ان تولد كرد فعل لها حالة عداء عراقية ضد الأردن، وفي مثل هذه الحالات من الكراهية ينتشر التعميم ويشح التخصيص كما حدث مع حرق العلم الأردني الذي هو علم الشرفاء الأردنيين كما هو علم اراذلهم ايتام صدام حسين الذين يدعمون العمليات الارهابية في العراق. 4- كيف يمكن جسر الهوة بين الشعبين العراقي والأردني؟ لاشك ان للحكومة الأردنية دور مهم في جسر الهوة بين البلدين، وهي مطالبة بأتخاذ اجراءات كثيرة لمنع اساءة الحاقدين على التغيير في العراق ، الا ان الأمر يبدو في غاية الصعوبة، فبعد مرور شهر تقريبا على المظاهرات التي انطلقت في داخل العراق ضد الأردن ، وبعد محاولات اردنية حكومية عديدة لتجاوز ازمة احتفال عائلة المجرم رائد منصور البنا ، خرجت مظاهرة عراقية كبرى في ولاية مشيكان الأمريكية بمناسبة اربعينية الأمام الحسين وكانت فيها شعارات كثيرة معادية للأردن . فالعداء بين الشعوب لايمكن تجاوزه بطرق دبلوماسية وقد يحتاج الشعبان العراقي والأردني الى وقت طويل للعودة بمشاعرهما الى حالة الأخوة خاصة وأن قيادات المجتمع الأردني يواصلون ذات النهج المثير لمشاعر العراقيين ، وهو نهج تعجز الحكومة الأردنية عن التأثير عليه لأسباب (ديمقراطية). ربما هناك حل ( عملي) بأمكان الشعب العراقي اللجوء اليه،ان اراد استعادة روح (الأخوة) مع (وجهاء القوم) الأردنيين هؤلاء ، وهو ان يعيد ( سنّة) النظام السابق ويقوم بأعادة تقديم الهبات لقيادات المجتمع المدني الأردنية التي هي ( عزيز قوم) اذله خلع ( الرئيس العراقي الشرعي والمنتخب صدام حسين) .هذا هو الطريق (الصحيح) لتصحيح العلاقة بين الشعبين ( الشقيقين) .. سيارة وفلا لكل رئيس حزب اردني ، ومثلهما لكل محامي وصحفي اردني وضعفهما لكل خطيب مسجد.. هذه هي الوسيلة المثلى والمجربة لكسب ( العقول والقلوب) الأردنية، والا فأن( الحرب) بين الشعبين الأردني والعراقي ستتواصل مهما فعلت الحكومة الأردنية للحيلولة دون ذلك.
#عودة_وهيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المزايدات السياسية سلاح المفلسين
-
البعث يواجه الأمتحان الوطني ثانية
-
محمد والناصرية
-
تشويه سمعة العراق
-
المهرهو ثمن استعباد المرأة العراقية
-
البعث... مصالحة ام أجتثاث
-
الأصرار
-
مباديءالبعث بين النظرية والتطبيق
-
مليون توقيع ... مليون خيبة
-
شركاء في الجريمة
-
عراق مابعد الأنتخابات
-
المرأة بين الظلم والشعور بالظلم
-
رمّانتان... بيد الدكتور الباجه جي
-
انّي ادّعي
-
ليست دعاية انتخابية ... شيعة ونساء العراق انتخبوا العلمانيين
-
الديمقراطية الأرهابية
-
العام الجديد وصراع الأمل في العراق
-
بصراحة ابو كاطع
-
بين المنع والأمتناع
-
حكي شباط
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|