|
متعلمون محسوبون على الثقافة المصرية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4028 - 2013 / 3 / 11 - 20:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ابتلى شعبنا المصرى بمُتعلمين محسوبين على الثقافة بقناع ليبرالى أوماركسى بينما كتاباتهم تصب فى صالح الأصولية الإسلامية. الأصوليون (أمثال محمد عماره الذى انتقل من الماركسيه إلى الإسلام وغيره) واضحون لايرتدون أية أقنعة. بينما الذين أخذوا شهرة الدفاع عن الليبرالية والماركسية تسبّبوا فى خداع من قرأ لهم وانبهر بهم . وكنتُ أحد الذين وقعوا فى ذاك الفخ فى شبابى . فكان سبب إعجابى بشخصية جمال الدين الإيرانى الشهيربالأفغانى الكتب التى قرأتها وكلها تـُمجد فيه بصفته مصلح وثائرإلخ من بين هذه الكتب كتاب نعمان عاشور(بطولات مصرية- دار روزاليوسف عام73) وكتاب أحمد بهاء الدين (أيام لها تاريخ- دارالكاتب العربى عام 67) وكتاب صلاح عبدالصبور(قصة الضميرالمصرى الحديث بين الإسلام والعروبة والتغريب- سلسلة إقرأ اللبنانية) فى هذه الكتب لغة إنشائية عن الأفغانى الذى ((يوزع السعوط بيمناه والثورة بيسراه)) كما كتب أحمد بهاء الدين. والكتاب الثلاثة (بهاء وعاشور، عبدالصبور) لم يكتب أحدهم كلمة واحدة ينتقد فيها الأفغانى الذى وصف شعب الهند بأنه أقل من الذباب ، ووصف شعبنا بأنه عديم الإحساس . كما أنهم لم يذكروا كلمة واحدة عن كتاباته فى مجلة العروة الوثقى وهوما فعلته عندما ذهبتُ إلى دارالكتب المصرية وقرأتُ أعدادها المتاحة. ذهبتُ وأنا شديد الإعجاب والتأثربشخصية هذا الثائرلأتعرف عليه أكثر. وبعد أنْ قرأتُ كتاباته اكتشفتُ أصوليًا يهدف إلى هدم الانتماء الوطنى لصالح الانتماء الدينى . وكان يُكررتعبير((الرابطة الدينية)) فى معظم مقالاته بإعتبارها البديل عن ((الرابطة الجنسية)) (24/8/1884- كمثال) وكان أكثروضوحًا عندما كتب ((لاجنسية للمسلمين إلاّفى دينهم)) (26/7/1884) بخلاف هجومه على الفلاسفة وعلى العلوم الطبيعية فى رسالته المعنونة (الرد على الدهريين) المنشورة فى كتاب (الثائرجمال الدين الأفغانى- تأليف الشيخ محمد عبده- كتاب الهلال- أكتوبر73) وعندما كتب لويس عوض كتابه عن الأفغانى بلغة العلم وبالرجوع إلى عشرات الوثائق والمراجع التى تؤكد الدورالمشبوه الذى قام به الأفغانى، فإذا بالثقافة السائدة تهاجم لويس عوض . وإذا كان من المفهوم أنْ يأتى الهجوم من الأصوليين الإسلاميين، فالمفارقة عندما يشترك فى الهجوم ماركسى محترم مثل فاروق عبدالقادرفى كتابه (أوراق أخرى من الرماد والجمر- مؤسسة العروبة للنشر- عام 90) وكانت الكارثة عندما اعتمد على ما كتبه الأصولى محمد عماره ونقل عنه فقرات كاملة تؤيد ما يود تأكيده من أنّ لويس عوض افترى على الأفغانى وشوّهه. و(الأنا) عند أستاذ للفلسفة هى (الأنا المسلم) و(الآخر) هوالغرب لذا فإنّ مادة كتابه هى ((من جهد الأنا وإبداعه وليس من إفرازالآخروقيئه)) وفى الهامش أوضح ((وذلك فى كتابات إشبلنجر وهوسرل وبرجسون وتوينبى وجارودى وغيرهم من الفلاسفة المعاصرين)) (د. حسن حنفى فى كتابه مقدمه فى علم الاستغراب ص22) وطبعًا لوحذفنا الاسم لبادرإلى الذهن اسم حسن البنا أو أوالشيخ الشعراوى إلخ ود. مصطفى محمود الذى منحته الثقافة المصرية السائدة البائسة صفة الفيلسوف والمفكرذكرفى كتابه (الماركسية والإسلام) أنه وجد فى الإسلام الاشتراكية العلمية. وأنّ الإسلام عرف ((المنطق الجدلى أوالديايكتيكى واستخدمه)) ومع ذلك شنّ هجومًا حادًا على الماركسية فى كل صفحات كتابه وشوّه فلسفة ماركس ووصفها بأنها ((بهيمية التاريخ)) بخلاف مقالاته فى الأهرام وبرنامجه التليفزيونى (العلم والإيمان) عندما شنّ حملة ضارية على الغرب وسبّ دارون وفرويد وهاجم المرأة. والروائى الكبيرنجيب محفوظ يستسلم للثقافة السائدة فكتب ((علينا أنْ نجعل من الوطنية المصرية دعامة للقومية العربية لاتنافضًا معها. وأنْ نوفق بين وحدتنا الوطنية وصحوتنا الدينية)) (أهرام 22/8/91) فالجزء الأول من الجملة يحمل تناقضًا وفق علم الأنثروبولوجيا الذى ميّزكل شعب بخصائص معينة. ويعكس جهلا بالواقع السياسى الذى أثبت أكذوبة القومية العربية. أما الجزء الثانى فإنّ أى عقل حر له أنْ يسأل : متى تم التوفيق بين نقيضيْن؟ فالوحدة الوطنية تعنى أنه لافرق بين المواطنين على أساس الدين، بينما الصحوة الإسلامية هدفها تقسيم مصر على أسس دينية. وكتب د. حسين مؤنس ((الإسلام ينفرد من بين أديان الدنيا بأنه الدين الوحيد الذى يمكن أنْ يُسمى دينًا وأنّ النصرانية التى أرسلها الله على عيسى عليه السلام ضاعت بعد موته)) (مجلة أكتوبر15/3/92) هذا أستاذ دكتورفى التاريخ ومع ذلك يُردّد ما يقوله الأصوليون الإسلاميون. وكتب الماركسى المحترم (على المستوى الشخصى) أ. محمد سيد أحمد أنّ ((التحديث ممكن بعيدًا عن مفهوم الغرب للعلمانية)) فإذا كان الأمركذلك فما آليات وفلسفة التحديث؟ وهل يمكن أنْ يتم وفق التراث العربى المُعادى للحداثة؟ كما أنه وقع فى تناقض آخرعندما رأى أنّ الإسلام هوية (أهرام 4/6/92) وكأنه لايستطيع أنْ يُفرّق بين الإسلام كدين والهوية التى تـُرادف القومية والانتماء لوطن مُحدد ، وذلك عكس الدين فالمسلون منتشرون فى دول عدة وكذلك باقى الديانات. ورغم المحنة التى تعرّض لها د. نصرأبوزيد بعد صدورحكم قضائى بفصله عن زوجته. ورغم الندوات والمقالات المتضامنة معه. بل والذهاب إلى بيته فى مدينة 6أكتوبرفى عزحرارة الصيف ، رغم كل ذلك قدّم تنازلامجانيًا فوصف نفسه بأنه ((رجل من غمارالموالى)) (صحيفة الأهالى اليسارية 1/12/93) مع مراعاة أنّ تصنيف البشرإلى موالى (= عبيد) وأحرار دشنته الثقافة العربية. فكيف غاب عنه معنى مصطلح (موالى) وهومُتخصص فى اللغة العربية؟ وبعد أنْ ساعدته الدولة للخروج من مصرللعمل فى هولندا أرسل برقية إلى شيخ الأزهرنشرتها صحيفة الأهالى قال فيها ((أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا رسول الله)) دون أنْ يطلب منه أحد هذه الشهادة وبعد أنْ أصبح مدرسًا فى جامعة أوروبية. وكانت سقطته الكبرى عندما هاجم الأديبة البنجلاديشية (تسلميه نسرين) بحجة أنها فى رواياتها تـُعادى الإسلام . كان أ. فهمى هويدى صريحًا وهويعترف بأصوليته فكتب ((أكثرما يُحزننى أنّ البعض ظنّ بى السوء وشكّ فى أننى تخليتُ عن جذورى باعتبارى أصوليًا ابن أصولى.. وأحد الذين لايكفون عن السؤال منذ لاحت إرهاصات الهجمة الظالمة (يقصد هجوم الغرب على الإسلام) كيف يستطيع المسلم أنْ يلقى ربه بضميرمستريح مالم يكن أصوليًا)) (أهرام 19/5/92) رغم ذلك احتفى به الماركسيون المصريون باعتباره (يسارالإسلام) مع أنه أشاد بمن يتكلم عن ((التغريب الذى يتعرّض له العالم العربى الإسلامى لسلخه عن ذاته الإسلامية)) (أهرام 24/3/92) وعن الفترة السابقة على يوليو52كتب ((... ولأنّ الانكساركان شديدًا والتفوق الغربى بدا باهرًا ، فقد استحكمتْ حالة الهزيمة الحضارية وعششتْ فى العقل العربى والإسلامى منذ بداية القرن التاسع عشر، الأمرالذى تجلى بوجه أخص فى تركيا وإيران وتونس ومصر، حيث رجحتْ كفة دعاة التغريب. ولكن المعسكراهتزتْ أركانه ومسلماته بقيام (ثورة) يوليو52 وفجّرتْ حركة التحرر الوطنى وأعتبرتْ أهم تمرد معاصرعلى ثقافة الالتحاق بالغرب. وعند بعض الباحثين- ونحن منهم- فإنّ الدورالذى أدته (ثورة) يوليوعلى صعيد تحريك مشاعرالاستقلال له إسهامه الذى يُنكرفى بروزالظاهرة الإسلامية الأصولية التى برزتْ لاحقا فى السبعينيات وما بعدها، رغم الاشتباك المُبكرالذى حدث بين قادة (الثورة) والحركة الإسلامية المصرية فى الخمسينيات)) ونتيجة للدورالذى لعبه ضباط يوليوفى بروزالظاهرة الإسلامية الأصولية فقد صدق أ. هويدى وهويُقرّر((فى هذه الأجواء برزجيل أقل انبهارًا بالنموذج الغربى وأكثرقدرة على التحلل من هيمنته بل ونقده أحيانا على النحوالذى فعله د. جلال أمين)) (أهرام 4/10/94) يكمن إعجاب أ. هويدى بأمثال د. جلال أمين لأنهم يُهاجمون النموذج الليبرالى فى أوروبا . وبالتالى يترسّخ فى وعى القارىء كراهيته للديمقراطية وللعلوم الطبيعية وللفلسفة ولسيادة العقل ولتداول السلطة إلخ ولايبقى من الغرب إلاّما يبثه د. جلال أمين وأمثاله من انحلال خلقى وشذوذ جنسى (أنظرهجومه على الغرب- صحيفة الأهالى 21/9/94 مقال بعنوان (مؤتمرالسكان والشعوربالعار. ورد الشاعرأحمد عبدالمعطى حجازى - أهرام 28/9/94 ، 5/10/94) فإذا راعينا أنّ د. جلال أمين (فى ذاك الوقت) كان يعمل بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بمرتبات مغرية. وأنّ أمريكا لاتلقى بدولاراتها هباءً فإنّ السؤال هو: ما حقيقة الدوافع التى تجعل أمريكا تحتضن وتـُرحب بتعيين الدكاترة المصريين فى فرع جامعتها بالقاهرة؟ رغم أنهم يُهاجمون الليبرالية الغربية، التى انطلق منها المجتع الأمريكى وبها تحقق التقدم. فهل هناك دافع لأمريكا أكبرمن أنْ يكون البديل هوإغراق شعبنا فى تراث التخلف العربى الذى يُكفرمن يقول بكروية الأرض والمشتغلين بعلوم الفيزياء والأحياء ومن يقول أنّ الإنسان هوالمشرع لقوانيه. تلك بعض الأمثلة من عشرات فى أرشيفى عن متعلمين محسوبين على الثقافة المصرية. البعض ارتدى قناع الليبرالية والبعض قناع الماركسية، وهؤلاء وأولئك ردّدوا أفكارالأصوليين المسلمين الذين لايتخفون وراء الأقنعة. وكان الأستاذ أحمد بهاء الدين صادقا مع نفسه عندما قال ((الصحفى مننا كتاجرمقلة. اللى عاوزسودانى أدى له سودانى. واللى عاوزلب أدى لب. باختصار إحنا بنبيع لب)) (فى حديث أدلى به للمناضل الشيوعى فوزى حبشى فى كتابه معتقل لكل العصور- دارميرت للنشرعام 2004- ص 297) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأهرام وحضارة البناء والتشييد
-
حوار بين حواء وآدم عام 1915
-
الأسياب الثقافية والاجتماعية للتحرش الجنسى
-
9مارس 1932 واستقلال الجامعة
-
كارثة تأجير الآثار المصرية
-
الجلطة السياسية بين الشعب والسلطة
-
اللغة المصرية أم لغات العالم
-
أنور عبد الملك : ماركسى بعمة إسلامية
-
هل يمكن الجمع بين التراث والحداثة ؟
-
تاريخ اليهود المصريين بين لغتىْ العلم والسياسة
-
الزراعة ونشأة الحضارة المصرية
-
جدل الواقع مع التراث العربى فى رواية (رحلة الضباع)
-
حسين بيومى : مثقف من طراز فريد ونادر
-
الفولكلور المصرى ومقاومة الاستبداد
-
آليات الليبرالية ومبادىء الاشتراكية
-
لماذا لا يحتفل الإسلاميون بنبيهم العربى ؟
-
لماذا تعريب مصر وليس تمصير العرب ؟
-
الربيع العربى بين الوهم والحقيقة
-
مؤامرة إنجليزية إيطالية لسرقة واحة مصرية
-
عبد الغفار مكاوى والبحث فى جذور الاستبداد
المزيد.....
-
البندورة الحمرة.. أضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سا
...
-
هنري علاق.. يهودي فرنسي دافع عن الجزائر وعُذّب من أجلها
-
قطر: تم الاتفاق على إطلاق سراح أربيل يهود قبل الجمعة
-
الفاتيكان يحذر من -ظل الشر-
-
عاجل | مصادر للجزيرة: الشرطة الإسرائيلية تعتقل الشيخ رائد صل
...
-
الفاتيكان يدعو لمراقبة الذكاء الاصطناعي ويحذر من -ظلاله الشر
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى ودعوات لتكثيف الرباط بالمسجد
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لنتحلّ باليقظة من نواجه ومع من نتعامل
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العالم يشهد اليوم المراحل الثلاثة للا
...
-
قائد الثورة الاسلامية: المقاومة التي انطلقت من ايران نفحة من
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|