أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الثقافة العَلمانية: المعرفة هى الحل (2/4)















المزيد.....


الثقافة العَلمانية: المعرفة هى الحل (2/4)


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4027 - 2013 / 3 / 10 - 21:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اليوم موعدنا مع المكون الثانى من مكونات الثقافة العلمانية، "أولوية المعرفة البشرية"، وذلك بعد أن عرضنا لمكونها الأول، "تمكين الإنسان"، فى المقالة السابقة (السيد, 2013). ويعلى هذا المكون من شأن "المعرفة البشرية" ومن أهمة الدور الذى تلعبه فى الإرتقاء بأحوال الإنسان. و"المعرفة البشرية" هى، ببساطة، حصيلة ما يكتسبه الإنسان من خبرات وإعتقادات نتيجة تفاعله مع كلا من الواقع المادى والواقع الإجتماعى وذلك بإستخدام عقله. ولعل أهم ما يميز هذا النوع من أنواع المعرفة هو تقبلها للمراجعة الدائمة ومن ثم قابليتها على التكيف المستدام مع متغيرات الواقع وعلى التطور والتنامى غير المحدود. فبشرية هذه المعرفة تنزع عنها صفة القداسة وتحررها من التكلس والجمود الذى يصيب ما يمكن أن نطلق عليه "شبه المعرفة" بمصادرها غير البشرية ... ! وحتى نرى فعل هذه المفاهيم وآثار تبنيها على أرض الواقع سنبدأ بحكاية عن بلدين.

حكاية بلدين
وأول بلد فى حكايتنا هى سنغافورة هذه الدولة-المدينة التى تقع فى الجنوب الشرقى من قارة آسيا، وتبعد عنا حوالى 8200 كيلومتر، وتبلغ مساحتها عن 710 كيلومتر مربع. وفى هذه المساحة يعيش حوالى 5 مليون بنى آدم يتحدثون أربع لغات هى: الماندرين (35%) والإنجليزية (23%) والمالية (14.1%) والتاملية (3.2%)، ويتوزعون بين أربعة ديانات هى: البوذية (42.5%) والإسلام (14.9%) والتاوية (8.5%) والمسيحية (14.6%). ويبلغ الناتج المحلى الإجمالى GDP لهذه الدويلة بتركيبتها السكانية الفريدة 327,557 مليار دولار أمريكى بينما تبلغ قيمته للفرد 61,046 مما يجعلها تشغل المركز السادس فى ترتيب البنك الدولى للدول طبقا لقيمة إجمالى ناتجها المحلى.

أما ثانى البلدين فهى سويسرا التى تقع فى قلب أوروبا وتبعد عنا حوالى 2733 كيلومتر، وتبلغ مساحتها 41,285 كيلومتر مربع. أما سكانها الـ 8 مليون فيتحدثون أربع لغات هى الألمانية (63.7 %) والفرنسية (20.4 %) والإيطالية (6.5 %) والرومانشية (0.5 %). ويدين 41.8% من سكان سويسرا بالمسيحية الكاثوليكية و 35.3% بالمسيحية البروتستانية و 4.3% بالإسلام، ويتوزع الـ 18.6% الباقين على عقائد أخرى. ويبلغ الناتج المحلى الإجمالى لسويسرا 339 مليار دولار أمريكى أى أن نصيب الفرد يبلغ 43,369 دولار أمريكى مما يضعها فى المركز الرابع عشر فى ترتيب البنك الدولى.

وماخبيش عليكم لم يكن إختيارى لهذين البلدين مبرأ عن الهوى فلقد تعمدت إختيار بلدين تتعدد ديانات سكانهما كما تتعدد لغاتهم. هذا بالإضافة إلى إفتقاد كل منهما للموارد الطبيعية. إلا أن كليهما يجسد مقولة ليستر ثرو، أستاذ الإدارة بمعهد ماساتشوست للتكنولوجيا (MIT)، "سيشهد القرن الواحد والعشرون إضمحلالا فى الدور الذى تلعبه وفرة الموارد الطبيعية ونسب رأس المال/العمالة فى تحديد المزايا التنافسية وإزديادا غير مسبوق فى الدور الذى تلعبه التكنولوجيا والمهارات فى تحديد تلك المزايا. وهكذا سيحل الإبداع الإنسانى محل الطبيعة والتاريخ" (Thurow 1991). وهكذا يقوم تقدم المجتمع ورفاهية أفراده فى هذين البلدين، وفى غيرهما، على الإستخدام المكثف للمعرفة "البشرية" لاعلى المعارف المستمدة من النصوص المقدسة لأى دين من الأديان.

المجتمعات المعرفية
توصف مجتمعات سنغافورة وسويسرا، وغيرها من بلدان العالم المتقدم، بأنها "مجتمعات معرفية". وإضفاء صفة "معرفية" لوصف هذه المجتمعات يأتى إنطلاقا من "التغلغل الكثيف وغير المسبوق للمعرفة العلمية والتكنولوجية فى كافة الأمور الحياتية والمؤسسية" (Stehr, 2002 ص. 18). هذا بالإضافة إلى توقف مكانة الفرد فى المجتمع على مايحوزه من معرفة (Böhme, 1997). فالـ "المعرفة البشرية"، بشتى صورها، تلعب دورا غير مسبوق فى المجتمعات المتقدمة وذلك بالمقارنة مع دورها الذى كانت تلعبه فى المراحل السابقة لتطور المجتمع البشرى. ففى العقود السابقة كانت الإبتكارات التكنولوجية الكبرى، مثل الآلة والقاطرة البخاريتين، تقوم على الخبرة الذاتية للمخترعين وعلى التجربة والخطأ. أما اليوم فإن كافة الإبتكارات والإختراعات لابد وأن ترتكز على المعرفة. فالكمبيوتر، على سبيل المثال، ليس إلا التجسيد المادى لـ "آلة تورينج" Turing Machine وهى النموذج الرياضى للحسابات الرمزية الذى طوره عالم الرياضيات الإنجليزى ألان تورينج (1912-1954). ولقد شكلت قوانين الفيزياء والرياضيات الأسس التى قامت عليها تكنولوجيا المعلومات والإتصالات. ولايقتصر الدور الذى تلعبه المعرفة على الإبتكارات والإختراعات التكنولوجية الكبرى بل يمتد ليشمل كافة شئون الحياة بدءا من نظم الصرف الصحى وتحلية المياه وإنتهاءا بصيانة الطرق وتشييد المبانى.

المعرفة وأشباهها
تعرضنا فى الأقسام السابقة لبعض ما تتصف به "المعرفة البشرية" من صفات والتى من أبرزها تقبلها لـ "النقد والتفنيد" وقابليتها لـ "التطور والتجديد"، والآن حان الوقت لتعريف مفهوم "المعرفة" الذى ورد أكثر من مرة. يعرف نوناكا Nonaka، عالم الإدارة اليابانى الشهير، "المعرفة البشرية" بأنها "الإعتقاد الصادق والمُبَرر" Justified True Belief (Nonaka, 1994). فليس كل ما نؤمن به من إعتقادات يمكن إعتباره معرفة يؤدى إستخدامها إلى رفع درجة الصواب فى أحكامنا وزيادة فعالية أفعالنا. فلابد من توفر صفتان لأى إعتقاد قبل أن إعتباره "معرفة" وهما صفتى "الصدق" و"متانة التبرير". ويتحدد "صدق" أى إعتقاد إما بمطابقة ما جاء به مع الواقع الملموس أو مع معطياته التى يمكن مشاهدتها أو قياسها (نظرية التطابق)، أو بقدرته على إيجاد حل ناجح لمشكلة واقعية (النظرية البراجماتية)، أو وبعدم تناقضه مع ماهو مستقر من معارف (نظرية الإتساق). أما ثانى صفات "المعرفة البشرية"، "متانة التبرير"، فتتعلق بطبيعة "البينات (أو الآمارات)" Evidences التى تدعم الإعتقاد، وتعنى تجنب "البينات الحكائية (الحكايات)" التى يصعب التأكد منها و"البينات الشهادية (الشهادات)" التى تفتقد للإجماع.

وعندما تسود "منظومة الفكر الخرافى (اللاعقلانى)" ذهنية أى مجتمع يتضاءل الدور الذى تلعبه المعرفة البشرية، أو مجموعة الإعتقادات الصادقة والمبَررَة، ويتعاظم دور ما يمكن أن نطلق عليه تجاوزا إسم "شبه المعرفة". و"شبه المعرفة" هذه هى مجموعة الإعتقادات التى يصعب التحقق من صدقها بإستخدام أيا من المقاربات الثلاثة المشار إليها سابق والمرتكزة على نظريتى التطابق والإتساق والنظرية البراجماتية. أما أساس تبريرها فيرتكز فى المقام الأول على "البينات الحكائية" التى يصعب التأكد منها أو على "البينات الشهادية" التى تفتقد للإجماع. وبتقلص الدور الذى تلعبه "المعرفة البشرية" فى إدارة شئون المجتمع وتمدد الدور الذى تلعبه "شبه المعرفة" تنعدم فرص هذا المجتمع فى الإرتقاء بأحوال أفراده، ويصبح مرشحا لخطر التلاشى والإنقراض.
المراجع
Böhme, G. 1997. The Structures and Prospects of Knowledge Society. Social Sciences Information, 36(3): 447-468.
Nonaka, I. 1994. A Dynamic Theory of Organizational Knowledge Creation. Organization Science, 5(1): 14-37.
Stehr, N. 2002. A World Made of Knowledge. Paper presented at the New Knowledge and New Consciousness in the Era of the Knowledge Society, Budapest.
Thurow , L. 1991. New Tools, New Rules: Playing to Win in the New Economic Game. Prism: 101.
السيد, ا. ن. ا. 2013. الثقافة العَلمانية: هكذا تحدث أمارتيا سن (1/4). الحوار المتمدن, العدد 4015(2 فبراير ): http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=347388



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة العَلمانية: هكذا تحدث أمارتيا سن (1/4)
- وقُضِيَ الأمر ... فماذا أنتم فاعلون؟
- الرفاه المُنتظَر والمرجعية المنشودة
- مجتمع المعرفة ودستورنا المرتقب
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (2/2)
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (1/2)
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر علوم التعقد ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفكر الأسطورى ( ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفاتحة (1/5)
- الخيار المر ومسئولية الإختيار
- بيت المرايا ودنيا المغالطات
- زمار هاملين وروعة التدليس
- العلمانية والسيبرنيطيقا
- العَلمانية كثقافة
- الحداثة المراوغة: تأملات فى مجريات الأمور
- كهنوت الإسلام
- ثقافة النص ومآساة دوماستان
- لماذا أنا عَلمانى؟


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الثقافة العَلمانية: المعرفة هى الحل (2/4)