|
لصوص لكن إسلاميين
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4027 - 2013 / 3 / 10 - 14:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ذات يوم دار نقاش ساخن بيني وبين أخ سعودي حول الغش المصري في المعاملة، أو ما يطلق عليه تندراً تسمية "الفهلوة". الأخ السعودي، وأظن أن معه الحق إلى حد ما، اتهم قطاعاً واسعاً من الحرفيين والمهنيين المصريين بعدم إتقان العمل وإدعاء المهارة والمصنعية في حرف ومهن كثيرة بينما هم في واقع الحال غير ذلك، ما يجعلهم أقرب إلى الغشاشين والنصابين منهم إلى الحرفيين والمهنيين الحقيقيين المهرة، الذين أعظم همهم تجميع المال ولو ضحوا في سبيل ذلك بسمعتهم المهنية وأشياء كثيرة أخرى. في ضوء واقع سياسي واجتماعي وحتى تاريخي معين مرت به مصر وساهم في تكوين وترسيخ هذه الفئات المهمشة والعشوائية يمكن أن ألتمس بعض العذر لقطاع واسع من العمالة المصرية بالداخل والخارج، الذين دفعتهم ظروفهم الاقتصادية والتعليمية والثقافية المتردية إلى وضعية أقرب إلى الاستجداء والتسول منهم إلى العمال المدربين المنظمين والمهرة كما في بلدان أخرى أفضل حظاً. رغم تسليمي بهذا التقصير المصري، إلا أنني لم أسكت للأخ السعودي ولم أسلم له. بل كنت، ولا أزال، على قناعة أن حتى لو كان الفرد المصري لص صغير، على نفس هذا الميزان يمكن أن يكون الفرد السعودي لص أكبر، وأكبر بكثير جداً. إذا كان المصري يبيع خدمة أو سلعة مغشوشة، هو لا يزال يبيع شيئاً حقيقياً حتى لو كان معيباً أو منقوصاً. لكن ماذا إذا كان فرد لا يبيع شيئاً حقيقياً على الإطلاق- يبيع الوهم- وبسعر أعلى؟!
في هذه اللحظة شدني التفكير منفرداً إلى مستويات أعمق. هذا العامل- والفلاح والمهني- المصري الفقير المسكين الذي اضطر إلى الغش والفهلوة، وحتى قبول الرشوة والاختلاس الصريح، تحايلاً حتى يستطيع إعالة أسرة كبيرة العدد واستمرار العيش في ظل ظروف معيشية صعبة وبالغة السوء يقضي عشرات السنين من عمره يقتطع جانباً من رزقه ورزق أولاده الشحيح هذا المتأتي من الغش والفهلوة، وربما من الرشوة والاختلاس أيضاً، لكي ينفق تحويشة العمر هذه كلها في زيارة قد ظل يحلم بها طول حياته لبيت الله الحرام بالمملكة السعودية تتكلف عشرات آلاف الجنيهات، لا لكي يتحصل على خدمة رديئة أو يشتري بضاعة مضروبة لكن لكي يتطهر من ذنوبه في زيارة حج أو عمرة يعود بعدها إلى وطنه نظيفاً مغسولاً من الذنوب كيوم ولدته أمه، أو هكذا يُخيل إليه. السعوديون، ووكلائهم في كل مكان، يقنعون الفلاح والعامل والمهني المصري البسيط أن في قدرته أن يشترى التوبة والمغفرة من الذنوب- وربما حتى قصور وقراريط وفدادين في الجنة؛ أو، بتعبير آخر، هم يبيعون له "صكوك الغفران". من إذاً يكون اللص الحقيقي؟!
في مثال آخر، كان الإسلاميون مجرد لص واحد فقط وسط لصوص كثر نجحوا لسبب أو لآخر في لحظة لصوصية عظيمة ونادرة في أن يسرقوا حريتهم وحقهم في أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم عبر التوافق من شيخ المنصر الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك. رغم ذلك نجح الإسلاميون، ربما بفضل فطرة لصوصية خاصة، في أن يسرقوا الثورة من كل اللصوص الصغار الآخرين ويجعلوها ثورتهم، مثلما نجحوا فيما بعد في أن يسرقوا البرلمان بمجلسيه ثم الرئاسة والحكومة والمحاولة بكل السبل وبلا كلل إتمام سرقة كافة مؤسسات وأجهزة الدولة المفصلية في القضاء والجيش والشرطة والمحافظين والحكم المحلي والشركات والإعلام...الخ، كل ذلك بحجة السند الشعبي و"صندوق الاقتراع". لكنهم، للأسف، يتناسون أن حتى "صندوق الاقتراع" هذا ذاته سريقة أخرى من جملة سرقاتهم التي لا تعد ولا تحصى في كل مجال آخر.
عندما يكون الفرد داعية دينية أو رئيس جمعية خيرية يمارس عمله وسط الناس من داخل أصول مملوكة للدولة والمجتمع، وبتسهيلات خاصة من الأموال والمقدرات العامة لا تمنح عادة للأحزاب والزعامات السياسية، ثم في لحظة ما يقرر أن يستغل لمصلحته السياسية الخاصة هذه القاعدة الشعبية المجمعة من هذا النشاط الدعوي أو الخيري المدعوم وتحويلها إلى رأسمال سياسي ليس من ملكه أو ثمرة لجهده الحقيقي كرجل سياسة أو رجل دولة فعلي، ماذا نسمي ذلك؟ هل لا يحق للمواطن المصري البسيط أن يتساءل عن مصدر رأس المال السياسي الضخم الذي تنعم به زعامات سياسية مجلجلة وصائلة وملئ السمع والبصر على الساحة حالياً أمثال الشيوخ ياسر برهامي، صفوت حجازي، حازم أبو إسماعيل، محمد حسان، عمرو خالد...الخ؟ إذا كان من حق الشبهات أن تحوم حول كل ثروة فجائية بلا مقدمات، هل نستكثر على الشعب البسيط تساؤله: من أين حطت على هؤلاء كل هذه الثروات السياسية؟ ما هي مصادرها؟ منذ متى كانوا يشتغلون بالسياسة؟ هل هذا الرأسمال السياسي العظيم جهد ومدخر حقاً من تعبهم وعملهم سياسة على مدار عشرات السنين وسط الناس أم سرقة كبيرة أخرى يحاولون تطهيرها بالبر والصدقات؟
أنا اتهم صراحة الإسلاميين: ما تجمعون في صناديق الاقتراع هو رأسمال سياسي مسروق من الشعب.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اتركوا الرئاسة قبل أن تضيعوا كل شيء
-
عودة الجيش المصري إلى الحكم
-
تحرش جنسي بميدان التحرير!
-
استمرار استعباد المرأة بسلطة التطليق والتوريث
-
أنا ضد الشريعة
-
سوريا، لا تخافي من الإسلاميين
-
صلح السنة والشيعة
-
أخطاء قاتلة في التجربة الإسلامية في الحكم
-
موضوع في خدمة مشروع سياسي
-
يعني إيه ثورة
-
حرية الارتباط والزواج قبل الديمقراطية
-
جبهة الإنقاذ وضرورة العمل المتعدد المسارات
-
حول المشكلة الإسلامية (4- الصنمية)
-
المرشد العيرة والتقليد الفاشل
-
التحول الثوري الثالث
-
الثورة تقتل أبيها، لكن لا تفنيه
-
ثورة خرجت من بيتها
-
حول المشكلة الإسلامية (3)
-
حول المشكلة الإسلامية (2)
-
حول المشكلة الإسلامية (1)
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|