نادين عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 4027 - 2013 / 3 / 10 - 01:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كلما شهدت تدهور الأحوال فى مصر، وكلما ترنح أمامى شبح انهيار الدولة وتفجر الفوضى، تبادرت إلى ذهنى خبرات أوروبا الشرقية العبقرية، التى نقلت بلادا كانت على شفا الانهيار السياسى والاقتصادى، إلى الاستقرار والنجاح.
بالتأكيد، أقصد اتفاقيات المائدة المستديرة، وعلى رأسها تلك التى جرت فى بولندا فى 1989، ففى هذا العام، قامت حركة «تضامن» الثورية - التى ضمت ما يقرب من 10 ملايين مواطن - بإضراب عام موسع شل البلاد، وأجبر الحزب الشيوعى الحاكم على الدخول فى مفاوضات معها. كان من الممكن أن يتحول النزاع إلى معركة صفرية، لو دخل النظام فى عمليات قمع وحشية، أو إذا استمرت المعارضة فى التصعيد ورفضت الحوار، إلا أن كليهما اختار أن يتنازل، كى ينقذ البلاد من الدماء والخراب. وهنا، عقدت مفاوضات المائدة المستديرة بين الطرفين، فأبرما اتفاقا تاريخيا دشن قواعد جديدة لإدارة اللعبة السياسية، والأهم أنه نجح فى دمج جميع اللاعبين داخلها.
وهنا، أقرت حزمة الإصلاحات المطلوبة، وتم إطلاق الحريات، تمهيدا لانتقال ديمقراطى سلس وناجح فتح الطريق أمام باقى دول أوروبا الشرقية للالتحاق به. وهذا بالضبط ما حرمنا منه فى مصر، من يوم أن تولى المجلس العسكرى سلطة البلاد، فلم تتم صياغة قواعد جديدة لإدارة اللعبة السياسية، بل تغير اللاعبون، وظل الملعب واحدا. وهنا قامت أول انتخابات رئاسية شفافة إجرائيا، فى إطار مناخ غير مهيأ ديمقراطيا لها.
ومنذ هذه اللحظة، توالت علينا الويلات، مع وصول السلطة الإخوانية إلى سدة الحكم، فقد أبت تقديم التنازلات، وإعمال التوافق بين أطراف اللعبة السياسية، مختزلة الديمقراطية فى عملية صندوقية محضة. وكانت النتيجة دستورا معيبا مفجرا للاستقطاب المجتمعى، وتصاعدا أسرع للأزمات السياسية. وها هى الكرة تدور، ثانية، وبلا توقف، فى اتجاه الهاوية، وعلى أنقاض اقتصاد منهار. نعود دوما إلى النقطة صفر، عند كل منعطف سياسى لنفس السبب.
للأسف، يغامر النظام الحالى بمستقبل البلاد، من أجل إعادة نفس العملية الصندوقية فى لعبة الانتخابات البرلمانية القادمة، دون السعى وراء إحداث التوافق حول قواعدها بين اللاعبين المشاركين فيها. أتذكر للمرة الأخيرة تجارب النجاح، التى فعلت عملية سحرية اسمها «التوافق»، وأنعى وطنا هان على حكامه.
#نادين_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟