كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1159 - 2005 / 4 / 6 - 13:38
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عندما يسقط بلد ماً تحت الاحتلال يحق لكل المواطنات والمواطنين ممارسة مختلف أساليب النضال للتخلص من هذا الاحتلال واستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية. هذه المسألة, كمبدأ عام وقاعدة معترف بها, كانت وما تزال سليمة ولا غبار عليها ولا ينشأ اختلاف مبدأي بشأنها. ولكن أين يبرز الاختلاف بين القوى السياسية في بلد يخضع لقوى الاحتلال؟
في مواجهة حالة كهذه يفترض أن تلتقي كل القوى السياسية الوطنية وتتباحث بالأمر للوصول إلى رؤية مشتركة في النضال لتحقيق الأهداف المنشودة.
نحن في العراق نواجه حالة جديدة تختلف عن كل الحالات السابقة حيث تعرضت بلدان كثير أخرى للاحتلال. فما هي السمات المميزة لهذه الحالة العراقية الجديدة؟ وما هو الموقف من النظام السابق ومن قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية وتلك التي شاركت معها في الحرب ضد النظام؟ لقد أعلن مجلس الأمن وبناء على طلب أمريكي – بريطاني أن العراق أصبح تحت الاحتلال المؤقت, الذي يفترض أن يزول مع زوال مسبباته. وآخر قرار صدر عن مجلس الأمن ألغي قرار الاحتلال واعتبر العراق مستقلاً من الناحية الاسمية ومحتلاً من الناحية الفعلية.
يمكن أن نتبين أوجه الخلاف المحتملة بين القوى السياسية إزاء موضوع الاحتلال والموقف منه من خلال صياغة بعض الأسئلة التي تأخذ بالاعتبار الزوايا العديدة في الرؤية إلى هذه المسألة, وهي:
1. هل كان العراق يتمتع بالاستقلال والسيادة الوطنية حين كان الدكتاتور صدام حسين وطغمته العدوانية على رأس السلطة البعثية, أم كان العراق قد فقد استقلاله وسيادته الوطنية حقاً منذ سنوات وفي أعقاب حرب الخليج الثانية في عام 1991 أو حتى قبل ذاك حين بدأ بحربه ضد إيران وحاجته لدعم مجموعة كبيرة من الدول, بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية؟
2. وهل ارتبط الاحتلال العسكري للعراق في حرب الخليج الأخيرة (2003) بخلاص وتحرير الشعب العراقي من أبشع دكتاتورية عنصرية مقيتة عرفتها بلدان العالم الثالث قاطبة خلال النصف الأخير من القرن العشرين وبداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؟
3. وهل ترك النظام مجالاً لغالبية قوى المعارضة العراقية غير الاستنجاد بطرف ثالث, بالأمم المتحدة والولايات المتحدة؟ وهل استمع النظام ورأسه لصوت العقل والمقترحات التي قدمت لإنهاء الأزمة ومعالجتها بطرق أخرى؟
4. وهل رفض الشعب العراقي وصول القوات الأجنبية إلى العراق عبر الحرب أم رحب بها للخلاص من نظام صدام حسين وطغمته الباغية؟ ولكنه كان لا يريد استبدال الدكتاتورية بالاحتلال, وبالتالي فهو يسعى اليوم إلى الخلاص من الاحتلال بطرقه الخاصة وليس بحمل السلاح؟
5. ومن هي القوى التي يطلق عليه حديثاً بالمقاومة الشريفة, وهل هي شريفة حقا, أم أنها من بقايا النظام البعثي وأجهزته القمعية وقوى الإسلام السياسي المتطرفة والسلفية الظلامية الكارهة لقيام عراق ديمقراطي فيدرالي مدني مزدهر؟
6. وكيف هو مجرى الأحداث في العراق خلال السنتين المنصرمتين, هل تسير باتجاه تكريس المؤسسات السياسية والحياة الديمقراطية ليتسنى للشعب وقواه السياسية المطالبة بإنهاء وجود القوات الأجنبية؟ وهل في مقدور الشعب العراقي مواجهة قوى الإرهاب المنظمة والمدعومة من الخارج ودول الجوار والمالكة لترسانة الأسلحة الصدامية وبعض دول الجوار والمالكة لنقود الشعب العراقي المسروقة من قبل النظام وأتباعه؟
7. وأخيراً من هي القوى التي تريد إعاقة هذه العملية لخلط الأوراق والصيد بالماء العكر ومنع التطور الديمقراطي للعراق الجديد؟ هل هي القوى التي تسعى إلى إنهاء الاحتلال بالطرق السلمية وبدعم المجتمع الدولي والأمم المتحدة والرأي العام العالمي, أم بالطرق الإرهابية التي تستهدف الشعب العراقي قبل غيره لأنها تريد بث الرعب والخراب والموت في صفوف الشعب؟
إن الإجابة الواقعية والعقلانية والمسؤولة عن هذه الأسئلة تساعد في تحديد الوجهة التي يفترض أن نعمل من أجلها الآن وفي المستقبل.
ينسى البعض ممن يتحدثون عن المقاومة الشريفة ضد الاحتلال مسائل جوهرية مهمة, منها مثلاً:
- إن الشعب العراقي كله يرفض الاحتلال ولا يصبر عليه, ولكنه يدرك أهمية الخلاص من صدام حسين وطغمته, وبالتالي يسعى إلى ممارسة الأساليب المناسبة التي تساهم في استتباب الأمن وبناء المؤسسات الحكومية الديمقراطية ليبدأ معها المطالبة بخروج القوات الأجنبية من البلاد.
- وأن الغالبية العظمى من الشعب العراقي قد اختارت طريق النضال الديمقراطي والسلمي لإنجاز هذه المهمة النبيلة, أي استعادة العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية التي ضيعها النظام حتى قبل سقوطه في الحرب الأخيرة.
- وأن الذين يلطمون اليوم على استقلال وسيادة العراق يجب أن يعرفوا بأن العراق لم يتمتع بالاستقلال والسيادة الوطنية منذ سنوات كثيرة, وأن القوى التي تدعي "المقاومة الشريفة" تتوزع على أربع جبهات لا بد من ذكرها لكي ندرك طبيعتها وما تخفي من أهداف لا ترتبط بمصالح الوطن والشعب, وأعني بذلك:
• الجماعات التي فقدت السلطة وكانت جزءاَ عضوياً من النظام الدموي وأجهزته القمعية.
• الجماعات التي فقدت امتيازاتها الكبيرة في ظل النظام السابق واعتقدت بأن الحكم الاستبدادي الصدّامي كان منها وإليها, وبالتالي فهي تتباكى على تلك الامتيازات غير النظيفة التي تمتعت بها دون وجه حق وعلى حساب مصالح الشعب والوطن. ومثل هذه القوى معروفة للجميع ولا يحتاج الإنسان وضع النقاط على الحروف, فهي موضوعة أصلاً. وهي ليست طرفاً واحداً بل عدة أطراف إسلامية وقومية وعشائرية.
• الجماعات التي وجدت في العراق ساحة جديدة للصراع السياسي والعسكري باسم الإسلام وفق فهمها البائس واليائس له, وهي قوى سلفية ظلامية متطرفة تسعى إلى السيطرة على البلاد بكل السبل الممكنة بما في ذلك قتل نصف الشعب العراقي أو يزيد. وجرائمها لا تختلف عن جرائم النظام البعثي حين كانت في السلطة أو فلوله في عمليات الإرهاب الجارية حالياً.
• بعض القوى الشيعية التي كانت تعتقد بقدرتها على تسلم السلطة, ولكنها فقدت الأمل ومارست العنف الدموي في النجف وساهمت بقتل الكثير من الناس والتي ما تزال تمارس ذلك بالخفاء أو حتى بالعلن تحت واجهات قبيحة مثل جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو والعصا لمن عصا.
• عصابات الجريمة المنظمة التي وجدت في اختلال الأمن وتصاعد العمليات الإرهابية مجالاً رحباً لها في ممارسة عملياتها الإجرامية بحق الشعب العراقي وتداخلت في نشاطاتها مع بقية العصابات السياسية للقوى المشار إليها في أعلاه. إنها الجماعات التي أطلق صدام حسين سراحها من السجن لتمارس العبث في حياة الناس.
وهذه القوى مجتمعة وجدت وما تزال تجد الدعم والتأييد من قوى إسلامية وقومية متطرفة كثيرة داخل وخارج حدود العراق, في سوريا والأردن وإيران والسعودية وفي غيرها من الدول, إضافة إلى بعض القوى في داخل الحكم في تلك البلدان وفي غيرها أيضاً. والقوى الداخلية لا تنكر علاقتها بهذه "المقاومة الشريف!" التي تقتل يومياً أبناء الشعب العراقي من مختلف القوميات والأديان والمذاهب والأعمار, بل حتى أصبحت بيوت الله هدفاً لنشاطها العدواني.
إن هذه القوى, أيها السادة المتحدثون باسم "المقاومة الشريفة", ليست شريفة وليست نظيفة وليست وطنية في كل الأحوال, بل هي تسعى إلى أغراض تتعارض مع مصالح الشعب العراقي ومصالح الوطن ومستقبل البلاد, وهي التي تساهم مع غيرها في تعزيز النزعات الطائفية في البلاد. ولهذا فأن من يحاول التحدث باسم هذه القوى هو منها دون أدنى ريب ويفترض التعامل معه على هذا الأساس. إن المقاومة الشريفة هي التي تنخرط مع بقية القوى السياسية لتجاوز المرحلة الانتقالية والانتهاء من مهماتها ثم المطالبة المباشرة بخروج القوات الأجنبية, قوات الاحتلال.
وإذا تركنا هذه القوى جانباً, فهل في العراق مقاومة شريفة؟ نعم, الشعب العراقي هو المقاومة الديمقراطية والسلمية غير المسلحة الشريفة التي تسعى إلى لجم الإرهاب والقضاء عليه أولاً وقبل كل شيء, مع مواصلة التعجيل ببناء مؤسسات الدولة الديمقراطية وتعزيز القدرة الكفاحية للقوات المسلحة العراقية لمواجهة الإرهاب وقواه المجرمة, ليتسنى للشعب المطالبة بخروج القوات الأجنبية من البلاد. ليس هناك من يقبل ببقاء تلك القوات لحظة إضافية واحدة. ولكن لا يجوز ترك مصير الشعب العراقي بيد تلك القوى المجرمة التي غاصت في برك من دماء ودموع الشعب العراقي وذبحت باسم الإسلام والخلاص الكاذب من الاحتلال المئات من المواطنين والمواطنات من الوريد إلى الوريد. إن من يتحدث عن المقاومة الشريفة يفترض أن يعرف بأنها ينبغي أن ترمي السلاح جانباً وتناضل مع الشعب لإنهاء فترة الانتقال بأسرع وقت ممكن وإنهاء وضع الدستور الاتحادي الديمقراطي وبناء مؤسسات الدولة, وليس ممارسة السلاح والقتل ضد أبناء الشعب العراقي كما جرى ويجري اليوم في مواقع كثيرة من ارض العراق. ليس أولئك الذين يسعون إلى إطلاق سراح المتهمين باغتصاب حقوق الشعب العراقي طيلة 35 عاماً وبناة المقابر الجماعية ومجزرة الكيماوي في حلبجة وعمليات ومجازر الأنفال وقتل الكرد الفيلية بالجملة والعرب الشيعة وغيرها من المجازر الوحشية, إضافة إلى تهجير مئات الألوف من الناس, كما حصل قبل أيام في محاولة الهجوم على سجن "أبو غريب" أو التفجيرات في الحلة والنجف والسليمانية وأربيل والمحمودية وبعقوبة والموصل وغيرها وقتل الناس في مثلث الموت في اللطيفية لأنهم شيعة أو ...الخ.
ليست هناك من مقاومة شريفة للاحتلال حين ترفع السلاح ضد شعبها وتساهم في تعقيد الأوضاع الأمنية وتحرم الناس من الحصول على ما تحتاجه من ماء وكهرباء وخدمات أخرى أو عندما تشعل الحرائق في ثروة العراق النفطية وخطوط نقله.
تباً لهؤلاء ولمن يطلق عليهم "المقاومة الشريفة", إذ أنه يضع اسمه بجوار أولئك في صف واحد شاء ذلك أم أبى ويستحق لعنة الشعب والوطن!
صرح السيد مشعان الجبوري, عضو الجمعية الوطنية العراقية الانتقالية, بأن العمالة للبعث أو النظام السابق هي أفضل من العمالة لإيران. هكذا جرى تداول الخبر وأرجو أن لا يكون صحيحاً. إذ أن هكذا إجابة لا تنفي التهمة الأولى, ولكنها تبشع التهمة الثانية. ولا أدري إن كان السيد مشعان الجبوري أدرك مضمون هذه الإجابة, وهو, كما يقال صحفي عراقي عمل في جريدة الثورة البعثية وفي غيرها من أجهزة البعث العراقي.
لا شك في أن العمالة لإيران قضية مرفوضة قطعاً لأنها عمالة وارتباط محرم مع دولة أجنبية لا يجوز بأي حال التورط بها, ويفترض محاسبة ومعاقبة وتقديم المتهم بالعمالة لإيران إلى المحاكمة, إذا كانت للسيد مشعان الجبوري, وهو عضو الجمعية الوطنية الانتقالية, أدلة دامغة على مثل هذه العمالة, وبغيرها لا يجوز لأي إنسان كان توجه التهم جزافاً وعلى عواهنها. وعلى الطرف الآخر الذي توجهت له التهمة أن يقيم الدعوى القضائية ضد السيد مشعان الجبوري من أجل رد الاعتبار, أو أن يقيم السيد مشعان الجبوري الدعوى على ذلك الإنسان المتهم بالعمالة لإيران, إذ لا بد لهما من إثبات حقيقة هذه التهمة أو نفيها. ولا يجوز المرور عليها مر الكرام, وكأن تبادل التهم بهذه الصورة مسألة بسيطة وليست قضية مرفوضة أصلاً إن كانت لا تمتلك أرضية فعلية.
ولكن ما الموقف من رجل لم ينف التهمة التي وجهت إليه بالعلاقة مع أجهزة الأمن البعثية واعتبرها فقط "أنظف من تهمة العمالة للأجنبي".
أرى بأن على الجمعية الوطنية العراقية أن تدرس هذه المسالة بعناية, خاصة وأن السيد مشعان عضو في الجمعية, كما أنه هو نفسه الذي تحدث عن تلك المقاومة الشريفة التي اعتبر نفسه ممثلاً لها حين تم ترشيحه في "الأول من نيسان" لمنصب رئيس الجمعية الوطنية! , وهي التي تمارس يومياً القتل المتعمد مع سبق الإصرار ضد الشعب العراقي.
أتمنى أن يكون الخبر الذي نقل عبر أجهزة الإعلام خاطئاً وإلا فلا بد من ممارسة المحاسبة الدقيقة في مثل هذه الأمور, وإلا فسيحترق الأخضر بسعر اليابس وتضيع المعايير ويصبح كيل التهم جزافاً أمراً اعتيادياً لا يثير غيظ وغضب أحد.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟